لا تعد هذه المبادئ الإدارية مجرد أفكار تستند إلى النوايا الحسنة، بل إنها تتواجد في المؤسسات والإجراءات الإدارية في كافة مستوياتها. إن العاملين في المجال العام ملزمون قانوناً بمراعاة المبادئ القانونية الخاضعة لرقابة جهات رقابية مستقلة والنظام القضائي ورقابة مجلس الشعب، وبضمان فرص التقاضي والإنصاف للأشخاص الطبيعيين والاعتباريين. حددت محكمة العدل الأوروبية، وفقاً لقانون الجماعة الأوروبية، عدداً كبيراً من مبادئ القانون الإداري، بالاستناد إلى المبادئ القانونية العامة التي تخص القانون الإداري المتعارف عليه عند الدول الأعضاء، وبإجراء عمليات مستمرة. إن المبادئ الهامة وخصوصاً تلك المبينة في اختصاص محكمة العدل الأوروبية، التي يجب على جميع الدول الأعضاء تطبيقها داخلياً عند تطبيق قانون الجماعة الأوروبية، هي الإدارة من خلال القانون، أي التناسب، والحتمية القانونية، وحماية الآمال المشروعة، ومعاداة التمييز، وحق مناقشة إجراءات اتخاذ القرارات الإدارية، والإعانة المؤقتة، والشروط المنصفة التي تمكّن الأفراد من الوصول إلى القضاء الإداري، والمسؤولية غير التعاقدية في الإدارة العامة.[2]
1.موثوقية الإدارة العامة والقدرة على توقعها
يعد حكم القانون (Rechtsstaat، État de droit) آلية متعددة الأوجه فيما يخص الموثوقية والتوقع. إذ إنه يعمل على تطبيق مبدأ "الإدارة من خلال القانون".
ويعني حكم القانون، في جوهره، أنه يجب على الإدارة العامة أن تؤدي مسؤولياتها وفقاً للقانون. تتخذ الهيئات العامة قراراتها باتباعها الأحكام العامة أو المبادئ المطبَّقة بإنصاف على أي شخص يقع في نطاق مسؤولياتها. ومن الجوانب المتصلة بحكم القانون الاختصاص القانوني. لا يحق للسلطات العامة اتخاذ قرارات خارج اختصاصها القانوني. إن الموثوقية والتوقع في الإدارة العامة ليسا متعارضين بالضرورة مع الاستنساب الإداري. (freies Ermesse pouvoir discrétionnaire). ليس الاستنساب والتعسف شيئاً واحداً. إن الاستنساب، ضمن الإطار القانوني، يشير إلى المسائل التي تُترك فيها الخيارات لمتخذي القرار.
2.التناسب
من المفاهيم التي تساند مفهوم الموثوقية والتوقع هو المفهوم القانوني للتناسب. هذا يعني أن العمل الإداري ينبغي أن يكون متناسباً مع الغاية القانونية المرجوة، ذلك دون حرمان المواطنين بأكثر مما هو ضروري تماماً للوصول إلى تلك الغاية. إن مفهوم العدل المتعلق بسير الإجراءات هو المفهوم الوحيد الذي يدعم "الإدارة من خلال القانون". إذ إن هذه الإجراءات تراعي الدقة والإنصاف في تطبيق القانون، وكذلك القيم الاجتماعية التي منها احترام الأشخاص وحماية كراماتهم.
3.مراعاة التوقيت
التوقيت في عمل الإدارة العامة يدعم بشدة مفهومي الموثوقية والتوقع. يمكن أن يسبب تأجيل الإدارة العامة اتخاذ قراراتها وتنفيذها الإحباط أو الظلم أو الضرر البالغ للمصالح العامة والخاصة.
4.المهنية والنزاهة المهنية
تعد المهنية والنزاهة المهنية في الخدمات المدنية بمثابة دعامة واضحة لمفهومي الموثوقية والتوقع في الإدارة العامة. وتعتمد النزاهة المهنية على مفهومي الإنصاف والاستقلالية المهنية. إذ يشير مفهوم الإنصاف إلى غياب التحيز.
5.الانفتاح والشفافية
يوحي مفهوم الانفتاح بأن الإدارة خاضعة للرقابة الخارجية؛ بينما يوحي مفهوم الشفافية، عند التمعن فيه، أنه يمكن "الرؤية من خلال الإدارة" بغية الرقابة والإشراف. ويسمح مفهوما الانفتاح والشفافية، من جهة، لأي شخص تأثر بأي عمل إداري أن يعرف أسسه؛ ومن جهة أخرى، فإن المفهومين يبينان أن الرقابة الخارجية بواسطة مؤسسات إشرافية تكون عملية أسهل. إن الانفتاح والشفافية أداتان من أدوات حكم القانون والمساواة أمامه والمحاسبة.
6.المحاسبة
تعني المحاسبة، عموماً، أنه ينبغي على أي شخص (أو جهة) شرح الأعمال التي يقوم بها وتبريرها أمام الآخرين. وبناءاً على ذلك، فإن معنى المحاسبة في القانون الإداري هو أنه يجب على أية جهة إدارية أن تكون مستعدة للإجابة، فيما يخص أعمالها، على أسئلة الجهات التشريعية والقضائية والإدارية الأخرى. وتتطلب المحاسبة، أيضاً، عدم استثناء أية جهة من رقابة الجهات الأخرى.
7.الكفاءة والفعالية
يتعلق أحد أبعاد مفهوم المحاسبة بكفاءة أداء الإدارة العامة. لم يجر إلا مؤخراً، على نحو نسبي، الاعتراف بالكفاءة على أنها قيمة ضرورية للإدارة العامة والخدمات المدنية. وبناءاً على ذلك، فقد أصبح بإمكان الدولة أن تنتج الخدمات العامة، وانضم مفهوم الإنتاجية إلى مفاهيم الإدارة العامة. واليوم، بسبب القيود المالية في العديد من الدول، يخضع أداء الإدارة العامة الفعال والكفء في تقديم الخدمات العامة للمجتمع إلى دراسة متزايدة. وتعد الكفاءة قيمةً إدارية مميزة تعتمد على الحفاظ على نسبة جيدة بين الموارد المسخرة والنتائج المرجوة. وتعد الفعالية قيمة مرتبطة بالكفاءة، إذ تعتمد على أن يكون أداء الإدارة العامة ناجحاً في تحقيق الأهداف وحل المشكلات العامة عن طريق القانون والحكومة. تدعو الفعالية إلى تحليل السياسات العامة المعتمدة وتقييمها، وتدعو إلى تقييم تلك السياسات وكيفية تنفيذها بواسطة الإدارة العامة والخدمات المدنية.