المطلب الثاني : تعريف الموظف العمومي في القانون الإداري المغربي :
لم يكن المغرب يتوفر قبل الحماية الفرنسية المفروضة عليه سنة 1912 على أية إدارة متطورة وحديثة بمفهومها الغربي ولا على أي نظام أساسي خاص بالوظيفة العمومية، وبالتالي كانت جل المفاهيم المعاصرة في المجالين السياسي والإداري غائبة ولا تحظى بالاهتمام المطلوب ، ومن بين هذه المفاهيم نجد مفهوم الموظف العمومي الذي كان موجودا بالفعل خلال تلك المرحلة لكن في إطار تقليدي غير مقنن وفقا لما تضمنته التشريعات الحديثة ، فإلى جانب الحكومة المخزنية )18( كان النظام المخزني في المغرب يتوفر على طاقم إداري تقليدي متكون من العمال والباشوات والقياد والولاة والشيوخ والمقدمين يقومون بخدمة العرش والمحافظة عليه ويقومون كذلك بتدبير الشؤون المخزنية المختلفة ، فكان " المخزني " كمفهوم تقليدي لفكرة الموظف العمومي خادما للدولة والأعتاب الشريفة والسلطان ، يمثله وينوب عنه ويجسده ويذوب في ذاته وكيان الدولة الشريفة ، حتى صار الأمـر أهـم مسألـة خصوصية فـي النظام السياسي والإداري المغربي)19(.
وفي فترة الحماية ، شهد المغرب إصلاحات إدارية عميقة وفقا لمعاهدة الحماية على جميع المستويات ، فنال الحقل القانوني والإداري نصيبه من هذه الإصلاحات الجوهرية المهمة ، وبدأ العاملون في الإدارة الشريفة يتمتعون ببعض الامتيازات – ولو على المستوى النظري – على غرار زملائهم الموظفين العموميين الفرنسيين . وعرف المغرب حركة تشريعية مهمة في بداية هذه المرحلة ، حيث جاء ظهير الالتزامات والعقود بتاريخ 12غشت 1913 لينص لأول مرة في المغرب على مفهوم الموظف ، وذلك عند تأسيسه لأحكام مسؤولية الدولة والبلديات عن الأضرار الناتجة مباشرة عن تسيير مختلف إداراتها وعن الأخطاء المصلحية لأحد "موظفيها" أو مستخدميها بأن كان هذا الخطأ غير مطبوع بالطابع الشخصي "للموظف" (الفصل 79) ، أما إذا كان هذا الخطأ شخصيا فإن "الموظف" يكون هو المسؤول ولا تطالب الدولة بالتعويض إلا في حالة إعساره (الفصل80 ) . لكن هذا التوظيف لمفهوم الموظف العمومي كانت إشارة بسيطة لم ترق إلى مستوى تعريف هذا المفهوم ، وبعد الاستقلال شهد المغرب حركة تشريعية أخرى واسعة كان من بينها الظهير الشريف رقم 1.58.008 الصادر بتاريخ 24 فبراير 1958 بمثابة نظام أساسي عام للوظيفة العمومية .
وقد جاء في الفصل الثاني من هذا القانون ما يلي : " يعد موظفا كل شخص يعين في وظيفة قارة ويرسم في إحدى رتب السلم الخاص بأسلاك الإدارة التابعة للدولة" .
ونلاحظ أن هذا الفصل يخص فقط الموظفين المرتبين بأسلاك الإدارة التابعة للدولة ، لهذا جاء المرسوم 27 شتنبر 1977 المتعلق بالنظام الأساسي لموظفي الجماعات ليؤكد على نفس التعريف بالنسبة لهؤلاء الموظفين الجماعيين إذ ينص في فصله الأول على ما يلي : " يخول صفة موظف في الجماعة كل شخص يعين في منصب دائم ويرسم بإحدى درجات تسلسل أسلاك الجماعات" )20( .
يظهر إذن من هذا التعريف أن المشرع المغربي يشترط ثلاثة عناصر أساسية باعتبار الشخص موظفا عموميا ، وهي :
1- التعيين في وظيفة عمومية : يشترط لكي يعد الشخص موظفا عموميا أن يعين في وظيفة عمومية من قبل السلطة التي تملك تعيينه قانونيا ، فالأشخاص الذين لم يصدر قرار أو ظهير بتعيينهم في وظيفة ما ، لا يعدون موظفين ولو أقحموا أنفسهم في الوظيفة .
2- دوام هذه الوظيفة : ويعني أن يمارس الشخص وظيفة عمومية بصفة قارة و ثابتة ، وبذلك لا يدخل في زمرة الموظفين العموميين الأعوان الذين يتم توظيفهم للقيام بأعمال استثنائية كالأعوان المؤقتين والمياومين والمتمرنين .
3- الترسيم : وهي الوضعية القارة التي يكتسبها الموظف بصفة نهائية بعد مدة معينة بموجبها يصبح الموظف رسميا في أسلاك الوظيفة العمومية .
وهكذا نلاحظ أن هذه العناصر الثلاثة المعروفة في القانون المقارن بصفة ضمنية وذلك عن طريق التأكيد على شغل الوظيفة ودوامها بالإضافة إلى عنصر العمل بمرفق عمومي معين ، فالوظيفة هنا هي وظيفة عمومية كما أن الموظف هو موظف عمومي ولو لم ترد كلمة عمومي أو عمومية في التعيين . إن عنصر التعيين من قبل سلطة مختصة هو العنصر الثاني المعروف في القانون الإداري المقارن وهو ضمني عن طريق تشغيل الشخص في الوظيفة ، أما العنصر الثالث و هو ديمومة الوظيفة فهو وارد بصراحة . أما عنصر الترسيم فيعتبر عنصرا إضافيا بتصنيف المشرع المغربي )21( ، كما أن هذا العنصر غير مشترط في القانون الإداري المقارن .
بناء على ذلك فإن الفصل الثاني من ظهير 1958 أعطى للموظف العمومي تعريفا إداريا مهما لكونه يتميز بالدقة من حيث صياغته اللغوية ومن حيث مواكبته بل وتقدمه على مجموعة من القوانين المقارنة الأخرى بما فيها القانونين الفرنسي والمصري . فهو إذن ومقارنة بالتعريف الجنائي الذي يعتبر واسعا بشكل كبير ، يبدو بأنه قد حدد تعريفا ضيقا ومضبوطا للموظف العمومي ما دام قد عمل على تناول النقط الأساسية لاكتساب صفة موظف عمومي وهي التعيين ، شغل وظيفة قارة ، الترسيم ، والعمل في خدمة مرفق إداري تابع للدولة )22( ، وبذلك فالمشرع المغربي حسم الأمر نهائيا في مسألة تجديد صفة الموظف العمومي ، وهو بذلك قد أغلق باب الاجتهاد نسبيا أمام الفقه والقضاء المغربيين .
ونشير إلى أن هناك بعض الموظفين العموميين الذين ينطبق عليهم تعريف الفصل الثاني من قانون الوظيفة العمومية قد استبعدهم القانون صراحة من تطبيق أحكام النظام العام للوظيفة العمومية ، وذلك وفقا لما نص عليه المشرع في الفصل الرابع من قانون الوظيفة العمومية فأخضعهم لنصوص قانونية خاصة بهم ، وهم : رجال القضاء ، العسكريون التابعون للقوات المسلحة الملكية ، ثم هيئة المتصرفين بوزارة الداخلية .
وهناك نوع ثالث من الأشخاص يخضعون لأحكام قانون الوظيفة العمومية بصفة أساسية ، وقد يعفون من بعض أحكامه بمقتضى قوانين أساسية خصوصية ، إذا كانت تلك الأحكام لا تتفق والالتزامات الملقاة على عاتق الهيئات والمصالح التي يعملون فيها . وهؤلاء الأشخاص كما جاء في نص الفقرة الثانية من الفصل الرابع هم : أعضاء السلك الدبلوماسي والقنصلي ، والهيئات المكلفة بالتفتيش العام للمالية ، ورجال التعليم، أعوان الشرطة وإدارة السجون ، ورجال المطافئ واعون المصلحة بإدارة الجمارك الغير المباشرة ، المفتشون والمراقبون والحراس بالبحرية التجارية ، وضباط الموانئ و موظفو المنارات وأخيرا موظفو المياه والغابات )23( .
وتجدر الإشارة إلى أن الفصل السادس من قانون الوظيفة العمومية نص على مسألة في غاية الأهمية وهي : " إن التعيين في بعض المناصب العالية يقع من طرف جنابها الشريف باقتراح من الوزير المعني بالأمر" . وقد حدد بكيفية حصرية كل من ظهير 25 غشت 1971 وظهير 18 يوليوز 1978 المناصب العليا التي تبقى محفوظة للتعيينات الملكية مباشرة ، إضافة إلى نصوص أخرى خاصة تقضي صراحة بأن التعيين في منصب ما يتم بظهير شريف ، وتتصل هذه التعيينات بالخصوص بمجال الدفاع الوطني ومجال الأمن والداخلية ومجال التعليم والمجال الدبلوماسي . والقاعدة أن التعيين في المناصب السامية المشار إليها أعلاه قابل للرد جوهريا سواء كان الأمر يتعلق بموظفين أو غير موظفين ولا ينتج عن هذا التعيين في أي حال من الأحوال حق الترسيم في هذه الوظائف داخل أسلاك الإدارة التابعة للدولة )24(