حكاية المحتال تيل
من حكاية شعبية قديمة في المانيا تروي مغامرات أحد المحتالين الذي عاش بين القرنين الثالث والرابع عشر ،
والذي كتب عنه الروائي الفلامنكو كارلوس دي كوستير في 1876، وهو عمل يعتبر من أجمل نتاجات الروح الإنسانية.
عن حكايات الفرح والمغامرات والبطولات لشخصية "ايولن شفيغيل" و " لام غويدزاك"* و حكاية تيل ايولن شفيغيل **..
كان "ايولون شبيغل" أحد اكبر المحتالين الذين يتفننون في الضحك على الناس وخداعها ومن الذين يحلوا لهم العيش من غير عمل و لا انشغالات أو مسؤوليات تحررهم من اكتشافهم وملاحقتهم بسبب أعمالهم وألآعيبهم السيئة .
ولد تيل في قرية صغيرة في ساجونياSajonia ، شبّ سليماً معافى منيعاً ولم يتأخر في إعطاء إشارات حياة مكر ودهاء أدهشت كل من عرفه .
كان عمره 14 سنة عندما انتقل مع عائلته للعيش في قرية قريبة من مدينة "مغديبورغ" إذ مات والده بعد فترة قصيرة ، ومن ذلك الوقت صار يتصارع مع امه لأنه كان يحصل على مبلغ من عمله ،لكن هكذا كان "تيل" جاهزاً للإطاعة والخنوع ، وليترك هواياته ، حبه للتعلم في القرقوز التي كان يصرف فيها أغلب وقته اليومي .
ولأن الجزء الخلفي من بيته كان يطل على النهر فلقد ثبت تيل حبلا في شباك بيتهم وربطها إلى شجرة في الضفة الثانية للنهر.
وعندما صار الحبل مشدوداً ومحكما جيداً ، قام تيل بالعبور عليه من طرف إلى طرف فتجمع ناس كثيرون، وصارت فرجة كبيرة مشاهدة الصبي وهو يرقص على الحبل بظرافة وخفة ويقفز .
جاءت أمه وأرادت أن تبعد ابنها عن تلك الألاعيب ، فحذرته ، ثم ّصعدت إلى السدة وقصت الحبل المشدود إلى النافذة ، عندها سقط تيل في الماء ، وفي أثناء سقوطه كان يقوم بحركات دورانية في الهواء ، أمـّا الذين كانوا يتفرجون عليه من أطفال وكبار فلقد بدأوا يضحكون و يهزأون ويصيحون:
" تيل !! حمّام الهنا !! بالتأكيد لن تشعر بالحر !! ولا بالرغبة في معاودة ذلك !! ".
بعد أيام قليلة سرى خبر في أنحاء القرية أن تيل يستعد لإعادة ألعابه فرغب الجميع في أن يقضوا وقتا من الضحك والترفيه عن النفس ، فذهبوا ليشاهدوا المغامر المتهور ، ولم يقتصر الذهاب على الأطفال فقط إنما على رجال و نساء القرية .
كان " تيل " يتوازن على الحبل بخفة وطرافة ، والجميع يتابعونه بأفواه مفتوحة وعيون جاحظة، وفي أثناء ذلك صرخ تيل:
" دعوني أرى !! من يعيرني فردة حذائه اليسرى؟ سأقدم لكم لعبة مسلية جداً ".
نزع جميع الأطفال أحذيتهم لأنم كانوا مبتهجين و مسحورين بتل
جمع تيل أربعين إلى خمسين حذاء وشكّها و لظمها في حبل ، ثم رماها بين جموع الفضوليين وهو يقول:
" لأرى إن كنتم جاهزين !! ليأخذ كل منكم حذاءه !!".
تدافع الجميع في البحث عن أحذيتهم ، كان هناك أحذية كثيرة ، وبعجلة كانوا يريدون استردادها إذ بعد قليل صار هناك كومة من الناس يلعنون ، ويصرخون ويتضاربون .
هرب " تيل" من شباك السدة وهو في غاية السعادة، ومن غير أن يفكر في العقاب الذي ستحضره أمه له طيلة أربعة أسابيع كانت بالنسبة له قرونا من الزمن ، خلالها ظلّ تيل محبوسا في البيت في غرفة مظلمة ، وعندما خرج من حبسه ليأخذ من الحرية ما سلبوه منها ، قرر أن يجول العالم مقتنعا أن القرية صارت صغيرة على مغامراته ، وهذا ما فعله بعد أن ترك ذكرى طيبة من مسخراته و إساءاته في أماكن عدة .
اتجه نحو إمارة "Anhalt " حيث ضمّه الأمير إلى خدمته ، ووضعه كحارس في برج مراقبة القلعة .
وفي يوم من الأيام نسي الخدم أن يأخذوا أكلا له ، وفي اليوم نفسه تسللت قوى معادية إلى الزريبة الخلفية للقلعة ، وسرقوا كمية كبيرة من الماشية .
واصل "تيل" في مكانه ما كان يعمل به ، ومن غير أية نية بأن يعطي إشارة صافرة إنذار.
لكن الأمير و رجاله المحاربين تمكنوا من صدّ اللصوص ، وأنقذوا المسروقات كلها ، وعند عودتهم الى القلعة توجه الأمير نحو تيل، الذي كان يسترق النظرات من خلف النافذة فقال تيل له:
" معاليك !! إن معدتي خاوية وخفت أن انفخ في القرن الذي أعطيتني لأنه يصدر صوتاً قوياً وعلى معدة خاوية فإنه يسبب لي طنيناً مؤلماً " .
ذهب الأمير و الفرسان لتناول الطعام على طاولة كبيرة وعامرة ، تمت إقامتها للاحتفال بالنصر ، وبينما هم منهمكين بتناول ألذّ المأكولات وأطيب الأطباق ، أطلق تيل الإشارات الثلاث من صافرة الإنذار وعند سماعها نهض الجميع !! لأخذ أسلحتهم تاركين المطعم خالياً ، وأطياب الأكل على الطاولات ، عندئذ لم يكن صعباً على تيل نيل مراده ، لهذا هبط من برجه بقفزات صامتة ، وعبّأ قسماً من تلك الطبخات والمأكولات اللذيذة في أكياس وفي جيوبه وعاد بهدوء إلى مكانه .
تلوّن وجه الأمير عندما أحس بخديعة الصافرة ، فطرد الوغد المكّار ، والذي مشى في الحال ، وعندما شعر بالتعب قرر شراء حصان ، وفي السوق عثر على حصان رخيص ، لأنه كان كبيراً في السن و قد أسيئت معاملته ، لكن صاحبه الحوذي كان نبيهاً وسريعَ الفطنة ، يريد بيعه بالغش والحيلة فطلب 24 فلورين*** .
فقال تيل له : "سأدفع لك الآن 12 فلورين ، و يبقى تطلبني 12 فلورين ".
وافق الحوذي ، فدفع تيل اثنى عشر فلورين وأصبح مالكاً للحصان. وبعد ثلاثة شهور أراد الحوذي ان يقبض الباقي الذي وعده تيل به ، فردّ تيل عليه وكأنه يستغرب:
" ألم نتفق على أن يبقى ذلك المبلغ دينا؟ لهذا بالضبط لا يجب عليّ دفعه ".!!
غضب الحوذي ، وتجادل الاثنان ، ثم ذهبا إلى القاضي ، وأمامه رفض تيل أن يدفع أي مبلغ قائلاً:
" أنا اشتريت الحصان بشرط وهو أن ادفع له مبلغ 12 فلورين عدّا ونقدا وأن أدين له بالإثني عشر المتبقيات ، وإذا دفعت له الآن فمن الواضح انني لن أدين له ، وهذا ليس ما اتفقنا عليه ، فأنا رجلٌ شريفٌ ويجب عليّ احترام كلامي" . فقبل القاضي بهذه الحجة ، ولم يدفع تيل الدين أبداً ..
وبعد عدة حيل نادرة و مغامرات في ذلك البلد انتهى تيل بالوصول الى مجلس امير " Hesse” ، عندها سأله الأمير: من أنت؟
:" معاليكم !! أنا فنانُ كبيرُ !! رسّام على مستو عال جداً !! إذ لن تجد مثيلاً لي في كل المملكة ".
:" ابق إذاً لتزخرف لنا جدران الصالة برسومات ، تمثل تاريخ أسلافنا وأجدادنا ".
طلب تيل مائة فلورين مقدماً على الحساب ليشتري ألواناً ، وليدفع لعددٍ من الرجال الذين سيساعدونه ، و وضع شرطاً : أن لا يدخل أحدٌ إلى الصالة طيلة الوقت اللازم لإتمام العمل .
وعندما اختلى تيل بمساعديه في الصالة التي سيرسمون فيها اللوحة الرائعة ، قال لهم تيل:
" يا أصحابي لقد جاءت الساعة التي سنبدأ بها راحتنا ، يمكنكم أن تناموا كل الوقت الذي ترغبونه ، فهنا لن نفعل شيئاً ، إنما سندع الوقت يمضي !! فإياكم أن يتحدث أحدُ عن عمل هنا !!".
مضت عدة أسابيع ، وفي صالة القصر لم يفعل أحد أيّ شيء اكثر من الراحة والأكل من أطيب و أفخر المأكولات التي كانت تأتيهم بأمر من الأمير ، وعندما حلّ اليوم الذي طلب الأمير فيه أن يشاهد اللوحة الفنية العظيمة، قال تيل له:
"معاليكم !! رغباتكم أوامر !! لكني أريد أن أحذركم من شرط نادر و كبير ، فرسوماتي لا تبدو للعيان أمام ناظريها إن كانوا قد كذبوا في مناسبة ما من حياتهم !!".
فكّر الأمير في الكذوبات التي كان قد ارتكبها ، و مع أنها كانت نادرة و قليلة فإنه لن يجعل تيل يعرف ذنوبه .
وصلا إلى الصالة ، و تيل في حالة كبيرة من القلق ، لكنه رفع ستارةً كانت مخصصة لحماية الألوان وتغطية الجدران .
فتح الأمير عيونه جيداً ،و أعاد فتحها كثيراً وهي مليئة بالدهشة ، فلم يكن يرى شيئاً !! إنما الجدار فقط !! نظيف وأبيض ، لكنه كتم ذلك ولم يتحدث خشية أن يعتبره كمخادع .
وراح تيل يوضح لوحته الرائعة إلى الأمير ، ويقول وهو في غاية السعادة:
" انظر يا سيدي!! هذا الرجل صاحب الهيئة الكبيرة المليئة بالظرافة !! انه الأمير "هيس/ Hesse" أحد أسلافكم البارزين ، وهذه السيدة التي إلى جانبه هي زوجته ابنة أنبل البيوت في بافاريا ، وهذا الفتى المقابل الذي تراه هنا هو ابنهم ، وهذا هو الحكيم والد الأمير غيلليرم !! وكما ترى فإن كل الأجداد أسلاف معاليكم قد رسمت بحرفة فريدة ، ولم يبق إلا إطلالة و هيئة سيدي الأمير " !!.
تشوش الأمير ، واحتار ولم يعرف ما يجيب به ،ويخشى أن ينتقد تيل الغريب ، فقال الأمير:
" إن رسوماتك لا تعجبني ، أريد أن يراها أشخاص اختصاصيون يعطونها قيمتها الفنية المناسبة " .
فكّر الأمير في أن يرسل وزراءه لرؤية ما بدا له حائطا ابيض وخاليا من الألوان، وربما تكون مناسبة ليمتحن صدقهم وإخلاصهم من زيف المجاملات والتملق ، وعندما علم تيل بذلك قال لمساعديه:
" يا أصدقائي ليهرب كل واحد فيكم من هنا قبل أن يتم اكتشاف الخديعة !! وندفع عندها ثمناً سيئاً لما فعلناه ولما لم نفعله بعد ". فهرب جميعهم دون أن يتركوا أي اثر.
توجه تيل إلى مدينة براغ ، وأخذ يعيش بالطريقة نفسها التي كان قد عاشها ، فادعى أنه حكيم عظيم ، يعرف ويعلم كل خفايا و ألغاز العالم والعلوم كلها.!!
و لانزعاجهم من هذا الحكيم اجتمع أساتذة الجامعة في المدينة ، وقرروا إفشال العالم المختال الذي يعلن امتلاكه للحكمة العليا والرفيعة ، فدعوا تيل للمثول إلى الجامعة للتأكد من علومه وللمناظرة العلنية والإجابة عن أربعة أسئلة ، قد وضعوها .
حضر تيل في اليوم الثاني إلى الجامعة ، وبعد أن جلس في كرسي الفخامة أمام منتدى العلماء ، وحشد من الشخصيات قال عميد الجامعة الوقور:
" أيها العالم البار أجب عن هذا السؤال الأول: ما هي كمية الماء الموجودة في البحر قطرة قطرة تقريبا؟".
: " أيها المعلم المبجل- أجاب تيل- اجعل الأنهار توقف جريانها ، و أن لا ترفع مستوى الماء في هذه اللحظة ، كي أتمكن من حساب الكمية بالضبط ".
تشوش عميد الجامعة قليلاً ، فطرح السؤال الثاني:
" قل لنا أين يقع مركز سطح الأرض؟".
:" مركز الأرض موجود بالضبط هنا حيث أجلس أنا ، وإذا لم تصدق يمكنك قياسه بحبل ،وإن كنت أنا مخطئا ًبقرط او قرطين فإني أعترف بخطئي "..
:" قل لنا الآن ما هي المسافة بالضبط بين الأرض والسماء؟"
:" لا توجد مسافة كبيرة -قال تيل- فمن السماء يمكن وبشكل جيد سماع أيٍ كان عندما يصرخ من هنا من الأسفل ، وللتأكد من ذلك فلتصعد فخامتكم ، وسترى كيف تسمعني عندما أناديكم "
كتم عميد الجامعة غضبه ، وطرح على تيل السؤال الأخير:
: " قل لنا ما هو حجم الجرم السماوي؟ ".
أجاب تيل على الفور :
" هل تقصد السماء؟ فالسماء لها ألف تيوسا****/Toesas طولا ً وألف عقدة عرضاً ، وان كنت لا تريد تصديق ذلك فاطرح منها الشمس والقمر والنجوم ، واحسب الحجم بنفسك! وعندها سترى أنني لم أخطئ ".
وهكذا أفحم العميد و بقي الجميع ماخوذين بينما خرج تيل من الجامعة يختال بين الأساتذة .
وبفوزه ذاع صيته كثيراً ، لكنه كان يخشى أن يثأر العلماء لهزيمتهم ، فقرر هجر مدينة "براغ" وتوجه إلى" نيورمبيرغ " ، حيث قدم نفسه على انه طبيب شهير .
في ذلك الوقت كانت المشفى مكتظة بالمرضى ، ولم يكن هناك عدد كاف من الأطباء في المدينة ليرعوا المرضى ، وفي هذه الظروف ذهب مدير المشفى إلى الطبيب الشهير "تيل ايولنسبيغيل" ، والذي بدوره قطع وعداً على نفسه بشفائهم جميعاً في لحظة واحدة مقابل مائتي فلورين، فوافق المدير في الحال .
وعندما حضر تيل أمام المرضى راح يقترب من كل واحد فيهم ، وفي الوقت الذي كان يجس نبضهم ، و يكشف عليهم ، كان يقترب من مسمع أذن المريض ويقول له بصوت منخفض:
" لا تفش لأحد ما أقوله لك، فأنا أفكر بشفائكم وتخليصكم جميعا من آلامكم ، ولأجل ذلك يلزم ومن الضروري أن نحرق واحدا منكم لنأخذ رماده ، ونصنع منه الدواء الوحيد الذي سيشفي الجميع ، ومن أجل إنقاذ الآخرين يجب أن تتم التضحية بواحدٍ ، وهذا سيكون الأكثر مرضا ، فعندما أصيح بكم : على كل من هو غير مريض في الردهة أن ينهض ، ويخرج منها ويعجّل في مشيته ، والذي سيتأخر في ذلك سيقع عليه اختيار التضحية وفداء الجميع " .
في اليوم التالي حضر تيل إلى المشفى ، وعندما فعل ما كان قد قاله ، وهو ما كان ينتظرونه ، تعجب الجميع لسرعة المرضى وهم يقفزون أحدهم فوق الآخر ، بل خرجوا إلى الشارع يصيحون ، انهم يشعرون بتحسن كبير وقد شفووا وكأن معجزة قد حصلت لهم .
ابتهج مدير المشفى ودفع المبلغ المتفق عليه إلى "تيل" لكن، بعد انقضاء ثلاثة أيام ،لم يقدر المرضى على التحمل بعد ، فرجعوا جميعاً إلى المشفى يصرخون ، ويستنجدون رعاية الأطباء فترك تيل المدينة قبل أن تنكشف خديعته .
وقد تعب من حياته ، حياة النصب والاحتيال ، فقال في سره : " الأفضل تغييرها وتوجيه قدراتي إلى العمل الشريف ".
وبعد هذا التفكير جرّب عدة مهن مختلفة في كل القرى التي مرّ بها ،لكن هكذا كانت عادته في المسخرة والخديعة والاحتيال ، إذ لم يبق مكان لم يخرج منه إلاّ مطروداً و ملاحقاً و تحت التهديد والوعيد..
وفي الطريق إلى مدينة كولونيا توقف تيل في نـُزُلٍ صغيرٍ ليقضي هناك عدة أيام للراحة .
وفي الصباح حلًت ساعة الإفطار ، ولم يكن الطعام قد جهز بعد ، فانزعج تيل جداً من الانتظار ومن الجوع الذي كان يعانيه ، فحذّره صاحبُ المتجر من انزعاجه و قال له:
" من لا يوجد عنده صبر على انتظار الطعام كما يجب ، فيمكنه في ساعة طيبة أن يأكل ما يقع تحت يده ".
بعد هذا التحذير جلس تيل إلى الطاولة ، وأكل قطعة خبز ناشفة ، وبعدها ذهب إلى جانب النار ، وجلس يرقب القدر ريثما تجهز الطبخة ، وعندما جلس جميع النزلاء ليأكلوا بقي تيل في المطبخ دون أن يتحرك فسأله المؤجر :
" ألا تريد أن تأتى إلى الطاولة؟".
:" لا!! -أجاب تيل- لقد شبعت من رائحة الطنجرة !!".
وعندما رُفعت طاولة الأكل ، قبض المؤجر المبلغ الذي يدفعه كل واحد من النزلاء مقابل حصته من الأكل، واتجه نحو تيل طالباً منه أن يدفع .
:" كيف أيها السيد المؤجر -احتج تيل- هل سأدفع مقابل شيء لم آكله؟".
:" بلا أعذار- قال المؤجر- عليك دفع المبلغ الذي يقع عليك فلقد أتخمت من رائحة طبختي!! " .
أخرج تيل قطعة نقود من معدن الفضة وتركها تقع وترن على الأرض و أعادها إلى جيبه ثم قال للمؤجر:
" يا سيد !! هل سمعت صوت قطعة النقود؟ " .
أجاب المؤجر: " نعم .. و أظن أنها مصنوعة من فضة جيدة ".
:" هل أنت متأكد انك سمعت رنينها؟ " . وأضاف تيل : " هل تقبض الرنين مقابل رائحة الطبخة؟ ".
وخرج تيل ، وقصد طريق مدينة "مغديبورغ" .
و بعد دوراته الكثيرة حول العالم حظي تيل بتعاطف أسياد عظام ، قدموا له الحماية وجعلوا منه إنساناً وديعاً .
لم يكن آنذاك قد شاخ تيل عندما شعر بالمرض ، وقرر العودة إلى مهبط رأسه ،لكن في مدينة قريبة من موطنه اشتد عليه المرض ، فنقلوه إلى المشفى حيث تمّ إخبار أمّه بذلك كي تأتي لتكون بالقرب من ابنها الذي يحتضر .
قدمت العجوز ووصلت في الوقت المناسب لتحتضن ابنها ، وبالسر أعطاها تيل صندوقاً قال إنه يخبىء فيه ثروة كل ما ادخره وجمعه !! وقبل موته بأيام قليلة وضع تيل وصيته والتي بموجبها أوصى أن كل طيباته المحفوظة في صندوق مشابه للصندوق الذي أعطاه لأمه ، وأن تقسم بين عائلته وأصدقائه والكاهن ..
وبعد أربعة أسابيع على موته تم فتح الصندوق الذي فيه الميراث ،
لكنهم لم يجدوا فيه شيئا أكثر من حجر !! والذي جعلت شدة وزنه الجميع يتوهمون بكمية ومقدار الثروة التي كانت مخبأة هناك!
من هذه الخديعة الأخيرة غضب كثيراً أولئك الذين انتظروا أن يثروا بالميراث !!، لكنهم تبرؤا من تيل وندموا على مراسم الدفن الكبيرة التي قاموا بها ،وعلى الزهور والورود ،وعلى بكائهم و مرافقتهم للتابوت حتى المقبرة ، حيث حدث الأمر الغريب وغير العادي:
في اللحظة التي أُنزل فيها التابوت إلى " فستقية" القبر ، انقطع أحد الحبال التي كانت تحمله فسقط التابوت بشكل عامودي !!
قال أحد الرجال: " اتركوه هكذا على هذه الحالة ،فهو لم يعش مثل الآخرين!! دعوه يرتاح في الموت بشكل مختلف !! القوا به هكذا !! " .
وعلى قبره كتبت العبارة التالية :
" ألا لا يرفعن أحدٌ غطاء هذا القبر
هنا يرتاح واقفاً
تيل اويلشبيغل
Till Eulenspiegel
Anno domini ...
* Eulenspiegal and Lamme Goedzak
** Till Eulenspiegel
*** العملة الهولندية ( المترجم )
**** مقياس طول فرنسي قديم يعادل مترا واحدا و 949 مليمتر( المترجم )