جبل أيوان
عند ضفة نهر "الكاراو El Carao” الذي يجري قريبا من خاصرة جبل الأيوان كانت هناك مدينة في الزمان الغابر ، اسمها "تي كوفاي Tey Cupay" وكانت الأكثر غناء وازدهارا بين جميع المدن يتوافد الناس إليها من القبائل النائية بكثرة ، ليروا الجبل الذي تسكنه الآلهة الذين يعيدون الصحة والسلامة المفقودة . ومن بين الأكواخ العديدة لمدينة تيي تظهر قمم الإيوان بوضوح.
عندما كانت الصاعقة تطلق الرعد ليدوّي ثم ينتهي متبخرا في الوديان العميقة للجبال ،كان الهنود يبعدون النظر خائفين من غضب الآلهة الطيبين ،يخشون أن تحل عليهم الويلات ، لأن الألم والمرض يقهران البشر دائما . لهذا كانت نظرات الجميع تتجه متوسلة نحو قمم الجبلة ، كي تنحدر العطايا منها كمواساة حلوة وتهدئة طيبة.
منذ سنوات كثيرة جدا وفي ظهيرة ربيعية دافئة وصافية، وصلت عدة قوارب إلى الميناء الصغير للنهر، قوارب من قبائل اخرى بعيدة ،جاءت تحمل رجالا ونساء مرضى، ومعهم رجال كثيرون ليساعدوهم في الوصول إلى جبل الأيوان المقدس.
خرج الناس في مدينة "تي كوفي" لاستقبالهم وليقدموا لهم أغطية لأكواخهم وفي قلب الهنود الاريكوناس Arecunas كانت السعادة تقفز من رؤيتهم للعدد الكبير جدا من القبائل المتعددة.
في اليوم التالي نظموا الحفلات على شرف المسافرين، احضر الرجال من الغابات كميات كبيرة من لحم الماشية والأسماك ،جمعوها وقدموها مشوية مع فطائر الذرة والأناناس والموز في مركز البلد وسط الاكواخ الكبيرة .وحولها كانت أواني عريضة مليئة بشراب الكاتشيري*Cachiri الخمر الذي يجعلهم ينتشون ويمرحون.
اجتمع كل الهنود ، وخيمت عليهم السعادة ، فالمزامير والطنابير أعطت موسيقاها الإذن لبدء الرقص. وبدأت تسمع الأغاني وحفيف أوراق الأشجار اليابسة من سعف النخيل الذي كان يضعه الراقصون عليهم .وهكذا تواصلت ساعات وساعات من الغناء والرقص ، كان يقطعها فقط ذهاب الرجال والنساء إلى الأواني ، ليشربوا رشفات كبيرة من شراب الحفلة, لكن هناك في الجانب الأخر بقي المرضى وحيدين مع آلامهم متروكين في أكواخ خوص صغيرة ،ومن جميعها كانت تنطلق نفس الحسرات ونفس التوسلات في طلب المساعدة :
تعالوا تعالوا أيها الاخوة ...خذونا إلى جبل المعجزات ايوان!!
لكن لا أحد كان يسمع التوسلات أو يتذكر الآلام فالحفلة تستمر بالغناء ، وبالصرخات والجرار يعاد ملؤها بالشراب ، وعندما اختبأت الشمس خلف قمم ايوان استمرت الرقصات ، ومن تأثير شراب الكاتشيري كانت صرخات الفرح تنطلق ، وهيجانات الحفلة ترتفع وتمتزج بأنين المنسيين والمهملين .
وبسرعة اغمقت الشمس ، وقمة الأيوان اختفت خلف غيوم كبيرة و رصاصية اللون ، وفجاة شق السماء برق كبير ، ورعد بعيد صار يقترب حتى جعل الأرض تهتز. جاءت عاصفة محمولة على رياح هائجة ، وتوقفت تهدد فوق مدينة "كوفاي" وبدأت العاصفة تجول في المدينة يرافقها هدير الرعد ،وغيوم تحولت إلى شلالات .
كبرت العاصفة وجعلت الأكواخ تهتز و تنتفض !! وكذلك الأحجار!! وازدادت الرياح بصفيرها ، وخرج الهنود مذعورين إلى الساحات فالأشجار الغليظة قد اقتلعت من جذورها ، والقي بها بعيدا ،وبعضها كان يتدحرج ويقفز.
فرت الحيوانات هائجة من الغابة ، دفعتها غريزتها نحو السفوح والمروج ، لتختبئ في المكان الذي يحيا فيه الإنسان .
حيوان الجغوار والمواشي وحيوانات البفري الشاحمة عبرت وأعادت الركض في المرج تزمجر من الهلع ..
حيوانات التبري وحيوانات الباكه** كانت تبحث عن مخبأ في مياه النهر . والطيور الكبيرة كانت تجاهد بأجنحتها المضروبة ضد الإعصار.
قعقعة الصاعقة ودويها وصرخات الناس وعواء الوحوش كانت تختلط جميعها في صخب واحد ووحيد ، لقد اهتز وادي "تاي كوفاي" ،والإعصار اقتلع الأشجار ، وطارت الأكواخ والخوص في الهواء.
ومثل الريش كانت تعلو الناس والدواب، وتدور في الهواء السقوف المصنوعة من سعف النخيل ، وكذلك الطيور الكبيرة التي تكسرت أجنحتها ، لكن جبل الأيوان فقط بقي ثابتا ومحافظا على مكانته وشموخه.
فلقد حاول الإعصار أن يلفه في حلقات زوابعه ، لكن قوة الإعصار خارت وتفتت ، لكنها رفعت حتى الذروة إلى هناك بين الغيوم ، وجمعت كل ما تم اقتلاعه وتخريبه في السهل .
في اليوم التالي أشرقت الشمس ، وقمة ايوان التي كانت من قبل نظيفة بدت مغطاة بمزركشات نادرة وغريبة مقلوبة ، فكان هناك سقوف الأكواخ والخوص ،أشجار مقطعة، جثامين هنود مقطوعة ، أنصاف نساء جميلات ،بلاعيم وزلاقيم وحوش وطيور مفتوحة و مخالب متشنجة في الصخور، صقور بأجنحة مفتوحة للقفز إلى الجرف.
لقد جمّع الإيوان المقدس في قمته كل تلك الأنقاض ، وهناك بقيت مخزونة ومحفوظة بين الأحجار كتذكار لمدينة تي كوفاي وغضب الآلهة.
* Cachiri مشروب شائع في فنزويلا ( المترجم )
** حيوان الباكة ثدي قارض جنوب أمريكي يؤكل لحمه ( المترجم )