الطفلة العملاقة والفلاح
منذ زمن بعيد كان في تلك الحقبة الغابرة الناس تروي إنها رأت أشياء رائعة ، و كائنات غير طبيعية وغريبة .
في تلك الأزمان يقولون انه في القلعة الكبيرة جداً في " نييدك " كانت عائلة من العمالقة .
من القلعة لا يبقى الآن أي شيء أكثر من انقاضها واثارها ، لكن في القرية القادمة التي تجيىء بها ذاكرة السكان القدماء ، مع انّ الرجال يروون تواريخ مثيرة للفضول ، سمعوها عن آبائهم وأجدادهم ، ويحكون عن القوة والهياكل الضخمة لأولئك العمالقة الذين كانوا يصنعون حياة متقاعدة في تلك القلعة من دون التعامل مع الناس ، لكن دون أن يقوموا بأدنى فعل يضرّ ، رحيمين متسامحين و طباعهم حلوة .
كلّ الناس يتذكرون أن ذلك الإقليم له سمة نبيلة وأصيلة ، من سمات القلاع القديمة في "نييديك"، وعندما يروي الفلاحون ذلك فإنهم يحكونه بعاطفة وعلى شرف ذكرى أسلافهم .
يقولون : " إن الإبنة الوحيدة لملاّك القلعة ابتعدت في أحد الأيام ، تتمشى بين أشجار الصنوبر وكروم العنب حتى وصلت إلى هضبة قريبة لمركز حكم البلدة ، أي الى المكان الذي يمكن منه السيطرة علىالقرية ، حيث الوادي ينقسم إلى قطع من الإراضي الفلاحية .
الطفلة العملاقة الطويلة مثل أعلى شجرة صنوبر توقفت لتنظر إلى بعض الكائنات الغريبة التي كانت تتحرك هناك في الأسفل ، ويقومون بحراثة الأرض .
تقدمت قليلاً فاكتشفت أنه كان رجلاً يحرث التراب بمحراثه المربوط بزوجين من العجول ، وخلال عدة دقائق راقبت الرجل بفضول وهو يحرث حقله .
كان ذلك مجهولا وغريبا بالنسبة لها ، فصارت تنظر إليه كما ينظر الأطفال إلى تعذيب النمل في جحرها ، كان منظر تلك الهيئات المتحركة رائعاً وهم يصنعون في الأرض خطوطاً طويلة ومتقاربة فيما بينها .
الطفلة العملاقة قفزت ، و وتطايرت من الفرح ، وملأت الوديان برذاذ قهقهاتها .
الفلاح العامل توقف متعجباً ، والعجول جفلت ، وتوقفت مذعورة ، وقبل أن يأخذ الفلاح بالحسبان لما يجري اقتربت الطفلة نحو الرجل والعجول وأخذتهم وهي في هالة من الفرح كما لو كانوا دمى للأطفال .
عادت إلى القلعة ، كانت سعيدة و ومبتهجة وهي تعرض لقيتها إلى والديها .
: "انظروا! انظروا! ماذا عثرت !! لا توجد دمية أجمل من هذا أليس حقا إنها جميلة؟ ، إنها دمية حقيقية حيّة !! سترون كيف يتحركون ويصنعون خطوطاً مستقيمة و متقاربة !!".
وبينما كانت تتكلم وضعت الفلاحين و زوجي العجول و نير الحراثة والمحراث على الطاولة الضخمة كمسرح الحفلات .
و دفعتهم كي يبدؤا بالعمل . لكن الطفلة توقفت عن الكلام والضحك أمام النظرة القاسية لوالديها .
العملاق صاحب اللحية الثلجية قال بحنان وجدية:
" هل تعرفي جيداً ماذا أحضرت يا بنيتي؟ هل تعرفي ماذا فعلتي؟ ، هذا الذي تسميه دمية هو رجل فلاح ، لقد أرعبتيه عندما كان يشتغل !! واقتلعتيه من بين الفواكه ، الثمار التي تتغذين عليها وتجعل أهلك يواصلون الحياة!!فمن غيره ما كانت الحياة ممكنة لنا !! هذا العامل المسكين هو الأكثر نفعاً وفائدة من كل الرجال ، فالآخرون يمكنهم الحياة بفضل عمله ،وجهده هو الجهد الأكثر نبلا وعطاء ، فلا المطر و لا البرد ولا الشمس اللاهبة قادرون على إبعاده عن الأرض التي يحرثها ويحرسها بحب . كل عامل يستحق الاحترام , والفلاح هو أكثر الذين يعملون ، ليس دمية !!لا يا بنيتي !! هيا !! خذيهم بحذر شديد وبعناية الى نفس المكان الذي أحضرتيهم منه ، واحمهم من أي مكروه !! و لاتنسي أن من لايحترم و لا يحب الفلاح والذي يصنع من الفلاح ضحية لأنانيته فإنه بذلك يجلب اللعنات من السماء " ..
الطفلة العملاقة وابنة العمالقة طلبت المعذرة ، وأخذت بانتباه كبير الفلاح و زوجي العجول ، وحملتهم يهتزون في راحة يدها ،وأعادتهم كي يحرثوا في أرضهم أثلاما جديدة ..