اسفياتوغور والعمالقة
الجبال المقدسة في روسيا كانت عالية وعالية جداً ، تخترق الغيوم بقممها .وهناك ،كانت طيور النسور ، تقوم بطيرانها الهادئ فوق القمم ، وتحط بصمت في أعماق المضائق.
وفي مرج الأعشاب الشاسع كانت الصخور الهائلة تطلق بخارا يرتسم في السماء مثل أشباح رمادية .
كان الساكن الوحيد لتلك الجبال المقدسة هو المارد "اسفياتوغور" العملاق ، ولضخامته فقد كان يشبه إحدى تلك الصخور العالية ، وعندما كان يمشي يجعل الأرض ترتجف تحت أقدامه .
كان ممتطيا حصانه يتسلق أعلى القمم ، يعبر الوهاد ويجتاز الأنهار بقفزات غريبة كأنه يطير.
كان "اسفياتاغور" يعيش وحيدا في تلك العزلة الكبيرة ، جعلته قوته ينازل جميع أبطال روسيا ، وعندما كان يخرج إلى الحقول والسهول كانت الأشجار تتسمر من مشيته ، والأرض ذاتها كانت تهتز ووحدها كانت صخور الجبال المقدسة تحتمل المشية الثقيلة للعملاق.
كانت قوته غير طبيعية ، وكان ذلك سبباً لبؤسه ، إذ كان بمقدوره أن يستغل قوته في أشياء أخرى، فلو انه خصصها للعمل أو لخدمة الناس لكانت السعادة تغمره .
فعمره على الأرض قليل ، لكن "استيفاتاغور" كان جاهلا ، بل كان يحوّل كلّ شيء يلمسه إلى ذرات غبار وكل شيء كان ينسحق بين يديه الجبارتين .
في يوم ما خرج من جباله ، و وسط مرج الأعشاب الشاسع نصب خيمته الرمادية اللون ، وفيها اضطجع ونام حتى اليوم الثاني ، حيث قرر "اسفياتوغور" أن يتابع المسير .
وأخذ يمرّ بقرى وضيعات ومدن ، وبدأ يتعرف ويعشق الناس ،أسره الفلاحون بطبيبتهم وعطفهم وكذلك جمال النساء القرويات، وعندما مرّ بإحدى القرى رأى شابة رائعة الجمال ، وعندها فكر: " هذه شابة تصلح أن تكون خطيبة لي وتستحقني بجدارة ", ولم يتأخر البطل بالفوز بقلب الشابة القروية الفاتنة الجمال ، وبعد قليل فاز بالزواج منها وبأخذها إلى مملكته في الجبال المقدسة .
في يوم كان فيه "ايليا موروميتس" المحارب الشجاع يبحث عن أماكن فسيحة ، فكان عليه أن يمر بالجبال المقدسة وخلال ثلاثة أيام قفز من صخرة إلى صخرة ، وصعد القمم ، واجتاز الوهاد حتى خارت قواه فنصب خيمته وربط حصانه ، ونام مع أحلام عميقة .
نام "ايليا" لساعات طويلة ، وقبل أن تخرج الشمس حلم بأشياء غريبة وهجينة ، رأى وكأن جواده القوي يحفر الأرض بحوافره ، و يصهل جافلاً ، فيما بعد سمعه يقول بصوت إنسان:
" إليا! إليا! انهض انجُ من الخطر ! فالبطل اسفياتوغور يقترب ! هيا ! اتركني طليقا في هذه الحقول واختبئ أنت سريعا في جذع الشجرة!
نهض "ايليا" و عمل بنصيحة حصانه ، فتسلق إلى أعلى أغصان شجرة بلوط ، و بعد قليل ظهر "اسفياتغور" المريع الضخم والقوي مثل الصخر ، يحمل زوجته على أكتافه ، تجلس في هودج من الزجاج ، وفي حزامه سيف كبير جداً .
ترجل العملاق عن الحصان وبمفتاح من ذهب فتح القفص الزجاجي الذي خرجت منه زوجته الفاتنة الجمال والرائعة مثل الصباح .
وبينما كان "ايسافايتوغور" يجهّز خيمته بسطت الشابة على الأرض حصيرة ، وأخرجت من الخرج كمية كبيرة من الطعام اللذيذ ومشروبات حلوة مثل العسل .
خلال الأكل كان "ايليا" لا يتحرك بين أغصان الشجرة مختفيا عن عيون العملاق لكن المرأة كانت قد رأته وخشيت من غضب زوجها ، فجعلت "ايليا" وحصانه يختبئان في احدى جيوب ايسافوتوعور" الضخمة " ، والذي من غير أن يدري مضى بالحمولة ليومين ، وفي اليوم الثالث بدأ حصان "اسفياتوغور" يصدر إشارات تعب ، فزأر البطل : " آه أيها الحصان !! هل أصبحت شائخا وغير مفيد!! ألا تستطيع المسير بعد؟ ".
أجاب الحيوان الذكي :
" كنت أحملك أنت وزوجتك ، لكن منذ ثلاثة أيام احمل على ظهري حمولة زائدة ".
فتّش "اسفياتوغور" جيوبه الضخمة فعثر فيها على "ايليا" وحصانه فقال له : " من أنت ؟ " .
فأجابه: " اسمي إيليا ، وكانت عندي رغبة بإبداء إعجابي للبطل ايسافتوغور ".
: " ها أنا أمامك ، وهذه فرصة لنكون أصدقاء ، وستكون شاهدا على أفعالي العظيمة ".
قبل إيليا مشكوراً ، واستعد للمشي إلى جانب صديقه العملاق . وبدأ ايسافوتوغور يعامله كأخ له ، يتقاسم معه الأكل والشراب من نفس الكأس .
في يوم من الأيام كان البطلان يعدوان في المرج الشاسع فعثرا على تابوتٍ كبيرٍ جداً مغطى في كومة من الحبوب .
توقف ايسافوتوغور يفكر ، وقال : " فلنفحص لمن كان ذلك معدا ؟
دخل إيليا أولاً ، لكن القبر الصخري كان كبيراً جداً بالنسبة لمقاسه ، فدخل ايساتفوغور في التابوت الغريب وكأنه كان معد اً لمقاسه العملاق .
: " يبدوا انه معدٌ لي" ! _ قال ايسفاتوغور وأضاف_ : " يا إيليا !! يا صديقي وآخي !! هل بإمكانك وأنا هنا في جوف التابوت أن تغلق الغطاء ؟ ".
: "لا يا أخي !! إني أخاف ذلك " ،أجاب ايليا .
تدخل ايسافوتوغور واخذ الغطاء الحجري الضخم بإحدى يديه ، وعندما أطبقها أحكمت الجوانب واقفل التابوت بشكل كامل ، وعبثاً أخذ ايسافوتوغور يتحرك ، ويتلوى في الداخل .
: " إيليا يا أخي العزيز !! خذ سيفي و حطّم جدران هذا القبر اللعين ".
أخذ إيليا السلاح الفتاك ، وأفرغ ضرباته الجبارة على الحجر ، وهو يسمع زئير ايسافوتوغور يختنق في الجوف .
أحس بان قوته تتضاعف ، فعاد وأخذ السيف وبدأ يضرب من جديد ، ومع الضربات القوية كانت تتطاير شظايا الصخرة والشرر من السيف .
: " إني اختنق !! " ، زأر ايسافياتوغور : " تعال يا آليا يا أخي !! اقترب جيداً !! أريد قبل أن أموت أن الصق بك السر الرفيع لقوتي ". وأخذ صوت العملاق يضعف وكأنه يختنق .
: "وداعا يا رفيقي لقد لصقت بك قوتي وسيفي الجبار".
كانت هذه الكلمات الأخيرة ، وكانت آخر أنفاس العملاق الذي مات وهو يصارع الموت .
وقف إيليا مستنداً إلى سيف ايسفاتوغور وسط صمت المرج الشاسع ، لكنه أحسّ بقوة جبارة ، تسري به ، فراح إلى جانب قبر صديقه ، وأخذ يدور حوله مرات ثلاثة ، ثمّ ودّعه ، وعاد في الطريق الى روسيا قاصدا قصر عمه "فلاديميري نور الشمس" أمير مدينة كييف ، وقد اكتسب إيليا القوة والشجاعة اللتين حملتاه إلى أن يحقق المآثر المدهشة مع مردة آخرين في قصص مثيرة .
انضم إيليا إلى ستة من المردة وراحوا يمتطون خيولهم ، يعبرون الصحراء إلى أن وصلوا إلى سفح فيه أشجار بلوط قديمة ، ولأنهم كانوا متعبين جدا نزلوا إلى الأرض ، ونصبوا خيامهم ، واضطجعوا ليرتاحوا ، بينما راحت الخيول ترعى في الجانب .
عندما أعلنت الشمس عن النهار بشفقها الأحمر نهض "ايليا موروميتس" ونظر إلى البعيد ، كانت مجموعة من التتار تحجب الأفق ، و تتقدم ، تلفها غيمة من الغبار، تغزو السهل، وكأنها إعصار عنيف .
صرخ إيليا : " انهضوا أيها المردة !! فالتتار قادمون نحونا " , فنهضوا وحملوا سلاحهم وانطلقوا لمواجهة التتار ، وسرعان ما انتصروا عليهم .
كان الأعداء المهزومون يملأون السهل ، بينما المردة يطلقون صرخات المنتصرين :
" أية قوة يمكن مقارنتها بقوتنا؟ " . وصرخ "اليوشا بوبوفيتش" : "لا يوجد جيش يقدر على هزيمتنا !! ".
وقال إيليا:
" السيف الذي منحني إياه اسفياتوغور لا يُهزم ، لكن في تلك اللحظة وكأن الأرض انشقت وأنبثق منها محاربان مسربلان بمعادن تلمع ، واتجها نحو المردة قائلين:
" جئنا لنمتحن قوتنا نحن اثنان وأنتم سبعة ، لكن لا يهم فلنتحارب !! ".
امتلأ قلب "اليوشا بوبوفيتش" بالغضب ، امتشق سيفه وهجم على خصميه غريبي الشكل ، لكن آه منك أيتها المعجزة !! فعندما ضربهما "اليوشا" فقد تحولا إلى أربعة .
جرّد "دوبينيا نيبريتش" سيفه ، وتقدم نحو الأربعة ووقف وسطهم ،لكن وللغرابة أيضا ، فلقد تحول الأربعة إلى ثمانية ، وأخذوا يتقدمون !!.
قضى "ايليا موروميتس" بسيفه الجبار على الثمانية ، لكنهم تضاعفوا أيضا أمام دهشة واستغراب المردة .
وبعزم وبأس وغضب هجم السبعة سوية على أعدائهم ، لكنهم كلما قاتلوهم كانوا يتضاعفون !! .
وطيلة أيام ثلاثة وثلاث دقائق وثلاث ثواني استمرت المعركة ، حتى خارت قوى المردة الأبطال ، واحتلهم الذعر فهربوا إلى الجبل لينجوا بأنفسهم ، وهناك تحولوا إلى حجارة وبقوا إلى الأبد وهكذا يروون عن نهاية الأبطال العمالقة في روسيا المقدسة .