الهند
في بلاد الهند المترامية الأطراف في آسيا حيث يحيا مئات ملايين السكان من أصول مختلفة وديانات متعددة هناك، ومنذ السنين الغابرة تشكلت في هذه البلاد حضارة من أغنى ثقافات العالم القديم والإنسانية.
عن حياة هذا الشعب الهندي ، و عن إحساسه العميق بالأشياء عن ناسه وحياتهم تحدثنا أعمالهم الفنية وتفكيرهم الممتلئ بالحكمة..
البراهما والنمر وابن آوى
مرة عند مرور البراهما بإحدى قرى الهند ، رأى على قارعة الطريق قفصا كبيرا من الخيزران وفي داخله نمر هائج كان الفلاحون قد اصطادوه بإحدى شراكهم.وعندما شاهد النمر البراهما قال بصوت جريح:
" أيها الأخ البراهما افتح لي الأبواب ، واتركني أخرج لأشرب ماء ، فأنا عطشان ولم يضعوا لي ماء في القفص ."
فرد البراهما عليه :
" إذا فتحت لك الباب يا أخي النمر فإني أخشى أن تلتهمني كما تلتهم أغنام القطيع ."!!
فقال النمر:
" كيف فكرت بهكذا طريقة ؟ هل تعتقد أني قادر على هذه الفعلة المشينة؟ دعني أخرج للحظة واحدة ، لأخذ رشفة واحدة من الماء، آه أيها الأخ البراهما !!".
فتح البراهما باب القفص، وعندما أحس النمر بأنه صار طليقا ، قفز على البراهما ليأكله.
:" أيها الأخ النمر انتظر !! لقد وعدتني بأنك لن تلحق بي بأي أذى !! وما تفعله الآن ليس فعلا نبيلا ًولا عادلا ً"!!
قال النمر:
"هذا لا يهمني ، فأنا سألتهمك ، لأنه بالنسبة لي يبدو الأمر عادلا ولدي الحق بذلك ".
وتوسل البراهما إلى النمر كثيراً ، وأخيرا استطاع أن يقنعه بان ينتظرا سماع رأي أول ثلاثة عابرين يصادفونهم في الطريق .
وأول من عثروا عليه كان الجاموس متمددا على قارعة الطريق ، فتوقف البراهما وقال له:
" أيها الأخ الجاموس !!هل يبدو لك عدلا ً ونبلا ً أن يلتهمني النمر ، بعد أن أطلقت سراحه من قفص محكم الإغلاق؟".
رفع الجاموس عينيه الحزينتين وببطء قال:
"عندما كنت أنا فتياً وقوياً كان مالكي وسيدي يجعلني أعمل بلا توقف ، والآن وقد صرت شائخا وخائر القوى ، فلقد أهملني وتركني لأموت هنا من الجوع والعطش ، الناس جاحدون !! فإذا أكل النمر البراهما سيكون ذلك عملا ًً عادلا " .
قفز النمر هائجا على البراهما الذي صرخ:
"لا!! لا !! انتظر !! علينا أن ننتظر اثنين آخرين لنستشيرهما ، لقد وعدتني بذلك !!".
وبعد قليل شاهدا نسرا يطير على علو منخفض فوق الرؤوس ، فصرخ البراهما عليه:
" أيها الأخ النسر !! قل لنا إن كان يبدو لك عدلاً أن يأكلني هذا النمر بعد أن حررته من سجن فظيع ؟!".
أوقف النسر تحليقه في لحظة ، وحطّ إلى جانبهما وقال:
" إنني أمضي حياتي بين الغيوم ، و لا أؤذي أحداً من البشر ، لكن بني البشر يطلقون عليّ السهام ، و عندما يصلون إلى عشي فانهم يقتلون فراخي ، أعتقد أن النمر سيقوم بعمل جيد إذا أكلك !!".
فقفز النمر على البراهما والبراهما يصرخ:
" لا !! لا !! انتظر يا أخي النمر !! إنها المرة الثانية التي نستشير بها ، ولقد اتفقنا على أن نسأل ثلاثة عابرين وينقصنا واحد بعد !! ومع أنّ النمر كان يزمجر فإنه واصل الطريق مع البراهما .
وما هي إلاّ لحظات حتى ظهر ابن آوى وهو يمشي ويختال فرحاً . اقترب البراهما منه وقال له:
" أيها الأخ ابن آوى !!كيف يبدوهذا الأمر لك ؟ هل ترى عدلاً أن يلتهمني النمر بعد أن حررته من القفص؟ ".
:"ماذا تقول" ؟ سأله ابن آوى .
أقول :" - أعاد البراهما وبصوت مرتفع-إن كنت تعتقد أنه من النبل والعدل بمكان !! أن السيد النمر هذا يريد أن يأكلني!! مع أنني شخصيا ساعدته بالخروج من قفص محكم الإغلاق ؟".
مِنْ قفص؟ ردد ابن أوى الكلام وكأنه لم يكن منتبهاً .
:" نعم!! نعم!! من قفص ، أنا شخصيا فتحت الباب ،والآن نريد أن نعرف ما هو رأيك؟".
:" آه !! _ قال ابن آوى _ تريدان معرفة رأيي ؟ في هذه الحالة عليكما أن تقصا عليّ الحكاية كلّها ، و بوضوح فأنا مشوش ، ولا افهم الأشياء جيدا . هيا لنرى ماذا يجري هنا !!
" انظر!! - بدأ البراهما الحديث- كنت ماشياً في الطريق عندما شاهدت النمر محبوساً في القفص ، عندها ناداني هو"..
"اسمع !! اسمع -قال ابن آوى- إذا بدأت بحكاية طويلة جداً فلن افهم منك ولا كلمة واحدة!! عليك أن تشرح لي بشكل افضل!! أيّ قفص تقصد؟ " .
:" إنه قفص عادي ، قفص مصنوع من قصب الخيزران "، أجابه البراهما .
:" طيب ! لكن هذا لا يكفي، فمن الأفضل أن أرى ذلك القفص !! وبذلك أ فهم ما جرى بشكل أ فضل ".
ومشوا في الطريق إلى أن وصلوا ثلاثتهم إلى المكان الذي يوجد فيه القفص .
: " الآن هيا نرى !!_ قال ابن آوى_ : أين كنت أنت؟ يا أخي البراهما؟ ".
:" هنا بالضبط في الطريق" .
:" وأنت يا أخي النمر؟ ".
:" أنا في داخل القفص!! أجاب النمر وهو غاضب و مستعد ليأكل الاثنين معا..
:" أوه !! معذرة أيها النمر !! _ قال ابن آوى _ أنا مشوش ، و لا اقدر أن أفهم الأشياء بالضبط !! دعني أرى! اسمح لي! كيف كنت حضرتك في القفص؟ في أي وضع؟ ".
: " هكذا ! أيها المعتوه" !! _قال النمر ، وقفز إلى داخل القفص ، _ " وفي هذه الزاوية كنت ورأسي بهذا الاتجاه ".
:" آه ! نعم نعم لقد بدأت افهم ، لكن لماذا لم تخرج من القفص؟ " سأل ابن آوى .
:" ألا ترى أن الباب كان مقفلا؟ ". قالها النمر وبدأ يزمجر..
:" آه !!... الباب كان مقفلا !! وكيف كيف كان مقفلا؟ " ، استمر ابن آوى بالحديث..
:" هكذا - قال البراهما وهو يغلق القفص _.
:" لكنني لا أرى قفلا " ._أضاف ابن آوى _ وكان بمقدوره أن يخرج !!" .
:" هذا هو القفل " ،وأحكم البراهما إغلاقه..
:" آه! نعم! يوجد قفل ، إنني أرى قفلا "،قال ابن آوى وهو يسخر من النمر بعد أن اطمأن انه في القفص ، واستدار ابن آوى باتجاه البراهما قائلاً :
" الآن والقفص محكم الإغلاق بالقفل ، فإنني أنصحك أن تتركه كما كان ، وأنت يا حضرة السيد النمر !! بإمكانك أن تبقى هادئاً ، فربما يمرّ أحد ما وقد يخاطر بإطلاق سراحك ". وضرب تعظيم سلام إلى البراهما ، وراح يختال بمشيته سعيداً فرحاً ..