أمريكا الشمالية
الفتى وذئب الكويوتي*
هذا ما يحكيه أصحاب السحنة الحمراء ، وقد حدث منذ سنين غابرة.
في تلك الأيام البعيدة ، حيث كان الناس فيها يفهمون لغة الحيوانات ، والتي كان فيها كلب الصحارى ، الذئب الأمريكي الخبيث المحتال، الرمادي اللون كان صديقا طيبا للهنود وقد أسموه كويوتي. في قبيلة هندية كان يعيش فتى له ساقان قويان مطواعان ، وله نظرات ثابتة وثاقبة .
كان يعيش وسط القبيلة ، لكنه كان يكثر القفز بين الغابات ،ويصعد إلى قمم الجبال، وكان يخوض في الأنهر، لا يفارقه صديقه حيوان الكويوتي"Coyote"، رفيقه في الصيد وحتى في المنام .
وفي مرات كثيرة توقف لينظر كيف كان الرجال يحشرون الأسماك بين شقوق صخور النهر، وكيف كانت النساء يقتلعن جذورا طازجة ، ويحفرن الأرض بأحجار مسننة ، كان ذلك في أيام الربيع الدافئة والطويلة ، لكن عند حلول الشتاء كان الناس يتراكضون بين الثلوج يهربون من البرد وكأنه عدوهم فكانوا يغرقون يائسين في أعماق الكهوف المظلمة.
كان الشاب الفتي ينظر بوجه قاس ، وهو يفكر بحسرات شعبه البائس والذي لا حول له تحت السماء المثلجة، فقال إلى الحيوان الكويوتي:
" أنت لا تحسّ بسكاكين البرد لأنك سمين ، ولك جلد كثيف الشعر. أمّا هم فإنهم يرتجفون ويموتون ، قل لي يا صاحبي وأنت الذي تقود خطواتي في الصيد ، قل لي ماذا علي أن أفعل تجاه شعبي كي لا يعاني أكثر "؟.
قال الكويوتي:" لا شيء "!!وفي تلك الليلة لم ينم إلى جانب صاحبه، ولم يعد إلى جانبه إلاّ بعد انقضاء عدة أيام بلياليها الطويلة.عندئذ قال الكويوتي:
" أنا أعرف ماذا عليك أن تفعل ، لكنه صعب جدا وأكثر صعوبة من أي شيء ، كنت قد فعلته ،ولن تقدر على فعله أبداً ".
فأجابه الفتى:
" قل لي ما هو؟ فأنا قادر على فعل كل شيء ما لم يكن مستحيلا ".! قال الكويوتي: " اذهب إلى جبل النار لتسرق قبسات من ذلك الوهج ، وتحضره إلى شعبك" .
سأل الفتى: وما هي النار؟ و ما هو الوهج ؟
أجاب الكويوتي: النار مثل وردة حمراء ،لكنها ليست وردة، إنها تركض بين الأعشاب ، وتقضي عليها كما لو كانت دابة ،، لكنها ليست دابة مع إنها قوية ومريعة ، لكنها تتمدد على سرير بين الحجارة ، وتقدم الأشجار أغصانها لها لتأكل ، إنها أخٌ طيبٌ يداعب النسمات والأشياء بألسن كبيرة وبرّاقة وساخنة. وإذا أمكنك إحضارها فإن شعبك سينعم بالدفء، و يخبئه كما لو أنك تخبئ قطعة من الشمس.
قال الهندي: نعم سأحضر تلك النار ساعدني. اتجه الفتى نحو شيوخ القبيلة ليطلب مائة رجل لهم أفخاذ قوية وعضلات وسيقان خفيفة الحركة. فاصطف جميعهم في طابور ، يوجههم الكويوتي نحو جبل النار.
مع انتهاء اليوم الأول تركوا في الطريق الرجل الأكثر ضعفا بالركض فيهم. وكان عليه أن يرتاح هناك ، وينتظر ومع انتهاء اليوم الثاني من الركض ابقوا رجلا آخر ليرتاح وينتظر، وهكذا بدأوا يتناقصون واحداً تلو الآخر مع نهاية كل يوم من الأيام المائة للمسيرة.
أمّا الشاب صاحب الساقين القويتين والملبيتين له برفقة الكويوتي فلقد بقيا وحدهما إلى المرحلة الأخيرة من المسير عَبَرا السهول وواجهتهما الجبال وفي النهاية وَصَلا سوية إلى النهر الكبير الذي يجري فوق رمال جميلة عند سفح جبل النار.
كان الجبل يصل حتى الغيوم ، وكان في قمته شيء يشبه قبعة كبيرة من الدخان الكثيف.
في الليل كانت أرواح النار تتراكض ، وترقص في المجنبات على هيئة جذوات كبيرة ، بينما كان النهر الكبير يلمع كما لو أن مياهه قد اشتعلت. قال الكويوتي للفتى:
" انتظرني هنا سأذهب لأحضر لك قبسا من وهج الجبل ،انتظرني وكن مستعداً ويقظاً لأنني سأصل منهكاً ،وعليك أن تتابع راكضا إذ أن أرواح النار سوف تلاحقك ".
وبدأ الكويوتي يصعد الجبل ويختبئ خلف الأحجار ، لكن أرواح النار اكتشفته، وعندما رأوه نحيفاً و متسخاً سخروا من رائحته غير العدوانية ،
لكن عند حلول الليل وعندما بدأت الأرواح بألعابها ورقصاتها في ألسنة اللهب الكبيرة ، تمكن الكويوتي من أخذ لسان كبير و طويل ، وهرب به هابطا الجبل بسرعة. وبطريق مستقيم كانت ألسنة اللهب تركض خلفه ، تصدر زئيرا كأنه زئير لبوة تحترق.
رأى الشاب صديقه الكويوتي يهبط الليل مثل نجمة تهرب من السماء ، كانت أرواح النار تتبعه كأنها نهر من الوهج ، وراح يتساءل :هل تقترب القبسة المشتعلة؟ هل تقترب ؟ هل تصل؟؟
وقع الحيوان الشجاع أرضا ، يكاد يختنق ، وقواه تخور فأخذ الشاب تلك القبسة المشتعلة وبدأ بالركض والركض ، وأرواح النار في الجذوات تركض خلفه ،والفتى يتابع الركض ، ويمضي مثل سهم، كي يصل إلى الرجل الأول ،الذي تركوه يستريح وينتظر، و يده ممدودةليستقبل الجذوة ، ويبدأ بالركض بها سريعا كسهم انطلق من قوس.
وهكذا تستمر الجذوة من يد إلى يد دون توقف ، وأرواح النار تركض خلف الشعلة المسروقة ، إلى جبال الثلج التي لا يقوى الناس فيها على البرد . استمرت النار في الهواء تنتقل من يد إلى يد بين الراكضين ، فكانت صفراء وجميلة في النهار ، وفي الليل حمراء رائعة.
وصلت الشعلة إلى الرجل الأخير، ومنه إلى القبيلة ،وهناك صنع الرجال لها سريراً من الأحجار وسط المغارة، بدأوا يطعمونها بحب يقدمون لها الأغصان اليابسة، ومنذ ذلك الوقت ابتهج الناس بحب تلك الشعلة عدوة البرد ، والفتى الهندي النبيل أصبح معروفا من قبل الجميع انه الشجاع الذي اكتشف النار .
والكويوتي أيضا منذئذ يمكنه إن يعرض والى الأبد أثار عمله المعطاء، وحتى هذا اليوم تحتفظ سلالة الهندي بالجلد الأصفر ، وكيف احتمس بالنار كذكرى لمأثرته الشجاعة.
* Coyote نوع من الذئاب بحجم الكلب الكبير يعيش في المكسيك وامريكا الشمالية (المترجم )
نيوزيلندا