الفتاة " اسافي "*
كانت جميلة جدا تلك الفتاة "اسافي" ، ابنة رئيس القبيلة ،وكان والدها الشيخ ينظر إلى فتاته بحنان كبير، كما يجب على الأباء أن ينظروا إلى أبنائهم غير السعداء.
كانت الشابة الهندية اسافي رائعة الجمال ، وقد أتاها خيرة المحاربين لرؤيتها ، والتقدم لخطوبتها، لكن اسافي لم تعط إجابة للذين تحببوا اليها ، فالفتاة الأكثر جمالا في القبيلة لا تبادل الحب ، لأنها كانت باردة وقاسية القلب .
لم تعشق "إسافي" ولم تطع أحداً ، لهذا كانوا يتندرون عليها ويقولون: " التي لم تبك أبداً " !! ولم ير أحد دمعة منها في عيونها السود رغم معاناة أهلها .
احدى ارتفاعات مياه نهر الأرغواي أغرقت، واقتلعت الأكواخ والخوص ، وأخذت إلى الأبد النساء والأطفال.. فرفع الشيوخ والشباب نحيبهم وأساهم إلى السماء لكن اسافي لم تبك.
كانت عيناها الرائعتان السوداوان تنظران إلى بعيد بلا مبالاة بآلام الآخرين ، فبدأوا يفكرون أن اسافي هي سبب كل المآسي تلك ، فقالت احدى الساحرات :" دموع اسافي فقط تقدر على تهدئة غضب الالهة "!!
لكن حلّت مآس أخرى وأخريات ، وفي احدى المعارك مع قوم آخر أقوياء وأشداء كان على القبيلة أن تهرب ، وتختفي في الجبال بعد أن وقعت الفتيات العذراوات الأكثر روعة في أيدي الأعداء ، وسقط أشجع المحاربين قتلى ، وتقلصت القبيلة إلى بضع نساء وحفنة من المقاتلين ، الذين أنقذوا الشيخ الزعيم و لجأ جميعهم إلى الغابة، ومن ضمنهم كانت اسافي ، وفي عينيها لم يكن يلمع الدمع ،
فألقت الساحرة بيدها على طلاسمها وسحرها ، علها تتوصل إلى نصيحة الفلك والنجوم ، وفي النهاية قالت:
" كي تمر المصائب من جانبنا ولا تضربنا ، يجب على اسافي أن تبكي!! لكن كيف نجعلها تبكي؟ فالشيخ الزعيم يكنّ لإبنته حبا كبيرا لا حدود له!! فكيف يمكن جعلها تبكي؟ إذ أنها لم تكن قادرة على إظهار ابسط علامات الشفقة مع مآسي ومصائب الآخرين!! وهذا ما أراده الكهان والسحرة!! وكان بالضبط امتحان الألم في داخل أعماقها .
في يوم من الأيام، كانت اسافي تتمشى في أحد دروب الغابة ،فخرجت للقائها امرأة عجوز محنية الظهر، وترتجف ، وبصوت فيه الكثير من الحسرة طلبت منها أن تقطع لها بعض الأغصان اليابسة لكوخها حيث حفيدها مريض ، ويكاد يموت من البرد .
نظرت اسافي إليها بازدراء ، فركعت العجوز على ركبتيها ،وطلبت منها ، وتوسلت بصوت مفجوع ، لكن الشابة الهندية تابعت طريقها.!!
بعد قليل ظهرت لها امرأة لا تزال شابة، وعلي يديها طفل ، والدموع في عينيها.
اقتربت المرآة من اسافي ، كانت ملامحها تشير إلى إنها موجوعة ،وعندها فاجعة. وبصوت فيه الكثير من التوسل كشفت لها عن الطفل الذي يحتضر ، ورجتها أن تبحث لها عن بعض الأعشاب المفيدة القادرة على شفاء ابنها.
كانت اسافي تعلم أين توجد تلك الأعشاب ، وفي أي مكان من الغابة ،فتلك الأعشاب تطرد الموت، وكان بمقدورها أن تحضرها بمجرد أن تمشي قليلا إلى جانب الطريق ، لكن الشابة الهندية الغريبة عن الألم تابعت مشيتها غير مكترثة .
وما أن مشت بضع خطوات حتى ظهرت قوة غريبة ،جعلتها تتوقف ، و من خلف ظهرها سمعت صوت ساحرة القبيلة التي تقمصت الشيطان ، سيد الأعمال الشريرة.
:آنيا !! يا سيد الظلال اجعل هذه الفتاة الباردة التي لا تواسي عجوزا و لا أمـّا ، اجعلها أن لا تكون أمـّا ولا عجوزاً أبداً!!
:آنيا !! يا سيدي اجعل هذه المرأة التي بلا قلب والتي لم تبك أبدا ، اجعلها تبكي لمدى الحياة..
:آنيا !!اجعل هذه المرأة التي كان عدم بكائها هو سبب المآسي، اجعلها تحيا إلى الأبد ، تبكي ومن خلال بكائها تقدم الخير للآخرين .
اسافي لم تقدر على سماع أكثر من الكلمة الأولى للساحرة ،وأخذت تتحول رويداً رويداً ، فتغوص أقدامها في الأرض كجذور قاسية ، وتشعر بجسدها يتصلب مثل جذع الشجر ، وصار شعرها مثل الأغصان المليئة بالأوراق.
وبعد انتهاء الساحرة من تقمصها كانت اسافي الجميلة الفاتنة الجمال قد تحولت إلى شجرة خضراء ورطبة ، ومنذ ذلك الوقت تعيش وتحيا وتنمو في الغابات الاستوائية ،هذه الشجرة الكريمة فاعلة الخير التي من أوراقها ينز ندى ناعم ومدرار يرطب الهواء..
اسافي إنها العذراء التي تبكي دائما من اجل حماية الآخرين ببكائها.. فالرجل الذي يصل متعبا ومختنقا من الشمس يشعر أن الشجرة تمنحه العذوبة كهدية..
وتبقى تبكي الشجرة ، التي تحمل اسم العذراء الهندية فاتنة الجمال والتي لم تبك أبداً ..
* Isape