علاقة اليهود والدونمة والماسونية بجمعية الاتحاد والترقي
تعود جذور الحركة الماسونية في الدولة العثمانية الى بداية القرن الثامن عشر ، وقد مرت الحركة الماسونية في الدولة العثمانية بخمسة مراحل :
المرحلة الأولى : ما قبل عام 1909 ، حيث أسست العديد من (المحافل)( ) في هذه الحقبة ، إلا أنها لم تكن منظمة ، وذلك لمنعها من قبل السلطان عبد الحميد الثاني ، وفي هذه المرحلة اعتمدت المحافل الماسونية في الدولة العثمانية على المحافل في الخارج ، أي خارج الدولة العثمانية( ) .
وقد كانت حصيلة المحافل الماسونية في الدولة العثمانية نهاية القرن التاسع عشر ( 15 ) محفل إيطالي ، ( 11 ) محفل إنكليزي، ( 7 ) محافل اسكتلندية ( 6 ) محافل فرنسية، ( 5 ) محافل ألمانية ، ( 2 ) أيرلندية ، ( 2 ) أسبانية محفل واحد هنغاري ومحفل واحد بولندي ،فضلا عن العديد ممن التحقوا بالمحافل الإنكليزية والأسكتلندية والايرلندية في اسطنبول وازمير وسلانيك فضلا عن العديد من المحافل الماسونية المنتشرة في بقية الولايات والمدن العثمانية الكبرى ، مثل سوريا ، وفلسطين ، ولبنان وبلغاريا ورومانيا ومقدونيا ومدن أخرى في الاناضول( ) ، هذا وبلغ عدد الماسونيين العثمانيين في نهاية القرن التاسع عشر وبالتحديد في عام 1882 نحو ( 10.000 ) شخص( ) .
المرحلة الثانية : وهي تمتد بين عامي 1909 – 1935 ، إذ بدأت في 31 آذار وبرزت أكثر في 27 نيسان 1909 ، حينما عزل السلطان عبد الحميد الثاني عن العرش ، وحكم الماسونيون ( الاتحاد والترقي ) الدولة العثمانية( ) .
لقد أتخذ الشبان الأتراك طوال فترة عملهم ضد السلطان عبد الحميد الثاني من ظهور حركات التحرر في العالم ( كايطاليا الفتاة ، والمانيا الفتاة ، وسويسرا الفتاة )( ) وجمعية ( فيليكي أيتيريا اليونانية ) ، التي تأسست في اليونان على يد ثلاثة شبان ماسونيين في عام 1815( ) ، حافزاً لهم لتنظيم نخبة مثقفة منهم على غرار تلك الحركات ، والذين اتخذوا من باريس مقراً لهم ، من أجل معارضة السلطان عبد الحميد الثاني ، بهدف إعادة العمل بدستور عام 1876 ، الذي علقه في شباط عام 1878( ) ، مما أدى الى تقييد الحريات وجعل السلطة مطلقة لشخصه فقط( ) .
فقد كان ظاهراً على أولئك الشبان في تنظيم جمعية الاتحاد والترقي ، أثر التنظيم الماسوني الإيطالي الثوري جمعية الكاربوناري ، إذ قام إبراهيم تيمو مؤسس الجمعية ، باقتباس الأسلوب التنظيمي لجمعية الكاربوناري ، في جمعية الاتحاد والترقي ، من أجل تنظيم أعضاء الجمعية وخلاياها والحفاظ على سلامتهم أيضاً ، إذ كان ذلك النظام على درجة عالية من الدقة والسرية ، والمتمثل بطريقة الأرقام الكسرية( ) ، الذي وضحناه فيما سبق وهذا ما يؤكد لنا العلاقة بين جمعية الاتحاد والترقي والحركة الماسونية ، هي علاقة جنينية إن جاز التعبير ، أو بمعنى آخر أنها علاقة مبكرة جداً نشأت منذ ولادة الجمعية .
أسهمت الحركة الماسونية بدور بارز في تأسيس جمعية الاتحاد والترقي وتوسيعها ، إذ ارتبطت بروابط متينة بالتشكيلات الماسونية التي أسست بمال اليهود ودهائهم . ولم يكن السلطان عبد الحميد الثاني غافلاً عن نوايا ودور الماسون واليهود في تمزيق الدولة العثمانية ، إذ عبر عن مخاوفه وعجزه تجاه تلك النوايا في قوله (( لا اخشى من ثورة الروم والأرمن والأرناؤوط فأنا قادر على إخمادها إلا اليهود فأنهم أغنياء وأذكياء ومن الصعب مكافحتهم ))( ) .
ركزت الماسونية الدولية على سلانيك ، لكونهاكانت تضم نسبة كبيرة من اليهود ، حيث بلغت نسبتهم في نهاية القرن التاسع ( 70.000 ) يهودي من مجموع ( 100.000 ) شخص ، وكانت سلانيك تحوي العديد من المحافل المرتبطة بالمشرق الأعظم الايطالي ( The Grand Orient of Italy ) ، منها محفل مقدونيا ريزورتا (Maccedonia Risorta) ، ومحفل لايبورت لوكس( Labort Lux )، ومحفل فيرتاس ( Veritas ) التابع للمشرق الأعظم الفرنسي ، ومحفل أسباني باسم برسفرانزا ( Perseveranza ) ومحفل يوناني باسم فيليبوس ( Philippos ) ، هذه المحافل ضمت إليها عدداً من أعضاء جمعية الاتحاد والترقي الذين اتخذوا منها أماكن يجتمعون فيها بغية الاعداد للإطاحة بالسلطان عبد الحميد الثاني( ) .
وعلى الرغم من العمل المنظم والسري الذي امتازت به المحافل الماسونية، إلا أن السلطان عبد الحميد الثاني ، أعد جهازاً تجسسياً في سلانيك لمراقبة كل من يدخل ويخرج من تلك المحافل ، والذي أهم نتائجه تضييق الخناق ، ولو بشكل جزئي على الحركة الماسونية في الدولة العثمانية بشكل عام ، والعناصر الماسونية العثمانية بشكل خاص ، وفي محاولة من الحركة الماسونية ، والتي تمثل رداً على سياسة السلطان عبد الحميد الثاني تجاهها ، تمكن اليهودي الماسوني عمانؤيل قراصوه في عام 1906 من الحصول على موافقة المشرق الأعظم الإيطالي بضم أعضاء جمعية الاتحاد والترقي ، لمحفل مقدونيا ريزورتا سابق الذكر ، وبعد ذلك تمكن من إقناع الشبان العثمانيين والضباط بالانضمام إليه في رغبة مستقبلية منه لممارسة النفوذ اليهودي على الحكم الجديد في الدولة العثمانية، ومن خلالها تحقيق الهدف النهائي المتمثل بالحصول على مركز قومي في توطين اليهود في الولايات الخاضعة للسيطرة العثمانية خاصة العراق وفلسطين( ) .
لقد كونت سلانيك وكراً مهماً لليهود والدونمة والماسونية ، كان له دوراً فعالاً ورئيسياً في الكثير من الأحداث المصيرية التي أدت إلى القضاء على السلطنة العثمانية وعلى السلطان عبد الحميد الثاني( ) .
وقد أكدت هذا الدور صحيفة "التايمس اللندنية" ، موضحة إن لجنة سلانيك قد شكلت تحت رعاية ماسونية وبمساعدة يهود الدونمة في الدولة العثمانية ومركز سلانيك ، وان يهود أمثال "عمانؤيل قراصوه وسالم ـ وساسون وفارجي ومزلياح . ومن الدونمة أمثال جاويد وعائله قد لعبوا دوراً بارزاً في تنظيم اللجنة [ الاتحاد والترقي ] وفي مداولات جهازها المركزي في [ سلانيك ]))( ).
لذلك كان السلطان عبد الحميد الثاني على علم مسبق بأهدافهم ، فقرر غلق جميع المحافل الماسونية في البلاد ، عدا محافل سلانيك التي كان أعضاء جمعية الاتحاد والترقي يجتمعون فيها في منازل الرعايا الماسونيين الأجانب الذين كانوا يتمتعون بالحصانة الدولية التي ضمنت عدم تفتيش منازلهم ، لذلك فان أعضاء جمعية الاتحاد والترقي خططوا لثورتهم في المحافل الإيطالية والفرنسية والأسبانية متخذين من تلك المحافل ، ومنازل الأجانب أوكاراً لهم( ) .
وكمحاولة من الشرطة السرية العثمانية في الالتفاف حول الحصانة الدولية أو الحماية الأجنبية التي وفرها نظام الامتيازات الأجنبية ، فقد دبرت الشرطة العثمانية حادثة سرقة في معبد يعود لمحفل مقدونيا ريزورتا ، اذ كان يحوي على أرشيفاً يضم قائمة بأسماء الأعضاء المنتمين الى ذلك المحفل ، إلا إن الحركة الماسونية ، وبتحرك مسبق منها كانت قد ضمت من أجل الرد على مثل هذه الأعمال من قبل السلطان عبد الحميد الثاني ، عدد من رجال البوليس السري وسمتهم بالإخوان ، وهو ما أدى إلى كشف العملية قبل تنفيذها وبالتالي فشلها . مما دفع رجال الشرطة انتقاماً لفشلهم هذا إلى تحطيم أثاث المعبد كما لجأت الشرطة إلى طريقة أخرى لمضايقة أعضاء المحفل بأن تقوم بانتظارهم في الشارع لتقبض عليهم عند مغادرتهم المبنى( ) .
أن الفكر الحقيقي للجمعية كان فكراً يهودياً كما كانت المساعدات المالية للجمعية ، تأتي من أغنياء الدونمة ، ومن يهود سلانيك ، ومن الرأسماليين العالميين في فيينا وبودابست وبرلين وباريس ولندن( ) .
وكان لليهود دوراً في بلورة النظرية السياسية لجمعية الاتحاد والترقي من خلال أهم اقطـابها المفكـر اليهودي مـوئيز كـوهين ، الـذي أصــبح فيما بعد أحد أعضاء المؤتمر الصهيوني التاسع( ) ، المنعقد في ألمانيا عام 1909( ) . اعتمدت الحركة الماسونية من أجل الإطاحة بالسلطان عبد الحميد الثاني على إدخال اكبر عدد ممكن من الشخصيات المهمة إلى صفوف الجمعية ، وبمعنى آخر أخذت باقتناص أكبر عدد ممكن من الرجال البارزين وضمهم إلى جمعية الاتحاد والترقي ، لذا تمكنت إن تضم إلى صفوفها عدداً من الضباط والوزراء والشعراء والكتاب والمحامين ، ومنهم شيخ الإسلام موسى كاظم ، وشيخ الإسلام خيري أفندي ، والفيلسوف رضا توفيق ، وكاظم نامي ، وطلعت بك و جاويد بك ( ) والأخير من الماسونيين الدونمة في سلانيك ، وبعد نجاح الانقلاب في عام 1908 ضد السلطان عبد الحميد الثاني ، أصبح جاويد نائباً لسلانيك ، ثم وزيراً للمالية وكان يتمتع بقدر كبير من الذكاء والموهبة ويعد من الأعضاء المهمين في الجمعية( ) .
كذلك كان طلعت بك ، الذي عمل جاهداً إلى أن وصل إلى منصب الصدر الأعظم عام 1917( ) ، أحد أهم أعضاء محفل المشرق الأعظم الماسوني الإيطالي ، الذي عمل بتفانٍ من أجل نشر المحافل الماسونية وإسناد الوظائف الرئيسية في الدولة العثمانية إلى ولاة ومتصرفين من الماسون( ) .
وقف السلطان عبد الحميد الثاني ، موقفاً معادياً من الحركة الماسونية فأصدر عدة فرمانات لتقييد دورهم عام 1891 ، كما أدرك خطرهم وقوة نفوذهم ولاسيما على مجلس إدارة سلانيك ، مما يكون خطراً على الحكم العثماني فيها فأصدر في عام 1895 فرماناً نص على (( قررت لجنة التفتيش في ولايات الروميلي تعيين أعضاء لمجلس إدارة [سلانيك] وزيادة عدد الموظفين))( ) .وكان الهدف كما يبدو من إصدار هذا الفرمان هو التخلص من الأغلبية الماسونية المسيطرة على إدارة سلانيك .
كان السلطان عبد الحميد الثاني مدركاً لحقيقة الارتباط العملي بين الماسونية واليهودية والدول الأجنبية ، إذ ذكر في مذكراته : ((لقد انتظم يهود العالم . وسعوا عبر المحافل الماسونية في سبيل الأرض الموعودة ، وجاءوا إليَّ بعد فترة وطلبوا مني أرضاً لتوطين اليهود في فلسطين ، مقابل أموال طائلة ورفضت مطلبهم بالطبع ))( ) .
وفي مكان آخر وصف الماسونية بأنها : (( منظمة سرية تهدف لإفساد العالم وتدميره وتنشيط رؤوس الأموال اليهودية . والأشد من هذا أنها تخدم اليهودية ، وتتستر خلف الشعارات البراقة مثل الأخوة والإنسانية والحرية ... وتعمل بتخطيط اليهود لإفساد العقائد والأخلاق وهدفها نزع محبة الله والرسول من النفوس ، وهذه هي الماسونية أخبث أنواع الجمعيات وألعنها ... وهناك نقطة يجب ملاحظتها وهي أن هذه المنظمة مسيطرة على العالم بشكل علني أو بشكل سري في الخفاء خلف الكواليس ... وقد تتحرك ضدنا بخبث ))( ) .
ويمكن إرجاع العداء المتبادل بين السلطان عبد الحميد الثاني والماسونية إلى عدة أسباب ، فمن جانب الماسونية فيعود ذلك إلى الموقف الصارم للسلطان عبد الحميد الثاني من الأطماع الصهيونية في فلسطين ، ورفضه كل أنواع المغريات التي قدمتها الحركة الصهيونية مقابل تنازله لها عن فلسطين ، أما السلطان عبد الحميد الثاني ففضلا عن ما هو مبين أعلاه من خلال حديثه حول الماسونية وكرهه لها كونها أحد أوجه الحركة الصهيونية ، هناك أسباب أخرى تعود إلى سنوات حكمه الأولى ، حيث أثرت حادثة خلع ومن ثم مقتل عمه السلطان عبد العزيز فيه ، فبدأ يخشى الأحزاب والجمعيات السرية وعلى رأسها الماسونية فصمم على إخضاعها للمراقبة ، ومن ثم إغلاق المحافل التابعة لها ، ولكن الحماية الأوربية ، ولاسيما بريطانيا كانت تخفف من قيود المراقبة ، وهذا كان غالباً على المحافل الماسونية في البلقان ، كما ارتبطت كراهية السلطان لها بشقيقة السلطان مراد الخامس الذي كان رئيساً فخرياً للماسونيين العثمانيين( ) .
كان السلطان عبد الحميد الثاني ، مطلعاً أتم الإطلاع ، من خلال جواسيسه على العلاقة المتينة التي تربط بين جمعية الاتحاد والترقي والحركة الماسونية ونفوذ اليهود في كلتيهما ، ويظهر ذلك من خلال ما ذكره حول هذا الموضوع في مذكراته ((لابد للتاريخ أن يفصح يوماً عن ماهية الذين أسموا أنفسهم الأتراك الشبان أو تركيا الفتاة ، وعن ماسونيتهم استطعت أن أعرف من تحقيقاتي إن كلهم من الماسون ، وأنهم منتسبين إلى المحفل الماسوني الإنكليزي ، وكانوا يتلقون مساعدات مادية من هذا المحفل ، ولابد للتاريخ إن يفصح عن هذه المساعدات وهل كانت معونات إنسانية أم سياسية ... ))( ) .
ثم أردف في مكان آخر من مذكراته ، إلى أثر الحركة الماسونية والدول الأوربية على جمعية الاتحاد والترقي (( ... وكما استغل الإنكليز غفلة أعضاء تركيا الفتاة عن طريق المحافل الماسونية ... بدأ الألمان هذا مع الفريق الآخر منهم ، وعن طريق المحافل الماسونية أيضاً ، وبهذا الشكل سيطر الألمان على تشكيل تركيا الفتاة في [ سلانيك ] ، وسيطر الإنكليز على تشكيل تركيا الفتاة في مناستر ))( ) .
لم يكن أثبات العلاقة بين الحركة الماسونية وجمعية الاتحاد والترقي من أدعاء خصوم الجمعية أو المناوئين لها فقط ، فقد قاسمهم الرأي نفسه عدداً من المناصرين لها سواء كانوا من المنتمين أو غير المنتمين لها .
فقد أشار إسرائيل زانغويل الصهيوني المعروف في مقالته
( Fortnghty Review ) (( إن الماسونيين يستخدمون الشباب الأتراك لتحقيق أغراضهم في توطين اليهود في بلاد مابين النهرين [ العراق ] وفلسطين وبالتالي جعل الإمبراطورية العثمانية وسيلة لليهودي طلعت بك وزير الداخلية ، وجاويد بك وزير المالية [ يهودي دونمة ] الذين يمثلان القوة الخفية المتسترة لجمعية الاتحاد والترقي ، الذين كانوا الأعضاء الوحيدين في الوزارة من يحسب لهم حساب ، وهم قمة الماسونية في [ الدولة العثمانية ] ))( ) .
وأكد هذا ما جاء على لسان رفيق بك زاده أحد أعضاء جمعية الاتحاد والترقي عند مقابلته مراسل صحيفة " Letemps " الباريسية (( حقاً أننا وجدنا سنداً معنوياً من الماسونية ، لاسيما الماسونية الإيطالية ، فالمحفلان الايطاليان (mecedonia Risorta) ،( Laboret Lux) قدما لنا خدمه حقيقة ووفر لنا الملاجئ فكنا نجتمع فيها كماسونيين لأن كثير منا كانوا ماسونيين غير أننا في الحقيقية كنا نجتمع لننظم أنفسنا ، كما أننا اخترنا معظم رفقائنا من هذين المحفلين، الذين ساعدا لجنتنا كغربال ، نظراً لما كانا يبديانه من دقة في الاستفسار عن الإفراد ، فكان العمل السري يجري في سلانيك قلما يثير الشكوك في [ اسطنبول ]، كما أن عملاء الشرطة حاولوا عبثاً دخوله يضاف إلى ذلك أن تتدخل السفارة عند الحاجة وقد وعد المشرق الأعظم بضمان ذلك ))( ) .
ونستنتج من ذلك أن المحافل الماسونية لم تكن الممول والمنظم للجمعية فحسب وإنما كانت تمارس عملاً آخر لا يقل أهمية عن التمويل والتنظيم المتمثلة بالعملية الاستخبارية إذ كانت مهمة تلك المحافل أيضاً التقصي وجمع المعلومات عن جميع الذين يرغبون بالانضمام إلى صفوف الجمعية .
وفي مقاله بعنوان ( الماسونية في البلاد العثمانية ) ، إشاد صاحب المقتطف بالدور الذي لعبته الماسونية في جمعية الاتحاد والترقي قائلاً : (( هذا ونحن العثمانيين مدينون للماسونية أكبر دين لأنها هي التي بثت في نفوس أعضاء جمعية الاتحاد والترقي روح الحرية وبها اقتدوا في انشاء جمعيتهم التي فكت قيود الاستبداد ))( ) .
وفي مقالة أخرى بعنوان ( الماسونية وكلمتنا الأخيرة ) كتب صاحب الهدى في المقتطف في إشارة منه ، إلى علاقة الحركة الماسونية بالدستور ( أي دستور 1876 المعطل في عام 1878 الذي أعيد العمل به بعد إنقلاب تموز عام 1908م )، وخطرها على الدستور والدولة العثمانية ، إذ قال (( أكبر خطر على الدستور العثماني الماسونية ، لأن الماسونية جمهورية بالاسم وتحاول قلب كل ملكية وخلافة وسلطنة لمنازع معروفة ، أهمها أن يكون أعضائها رؤساء وقواد وحكام ، ومع كونها تحاول استبدال كل ملكية بجمهورية فهي في الوقت نفسه أخشن مستبدة وأغلط ظالمه وأقبح مستأثرة لأن الجمهورية شورى والماسونية [ دكتاتورية ] ، وغير شعبية وغير عمومية ، فهي أذن خطر فوق كل خطر على الدستور العثماني الذي من مبادئه [ انهاء الخلافة ] ))( ) .
فضلا عن ذلك تدل مراسيم احتفال جمعية الاتحاد والترقي عند استقبال عضو جديد فيها والتي هي نفس المراسيم التي يقوم بها الماسونيون عند استقبال أحد الأعضاء الجدد ، إلى العلاقة الوثيقة بين جمعية الاتحاد والترقي والحركة الماسونية ، فقد أشار رودن بكستن مؤسس اتحاد البلقان الذي زار اسطنبول إلى أن من يرغب في الانتماء إلى جمعية الاتحاد والترقي وممن ينال ثقتهم بأنه أمام سر عظيم يجب الحفاظ عليه ، وعليه إن يقسم اليمين بذلك ، حيث تقوم المراسيم على إن يقاد العضو الجديد معصوب العين إلى قاعة ، حيث يجتمع آخرون معصوبو الأعين ، إذ يواجهون ثلاث غرباء يرتدون غطاءً يشبه العمامة على الرأس ، ويطالبونهم بأن يضعوا أيديهم على السيف ويقسمون بالحفاظ على السرية التامة ، وقتل أي شخص يخون جمعية الاتحاد والترقي ويعمل ضد الحزب سواء كان مقرباً أو صديقا ( ) .
وهذا يدلل على مدى التوافق بين أفكار واتجاهات وشرائع الماسونية مع أهداف وتطلعات جمعية الاتحاد والترقي ، حتى لتكاد هذه الجمعية أن تماثل وتطابق الماسونية في كل شيء إلا اسمها ، فضلا عن ذلك أن الشعارات التي ينادي بها الماسونيين ( حرية – عدالة – أخاء ) ، هي نفسها أصبحت شعاراً لجمعية الاتحاد والترقي( ) .
وجاء في المنار (( ... عميد الجمعية المسؤول أي رئيسها ويسمونه المرخص العام لأن من نظامها أنه ليس لها رئيس ويشبه الخلاف أن يكون لفظياً ))( ) .
وهذا يؤكد لنا أن الجمعية لا يوجد فيها مصطلح الرئيس ، وإنما كان هناك المرخص الذي كان بمثابة رئيس لها ، ولكن مصطلح الرئيس أقحم في الجمعية من قبل أعضائها فيما بعد .
ومن خلال ما تقدم يمكن أن نستنتج من الدلائل السابقة الذكر إن القسم في الدليل الأول هو نفس القسم الذي يقسمه الماسوني عند الانتماء إلى الحركة الماسونية ، وفي الدليل الثاني ، إن شعار الجمعية ( حرية – عدالة – أخاء ) وفي بعض الأحيان تحذف كلمة ( أخاء ) وتضاف بدلاً عنها كلمة ( مساواة ) هو نفس شعار الحركة الماسونية في كافة أنحاء المعمورة .
وفي الدليل الثالث ، منصب المرخص هو نفس المنصب الموجود ضمن الهيئات الادارية في المحافل الماسونية ، وبهذا يمكن القول إن جمعية الاتحاد والترقي هي أشبه بمحفل ماسوني مع مراعاة اختلاف التسمية .
أما يهود الدونمة ، فقد تغلغلوا في كافة المرافق الحيوية في الدولة العثمانية من اجل الوصول إلى نقاط الضعف فيها ، والعمل على إضعافها ومن ثم تمزيقها ليسهل السيطرة عليها تبعاً لشعارهم المرفوع دائماً ( فرق تسد ) ، لذا صدرت الأوامر اليهم من المجلس الأعلى لليهود لإعتناق الاسلام من أجل الاندماج في صفوف الشعب بغية تسهيل عملهم في الخفاء( ) .
كما عمد يهود الدونمة إلى تأسيس المحافل الماسونية والجمعيات السرية في مختلف أنحاء الدولة العثمانية للتغرير بالطلاب الأتراك والضباط في الداخل وادماجهم في صفوف الماسونية والهيئات العاملة لمصلحتهم ، وكان أهم تأثير سياسي ليهود الدونمة هو مشاركتهم الفاعلة في جمعية الاتحاد والترقي التي قادت انقلاب عام 1908 ، ضد السلطان عبد الحميد الثاني ، وقد أكد الباحثون في تاريخ هذه الجمعية والمعاصرون لها دور يهود الدونمة في نشاطها وتأثيرهم فيها( ) .
اما السلطان عبد الحميد الثاني ، فقد كان على علم بدور يهود الدونمة في جمعية الاتحاد والترقي ، لذلك طلب من حاخام اليهود موزس ليفي ، أن يكتب له تاريخهم فاقترح الاخير على حاخام سلانيك ان يقوم بهذه المهمة ، فأنجزها وقدمها الــى السلطان عبد الحميد الثاني الذي أعطاه اربعمائه ليرة ذهبية مكافأة على ذلك ( ) .
إلا أن الغريب في الأمر ان السلطان عبد الحميد الثاني ، بالرغم من علمه بما كان يصبو إليه اولئك الدونمة ، فقد كان متخوفاً وغير قادر على القيام بأي عمل تجاههم فقد ذكر احد المقربين من السلطان (( أن السلطان عبد الحميد الثاني كان يعلم بحقيقة أن الدونمة كانوا أعضاء نشطين في الحركة ضده ، ولكنه كان متردداً في اتخاذ قرار ضدهم بسبب تاريخهم الغامض والغريب الذي سبب له خوفاً وهمياً منهم ))( ) .
ولم يتوقف دور يهود الدونمة ، عند إنشاء المحافل الماسونية في سلانيك وضم الاتحاديين إليها وإنما كانوا بمثابة العقول المدبرة لجمعية الاتحاد والترقي كما تكفل أغنيائهم بتمويل الجمعية من أجل جعلها أداتهم في تقويض حكم السلطان عبد الحميد الثاني ، وفي هذا يقول السيرسيتون واتسون (Seton Watson) (( أن أصحاب العقول لحركة الاتحاد والترقي عام 1908 كانوا يهودا من الدونمة ، أما المساعدات المالية فأنها كانت تصل إليهم عن طريق الدونمة ويهود سلانيك [ الممولين ] ))( ) .
كذلك أكدت رسائل السفارة البريطانية في اسطنبول الى وزارة الخارجية دور يهود الدونمة وقوة تأثيرهم في جمعية الاتحاد والترقي ، فقد جاء في رسالة لوثر إلى غراي المؤرخة في 29 آيار 1910 ، بأن من احتلوا المناصب العليا من يهود الدونمة الماسون في الدولة العثمانية الجديدة لأكبر دليل على الدور الذي لعبه اليهود وجماعة الدونمة في مجلس تركيا الفتاة ( جمعية الاتحاد والترقي ) في سلانيك( ) .
وفي رسالة أخرى بعثتها السفارة البريطانية ، أكدت فيها أيضاً إلى إن المخططين لحركة تركيا الفتاة هم من اليهود بالدرجة الأولى ، وخاصة في سلانيك حتى أن ألوان علم الحركة ( الأحمر والأبيض ) هي نفس ألوان علم الماسونية الإيطالية ، كما وأصبح كل يهودي جاسوساً بالقوة للجمعية ، فالحركة هي حركة يهودية أكثر مما هي حركة تركية ( ) .
وفي مقالة الأديب والمؤرخ الفرنسي ( جادن براون ) التي نشرها في صحيفة " المحراب " في 15 كانون الثاني 1924 ، بدت الإشارات واضحة إلى العلاقة الوثيقة التي تربط بين يهود الدونمة وجمعية الاتحاد والترقي ، إذ قال (( يهود الدونمة أصحاب المصيدة ، هم أذكى الأقوام والأجيال التي تعيش في مدينة سلانيك ، أنتسب معظمهم إلى جمعية الاتحاد والترقي ، وقادوا الجانب الأكبر من ثورة تركيا الفتاة ، هذه الثورة التي قام بها أساساً اليهود ( الدونمة ) هؤلاء الذين لبسوا زي المسلمين زوراً وظلوا يهوداً في الحقيقة ومسلمين في الظاهر ، وأصبح لهم نصيب كبير في مقدرات الشعب التركي إلى الوضع الحالي ))( ) .
ويمكننا أن نلخص دوافع اليهود والماسونية وراء تبني جمعية الاتحاد والترقي ودعمها من قبل المحافل الماسونية الإيطالية والفرنسية والبريطانية والألمانية ، هو الأطماع الغربية في بعض ممتلكات الدوله العثمانية ( الرجل المريض ) ذات المواقع الاستراتيجية ، خصوصاً الولايات العربية التي كانت السيطرة العثمانية عليها غير مستقرة ، ومنها مطامع ايطاليا في ليبيا وفرنسا في بلاد الشام وتونس ، وبريطانيا في مصر وفلسطين والعراق أيضاً .
أما الدافع الاول والرئيسي لجميع تلك المحافل الماسونية ، فهو توطين اليهود في فلسطين ( أرض الميعاد ) ، وكذلك في العراق وهذا ما دفعهم من اجل تحقيق ذلك إلى العمل على تقويض وإضعاف حكم السلطان عبد الحميد الثاني ومن ثم عزله ، لتسلم السلطة والعمل على تفكيك الدولة العثمانية ، وتجزئتها ليتسنى للدول الراعية لتلك المحافل ، من أن تقتطع لنفسها الأجزاء التي تريدها ، مقابل وعداً منها بتبني إقامة الوطن القومي اليهودي في فلسطين .
ثانياً : دور اليهود والماسونية في انقلاب 1908 ، وخلع السلطان 1909 :
كان السلطان عبد الحميد الثاني دائم الشك بالمحافل الماسونية ونشاطاتها المريبة ، ففضلا عن الأسباب التي دفعته لمحاربة الحركة الماسونية( ) ، التي ذكرناها سابقاً ، نراه يبرر موقفه المعارض لها بسبب آخر إذ اعتبرها أحدى أداوت التغلغل الأجنبي في الدولة العثمانية ، فكما جاء على لسانه في مذكراته السياسية إذ قال (( الشيء الوحيد الذي استطاعوا تحقيقه هو بذر الشقاق والعصيان في البلاد وصفوف الجيش ، دون أن يدروا أنهم يعملون لحساب إنكلترا التي تذرعت بنشر الأفكار التحررية في إمبراطوريتنا ، بغية أضعاف قدرتنا ، وأشد ما يؤلمني أن يقوم هؤلاء المضللون من الأتراك بالتعاون مع اليونانيين والبلغار في سبيل إزاحة ( المستبد )( ) عن الحكم . رب أنهم مساكين ضعاف العقول لا يفقهون ))( ) .
أكدت الأحداث أن الحركة الماسونية ويهود الدونمة كانوا قد أدوا دوراً مؤثراً في التخطيط لانقلاب 1908 ، وخلع السلطان عبد الحميد الثاني عام 1909 إذ كانا بمثابة العقل المخطط والمدبر ، أما الدول الأجنبية فكانت بمثابة الممول والحامي لها( ) ، من خلال نفوذها في أوساط الباب العالي وبين الشبان الأتراك فكما ذكرنا سابقاً فأن الماسونية كانت قد دخلت الأراضي العثمانية منذ عام 1675 على يد يهود الدونمة( ) . ومن خلال دعمها ( أي الماسونية ) تمكن عدد من اليهود والماسون من الوصول إلى المناصب العليا في الدولة العثمانية ، وقد عبر عن ذلك أحد الصهاينة في مصر برسالة بعثها إلى جريدة الأهرام موقعه بأسم ( صهيوني ) والذي أشار بصراحة فيها إلى أن الحكومة العثمانية ولقرون طويلة( ) ، كان اليهود يحتلون فيها مناصب مهمة وعليا في جميع دوائرها( ) .
وكما ذكرنا سابقاً ، ان العداء المستحكم بين الحركتين الماسونية والصهيونية من جانب والسلطان عبد الحميد الثاني من جانب اخر ، كان سببه رفض السلطان لمطالب الحركة الصهيونية بالسماح لليهود في تملك فلسطين والإقامة فيها ، ويعود سبب هذا الرفض ، لرغبة السلطان في تجنب أثارة العرب من جهة ، ومن جهة أخرى بسبب مشكلة الأقليات في الدولة العثمانية ، لهذا فهو لا يحبذ وجود أقلية أخرى تكون سبب في نمو الشعور القومي لدى القوميات المكونة للدولة العثمانية ، مثل القومية العربية ، والقومية البلغارية واليونانية ، والارمنية ، والسلافية( ).
لذلك كان السلطان عبد الحميد الثاني يقظاً تجاه النوايا اليهودية في فلسطين إذ أشار في مذكراته السياسية (( لن يستطيع رئيس الصهاينة ( هرتزل ) إن يقنعني بأفكاره ، وقد يكون قوله : ستحل المشكلة اليهودية يوم يقوى فيه اليهودي على قيادة محراثه بيده ، صحيحاً في رأيه ، أنه يسعى لتأمين أرضاً لإخوانه اليهود ، لكنه ينسى أن الذكاء ليس كافياً لحل جميع المشاكل ، لن يكتفي الصهاينة بممارسة الأعمال الزراعية في فلسطين ، بل يريدون أموراً أخرى مثل تشكيل حكومة وانتخاب ممثلين ، أنني أدرك أطماعهم جيداً ، لكن اليهود سطحيون في ظنهم ، أنني سأقبل بمحاولاتهم ، وكما أنني اقدر في رعايانا من اليهود خدماتهم لدى الباب العالي فأني أعادي أمانيهم وأطماعهم في فلسطين ))( ) .
ونظراً لذلك رأى زعماء الحركة الصهيونية ضرورة التخلص من السلطان عبد الحميد الثاني ، لأن وجوده على رأس السلطة الحاكمة في الدولة العثمانية هو العقبة الرئيسية التي تحول دون تحقيق أهدافهم في فلسطين ، وقد عبر هرتزل عن هذا بقوله (( أنه يفقد الأمل في تحقيق أماني اليهود ، وأن اليهود لن يستطيعوا دخول أرض الميعاد مادام [ السلطان عبد الحميد الثاني ] قائماً في الحكم مستمراً فيه ))( ) .
وبعد إن منيت المساعي الصهيونية بالفشل ، ولم ينجحوا في إقناع السلطان عبد الحميد الثاني بالموافقة على استيطان اليهود في فلسطين ، ولم يتمكنوا من حمل القوى الأوربية على إقناع السلطان أو الضغط عليه ، قرر الصهاينة الانتقام من السلطان عبد الحميد الثاني ، بإزاحته عن العرش على أمل الإتيان بسلطان آخر يحل محله يمكن التفاهم معه( ) ، وسرعان ما أصدر المؤتمر الصهيوني أوامره إلى جميع المحافل الماسونية التابعة له في اسطنبول باجتذاب الضباط الأتراك الناقمين على السلطان عبد الحميد الثاني ، وتحريضهم على قلب نظام الحكم فبدأت هذه المحافل عملها وتمكنت من ضم عدد كبير منهم وراحت تغدق عليهم الأموال التي كانت تصل إليهم بوساطة جاويدبك الذي كان يشغل منصب أمين صندوق جمعية الاتحاد والترقي( ) .
وقبل هذا وذاك نجحت الصهيونية في تشويه سمعة السلطان عبد الحميد الثاني بغية حشد الرأي العام ضده ، وقد أفصح عن هذا الأمر ضابط يوناني يدعى ليونيدوس دواس الذي ألف كتاب أقتصر توزيعه على ضباط الجيش اليوناني طبع سنة 1949 جاء فيه : (( إن الصهاينة هم الذين أطلقوا على السلطان عبد الحميد أسم ( السلطان الأحمر ) لأنه لم يصبح أداة طيعة لآمالهم الشيطانية وقاومهم بعزم ثابت واتخذوا جبهة معادية ضده فقاموا ببث دعايات مغرضة عن معاملاته السيئة للطوائف غير المسلمة التي كانت تحت حكمه وأنه يضطهدهم ))( ) . ثم أردف قائلاً (( أن الصهاينة هم الذين حرضوا البلقان ضد الدولة العثمانية ))( ) .
كما استندت الحركة الصهيونية في تحقيق أهدافها في الداخل على يهود الدونمة والجماعات المعارضة لحكم السلطان ، ولاسيما جمعية الاتحاد والترقي التي نجحت الحركة الصهيونية في إقناع الكثير من قادتها ، بالانتماء إلى المحافل الماسونية المنتشرة في داخل وخارج الدولة العثمانية ، التي كانت خاضعة بحسب طبيعتها إلى توجيهات الحركة الصهيونية ، إذ أشار الباحث أسعد رزوق إلى الدور المهم الذي لعبه يهود الدونمة في انقلاب 1908 ، في قوله (( لعب يهود الدونمة على ما يبدو دوراً بارزاً في الانقلاب الذي جرى التخطيط له في عقر دارهم بمقاطعة سلانيك ، وانضم عدد منهم إلى جمعية الاتحاد والترقي فكانوا من الأعضاء البارزين فيها ))( ) .
وبهذا أصبحت جمعية الاتحاد والترقي الإداة التي استخدمتها الصهيونية من أجل تحقيق نواياها ، وذلك من خلال اليهود الموجودين في صفوفها والذين احتلوا المناصب القيادية فيها أمثال جاويدبك ، وعمانؤيل قرا صوه ، ومتر سالم وموئيز كوهين ، وغيرهم ، من جهة ، والمحافل الماسونية بمثابة الممول والحامي لها من جهة أخرى ، على الرغم من اختلاف أهداف الطرفين من حيث الظاهر ، إلا أنهما اتفقا على هدف أساسي والمتمثل بإزاحة السلطان عبد الحميد الثاني عن العرش( ) .
وهنا يمكننا أن نلاحظ أن السلطان عبد الحميد الثاني قد تآمرت عليه عدة قوى من أجل الإطاحة به بعد أن اتفقت مصالحها ، وهذه القوى هي الحركة الصهيونية ، والدول الكبرى الطامعة بتقسيم ممتلكات الرجل المريض ، وفي مقدمتها فرنسا وبريطانيا والقوى المعارضة وعلى رأسها جمعية الاتحاد والترقي .
ادت كل من فرنسا وبريطانيا دوراً كبيراً ، ولمدة طويلة في التمهيد والإعداد من أجل الإطاحة بالسلطان عبد الحميد الثاني ، فبالنسبة إلى فرنسا نراها قد احتضنت المعارضين العثمانيين منذ وقت مبكر يعود إلى عهد السلطان عبد العزيز ( 1861-1876 )( ) . ازداد هذا الدور في عهد السلطان عبد الحميد الثاني ، وذلك بسبب أطماعها في بعض أجزاء الدولة العثمانية ، وفي مقدمتها (شمال افريقيا وبلاد الشام ) ، وفي سبيل تحقيق ذلك قدمت فرنسا المأوى والحماية للشبان الأتراك من أجل استغلالهم في تحقيق تلك الأطماع لذلك نراها ترعى في عامي 1902 و 1907 مؤتمري المعارضة والتي كان الهدف منها كيفية خلع السلطان عبد الحميد الثاني ، وإعادة العمل بدستور عام 1876 ، والذي كان من أهم نتائجها استخدام القوة في حال رفض السلطان لمطالبهم( ) .
أما بريطانيا التي كانت من أكثر الدول الأوربية طمعاً في ممتلكات الدولة العثمانية فقد أثبتت الوقائع التاريخية دعمها الكبير للقوى المعارضة للسلطان عبد الحميد الثاني منذ وقت مبكر ، إذ كانت بريطانيا وراء مؤامرتين كان الهدف منهما أما عزل السلطان او قتله وكانت المؤامرة الأولى في آيار 1878 ، بقيادة علي سعاوي أحد أعضاء تركيا الفتاة( ) ، والثانية مؤامرة ماسونية قامت بها جمعية ( كلانتي سكالييري - عزيز ) في تموز 1905( ) .
إلا إن هاتين المؤامرتين منيتا بالفشل ، مما دفع السلطان عبد الحميد الثاني الى مراقبة الفكر الوافد من الخارج ‘ فهرب أحد أعضاء المؤامرة المدعو علي شفقتي بك إلى نابولي ومنها إلى جنيف ، إذ أصدر بين عامي 1879و 1881 صحيفة مناهضة للحكم العثماني بعنوان ( استقبال) وتعني المستقبل( ) .
استمرت بريطانيا في تقديم دعمها الى جمعية الاتحاد والترقي والى معارضي السلطان عبد الحميد الثاني كافة من خلال محافلها الماسونية في الدولة العثمانية ( ) ، كذلك قيامها بضمان تهريب بعض المعارضين على متن بواخرها وخير مثال على ذلك عندما قامت بتهريب إسماعيل كمال باشا على متن احد بواخرها الى اليونان في ايار 1900 ( ) ، وفي شاهد أخر على دعم بريطانيا لمعارضي السلطان عبد الحميد الثاني ، نشر في المقتطف على لسان أحد أعضاء جمعية الاتحاد والترقي (( ... وخطب برتوبك بالتركية ، وأثنى الثناء العاطر على الحكومة الإنكليزية لانها ساعدت العثمانيين في هذا الانقلاب المبارك الذي قوض أسس الاستبداد ، ووطد أركان الحرية في الممالك العثمانية ، وقال صريحاً ان الماسونية كانت المحرك الأول والمرشد الأكبر ... للإتحاد والترقي )) ( ) .
أضف الى ذلك علم بريطانيا بقرب قيام الانقلاب عام 1908 ، اذ أرسلت الجمعية في أوائل تموز من يبلغ القنصل البريطاني في مانستر بأن هناك ثورة ستحدث خلال ايام قلائل ليس هدفها اثارة العداوة تجاه المسيحيين ، وأراد معرفة ما ذا سيكون عليه موقف بريطانيا ( ) .
عارضت الجمعية نظام حكم السلطان عبد الحميد الثاني ، حيث الخلل في الإدارة والاستبداد وكثرة الفتن في البلاد والأخطار التي كانت تهدد الدولة وكانت هذه دوافعهم للقيام بالثورة حسب ما كانوا يصرحون به ، اذ كانت تسعى من اجل طلب الحرية والعدل لجميع العثمانيين وإيجاد حكومة قادرة على الحفاظ والدفاع عن الدولة العثمانية والعودة إلى الحياة البرلمانية بإحياء الدستور وإدخال النظم الحديثة في الإدارة والجيش ( ) .
ان المتمعن بهذه الدعايات لا بد ان يلاحظ أنها جميعاً تصب في مطلب فئة معينة تمثلت بـ(اليهود والماسون) فالعدل الذي كانت تطالب به كان للسماح لها في شغل المناصب العليا في حكومة تكون هي المسيطرة على مقدراتها وخاصة المناصب الحساسة في الدولة التي كانت تخدم مصالح المحافل الماسونية ، كوزارت المالية والداخلية والتعليم ، وهو ما حصلت عليه بالفعل بعد انقلاب 1908، اذ حصل اليهودي جاويد بك على منصب وزير المالية والماسوني طلعت بك على منصب وزير الداخلية والماسوني نائلي افندي على منصب وزير المعارف ( ) .
وخارج اطار المؤامرة كانت هناك ، عوامل ساعدت على القيام بالانقلاب او التعجيل به ، فقد تعرضت الدولة العثمانية لظروف خارجية وداخلية أجبرتها على اتخاذ مواقف عديدة جاءت في غير صالحها اذ ان الأقاليم العثمانية في البلقان أصبحت بؤرة رئيسية للدبلوماسية الأوربية ، وتزايدت نسبة خطورة القومية البلقانية( ) ، ومنها على سبيل المثال وليس الحصر اندلاع ثورة جزيرة كريت عام 1897 المدعومة من اليونان ( ) ، كما شهدت المناطق العربية هي الأخرى قيام بعض الثورات كما حدث في حوران ، واليمن عام 1891 ( ) .
كما خسرت الدولة العثمانية ، نتيجة للحرب الروسية العثمانية بين عامي 1877-1878منطقة واسعة في البلقان ، حيث كانت دويلات الحكم الذاتي في بلغاريا والبوسنة والهرسك ، خاضعة إداريا لإمبراطورية النمسا والمجر كما انها تخلت عن تيزالي (Thessaly) ومقاطعة ارتاس الى اليونان ، وفي اسيا ضمت مقاطعتي قارص واردهان في أرمينيا التركية ، وفي أفريقيا طالب البريطانيون بمصر والفرنسيين بتونس ، ولم يتردد الإيطاليون بإخفاء طموحاتهم الإقليمية في طرابلس فبدأت حركات التحرر والمعارضة في كريت وأرمينيا ومقدونيا تصل الى مستويات أقلقت السلطان عبد الحميد الثاني ( ) .
فضلا عن ذلك كان تأخر دفع رواتب الجند والترقيات غير المنصفة في صفوف الجيش ، قد سبب الكثير من الاستياء وهذا انعكس سلباً على سلطة السلطان عبد الحميد الثاني ، اذ كتب السيد باركلي Mr.Barclay)))) تقريراً مفاده ان غالبية الضباط في الفيلق الثالث في مقدونيا يؤيدون حركة تركيا الفتاة ، ويخططون إلى اعادة دستور عام 1876 ( ) .
لذلك نرى ان هذه الأسباب قد أثارت نقمة الضباط الشبان المندفعين الذين انضموا الى صفوف جمعية الاتحاد والترقي ،الذين أخذتهم العزة بالإثم جهلاً منهم بما كان يدور من مؤامرات تستهدف نهاية الدولة العثمانية ،وليس مجرد خلع السلطان عبد الحميد الثاني .
قررت جمعية الاتحاد والترقي البدء بالانقلاب في ذكرى مقتل السلطان عبد العزيز الا ان ظروفاً استجدت جعلتهم يؤجلون موعد التنفيذ من حزيران الى تموز 1908 ( ) .ففي العاشر من حزيران 1908 عقد اجتماع بين الملك البريطاني ادوارد السابع والقيصر الروسي نيقولا الثاني في ريفال (( Revul )) في روسيا اتفق فيه الاثنان على إنهاء خلافاتهما والقضاء على الحكم العثماني في مقدونيا في حال رفض السلطان عبد الحميد الثاني إجراء الإصلاحات فيها ، وكان هذا الحدث بمثابة النار التي اشعلت فتيل الانقلاب ضد السلطان ( ) .
ففي 3 تموز 1908 ، استغل اليوزباشي (النقيب) احمد نيازي بك ذهاب اغلب الضباط الى صلاة الجمعة وبتخطيط مسبق قرر هو ورجاله سرقة الأسلحة والذخائر من المعسكر والفرار الى المرتفعات ، وقد تألفت قوته من (200) جندي العدد نفسه ،من المتطوعين المدنيين غير النظاميين ، ومن هناك أصدر نيازي بك بياناً اوضح فيه سبب تمرده العسكري ،هو محاربة الظلم والطغيان ، وإجبار الحكومة على إعادة دستور عام 1876( ) .
وقد حذا حذو نيازي بك ،ضباط اخرون كان على رأسهم البكباشي (المقدم)(انور بك ) ( ) ، و أيوب صبري ، وحينما وصلت أنباء عصيان نيازي الى اسطنبول ،أرسل السلطان عبد الحميد الثاني ، شمسي باشا ،احد قواده المخلصين الى مانستر من اجل القضاء على التمرد ،الا ان الأخير كان قد اغتيل عند خروجه من مبنى بريد مانستر في 7 تموز 1908 ،على يد احد رجالّ جمعية الاتحاد والترقي ،الملازم اول عاطف بك ،وكانت تلك الحادثة أول وأقوى ضربة وجهتها الجمعية الى الحكومة ،وفي الوقت نفسه أنقاذ نيازي بك ورفاقه من بطش شمسي باشا ( ) .
وفي 12 تموز 1908 ،أصدرت الجمعية بياناً من مانستر باللغة الفرنسية أرسلت نسخاً منه الى كل قنصليات الدول العظمى بينت فيه أهداف هذا التمرد ، وأهمها إعادة العمل بدستور عام 1876 وفي الوقت نفسه الذي صدر فيه البيان عن الجمعية ،وصل الى مانستر بديل شمسي باشا ،المشير عثمان باشا الذي واجه فشلاً كبيراً في تحقيق مهمته المتمثلة بالقضاء على القوات المتمردة ،بعد ان رفض جنوده إطلاق النار على رفاقهم ،بل ذهب الجند الى ابعد من ذلك اذ قاموا باعتقال قائدهم عثمان باشا ، وفي 20 تموز من العام نفسه هاجم أهالي مانستر المخازن العسكرية ،وسيطروا عليها تأييداً لإعلان الدستور ( ) .
وفي 23 تموز 1908 ،أعلن الجيش الثالث وضباطه في سلانيك تمرده وهدد بالتقدم نحو العاصمة اسطنبول في حال عدم موافقة السلطان عبد الحميد على اعادة العمل بدستور 1876 ،وعودة مجلس المبعوثان ( ) ، وعندما علم السلطان بتأزم الوضع وسيطرة الجيش المتمرد على مقدونيا أذعن لمطالب الانقلابيين وأعاد العمل بالدستور في 24 تموز 1908 ( ) .
ومما يسجله التأريخ من مواقف ايجابية لصالح السلطان عبد الحميد الثاني انه لما علم بسيطرة الجيش الثالث على مقدونيا ، ونيته بالتقدم نحو العاصمة اسطنبول ، أصدر أوامره الى حامية اسطنبول ،بعدم مقاومة القوات الزاحفة من سلانيك الى اسطنبول حقناً للدماء ،حتى عندما طلب الجند منه ذلك قائلاً : (( ان كل ما يرمون هو خلعي او قتلي وانا شخص واحد ،فإذا أمرتكم بالمقاومة سقط القتلى منكم ومنهم ، وانتم جميعاً افراد هذه الأمة والأمة ستحتاج اليكم فيما ينزل بها من شدائد )) ( ) .
وهكذا أعاد السلطان عبد الحميد الثاني العمل بالدستور في 24 تموز 1908 وتم رفع الرقابة عن الصحافة ،وقضي على شبكة جواسيس السلطان وتم طرد الموظفين الرسميين في النظام القديم ،مثل رئيس كتاب القصر تحسين باشا ، وعين مكانه علي جواد بك وهو من انصار جمعية الاتحاد والترقي الذي بقي في منصبه ثمانية اشهر وعدة ايام ،أي حتى عزل السلطان عبد الحميد الثاني في نيسان 1909 واستقال الصدر الأعظم سعيد باشا ، وعين كامل باشا مكانه ، وعين رجب باشا وزيراً للحربية وعين احمد رضا بك رئيساً لمجلس المبعوثان .( ) .
أولت الصحافة الصهيونية في أوربا أنباء انقلاب جمعية الاتحاد والترقي عام 1908 ،اهتماماً بالغاً ،ومن تلك الصحف الصحيفة الصهيونية (Neue Freie Presse) التي قامت بنشر أخبار الانقلاب وتأييده ،ومن اجل تشويه صورة السلطان عبد الحميد الثاني ، نشرت تلك الصحيفة تصريحات قادة الاتحاديين أمثال فهمي باشا الذي ذكر مساوئ حكم السلطان عبد الحميد الثاني ، كما تحدث عن مساوئ الرقابة الشديدة وعلى التقارير المختلفة ،وكانت صحيفة اقدام قد ترجمت هذا الموضوع في حينه ( ) .
ان الهدف الرئيسي من قيام الانقلاب كان قد حدد في عام 1900 من قبل الحركتين الصهيونية والماسونية ،اذ قرر المشرق الأعظم الفرنسي في العام نفسه إزاحة السلطان عبد الحميد الثاني الا ان الأخير كان قد وضع جواسيسه خارج المحافل الماسونية ، حيث كان هؤلاء يسجلون أسماء من يرتادها من الضباط والمدنيين ، وقد اشار لوثر الى هذا قائلاً : (( ان جواسيس السلطان عبد الحميد ] الثاني[ ، قد تمكنوا من معرفة الحركة ،وربما يكون مقتل اسماعيل ماهر باشا بشكل غامض بعد انقلاب تموز عام 1908 ، الا انه قد علم أسرارهم وكتب بها الى قصر يلدز ))( ) .
ويعزى سبب إبقاء السلطان عبد الحميد الثاني في السلطة على الرغم من النية بعزله عن الحكم حتى عام 1909 هو لانه كان قد مارس سياسة مرنة مع اعدائه من خلال تنفيذ رغباتهم بإعادة العمل بالدستور عام 1908 ، فضلا عن ان الجمعية لم يكن لديها القوة الكافية لعزله في عام 1908 خاصة وان له الكثير من الجند ممن يبجلونه ويدينون بالولاء له ( ) .
وفي الحقبة التي تلت إعادة العمل بالدستور في عام 1908 لم تتغير اراء أعضاء الحكومة الجديدة عن اراء السلطان عبد الحميد الثاني ، بشأن الهجرة اليهودية الى فلسطين ،فكان لابد للمنظمة الصهيونية العالمية ان تتدبر امر التخلص من السلطان عبد الحميد الثاني بصورة نهائية ( ) .
كما جاءت الأحداث التي جرت مابين إعلان الانقلاب في عام 1908 وعزل السلطان عام 1909 مناقضة لما نادى به الاتحاديون قبل توليهم السلطة حول الحفاظ على وحدة و استقلال أراضي الدولة العثمانية اذ خلال هذه الحقبة أعلنت بلغاريا استقلالها وتكوينها بلغاريا الملكية في 5 تشرين الأول 1908 وأعلنت النمسا ضم البوسنة والهرسك اليها في 9 تشرين الأول 1908 ، وإعلان جزيرة كريت التحاقها باليونان في 10 تشرين الأول 1908 ( ) ، وهذا ما يؤكد لنا ان الاتحاديين قد جاءوا من اجل تفتيت الدولة العثمانية لا من اجل الحفاظ عليها والارتقاء بها وهذا يتفق مع المخطط الصهيوني الذي يرمي الى تفتيت الدولة العثمانية من اجل تحقيق ما يرمون اليه .
تضامناً مع الحركة الصهيونية كان زعماء جمعية الاتحاد والترقي قد أعلنوا مراراً عن المشاريع التي وضعوها لتحسين أحوال اليهود في الدولة العثمانية وكان الدكتور ناظم في مقدمة هؤلاء ومن المشاركين في انقلاب 1908 واحد أقطاب الجمعية ، والذي كان يعد نفسه صديقاً لليهود ،قد صرح ان الحكومة العثمانية عازمة على إنفاق مبلغ ( 5 ) ملايين ليرة تركية لتوطين المهاجرين الأجانب في المناطق المقدونية ، وعشرين الفاً من اليهود المهاجرين من رومانيا ،وكان ناظم بك قد أيد إدخال بضعة ملايين من المهاجرين اليهود الى العراق ( ) .
كما اكد احد الزعماء الصهاينة بعد نجاح الاتحاديين في السيطرة على الحكم ، ان أبواب فلسطين مؤهلة لأن تفتح لليهود بدون صعوبة وان الزعماء الجدد يسرهم الاستيطان اليهودي ( ) ، ومما تقدم يمكننا القول ان المدة الممتدة ما بين عامي (1908 -1909) كانت كافية كي يعرف مدبرو الانقلاب من الماسون واليهود الأعضاء في الدولة ،على مستوى المسؤولين والجيش وكبار رجال المجتمع ممن هم في صفهم او من هم معارضون لهم ،وعلى هذا الأساس دبرت (فتنة 31 آذار) لتحقيق لهم غرضين الأول ، هو إنهاء حكم السلطان عبد الحميد الثاني ، والثاني تصفية جميع المعارضين لتوجهات الصهيونية العالمية ، ونفوذ اليهود والدونمة والماسونية في الدولة الاتحادية وتحميل السلطان مسؤولية هذه الفتنة .
تعد حادثة 31 آذار 1909 (حسب التقويم الرومي) او 13 نيسان (حسب التقويم الميلادي )، نقطة تحول خطيرة في تأريخ الدولة العثمانية ، وتسمى في التأريخ العثماني بالفتنة الارتجاعية او الثورة المضادة او حادثة (31 آذار) وكلها تسميات لما حــدث ليلة ونهار 12/13 نيسان من تلك السنة ( ) .
تم التخطيط لحادثة 31 آذار ، من قبل رجال الاتحاد والترقي من اجل خلع السلطان عبد الحميد الثاني ، وكانت هذه الخطة تقوم على اساس اصطناع او خلق القوى المعارضة لجمعية الاتحاد والترقي والتي ستكون (أي المعارضة) اداة الجمعية في اثارة هذه الفتنة مع حرص الجمعية على عدم معرفة تلك المعارضة بهذه الخطة .
اما هذه الخطة فأساسها اثارة رجال الدين المسلمين ،من خلال بعض التصرفات المخالفة للدين الاسلامي والتي من شأنها ان تولد ردة فعل لدى الجنود وهم من المسلمين المتأثرين برجال الدين ،ووفقاً للخطة المرسومة أصدرت الجمعية قانوناً يقضي بتطبيق التجنيد الإجباري على طلبة المدارس الدينية ، بعد ان كانوا معفيين من الخدمة العسكرية ،مما أدى الى زيادة النقمة على الجمعية ( ) .
وعلى مستوى الجيش قامت الجمعية بتسريح عدد كبير من الضباط الذين ترقوا من خلال الخدمة الطويلة في الجي