أفريقيا
بلاد النيجر
في شمال غرب أفريقيا وبين حدود الصحراء وغابات النيجر وفي قرى من أكواخ مدورة ،هناك، يعيش فلاحون الفلوبيس* Flubes ، الذين يتقاسمون السهل الكبير مع قبائل متنقلة من طوارق وعرب و أفارقة .
في كل المنطقة تلك تم اكتشاف آثار مدن ، وأنقاض وأسوار وقلاع كعلامات عن حضارة قديمة ومزدهرة ، قد تقوضت واختفت .
شعب الفولبيس المكون من رجال لهم سحنة قمحية وذكاء حاد متخصص بالرعي وزراعة الحقول و أعمال أخرى .
ويمثل شعب الفولبيس تأكيداً كبيراً لأولئك الذين في أزمان أخرى ، صنعوا واحدة من أهم الحضارات الإفريقية والمثيرة للفضول .
وإلى جانب الآثار والأنقاض ، فلقد تم اكتشاف والتقاط أساطير وحكايات قيّمة عن الحب والفروسية ، رغم أن شعب تلك المنطقة كباقي شعوب أفريقيا قد عانى من استعمار القوى الغاشمة .
* تطلق على الشعوب التي تسكن في القسم الغربي من الصحراء الافريقية(المترجم)
سامبا غانا*
في مدينة " واغنا Wagna " كانت الملكة " أناليا- تو-باري/
Analia Tu-bari" ، وكان والدها هو أمير واغنا وسيد قرى كثيرة ، وفي إحدى المرات خاض حرباً مع أمير عدو انهزم فيها والد " أناليا " ، فتم تجريده من ممتلكاته ، وكان عليه أن يسلّم احدى قراه ، لكن كبرياءه لم يسمح له بتحمل ذلك ، فمات كمداً وغماً و ورثت أناليا كلّ المملكة عن أبيها .
حضر أعدادٌ كبيرة من الفرسان إلى مدينة "واغنا" ، يطلبون يدها للزواج ، لكن " أناليا " كانت تحزم بطلبها ، ليس فقط أن يستردوا القرية الضائعة ، إنما ثمانين مدينة أخرى !! لكن لا أحد من الفرسان تجرأ على هذا المهر الحربي .
ومرّت السنوات وفقدت " أناليا " كل سعادتها ، ومع أنها كانت تزداد جمالاً في كل يوم ، إلا أنها كانت تزداد حزناً
في بلدٍ مجاورٍ كان لأميرها ولدٌ يدعى "سامبا - غانا" ، وعندما كبر هجر مدينة أبيه حسب عادات البلد ، وخرج ليحتل أراض ٍ ومدن ٍ أخرى ، كي يقيم عليها مملكته .
كان "سامبا- غانا" شابا مبتهجاً دائماً ، وقد خرج سعيداً من مدينة والده يرافقه اثنان مدرعان .
أعلن سامبا الحرب على أمير مدينة و تحدّاه إلى منازلة فتصارع الاثنان ، والمدينة كلها تشاهدهم ، وأخيراً انتصر "سامبا غانا " فطلب الأمير المهزوم منه أن يعفوعن حياته ، ويقدم له مدينته . فبدأ سامبا يضحك ويقول:
" ابق َ مع مدينتك فهي لا تهمني ".
تابع " سامبا " طريقه ، وهزم الأمراء واحداً تلو الأخر ، و دائماً كان يعيد كلّ ما يحصل عليه بفوزه إلى كل أميرٍ مهزوم ، ويقول له:
" ابقَ مع مدينتك فمدينتك لا تهمني ".
تمكن " سامبا غانا "من هزيمة كل أمراء البلاد ، ومع ذلك لم يكن يملك أرضاً ولا مدينة ، لأنه بعد كل انتصاراته كان يعيد كلَّ شيءٍ ، ويمضي ضاحكاً مبتهجاً و حالماً .
وفي يوم كان يرتاح فيه مع مرافقه عند ضفاف نهر النيجر ، غنّى المرافق الأغنية الرائعة لـ"أناليا- تو- باري" ، و المليئة بالحزن وعزلة الأميرة .
قال المرافق : " الرجل الذي سيحظى بـ"أناليا" وسيجعلها تضحك هو فقط ذاك الفارس الذي سيسترد ثمانين مدينة "
عندما سمع "سامبا غانا" ذلك وثب بقفزة سريعة ، وصاح : " هيا يا أصحاب العضلات اسرجوا الخيول !! هيا بنا إلى بلاد أناليا- تو- باري ".
انطلق سامبا بمسيرة مع المرافقين المدرعين ، واستمروا أياماً وليالي يمتطون الجياد يوماً ،حتى وصلوا إلى مدينة
" أناليا تو باري " ، فرأى "سامبا غانا" امرأةً رائعةَ الجمال وشديدة الحزن . فقال لها : " أناليا أنا سأسترد المدن الثمانين ". وقرر أن ينطلق في مسيرة ثانية .
قال لمرافقه : "ابق هنا مع أناليا ،غنّ لها وروّحها عن نفسها ، اجعلها تضحك ". فبقي المرافق في مدينة "أناليا توباري " ، وكلّ يومٍ صار يغني لـ"أناليا " أغنيات عن أبطال بلادها ، وعن مدنها ، وعن أفاعي النهر التي تجعل مستوى المياه يرتفع ، فتجعل الناس يخزنون الأرز لسبع سنوات ويبقون جائعين لسبع سنين أخرى .
وكانت اناليا تستمع له ، بينما " سامبا غانا " كان يقطع الأمصار ، ويحارب الأمراء واحداً تلو الآخر . فأخضع ثمانين أميراً ، ولكلّ مهزومٍ منهم كان يقول :
" عليك الحضور أمام أناليا توباري ، وأن تقول لها : إن مدينتك صارت لها ".
ذهب الأمراء الثمانون يرافقهم أعداد كبيرة من المحاربين إلى مدينة "واغانا" ، وسكنوا هناك ، فأخذت مدينة أناليا تتسع وتتسع ، إلى أن أصبحت ملكة على الأمراء والمحاربين في كل الأمصار .
قال سامبا غانا لها: " كل شيء تمنيته قد أصبح ملكا ً لك ".
فقالت أناليا : " لقد وفّيت بوعدك ،سأكون زوجتك ".
فقال سامبا غانا :
" لماذا أنت حزينة؟ إنني لن أتزوج منك إلا عندما تعود البسمة إليك ، وأراك تضحكين ".
قالت أناليا : " لقد كان عار والدي المهزوم يبعث الحزن فيّ ، والآن لا أقدر على الضحك ، لأنني لم أجد أحداً يقدر على اتمام رغبتي " .
قال سامبا غانا: " أشيري عليّ ماذا عليّ أن أفعل ؟ " .
قالت : " اقتل الأفعى التي في النهر !! فهي تأخذ الخيرات لسنة كاملة فيكون هناك مجاعة لسنة كاملة ، وأنا سأكون سعيدة لقتلها " .
قال سامبا : " لم يجرأ أحدٌ على ذلك ، لكنني سأقوم به " .
اتجه سامبا غانا مع رجاله الثلاثة نحو النهر، و بحث عن الأفعى واستمر في المسير والبحث ، فوصل إلى مدينة فلم يعثر على الأفعى، واستمر يمشي مع النهر ويبحث عن الأفعى ، فوصل إلى مدينة أخرى ولم يجدها !
واستمر في البحث إلى أن عثر عليها أخيراً ، وبدأ يتصارع معها !! وفي النهاية انهزمت الأفعى وكذلك سامبا غانا !!
كان تيار النهر يأخذهما من جهة إلى جهة ، ويمر بين الجبال ، ثم يفتح أراض ويدخل فيها .
استمر الصراع ثماني سنوات بين سامبا والأفعى ، وفي العام الثامن هزمها . وخلال هذا الوقت كسر سامبا ثمانمائة رمح وثمانين سيفاً ، و أخذ أحد الرماح المليئ بالدم فأعطاه إلى مرافقه قائلا :
" خذها إلى أناليا ، وقل لها : إنني هزمت الأفعى ، وانظر إليها جيداً لترها إن كانت ستضحك " .
عاد المرافق وسلّم هدية سامبا غانا ، وعندما سمع سامبا كلام أناليا قال: هذا عظيم جداً .
أخذ سامبا السيف المبلل بالدم و غرسه في صدره وضحك مرة ثانية قبل أن يسقط ميتاً .
أخذ المرافق السيف المدمي ، و امتطى الخيل ، ومضى باتجاه أناليا ،وعند الوصول قال لها :
" هذا سيف سامبا غانا ، والدم الذي عليه هو دم الأفعى و دم سامبا الذي ضحك لآخر مرة " .
جمعت أناليا كلّ الأمراء والمحاربين في المدينة ، وامتطت خيلها ، فامتطى الجميع خيولهم ، وتبعوها نحو البلد الذي مات فيه سامبا غانا .
وصلت أناليا إلى المكان الذي كانت فيه جثة سامبا غانا وقالت:
" لقد كان بطلاً عظيماً ، ليس له مثيل عند من سبقوه ، أقيموا له ضريحاً ، وليكن الأعلى بين أضرحة الملوك والأمراء والأبطال " .
وبدأ العمل لذلك ، فحفر الأرض رجالٌ حاصل عددهم هو ثمانية أضعاف الرقم ثمانمائة .
ونفس العدد من الرجال قاموا ببناء الضريح ،و كذلك الرقم من الرجال قاموا بتجميع التراب فوق الضريح ، و رصرصوها ثم أحرقوها فظهر هرمٌ كبير .
عند كل غروب كانت أناليا وأمراؤها و رجالها المحاربون يصعدون إلى قمة الهرم وكل مساء كان المرافق يغني أغنية البطل ، وعند كل صباح كلّما كانت أناليا تستيقظ كانت تقول:
" الهرم ليس عالياً بما يكفي ، يجب رفعه كي تُرى منه كلُّ مملكة واغانا " .
ثمانية أضعاف العدد ثمانمائة من الرجال حفروا الأرض ورصرصوها ثم حرقوها .
وطوال ثمانية أعوام كان الهرم يكبر و يطول ويرتفع ، ومع نهاية العام الثامن نظر المرافق بعينيه الدائريتين وقال: "يا أناليا توباري اليوم يمكنك رؤية "واغنا"..
نظرت أناليا نحو الغرب وقالت: " ها أنا أرى "واغنا" و ضريح سامبا غانا هو العظمة التي يستحقها اسمه " .
وضحكت أناليا !! نعم ضحكت كثيراً !! وقالت:
" الآن انفصلوا أيها الأمراء ، تفرقوا في أنحاء الأرض ، و كونوا أبطالاً مثل سامبا غانا " .
وضحكت أناليا مرة ثانية قبل أن تسقط ميتة ، ويدفنوها في سرداب الهرم إلى جانب سامبا غانا .
* Samba Gana