عبقرية الناس البسطاء
كان رجل وزوجته وهما مسنان بالعمر و فقيران ، يعيشان سعيدين ومتاحبين ومستعدان دائما أن يجد كل واحد منهم عمل الآخر عملاً رائعاً ، وأن يـُظهر الموافقة على أفعاله بوجهٍ فرح .
كانا يسكنان كوخاً بسيطاً ، وكان لديهما حصان لا يزال قوياً بعد ..وكانا يعيرانه للجيران في القرية دائما إذ كان بعضهم يحتاجونه لحراثة أرضهم أو للمساعدة في نقل الأعشاب في موسم الحصاد .
وفي مقابل هذه الأفضال ، كان العجوزان يتلقيان بعض قطع اللحم من الذبائح التي تقدم للقديس "سانت مارتين" ، وفي الصيف بعض الهدايا من الأسواق التي كانت تقام في القرى المجاورة وهكذا كانا يمضيان حياتهما سعداء و فرحين ،لا يحسدان ثروات الآخرين .
في يوم من الأيام أقيم سوق في القرية المجاورة فقال العجوز لزوجته:
: "ما رأيك لو أنني بعت الحصان في السوق ؟ فنحن عجوزان ، وقد نحتاج يوماً ما إلى بعض الإدخار ليساعدنا ، وعند ذلك إذا أردنا أن نبيع حصاننا فإنهم لن يدفعوا لنا السعر الحقيقي لما يستحق " .
: "يبدوا أنك قد حسبتها جيداً ، إنها فكرة عظيمة "، قالت الزوجة وقامت تحضر الثياب الجديدة لزوجها .
امتطى العجوز حصانه ، واتجه نحو السوق ، و مع أنه لم يبتعد كثيراً عن القرية فلقد تقاطع في الطريق مع شاب يسوق بقرة ليست كبيرة وليست سمينة ، لكن شعرها كان براقاً والقرون قوية جداً ، توقف العجوز لينظر إلى الحيوان الجميل ، وفي نفس الوقت سأل:
" اسمع أيها الشاب !! هل تدر هذه البقرة كثيراً من الحليب؟ ".
:" خمس ليترات تقريباً.. هذا ما يحلو لها كلما حلبتها ، ويمكن حلبها مرتين وثلاث في اليوم إذا وضعت لها البرسيم جيداً ".
:" البرسيم لن ينقصها فهو عندي- قال العجوز- أريد أن نقوم بمبادلة ، أعطيك حصاني وأنت تعطيني البقرة ، ستكون زوجتي سعيدة بذلك ، إذ يمكنها أن تصنع الجبن والزبدة ، ويمكننا تناول مقداراً كبيراً من الحليب " .
وافق الشاب ، وتابع العجوز طريقه مع البقرة ، وهكذا كان يتسلى برؤية البقرة ة، تأكل العشب الطري من المرج عندما التقى بشاب له عضلات مفتولة ، مكنته أن يجعل خنزيراً بديناً وثقيلاً يمشي إلى السوق !! .
توقف الرجل الطيب معجباً بتدويرة أنف الخنزير ، وسأل الشاب :
" كم يمكن أن يزن ؟ وكم حلقة من السجق والنقانق يمكن أن يعطي مع حلول موسم الذبح ؟ "
: "آه!!عن هذا لا يمكنا الحديث ، فليس سهلاً إجراء الحسابات ، لكن بالتأكيد لن يكون ثانٍ مثله في كل السوق ، إنه خنزير حصل على ميدالية في إحدى المسابقات ".
: " ميدالية؟- قال العجوز- اسمع أيها الفتى !! أريد أن أزف السعادة إلى زوجتي ، فهي ستكون فخورة لو إنها امتلكت هذا الحيوان صاحب الميدالية في السباق ، هل ترغب بمبادلتي به بالبقرة؟ " .
فكر الشاب للحظة ، وبعدها وافق على المبادلة ، ثم ابتعد سريعاًَ مع البقرة قبل أن يندم العجوز .
ولم يمض على ذهابه سوى مائة متر ، حتى صار يتوقف كل دقيقة بسبب المشية البطيئة والثقيلة للخنزير ، وعندما مرّ بالقرب من شاب يحمل بين ذراعيه وزّة رائعة بريش يلمع بيضاء و كبيرة مثل البجعة . بقي العجوز الفلاح مندهشاً يفكر في ليالي الشتاء الباردة ، ليالي الثلج والأعاصير ، فكّر في زوجته وهي ترتجف في الفراش من غير أن يكون هناك لحاف دافئ وناعم ، فسأل في الحال:
: "اسمع أيها الشاب !! هل تقبل بمبادلتي هذه الوزة بهذا الخنزير ؟ وستخرج أنت الرابح ، وأنا ساكون سعيداً جداً " .
ومع أن الشاب استغرب لوقت طويل من هذا الاقتراح ، فلقد قرر وتمت المبادلة .
واصل القروي طريقه والوزة الجميلة بين ذراعيه ، وقبل أن يصل إلى السوق صادف امرأة تنقل على رأسه سلة ، فيها أعشابٌ كثيرة ، وبينها يمكن رؤية دجاجة كبيرة سمينة و عريضة لها رجلان قصيرتان وريش نظيف .
كانت شابة شقراء مثل السنابل ، رشيقةٌ بخدودٍ مدورةٍ وزهريةٍ ونظرةٍ زرقاء لطيفة ، توقف العجوز للتحدث معها ، وعندما شاهد الدجاجة التي كانت تحملها ، بدأ يسألها إذا كانت بيـّاضة جيدة ؟ وإذا كانت تأكل كثيراً ؟ و كم تأكل ؟ فأجابته الفتاة :
" إن هذه الدجاجة جيدة جداً ، ولا تخلف عادتها في وضع بيضة كلّ يوم ، و بما يخص الأكل ، فإنها تكون سعيدة تكتفي بالفتات الذي يسقط عن الطاولة وبقليل من عشب الحديقة أن وجد ."
نسي الرجل الطيب ما كان قد توهّم به من قبل ،فبادل الوزة بالدجاجة ، وهو يفكر بسعادة زوجته عندما تأخذ البيضات وتخبئها ،وتعتني بالصيصان التي ستفقص لأول مرة .
وهكذا وصل إلى السوق ، وذهب مباشرة إلى نُـزلٍ صغير يمكنه أن يرتاح فيه ، ويشرب كأساً من المنعشات ، وبعد قليل جاء ليجلس إلى جانبه قرويٌ ، كان يحضر كيساً كبيراً يحمله على الأكتاف ، وعند وصوله قال العجوز له :
" أهلا أيها الصديق !! ماذا تحضر في كيس الجوال هذا الممتلئ والثقيل؟ ".
: "لا !! ليس أكثر من تفاح براوة مما يتساقط من الأشجار، أجاب القروي ، وستكون غذاء جيدا لخنازيرنا " .
:" وهل كل الكيس ممتلئ بتفاح براوة؟ انظر يا صاحبي سأقترح عليك شيئاً : إذا أعطيتني كيس التفاح هذا !! أعطيك بديلاً عنه هذه الدجاجة الرائعة !! عندي رغبة بأن أقدم لزوجتي مفاجأة لطيفة ، ففي حقلنا لا يوجد غير شجرة تفاح واحدة ، وكل ما تعطيه في الموسم هو تفاحة خضراء وعجفاء لا تنضج أبداً ، فتأخذ زوجتي تلك التفاحة وتخبئها بعناية في خزانتها ، ثم تنظر لها وتقول : "علينا بالاكتفاء والقبول !! فتفاحة سيئة في النهاية هي هدية صغيرة".
لهذا فإني أرغب أن آخذ لها هذا اليوم هدية كبيرة من التفاح ، حتى لو كانت سيئة فإنها ستكون سعيدة جدا."
أتمّ الرجلان التبادل ، وصار الكيس تحت تصرف مالكه الجديد .
كان هناك رجلان غنيان من الإنكليز قد شاهدا كل ما دار، وكانا جاهزين للضحك على ذلك الرجل الساذج ، فسألاه عن تجارته في السوق .
فروى العجوز لهما كلّ شيء حدث له منذ أن خرج من بيته، وكيف تحول الحصان ، وبعد مبادلات كثيرة وصار كيساً من التفاح البروة ، فلم يستطع الإنكليزيان أن يوقفا ضحكاتهما أمام هذا الرجل البسيط فقالا له على سبيل المزاح : " سترى عندما ترجع إلى البيت ، كيف ستصير فرجة عندما تضربك زوجتك !!".
: "تضربني أنا؟!! إنكما لا تعرفان زوجتي، أنا واثق إنها ستعتبر كل شيء قمت به عملاً جيداً .
عندما سمع الإنكليزيان ذلك ، وكما هو معروف عن الإنكليز انهم مولعين بالمراهنات والتحقق من الأشياء قالا:
" هيا لنرى أيها السيد المسكين !! نراهنك بكيسٍ صغيرس من الذهب مقابل كيس التفاح ،على أنّ زوجتك ستغضب عندما تحكي لها ما جرى مع الحصان أولاً و عن كل المبادلات الأخرى لاحقاً ".
:" حسنا فلنذهب ونجرب ." قال العجوز:
أمر الإنكليزيان أن تجهز الأحصنة ويحضران عربتهما ، ثم جلسا فيها جلسة مريحة يرافقهما القروي العجوز دون أن ينسيا كيس الذهب وكيس التفاح ، ولم يتأخروا جميعا بالوصول إلى كوخ الرجل الطيب .
كانت زوجته قد خرجت عند الباب عندما سمعت ضجيجا عاليا ، ولقد استغربت كثيرا لرؤية زوجها برفقة أولئك الأثرياء ، لكن في تلك اللحظة بدأت ترحب بهما بأدب ٍ جم ، ومدت يديها لزوجها وصافحته بحرارة وبسعادة .
-:" ها أنا أعود من تجارتي ."
=: " نعم إنني أرى أنك تعود سعيداً ، فأنت قادرٌ على إدارة الأمور جيداً ، ماذا بخصوص الحصان؟ " سألت العجوز !
-:" حسنا ! في الطريق أبدلته ببقرة " .
=: "آه شيء جيد !! لقد قلت إنك تعرف الكثير ، والآن يمكننا أن نتناول حليباً كثيراً ، وسيكون عندنا زبدة وجبنة ، فالبقرة هي ثروة حقيقية .
-: " نعم ، لكني بادلت البقرة فيما بعد بخنزيرٍ كبيرٍ نال جائزة في إحدى السباقات " .
=:" فكرة رائعة ، فهكذا يكون لدينا لحمٌ مقددٌ و أفخاذٌ مدخنة جيداً و حبالٌ من السجق ، لقد تمكنا من امتلاك أشياء جيدة كثيرة ".
-:" نعم كان بالإمكان أن نمتلك كل هذا لو إنني لم أبادل الخنزير بالوزة ".
=: " وهل فعلت ذلك؟ ما أطيبك!! كنت تفكر بزوجتك الفقيرة و بلحاف الريش في الشتاء ، لتحمي رجليها المتورمتين،كم اشكرك على ذلك! وأيضاً يمكننا أن نقيم حفلة شواءٍ لذيذة انه..."
-:" ستُـريْن !! الوزة بادلتها فيما بعد بدجاجة بياضة ."
=:" يبدو لي هذا افضل !! لأن الدجاجة ستعطينا البيض الطازج وكذلك الصيصان ، ما أمتع أن أراهم يركضون ويوصوصون حوالي أمهم !! أيضاً يمكنا أن ننجـّد لحافاً من الريش ، ونأكل مشويات بين الحين والآخر".
-:"نعم! لكن الدجاجة أبدلتها بكيس بروة التفاح !! "
عندها بدأت المرأة تضحك بأعلى رغبة في الضحك ثم قالت:
=: "يا للمصادفة يا رجل !! لا يمكنك أن تخمن كم أسعدتني !! تصور أنني اليوم أردت تحضير طبخة لذيذة أقدمها لك عندما تعود من السوق ، فذهبت الى الجارة لأطلب رأسيّ بصل إعتزتهما ، هل تعرف ماذا أجابتني؟ ولأنها بخيلة جداً ومرابية فقد قالت لي بصوتها المفتعل: كم أنا متأسفة لا أمتلك في الحقل ولا حتى تفاحة مخمجة. !! فانظر الآن !! يمكنني أن أقدم لها أكبر كيس من التفاح البراوة ..فلترى كم كنت متيقنة وعندي حدس !! إنني سعيدة.. وليتك تسمح لي بقبلة رغم أنها أمام هذين السيدين ".
وألقت بذراعيها على رقبة زوجها العجوز وقبّلته بسعادة ،قبلتين أحدثتا صوتا على خديه .
لم يتحرك الإنكليزيان من ذهولهما وقال أحدهم للأخر :
:" أرأيت هذه الأشياء التي تفرح النفس؟! كل ما يفعله الزوج بالنسبة لزوجته هو دائماً عملٌ جيدٌ ومحكمُ الأداء. حقاً إن زوجةً مثل هذه تساوي كيساً من الذهب ، حقاً ".
دفعا ما كان قد راهنا عليه وودعا القرويين بإشارات الفرح والسعادة .