الفارس جيريان*
(حكاية من القرن الثالث عشر)
تتبعها إحدى سيدات مجلسها ، كانت زوجة الملك أرثر تتجول في مجنبات القلعة . وهما تمتطيان الخيل عبرتا الجسر المقام على النهر ، وابتعدتا في الحقل الأخضر بين المروج والأشجار .
توقفت الملكة لسماعها وقع حوافر حصان كان يأتي في الاتجاه نفسه . وبعد فترة قصيرة ظهر أمامها فارس شاب من النبلاء ، يرتدي معطف عباءة واسعة ومفتوحة ، وعلى جانبه سيف له قبضة من ذهب .
: " أهلا وسهلا أيها الفارس _ قالت الأميرة له وتابعت _
لم اكن أتوقع هكذا صحبة سعيدة ، تعال فاليوم سنصل إلى مدخل الغابة ".
وقبل الوصول توقفوا عندما شاهدوا بين الأشجار رجلاً بديناً يرافقه قزم ٌ ، يأتيان على حصانيهما بخطوات بطيئة ومعهما امرأة كانت تمشي بثوبها الداخلي ، المخرّم والمصنوع من الذهب إلى جانب فارس له طابع مستبد ومدجج بسلاح ثقيل و يلمع .
أرسلت الأميرة وصيفتها سيدة الشرف لتسأل القزم عن اسم سيده ، وعندما سألته بلطف و أدب رد القزم:
" لن أقول لك شيئاً ، فأنت لست أهلاً للاقتراب من سيدي " .
أرادت السيدة أن تتجه نحو الفارس المجهول الهوية ، لكن القزم تدخل وضربها بالسوط على وجهها .
استعد جيريان ليقتص من تلك الفعلة الدنيئة ، و وضع يده على سيفه ، لكنه توقف ، لأنه اعتبر من غير المشرف أن ينتقم من ذلك الرجل الصغير عديم القيمة ، عندها طلب الإذن من الملكة ليتبع أولئك المجهولين حتى يجد الفرصة ، ليرتدي ثياب الحرب ويعاقب الفارس الفظ .
: " اذهب _ قالت الملكة _ وسننتظر عودتك في المجلس بفارغ الصبر ".
تابع جيريان أولئك المجهولين ، وبعد أن اجتازوا نهر اليوسك usk وصلوا إلى مدينة ، عند مدخلها كانت تقوم قلعة جبارة ، مرّ بها الفارس المدجج مع سيدته وقزمه ، فنهض الناس يؤدون طقوس الاستقبال و يقدمون التحيات .
كانت البيوت والنوافذ مزينة بدروع ملونة ورايات وردية ، وفي كل محددة كان هناك رجال منهمكون في صقل السيوف و تدبيب الرماح وتلميع الخوذات و الدروع .
دخل القزم والسيدة والفارس إلى القلعة وسط صفين من المحاربين كانوا قد خرجوا واصطفوا عند ما شاهدوا الفارس وجماعته يصلون .
بقي "جيريان" يفكر دون أن يعرف إلى أين يتجه ، لكنه رأى قلعة قديمة مهدمة ونائية شيئاً ما ، فمشى إلى هناك يطلب مأوى لتلك الليلة .
وعندما أحسوا بقدومه خرج لاستقباله رجل ٌ مسن ٌ ، وله لحية وشعر ابيض، تبدو عليه علامات النبل على الرغم من ثيابه البالية والذي رحّب بالفارس بعبارات كيّسة ، وقدّم له ضيافة متواضعة .
نزل "جيريان" عن حصانه في الحديقة المحاطة بأنقاض آثار، ظنّ أنها لقلعة كانت هنا في أزمان أخرى ، مع أنه يرى بعض الأسوار والأقواس ، وقد تشققت وبعض الأبراج والمنارات مدمرة ، و بعض سقوف من حجر بقيت واقفة ، وكذلك بعض الغرف التي تكوّن هذا المأوى المسكين .
قدّمه المسن إلى زوجته وابنته "إيناد" التي وان كانت بملابس بسيطة ، فقد بدت لـ"جيريان" أجمل النساء وأكثرهن روعة .
قال المسن لـ"إيناد" : " اعتني بحصان ضيفنا ، واجعلي منزلنا الفقير مضيفاً طيباً للفارس ". فقامت الشابة العذراء بترتيب كلّ شيء بطيبة نفس و ثقة .
حضّرت العشاء ، وجلسوا إلى المائدة ، وبقيتالشابة ايناد تقدم الخدمات ، وبعد الأكل شرح جيريان عن احترافه كفارس وعن قربه من الملك أرثر ، وبعدها أبدى اهتمامه لمعرفة لمن تعود تلك القلعة المبادة ؟.
قال المسن: " هذه!! إنها آخر ممتلكاتي،الوحيدة المتبقية !! لقد أعلن حفيدي الجاحد الحرب عليّ ، و جردّني من كل أملاكي!! أقدم لك نفسي : أنا "الكونت ينيوال" ، أراني الآن و بسبب غدره قد انحدرت إلى هذا الفقر ".
: " سيدي _ سأل جيريان_ من هو الفارس الذي وصل إلى القلعة مع زوجته والقزم ؟ و ما الأمر الذي يتم تحضيره في هذه المدينة المزدانة جدا ؟
: " إنه حفيدي الكونت الخائن ، هو من رأيته يدخل القلعة، لقد نظم حفل مبارزة سيقام غدا في السهل الكبير الذي نراه من هنا . إنه سيغرس في وسط الحقل رمحا يكون في طرفه صقر من الذهب كجائزة للمنتصر . والجميع في المدينة يحضرون السلاح والخيول ، ولن يأخذ مكانته في تلك المنازلة من لا يذهب بصحبة زوجته !! إن هذا الشرير الملعون الذي رأيته يصل اليوم إلى المدينة ، كان قد اغتصب للمرة الثانية الصقر الذهبي ، وإذا استطاع أن ينتصر غدا من جديد فانه سيغتصب لقب الفارس الصقر ".
: " سيدي !! قال جيريان : عليّ أن انتقم لذلك الجور الذي سببه حفيدك لي وللملكة . وهكذا أرجوك أن تعيرني درعاً، وان تسمح لي أن أدخل المنازلة ، على شرف ابنتك "إيناد" ، والتي إن خرجت منتصرا فسأبقى أحبها طالما حييت ".
: " إنك تقدم لي سعادة عارمة ، وغدا عند شروق الشمس سيكون لك درع ٌ جاهزٌ وحصانك ، وأنا وابنتي سنرافقك " .
وعند الصباح استعد الفارس جيريان ،فارتدى الحديد ، و سنّ سيفه ، ثم امتطى الحصان ، وتسربل بالدرع ، وحمل الرمح ليتجه إلى المنازلة .
عندما وصلوا إلى الحقل كان فارس القلعة متأكداً من انتصاره ، ويؤشر لزوجته أن تأخذ الصقر الذهبي جائزة المنتصر ، لكن في تلك اللحظة ظهر الفارس جيريان وقال:
" الصقر الذهبي ليس لك ، ولا يمت إليكم بصلة . أدعوك لمنازلتي أيها الفارس الخائن ، إنني سأهزمك ، وعليك أن تعلن أن زوجتي هي السيدة الأكثر جمالا و روعة ".
وبعد أن قال جيريان ذلك اتجه على وقع حوافر خيله نحو أطراف الحقل ، ليكون مستعداً للقتال .
كان الفارس الفظ غاضباً جداً . وانطلق الغريمان بأقصى سرعة حصانيهما كل ٌ باتجاه الآخر، و لثلاث مرات تكسرت الرماح على الدروع ، و لثلاث مرات قام الكونت المسن ينيوال والقزم المتعجرف بتقديم السلاح للخصمين ، وأخيراً قال الرجل المسن لـ"جيريان":
"هذا الرمح الذي أخذته في شبابي عندما سلّحوني لأكون فارساً ، ولقد قاوم الرمح في الكثير من المعارك ولم يتكسّر ".
كان جيريان مصمماً على الفوز ، فرمى خصمه بقوة ، ومزّق درعه فيها ، وأسقط الخائن على الأرض .
ترجّل جيريان عن خيله ، وبدأ المبارزة حيث راحت السيوف تقعقع ، واقترب المسن إلى المسافة التي أمكنه الاقتراب إليها وقال :
" يا فارس الملك أرثر تذكر الإهانة التي سببها لك ".
عندها استجمع جيريان كل طاقته وقوته وركـّزها في المعركة ، وبضربة رهيبة قصم خوذة خصمه الذي سقط مهزوماً على الأرض ، وراح يطلب الرأفة .
فقال جيريان له : " أسامحك بحياتك تحت شرط واحد أن تمثل أمام الملكة ، وأن تطلب منها الغفران عن إساءتك ، و عندها سينطق فرسان المجلس بالعقاب الذي تستحق ".
قام جميع رجال الخائن المحاربين ، وجميع فرسان المدينة بتقديم التحية إلى الفارس المنتصر ، الذي رجع مع المسن وعائلته إلى القلعة المهدمة ، وهم مزدانون بالورود و بالمشاعل المنيرة .
حضر الكونت المهزوم إلى هناك ، ليتفرغ جيريان له وقال له:
" سأعود غداً إلى البلد الذي أتيت منه ، و سأذهب مصحوباً بـ"إيندا" التي ستصبح زوجة لي ، لكن قبل أي شيء عليك بإعادة كل شيء اغتصبته من الكونت يونيوال ".
وهذا ما كان قبل انطلاق إيندا وجيريان نحو مجلس الملك أرثر