جريمة نبش القبور في القانون الليبي
شهدت المدن الليبية فى المدة الأخيرة سلسلة من الأعتداءات على اٍضرحة وقبور بعض الأولياء الصالحين , وذلك من قبل بعض المجهولين , و قيامهم بهدم القبور المشيدة , واٍستخراج مافى القبور من رفاث .
وقد اٍختلفت الأراء حول هذا المسلك الذى ارتكبه بعض المسلحين , و دون الرجوع الى دار الأفتاء الليبية , و دون الحصول على موافقة الجهات الرسمية بالدولة .
واٍن كان الدافع للقيام بذلك الصنيع ظاهريا , هو محاربة المعتقدات و المفاهيم القديمة لبعض العوام , و قيامهم بتقديس هؤلاء الأولياء , و المزار اٍليهم , و الحلف باسمائهم , لدرجة ان كادت تصل للمساس بعقيدة التوحيد .
ومن بين الأضرحة التى تعرضت للأعتداء و النبش , ضريح الشيخ عبدالسلام الأسمر الفيتورى دفين مدينة زليتن , وضريح الشيخ الشعاب دفين زاوية الدهمانى بطرابلس , و ضريح الشيخ احمد الزروق دفين مدينة مسراتة , و ضريح الشيخ على الهانى دفين منطقة الهانى بطرابلس , و ضريح الصحابى الجليل رويفع الأنصارى دفين مدينة درنة , و غيرهم من الأولياء الصالحين .
وقد ترتب على هذة الأعمال اٍستنكار رئاسة المؤتمر الوطنى العام , و مفتى الديار الليبية , لما يترتب عليها من زيادة الأحتقان بالشارع الليبي , و المساس بخصوصية المجتمع الليبي , و الوسطية التى هى سمته الدينية . ورأت دار الأفتاء انه من الضرورى القيام بتوعية الناس دينيا و اٍيضاح المفاهيم الشرعية لهم , حتى يتفهموا الأسس السليمة للشريعة الأسلامية , و من يتم يترك اٍمر معالجة الأضرحة للجهات الرسمية للدولة , بدلا من اٍن تقوم جماعات متشددة غير معروفة , و بقوة السلاح القيام بتلك الأعتداءات و دون الرجوع للجهات الرسمية بالدولة , و الحصول على موافقتها . الأمر الذى سبب سخط عام بمختلف اٍنحاء البلاد , و اٍستنكار شديد ضد تلك الجماعات المسلحة المتطرفة .
وبغض النظر عن مدى شرعية ذلك العمل أو عدمه وذلك من الناحية الدينية , لأن ذلك يخرج عن نطاق اٍختصاص منتدانا , ولكن التساؤل الذى يمكن طرحه حيال تلك الأعمال , هو موقف القانون الليبي منها , وهل هى مجرمه فى قانون العقوبات , اٍم ليست منصوص عليها ضمن مواده , وبالتالى لا تشكل اى جريمة جنائية , ويتعين عدم مساءلة مرتكبها , و ذلك وفقا لمبدأ الشرعية .
موقف المشرع الليبي من نبش القبور
خصص قانون العقوبات الليبي الباب الرابع من الكتاب الثانى للجرائم ضد الدين و الشعائر الدينية المعترف بها و التعدى على حرمة الأموات. ومن بين الجرائم التى نص عليها قانون العقوبات الليبي , جريمة اٍهانة الجتث و تدنيس القبور , وجريمة اٍتلاف الجثث واخفائها . ويتضح من ذلك ان المشرع الليبي اعطى حرمة للأموات , و اٍسبغ الحماية على الشعائر الدينية المعترف بها .
النصوص القانونية
وردت المادة 292 عقوبات ليبي تحت عنوان اٍهانة الجثث و تدنيس القبور و نصت على ما يلي : -
(( يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تزيد على خمسين حنيها , كل من انتهك حرمة القبور أو الجبابين أو تدنيسها أو اخل بنظام الجنازة. ))
بينما المادة 293 عقوبات ليبي وردت تحت عنوان اتلاف الجتث واعدامها , ونصت على ما يلي : -
(( يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة كل من مثل بجثمان أو اٍعدمه أو أتلف جزءا منه أو شتت رفاته .)).
الأركان القانونية
لقيام جريمتى تدنيس القبور و اتلاف الجثث يجب توفر الركن المادى لكلتي الجريمتين , باٍلاظافة للقصد الجنائي .
اولا : - الركن المادي
بالنسبة للركن المادي لجريمة تدنيس القبور , فيتحقق بكل فعل يقوم به الجانى و من شأنه يشكل انتهاكا لحرمة المقابر وكذلك حرمة الجبابين , كاٍن يقوم الجانى بفتح احد القبور ونبشه , وكذلك كل ما من شأنه يعمل على تدنيسها . و ليس من الضروري أن يقع الفعل مباشرة علي القبر أو الجثة , بل يكفى أن يقع التعدي على المدفن بفعل يحتمل أن يمس اٍحساس أي شخص من أقارب الموتي , ومثال ذلك ان يقوم الجانى بارتكاب افعال غير اخلاقية داخل مقبرة كاٍن يقوم بمواقعة احد الأشخاص داخل مقبرة ومنتهكا بذلك حرمتها, أو يقوم بالتبول أو التغوط على قبر مما يسبب تدنيسه , أو يقوم بالاٍخلال بنظام جنازة أحد المتوفين . والحماية التى اسبغها النص تشمل قبور و مقابر المسلمين وغيرهم من الديانات السماوية , وذلك لأن النص جاء عاما ولم يحدد الحماية لدين معين , وبالتالى يؤخد النص على عمومه .
أما بالنسبة للركن المادي لجريمة اتلاف الجثث , فيتحقق بكل فعل يقوم به الجاني , و من شأنه أن يمثل بالجثة أو يعمل على تشتيت رفاث الميت وبعثرته . ومما لا شك فيه أن القيام بتهديم القبور و اٍخراج رفاث المتوفين من مدافنها و تشتيتها حتى لا يعاد دفنها و التبرك بها من بعض العوام , يجعل الركن المادي للجريمة قائم فى حق المعتديين .
ثانيا : - القصد الجنائي
لتوفر القصد الجنائي فى الجريمتين المذكورتين اعلاه , يجب ان يقوم الجانى باٍرتكاب الفعل باٍختياره و رغبته , و هو عالم بمدلول فعله , وتتجه اٍرادته لاٍرتكاب الفعل و تحقيق نتيجته .( انظر نقض مصرى جلسة 30/9/1905- منشور فى الشامل فى التعليقات على قانون العقوبات الليبي – ج2- ط 2007- ص8).
ولا يعتد القانون - بصفة عامة - بنبل الدافع أو الباعث على اٍرتكاب الجاني لما هو منسوب , فيعتبر مسئول جنائيا عن اٍعماله التى اقترفها , اٍلا أن ذلك لا يمنع من اٍن الدافع له دور في تقدير العقوبة , وفقا لما يتمتع به القاضي الجنائي من سلطة تقديرية فيما يتعلق بتحديد العقوبة . ( د. أحمد الألفى – شرح قانون العقوبات الليبي القسم العام- 1979 – ط2 – ص 505 وما بعدها ).
العقوبة
جعل المشرع الليبي التكييف القانوني لجريمتي تدنيس القبور و اتلاف الجثث جنحة . والجنحة هى الجريمة التى عقوبتها الحبس الذى تزيد مدته على شهر , أو الغرامة التى يزيد أقصي مقدارها على عشرة جنيهات .(م/ 54 عقوبات ليبي ). و حدد المشرع الحد الأقصي لعقوبة الحبس وجعلها لا تزيد على ثلاث سنوات الا فى الأحوال الخاصة المنصوص عليها فى القانون .( م / 21عقوبات ليبي ).
وقد حدد المشرع الليبي العقوبة لجريمة تدنيس القبور وجعلها الحبس الذى لا تزيد مدته على سنة أو الغرامة التى لاتزيد على خمسين جنيها . بينما جعل العقوبة لجريمة اتلاف الجثث الحبس مدة لا تقل عن سنة .
وحيث انه فى واقعة الحال قام الجناة باٍنتهاك حرمة القبور , وتشثيث رفات القبور , وقد وقعت هاتين الجريمتين لذات الغرض الأجرامى , وكانتا مرتبتطين ارتباط غير قابل للتجزئة , مما يكون معه التعدد مابين الجريمتين حقيقيا , والذى يتعين معه معاقبة الجناة بالجريمة الأشد مع زيادة العقوبة لحد الثلث , ودلك اٍعمالا لنص المادة 76/ 2 عقوبات ليبي .( انظر طعن جنائى رقم 74/28ق جلسة 12/1/1984 – منشور بالشامل فى التعليقات – مرجع سبق ذكره – ج1 – ص 244 ومابعدها ).
