أمنية
كل صباح.. رغم ضعف بنيته وتقدّمه في العمر، يسير بخطى ثقيلة واهنة، على دروب ضيقة ملتوية، شقتها أقدام الناس والحيوانات التي تنطلق إلى المرعى. ويتسلّق الرابية المطلة على البلدة الصغيرة، حتى يصل إلى المعبد القائم على ذروتها.
سار على الطريق متعباً متثاقلاً، فقد أرهقت جسده النحيل أعباء الحياة وتعاقب السنين.
تلفت يميناً ويساراً.. توقف مرّات عديدة ونظر إلى الوراء آملاً أن يمر به من يرق لحاله ويرأف بشيخوخته فيحمله معه.
بعد طول انتظار لاح في الأفق خيال على ظهر فرسه، استبشر خيراً ووقف بانتظاره، لعلّه يترفق به ويمد له يد العون ويخفف عنه عبئاً بات يعجز عن حمله.
عندما اقترب الرجل ترجّل عن فرسه، فقد فاجأها المخاض في هذه اللحظة وهذا المكان.
قال الراهب وقد خاب أمله: أمنية لم تتحقق ورجاء لم يثمر.
وأضاف مواسياً نفسه: لا يهم.. أنا أمشي هذا الطريق كل يوم.
وقبل أن يتابع طريقه صرخ به الرجل:
-إلى أين؟ قف. انتظر.
تجمّد في مكانه والتفت إليه..
كان هذا الرجل هو الوالي التركي، بثيابه الرسمية الفضفاضة وحذائه الجلدي الذي يصل إلى ركبتيه، وسوطه الذي يفرقع في الهواء، وينشر الخوف في أوصال البشر.
أُسقط في يد الراهب، وألحّ في ذهنه سؤال: ماذا يريد الوالي مني؟
وعندما قامت الفرس بعد ولادتها، التفت إليه الوالي وقال له بلهجة آمرة، مشيراً إلى المهر الذي يحاول الوقوف على قوائمه والسير بخطى واهنة متعثرة:
(ولن قندلفت.. شيل فلو) أيها الراهب احمل المهر.