المتطلبات التشريعية لأسواق المال
في مملكة البحرين مقارنة مع دول الخليج العربية
في ضوء التطورات والمتغيرات الاقتصادية المتسارعة التي يشهدها الاقتصاد العالمي لجأت أعداد متزايدة من الدول النامية، بما فيها مملكة البحرين و عدد من دول الخليج العربية إلى تبني برامج وسياسات تهدف إلى تحرير وتطوير قطاعاتها وإعادة هيكلة اقتصادياتها. اتجهت مملكة البحرين و دول الخليج العربية الاخري إلى تعزيز أسواقها المالية بما يمكنها من جذب المدخرات المحلية المستثمرة في الخارج واستقطاب الاستثمارات الخارجية، كما يسعى البعض منها ضمن هذه الجهود للتحول إلى مراكز مالية ومصرفية إقليمية و ما يحدث الآن في مملكة البحرين و إمارة دبي و دولة قطر خير مثال لهذه التوجهات. و لتنفيذ هذه التوجهات فان الأمر يتطلب وجود البنية القانونية و التشريعية الملائمة.
لتحقيق الطفرة الاستثمارية و الاقتصادية في أي مكان فلا بد أن تلعب عناصر أساسية في وجود نظام مالي يتميز بالكفاءة والفعالية، أولها القدرة علي خلق وتكوين المدخرات، و وجود مؤسسات مصرفية واستثمارية وأسواق مالية، وأيضا لا بد من قدرة هذه المؤسسات والأسواق على القيام بدور الوساطة المالية بكفاءة عالية لإدارة هذه المدخرات وتوجيهها نحو القطاعات والأنشطة المنتجة و في جميع الأحوال، كما ذكرنا، لا بد من وجود التشريعات المساندة.
اختلفت تجارب أسواق الأوراق المالية الدولية فيما يتعلق بالإطار الهيكلي المؤسسي the institutional structureللسوق. ففي بعض هذه الأسواق يسمح لإدارة السوق بتولي دور البورصة (Stock Exchange)، أي الجمع بين الإدارة التنفيذية لعمليات التداول ودور التشريع والرقابة والإشراف (Securities and Exchange Commission) معاً في نفس الوقت كالكويت و قطر مثلا.(1)
وأما في البعض الآخر من الأسواق، فقد تم الفصل بين الدورين في إطار مؤسستين أو جهتين مختلفتين تقوم إحداهما يدور البورصة (السوق) وتقوم الأخرى بدور هيئة الرقابة كدولة الإمارات العربية المتحدة و سلطنة عمان مثلا.(2)
ومن الجدير بالذكر أن إعداداً متزايدة من الأسواق المالية الناشئة اتجهت في الآونة الأخيرة إلى الفصل بين هاتين المهمتين – الإدارة التنفيذية و الإدارة التشريعية- ونذكر هنا سلطنة عمان و دولة الإمارات العربية المتحدة و المملكة العربية السعودية ( التي تمثل اقدم واكبر سوق للأسهم في منطقة الخليج ). و في مملكة البحرين فهناك فصل بين هاتين المهمتين و لكن من نوع آخر حيث يقوم بنك البحرين المركزي بالدور الإشرافي و التشريعي علي سوق المال البحريني و تقوم إدارة السوق بالأعباء الإدارية التنفيذية، و في هذا يقوم بنك البحرين المركزي ووفقا لقانون إنشائه بدور مماثل تماما لبنك انجلترا المركزي الذي يشرف علي كل القطاع المالي (Financial Services Authority FSA)من بنوك و تامين و أسواق المال. و أما في دولة الكويت و دولة قطر بدا الحديث جادا في الآونة الأخيرة حول ضرورة و أهمية قيام و إنشاء هيئة سوق المال.
و بالنسبة لتحديد مدى تدخل الحكومة أو مؤسساتها في إدارة السوق والرقابة عليه، فيمكن الإشارة في هذا الصدد إلى مفهوم رئيسي ارتكزت عليه تجارب أسواق الأوراق المالية الدولية ( و أيضا مملكة البحرين و الدول الخليجية ) و ينطوي على هذا قيام الحكومة بإدارة السوق والإشراف عليه وسن التشريعات والأحكام الخاصة به بشكل مباشر. أو تفوض الحكومة جهة أو عدة جهات حكومية بمهام وضع القوانين والأنظمة والتعليمات للسوق والإشراف عليه وإدارته سواء كانت هذه الجهات مستقلة أو تابعة لإحدى الوزارات أو المؤسسات الحكومية وهذا كما عليه الوضع في مملكة البحرين مثلا حيث يشرف بنك البحرين المركزي علي سوق الأوراق المالية في البحرين.(3)
ولهذه الأوضاع المتعددة نقاطا إيجابية وأخرى سلبية فمن جانب، تعتبر الإدارة والإشراف المباشر للسوق من قبل الحكومة أمراً جيداً إذا توفرت الصلاحيات القانونية والإمكانيات المالية والخبرات الفنية والإدارية المناسبة. كما يتميز الإشراف المباشر من قبل الحكومة بقدرة أكبر على توفير الحماية للمستثمرين. ولكن في المقابل، فان القيام بالإدارة والإشراف من قبل المتعاملين في السوق أنفسهم يوفر القدرة على الاستجابة لمتطلبات المتعاملين المتغيرة بصورة سريعة كما يساعد على خلق وابتكار الأساليب والأدوات وتطويرها للأفضل.
ويلاحظ في هذا الصدد تزايد التوجه العام لدعم القطاع الخاص وتحفيزه على القيام بدور أكبر و فعال في النشاط الاقتصادي وتخفيض دور الحكومة فيه، وفي هذا الصدد فقد أخذت بعض الحكومات في خصخصة بورصاتها (Privatization) وتحويلها إلى شركات خاصة و إمارة دبي يمكن أن تعتبر خير مثال للسير في هذا الاتجاه، مع العلم أن البورصات الهامة في دول العالم تعمل كشركات و كمثال نذكر "بورصة لندن".
إدارة السوق (سوق الأوراق المالية):
يمكن تقسيم أسواق الأوراق المالية في مملكة البحرين و بقية الدول الخليجية إلى ثلاث مجموعات من ناحية المهام المناطة بالسوق وفقأ للتشريعات السارية والدور الذي تضطلع به الحكومة في تنفيذ تلك المهام.
تشمل المجموعة الأولى أسواق الأوراق المالية التي تقوم بدور البورصة ودور هيئة الرقابة في آن واحد مع وجود مكثف للحكومة في الإدارة. ويقع ضمن هذه المجموعة أسواق الأوراق المالية في مملكة البحرين – إلي حد ما - و دولة قطر. وتتميز هذه الأسواق بأن غالبية أعضاء مجالس إدارتها من الحكومة وتقوم هذه الأسواق بدور البورصة التقليدية (Stock Exchange) من حيث توفير الخدمات بما في ذلك تحديد إجراءات التداول ونشر المعلومات والأسعار بصورة مستمرة، كما تقوم إدارات هذه الأسواق أيضاً بمراقبة وتنظيم وتسوية عمليات شراء وبيع الأوراق المالية ومتابعة مدى تطبيق الوسطاء لإجراءات التداول و الإشراف التام علي كل عمليات التداول و إصدار التعليمات الضرورية و التدخل في سير العمليات عند الضرورة أو عند مخالفة القوانين و الأنظمة المتبعة و هذا قد يصل إلي وقف التداول لأي وقت علي حسب المعطيات و غير هذا من الصلاحيات الفنية التي تباشرها إدارة أسواق المال وفقا لأحكام القانون. و كذلك تقوم هذه الإدارات بتدقيق العقود المبرمة وتسجيلها وإرسالها إلى الشركات المساهمة.
أما الدور الثاني الذي تقوم به إدارة هذه الأسواق فهو الدور الرقابي (Regulatory)، حيث تؤدي هذه الأسواق وظيفة هيئة الرقابة على تداول الأوراق المالية (and Exchange Commission Securities )، إذ تقوم بالأشراف والرقابة على عمليات التداول والتأكد من إن المتعاملين يحصلون على أفضل الأسعار. كما تقوم بتلقي الشكاوى من المتعاملين والتحقق منها، واتخاذ الإجراءات اللازمة بشأنها. كذلك تقوم هذه الإدارات بمراقبة الوسطاء والتأكد من ملاءتهم المالية والتزامهم بالقوانين والتعليمات المعمول بها. كما تقوم بعض من هذه الأسواق بالرقابة على الشركات المساهمة العامة من أجل التأكد من إنها تقوم بحفظ السجلات اللازمة للمساهمين التي يتم فيها تدوين أسمائهم وتحويلات الأسهم وأي معلومات يراها السوق ضرورية.
تشمل المجموعة الثانية أسواق الأوراق المالية الخليجية التي تقوم بدور البورصة ودور هيئة الرقابة، مع تدخل أقل من الحكومة ( كما عليه الوضع في دولة الكويت ) . حيث لا يتم الفصل بين الدور التنفيذي والدور الرقابي إلا أنها تختلف عن الأسواق في المجموعة الأولى فيما يتعلق بدرجة تدخل الحكومة. ولذلك فانه ومع قيام السوق بالدورين معاً، إلا أن مشاركة الحكومة في إدارة السوق تقل عن حالة الأسواق في المجموعة الأولى حيث يتم في المقابل فسح المجال أمام الخبراء والمتخصصين من القطاع الخاص والمتعاملين في السوق للقيام بدور أكبر في الإدارة.
و المجموعة الثالثة تشمل أسواق الأوراق المالية التي يتم فيها الفصل بين الدور الرقابي ودور البورصة التقليدية، حيث تقوم هيئة الأوراق المالية بدور التشريع والرقابة والإشراف وتعمل على حماية حقوق المستثمرين (4)، بينما يقوم مجلس إدارة مكون من الوسطاء والمتعاملين في السوق بإدارة البورصة كشخصية اعتبارية تتمتع باستقلال إداري ومالي.
متطلبات الهيكل التنظيمي :