متطلبات الهيكل التنظيمي :
والمقصود هنا هو الهياكل الإدارية والتنظيمية التي تحكم عمل هذه الأسواق من حيث إدارة شؤون السوق والصلاحيات المخولة لكل جهة من الجهات التنظيمية. وللتعرف على طبيعة المتطلبات التنظيمية لهذه الأسواق.
في مملكة البحرين مثلا، يتمتع مجلس إدارة السوق بصلاحيات ومسؤوليات واسعة تشمل التخطيط والتنظيم والإشراف والرقابة. ومن أهم هذه الصلاحيات رسم السياسات والاستراتيجيات العامة للسوق، ووضع القواعد التنظيمية الخاصة بالتداول، وتحديد الإجراءات والنظم الخاصة بإصدار وادارة الأوراق المالية، واتخاذ القرارات بشان تسجيل الوسطاء وتعيين مراقبي الحسابات وتحديد إيرادات السوق وإقرار الميزانية الختامية، وإعداد مشاريع القوانين والأنظمة ذات العلاقة بالسوق وأهدافه، وتحديد نسب العمولات وشروطها، وفرض الغرامات والعقوبات على المخالفين ووقف العمل في تداول أوراق مالية لشركة أو أكثر مؤقتاً أو نهائياً حسب المقتضيات، وتشكيل اللجان الاستشارية وخاصة في مجالات بحث سبل تطوير السوق وتحديد الأنظمة والإجراءات لمكافحة المخاطر الناجمة عن التلاعب والغش وتحديد المعايير المناسب للمحاسبة والتدقيق والإفصاح. و يتمتع مدير السوق بالصلاحيات اللازمة لتطبيق القوانين والأنظمة وللقيام بمهام الإدارة والإشراف وفق قرارات المجلس كما يحق له تعيين الكوادر المختلفة على أن يخضع ذلك لموافقة المجلس. ويتبع المجلس أجهزة فنية إدارية متخصصة يقوم المجلس بإنشائها تحت إشراف مدير السوق وهي كآلاتي:
- جهاز العمليات، ويتولى ثلاثة مهام هي تطبيق الأنظمة الخاصة بالتداول والمقاصة والتسوية، ومتابعة حركة التعامل ورصد اتجاهات الأسعار، ومتابعة حركة البيع بالآجل.
- جهاز البحوث والدراسات والتطوير، ويتولى جميع الأمور المتعلقة بالدراسات والبحوث والتحاليل المالية للشركات ونشر المعلومات والتقارير، وتقديم الاقتراحات الخاصة بتطوير الأنظمة المطبقة في السوق على اختلاف أنواعها ومجالاتها.
- جهاز المراقبة والتحقيقات، ويتولى إعداد مشروعات القرارات واللوائح والقوانين المتصلة بالسوق ومتابعة تنفيذ الأحكام. كما يتولى مهمة التفتيش على الأعضاء (شركات ووسطاء) والتأكد من صحة المعلومات والبيانات الصادرة، والتحقيق في المنازعات المعروضة على كل من لجنة التحكيم ومجلس التأديب.
- أما لجنة التحكيم، فهي لجنة تنشأ بقرار من مجلس الإدارة برئاسة أحد رجال القضاء يرشحه وزير العدل وعضوية اثنين أحدهما عضو في المجلس، وتكون مهمتها الفصل واتخاذ القرارات بشأن المنازعات المتعلقة بالمعاملات التي تتم في السوق. أما مجلس التأديب فيختص بالفصل فيما يقع من مخالفات لإحكام قانون السوق ولائحته التنفيذية وبقية اللوائح والتعليمات المرتبطة به، ويتكون من ثلاثة أعضاء برئاسة مدير السوق وتتراوح صلاحياته بين التنبيه والإنذار إلى التغريم المادي والوقف والشطب للأعضاء من شركات ووسطاء ودلالين وصانعي السوق (5).
ويتضح من القوانين السارية في مملكة البحرين و بقية دول الخليج، وجود تفاوت نسبي في التنظيم الإداري والمؤسسي لأسواق الأوراق المالية في هذه الدول. ومع ذلك فانه وبالنظر إلى مراحل التطوير التي مرت بها هذه الأسواق يمكن استخلاص أمرين الأول هو التوجه نحو فصل مهام الإدارة عن الرقابة، أما الأمر الثاني فهو التوجه نحو تقليص دور الحكومة وحصره في الإطار التشريعي والرقابي وترك أمور الإدارة للقطاع الخاص.
المتطلبات القانونية و التشريعية :
يعتبر توفر بيئة تشريعية وقانونية مناسبة من الشروط الأساسية الهامة جدا لقيام سوق أوراق مالية فاعلة وناجحة ويمكن تعريف الإطار التشريعي والقانوني لسوق الأوراق المالية بأنه مجموعة التشريعات والقوانين والأنظمة والتعليمات النافذة التي ترتبط أو تؤثر أو تتحكم بنشاط إصدار وتداول الأوراق المالية القابلة للتداول بجميع أنواعها من أسهم و سندات و خلافه.
ويأتي في مقدمة هذه التشريعات قانون الشركات وقانون سوق الأوراق المالية ولوائحه التنفيذية، إضافة إلى قوانين وأنظمة تنظيم الاستثمار والضريبة المتعلقة بتداول الأوراق المالية، وأيضا القوانين العامة الأخرى ذات الصلة والتأثير غير المباشر على السوق كقانون مدققي الحسابات وقوانين المصارف والمؤسسات المالية و قوانين الاستثمار........... وتشكل كل هذه القوانين والأنظمة البنية التحتية التشريعية والقانونية legal & legislative infrastructureالتي يقوم عليها السوق (6)، تضاف إليها التعليمات والقرارات التي تصدر عن الجهات المخولة بالإشراف والرقابة على السوق وإدارته.
ولهذه التشريعات والقوانين دوران رئيسيان ومكملان لبعضهما البعض، وهما دور تأديبي (Disciplinary Role) ودور تنموي (Developmentary Role) ولقد أظهرت التجارب أن من الأهمية أن يراعي عند صياغة القوانين والتشريعات لسوق الأوراق المالية إلا يطغي أحد هذين الدورين على الآخر، وأن يكون الهدف إيجاد نوع من التوازن بينهما انطلاقاً من أن الغاية من التشريعات والقوانين هي تطوير السوق مع تمكينه من تحقيق المصداقية والعدالة والكفاءة والفعالية.
وبصفة عامة، تنقسم هذه التشريعات والقوانين إلى ثلاثة أنواع وهي التشريعات التعريفية والتشريعات التحفيزية والتشريعات الرقابية. فالتشريعات التعريفية، تعرف وتحدد العناصر والأنشطة المكونة للنظام المالي بشكل عام ولسوق الأوراق المالية بشكل خاص، من أشخاص اعتباريين أو طبيعيين أو أدوات وأساليب ومفاهيم مستخدمة وتحدد هذه التشريعات وظائف ومسؤوليات كل جهة والإجراءات التي تحكم عمل وحركة هذه العناصر والأنشطة.
وأما التشريعات التحفيزية فتهدف إلى تحفيز وتشجيع المشاركين في السوق على ممارسة نشاطهم وأعمالهم وفق سلوك مهني بناء يساهم في تطوير السوق وأنشطته.
وتهدف التشريعات الرقابية لتعزيز الرقابة الفعالة على السوق وتأمين الحماية للمتعاملين والمشاركين، كما تحدد النشاطات المخالفة التي تضر بالسوق والعقوبات لمنع المتعاملين من ممارسة هذه الأنشطة.
تتطرق قوانين أسواق الأوراق المالية إلى موضوع الإفصاح ومتطلباته وشروطه (7)، وذلك على الرغم من تغطية هذا الجانب في قانون الشركات لدى أغلب الدول. ويعتبر توفر الإفصاح التام Full Disclosure أحد أهم الشروط لتنشيط التداول في سوق الأوراق المالية، إذ يؤدي إلى تعزيز الثقة بين المتعاملين من خلال قيام الجهات المعنية بمراقبة ميزانيات الشركات المدرجة في السوق، والإشراف على البيانات والمعلومات التي توفرها والتدخل لإزالة التلاعب ومنع إعطاء معلومات غير صحيحة للمساهمين، وتزويد المستثمر ببيانات ومعلومات كافية وملائمة وفي الوقت المناسب عن الشركات المدرجة أو قيد الإدراج، وبيان أسعار أوراقها المالية، وتوفير تحليلات سعريه لهذه الأوراق. وبما أن القوائم المالية هي المصدر الرئيسي للمعلومات المتاحة أمام المتعاملين والمستثمرين من خارج الشركة فإن من الضروري احتواء هذه القوائم على المعلومات الرئيسية التي تهم جميع المهتمين خارج إدارة الشركة لتساعدهم على اتخاذ قرارات الاستثمار السليمة، وهذا هو صلب مفهوم الإفصاح الذي يرتكز على المعلومات و توفرها بصورة واضحة ودقيقة وصحيحة.
وترتبط دقة الإفصاح ارتباطاً وثيقاً بالأساليب المحاسبية وأساليب التدقيق المتبعة. وتبرز في هذا الصدد أهمية اتباع المبادئ المحاسبية العامة والمقبولة عالميا وكذلك معايير تدقيق عامة مقبولة عالميا, لان استخدام معايير تدقيق غير مناسبة يؤدي إلى ظهور قوائم وبيانات مالية لا تعكس واقع حقوق المساهمين، كما أن استخدام مبادئ محاسبية غير موحدة وغير مناسبة للشركات قد يؤثر على واقع الوضع المالي علاوة على عدم إمكانية المقارنة بين الشركات، وبصفة عامة فهناك مصدران أساسيان للإفصاح هما "السوق" و "الشركات المدرجة" في هذا السوق.
وفيما يخص أسواق الأوراق المالية في مملكة البحرين و بقية الدول الخليجية، فإن معظم قوانين هذه الأسواق وقوانين الشركات المعمول بها تشترط حدوداً معينة تلتزم بموجبها الشركات بالإفصاح عن البيانات المالية بما في ذلك الميزانيات والمعلومات الأخرى التي تؤثر على أسعار الأسهم وأداء الشركات الأعضاء في السوق، وبالرغم من ذلك فإن من الملاحظ وجود اختلافات فيما بين هذه الأسواق من حيث طبيعة المعلومات ودوريتها ودرجة إلزاميتها والعقوبات المفروضة على المخالفين.
وفي هذا الصدد، فإنه وبناءاً على ما تضمنته قوانين أسواق الأوراق المالية في مملكة البحرين و دول الخليج بشأن الإفصاح يمكن الإشارة بوجه خاص إلى أهمية المتطلبات التالية لضمان درجة مقبولة من الإفصاح.
أ. بالنسبة للشركات :
- إلزام جميع الشركات المدرجة أوراقها المالية في السوق بتزويد إدارة السوق بتقارير عن نشاطاتها ونتائج أعمالها على أن تتضمن هذه التقارير البيانات التي تفصح عن مراكزها المالية بصورة صحيحة، والتزامها بنشر هذه التقارير والبيانات بالصحف اليومية. وتختلف طبيعة هذه التقارير والبيانات بين أسواق الأوراق المالية من دولة لاخري في الخليج، إلا أنها تتضمن على الأقل الميزانية وحساب الأرباح والخسائر فيما تشترط بعض هذه الأسواق تضمين قائمة بيانات التدفق النقدي (Cash Flow) وتتراوح دورية هذه التقارير الإلزامية بين مرة واحدة في السنة في بعض الأسواق ومرتين أو أربع مرات في أسواق أخرى.
- إلزام جميع الشركات المدرجة في السوق و التي تواجه ظروف استثنائية أو جديدة تؤثر على أنشطتها أو مراكزها المالية بإبلاغ السوق عن هذه التطورات في الوقت المناسب وتجدر الإشارة إلى أن القوانين في بعض الدول تشترط أن تقوم الشركة المعنية بإعداد تقرير ملخص عن هذه التطورات ونشره في الصحف اليومية كذلك يجب على الشركات إبلاغ السوق بأي تعديل في إدارتها.
- إلزام الشركات المدرجة و عند إصدارها لأوراق مالية جديدة (الاكتتاب العام) General Sub--SS--ionبتوفير بيانات ومعلومات خاصة وفق نشرة لهذا الغرض (نشرة الإصدارProspectus )، كوصف للمشروع وطبيعة عمله والتعريف بالأشخاص القائمين عليه وكبار المساهمين فيه ووصف للأوراق المالية المصدرة من حيث العدد والسعر وكافة الشروط المتعلقة بالإصدار وشرح لمشاريع الاستثمار إضافة إلى القوائم المالية للشركة.
- يحق للسوق أن يطلب من الشركات المدرجة فيه تزويده بأي معلومات أو بيانات أو بيانات تفصيلية أو إيضاحية إضافية وعلى الشركات الالتزام الدائم بذلك.
- يجب أن تكون جميع القوائم المالية وفق صيغة معينة ومعتمدة من قبل السوق وان تكون مصدقة ومعتمدة من مدقق حسابات ومعتمدة من قبل السوق.
- يجب ألا يقتصر الإفصاح على الشركات المدرجة، بل يجب أن يشمل شركات الوساطة Brokerage companies والخدمات المالية التي تتعامل بالأوراق المالية.
- يجب أن يتضمن القانون عقوبات وجزاءات على من يخالف أحكام الإفصاح وخاصة بشأن تزويد معلومات وهمية fictitious information or misleading أو خاطئة أو ناقصة وكذلك بشأن تداول الأوراق المالية من قبل أشخاص أو جهات مستفيدة من معلومات داخلية خاصة غير منشورة للعموم (Insider trading information)
ب. بالنسبة للسوق :
على السوق القيام بنشر المعلومات والبيانات والمؤشرات والتحليلات المختلفة بشكل دوري ومستمر. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن سوق البحرين للأوراق المالية و معظم أسواق الأوراق المالية في دول الخليج تقوم بنشر البيانات المتعلقة بأنشطة التداول وتغيرات الأسعار اليومية، وأثرها على حركة اتجاه مؤشرات أداء الأسواق، وأداء القطاعات الاقتصادية في الصحف اليومية ووسائل الإعلام الاخري. ويقوم بعض من الأسواق بتزويد شبكة رويتر(Reuters) للمعلومات وبعض وسائل الأعلام المرئية بالبيانات الخاصة بالتداول وتغيرات الأسعار، كما بدأ بعضها بعرض هذه البيانات والمعلومات على شبكة الإنترنت.
وكذلك تقوم جميع الأسواق بنشر تقارير ونشرات دورية شهرية وفصلية وسنوية عن أنشطة أسواقها كما يقوم بعض منها بتحليل الميزانيات والقوائم المالية الأخرى للشركات المدرجة وتوزيعها على المتعاملين في السوق مباشرة ونشرها في وسائل الأعلام المختلفة.
ولا تكمن أهمية الإفصاح في توفير البيانات والمعلومات والقوائم المالية فحسب، ولكن أيضاً في جودة ودقة هذه البيانات والمعلومات وشموليتها وتوقيتها ويرتبط هذا الأمر بمدى توفر الخبراء و financial analysts المحللين الماليين المختصين، وبالقوانين وأنظمة المحاسبة والتدقيق المستخدمة ومن جهة أخرى يساعد تواجد شركات تقييم الملاءة الائتمانية rating agenciesعلى رفع مستوى الإفصاح والشفافية في السوق.