الحماية المدنية و الجنائية للمستهلك عبر شبكة الأنترنت
تقديم الاستاذ حداد العيد
مقدمة.
إن الإنسان بحكم طبيعته الاجتماعية، لا يكف عن التعامل مع غيره في كافة مناحي الحياة. وقد أفرز هذا التعامل علاقات قانونية متشعبة الأوجه مما أدى بالباحثين إلى إخضاعها للبحث و الدراسة.
ولعلى من أخطر الموضوعات المعاصرة التي تحتاج لجهود الفقهاء المعاصرين المستمرة، تلك الموضوعات المتعلقة بالعقود من حيث هي مفتاح المعاملات بين الناس.
ويعد من أخطر الموضوعات المتعلقة بالعقود على الإطلاق، إبرام العقود بغير الطرق المعروفة بين الحاضرين أو الغائبين أو بواسطة وسائل الاتصال المستحدثة التي ابتكرها الإنسان، و التي أصبحت تربط بين أطراف المعمورة كلها، فاختصرت المسافات و الحواجز المكانية والزمانية.
وقد أصبحت هذه الوسائل أمرا ملموسا لإبرام الكثير من المعاملات بواسطتها، وإنشاء التصرفات عن طريقها. لعلى من أهمها شبكة الانترنيت، حيث تحولت هذه الأخيرة من مجرد تبادل البيانات عبر البريد الإلكتروني إلى إنجاز العمليات التجارية، إذ فرضت نفسها بقوة .
وعليه، سأكتفي في هذه المداخلة بالتركيز على ما توفره التشريعات الحديثة من حماية قانونية للمستهلك دون الخوض في تعريفها، نشأتها، فوائدها، سلبيتها وأهميتها حرصا منا على معالجة الأهم من المهم . خاصة ، و أن المستهلك في نطاق التجارة الإلكترونية هو المتعامل الضعيف في حلقاتها كثيرا ما يتعرض للغش و التحايل عند إبرام العقود الإلكترونية و تنفيذها ، في الوقت الذي تكون فيه الأدوات القانونية على المستوى المحلي و الدولي قاصرة عن حمايته . وما يزيد الأمور تعقيدا من الناحية القانونية ، كون العلاقة التعاقدية عبر الانترنيت هي علاقة عابرة للدول، تتضمن في غالب الأحيان عنصرا أجنبيا[1] ، و تكرس المبدأ القائل بأن عقود التجارة الإلكترونية تشبه بالنسبة للمستهلك (عقود الاذعان) المتعارف عليها في عقود المعاملات المدنية.
لهذه الأسباب و غيرها، وجدنا القوانين المقارنة الصادرة في شأن التجارة الإلكترونية كرست مبدأ حماية المستهلك
ولنا أن نشير، إلى أن المخاطر التي يتعرض لها المستهلك في عقود التجارة الإلكترونية قد يكون مصدرها التاجر الذي يمثل الطرف الآخر في العلاقة التعاقدية الذي كثيرا ما يتسم سلوكه بالغش و التحايل قبل المستهلك. كما قد يقع الخطر من الغير، كما في حالة اختراق الشبكات الإلكترونية المنجزة، حيث يتم سرقة المعلومات وإعادة استخدامها على نحو يضر بالمستهلك . الأمر ، الذي يتطلب حماية المعاملات الإلكترونية جنائيا. فضلا ، على أن الدعاية و الإعلان في نطاق العقد الإلكتروني بصفة خاصة قد يلعب دورا عظيما في إيقاع المستهلك في غلط يدفعه إلى التعاقد دفعا. خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار قوة شبكة الانترنيت من حيث الانتشار، التأثير، الدعاية، الإعلان و القدرة على النفاذ بسرعة و سهولة للمستهلك حتى أصبح يشعر أنه محاصر في مسكنه وعمله. ليكتشف بعد فوات الآوان أنه ضحية لمؤامرتين . الأولى ، من وسائل الدعاية و الإعلان و الثانية، من قبل التاجر أو المنتج صاحب السلعة التي يسوقها عن طريق الانترنيت. كل ذلك ، يستوجب حماية المستهلك الإلكتروني من الغش و التحايل الذي يتعرض له من خلال عقود التجارة الإلكترونية عبر الانترنيت.
تأسيسا على كل ما سبق ، نقسم موضوع مداخلتنا المخصص للحماية المدنية و الجنائية للمستهلك عبر شبكة الانترنيت إلى محورين ،حيث نخصص المحور الأول للحماية المدنية ، بينما نخصص المحور الثاني للحماية الجنائية.
المحور الأول
الحماية المدنية للمستهلك عبر شبكة الانترنيت
نعني بالحماية المدنية، الحماية القانونية التي تهدف إلى مساعدة المستهلك في نطاق التجارة الإلكترونية حتى لا يقع فريسة للغش و الاحتيال، حيث نتعرض لجملة من المسائل :
المسألة الأولى: حق المستهلك في الإعلام.
يقصد بها إعطاء المستهلك جميع المعلومات الضرورية اللازمة لمساعدته في اتخاذ القرار بالتعاقد من عدمه[2] ويعني ذلك حق المستهلك في الإعلام المتعلق بالمنتجات المعروضة و ثمنها، ويدرج ذلك ضمن عقود التجارة الإلكترونية، ومنها الإعلام بقوانين المعلوماتية و الحريات. ذلك أنه حسب القانون الفرنسي الصادر تحت رقم 17 في 06 جانفي 1978 و الخاص بالمعلوماتية و الحريات، يحق للمستهلك الإطلاع على البيانات الخاصة به للتحقق منها، وأنه لا يجوز الاحتفاظ بالبيانات الخاصة ببطاقة المصرفية إلا خلال المدة اللازمة للتعامل.
وتحرص بعض العقود – في مجال التجارة الإلكترونية- على إعلامه بالأعباء الضريبية و الجمارك التي يتحملها، وذلك بطريقة مفصلة، مثلما هو الحال في بعض العقود الأمريكية، بل تصل الرغبة أحيانا بإعلام المستهلكين بالقوانين التي تتعلق بحماية ذلك المستهلك حتى يمكن له الرجوع إليها قبل إبرام العقد[3].
ويرى بعض الفقهاء القانونين أن الحق في الإعلام حسب القانون الفرنسي الصادر عام 1993 يجب أن يتضمن ثلاث نقاط أساسية هي:
· التبصير و التوضيح بالخصائص المميزة للسلع أو الخدمات المعروضة باعتبارها الباعث الرئيسي لدى المستهلك على التعاقد، وفي إطارهــا يقع المستهلك ضحية للغش و التقليد.
· التبصير و التوضيح بثمن السلع و الخدمات.
· التبصير و التوضيح على بعض البيانات الإلزامية من ذلك التزام البائع بضمان العيوب الخفية قبل المستهلك، وعدم جواز الاتفاق على الإعفاء من هذا الشرط حماية للمستهلك الذي لا يعلم بحقيقة العيوب الخفية التي اجتهد المنتج أو التاجر في إخفائها.
وقد عالجت المواد 111/2، 113/3 من القانون الفرنسي الصادر عام 1993 في شأن حماية المستهلك هذه الموضوعات فضلا عن بعض النصوص الواردة في تشريعات صدرت عام 1978 في شأن حماية المستهلك في فرنسا.
وما تجدر الإشارة إليه أن العقد النموذجي الفرنسي في شأن التجارة الإليكترونية الصادر عام 1997 قد أوجب تحديد ما إذا كان المستهلك قد وافق صراحة أو ضمنا على استعمال بياناته الاسمية التي يتم تلقيها بمناسبة هذا العقد، الهدف من ذلك حماية أسرار المستهلك وخصوصياته[4].
وهو ما تم النص عليه في التوجيه الأوروبي الصادر في 15/12/1997 حيث تبنى الحق في حماية المستهلك وحماية بياناته الشخصية.
مما سبق، نخلص إلى أن المتعاقد في التجارة الالكترونية ملزم بتبصير المستهلك عن سلعته أو خدمته التي يعرضها، وملزم بذكر البيانات الجوهرية على نحو يحقق علم كاف وشامل للمستهلك حتى يمكن القول أن إرادة المستهلك كانت حرة حال تقاعده، وأن الإخلال بهذا الالتزام يؤدي إلى فسخ العقد في حالة وقوع المستهلك في غلط أو تدليس، كما يمكن المستهلك الذي أصابه الضرر أن يطالب بالتعويض عن الأضرار إن كان لهذا التعويض مقتضى[5].
المسألة الثانية: حق المستهلك في العدول عن إبرام العقد.
لا جدوى من إحاطة المستهلك علما بالبيانات عن السلع و الخدامات دون إعطائه وقتا للتفكير قبل الإقدام على إبرام العقد. حيث يعتبر التفكير هو المكمل للإعلام، و القانون لا يجبر المستهلك على التفكير، ولكن يلزم المتعاقد معه أو المهني حسب التعبير الفرنسي الذي يترك فرصة للمستهلك أن يفكر قبل الإقدام على التعاقد.
و الهدف من هذا الإلزام للمتعاقد أو المهني قبل المستهلك هو القضاء على ظاهرة شائعة تتمثل في لجوء بعض المهنيين إلى رفض تسليم نماذج العقود للمستهلكين إلا بعد التوقيع عليها، على نحو يحرم المستهلك بهذه الطريقة من إمكانية للتفكير المسبق في شروط العقد قبل إبرامه، وبهذا الالتزام يصبح تسليم نماذج العقود إلى المستهلك قبل إبرام العقد أمرا إلزاميا.
ومن الأمثلة الحية على هذا الالتزام ما نص عليه القانون الفرنسي الصادر بتاريخ 12 جويلية 1971 في شأن التعليم بالمراسلة حيث يشير إلى أنه يجب مضي ستة (06) أيام كاملة على الأقل بين تلقي المستهلك (الدارس) للعرض المقدم إليه، وتوقيع هذا العرض وإلا كان باطلا.
و ما نص عليه قانون 13 جويلية 1979 في شأن الإقراض العقاري و قانون حماية المستهلك لعام 1993 من أنه لا بد من توفير مهلة مدتها عشرة أيام من تاريخ تسليم المقترض لمشروع القرض المعروض عليه، ولا يجوز للمقترض تجاوز هذه المدة و الموافقة على العرض خلال هذه المدة، بل يجب عليه التريث حتى انقضاء المدة ثم قبول هذا العرض.
واضح من خلال الأمثلة السابقة أن المشرع يحاول فرض فترة إجبارية يتقيد بها المستهلك للتفكير حتى يضمن القانون رضاءه بناء على رؤية وتدبر و يسرى ذلك بالطبع على عقود التجارة الإلكترونية عبر الانترنيت.
كما يرى بعض الفقهاء أن المستهلك الالكتروني له الحق في العدول، ذلك أنه يشتري السلعة عن طريق الانترنيت ولم ير السلعة، وإنما رأى صورتها على شاشة الحاسب الآلي، فإذا تسلم نموذجا منها كان له حق العدول ومن ثم إمضاء العقد أو فسخه حماية له من أي تلاعب أو تغرير أو تدليس من البائع في نطاق التجارة الالكترونية.
وقد أخذ المشرع الفرنسي بهذا الاتجاه، الذي يعتبر خطوة تدعم مسيرة المشرع الفرنسي نحو حماية المستهلك خاصة في نطاق عقود التجارة الالكترونية
إذ نص على ذلك في قوانين حماية المستهلك عام 1971، 1972 وعام 1978 في شأن القرض الاستهلاكي ، وأخيرا قانون 6 جانفي 1988 رقم 21 لسنة 1988 في شأن عمليات البيع عن بعد. حيث يحق للمستهلك وبعد تسليم المبيع رده وإرجاعه واسترداد الثمن خلال سبعة أيام محسوبة من تاريخ تسليمه المبيع.
نشير في الأخير أن حق العدول في عقود التجارة الالكترونية مقررة لمصلحة المستهلك دون غيره، بسبب طبيعة هذا العقد .
المسألة الثالثة: حق المستهلك في مكافحة الشروط التعسفية وحمايـة
البيانات الشخصية .
يعتبر المستهلك في عقد التجارة الالكترونية عبر الانترنيت هو الطرف الضعيف دائما، لذلك فإن اعتبارات العدالة تقتضي اعتبار هذه العقود بمثابة عقود إذعان حتى يكون للمستهلك الحق في إبطالها أو رد الشروط التعسفية فيها . العلة في ذلك ترجع إلى أن هذه العقود يصعب التفاوض في شأنها، و بالتالي فإن أي شرط تعسفي يستطيع المستهلك المطالبة بإبطاله لأنه يمثل اعتداء على مصلحته.
لهذا يرى بعض الفقهاء أن عقد التجارة الالكترونية، هو عقد إذعان بالنسبة للمستهلك نظرا لظروفه الاقتصادية بوصفه الطرف الأضعف في هذه العلاقة أمام الطرف الآخر الذي يكون غالبا شركات قوية وعملاقة من الناحية الاقتصادية لها قدرة هائلة على الإعلان و التسويق . من هنا ، فإن اعتبارات العدالة تقتضي النظر إلى المستهلك بوصفه طرفا مذعنا في عقد التجارة الالكترونيـة. حيث أن
هذه الشركات العملاقة في نطاق – التجارة الالكترونية- تشبه على أنها شركات احتكار في عقود الإذعان في مواجهة المستهلك الضعيف في عقد التجارة الالكترونية. أيا كانت الحرية الممنوحة له في المفاضلة بين السلع و الخدمات المعروضة ، عليه فإن الدعاية الهائلة التي تتم عبر شبكة الانترنيت، وكذلك القوة الاقتصادية للشركات التي تعرض السلعة أو الخدمة تجعل المستهلك في حاجة إلى الحماية ، وذلك برفع مظاهر الإذعان التي يكون قد تعرض لها ، المتمثلة في الشروط التعسفية التي قد يجري تضمينها في العقد.
إن القواعد العامة في المعاملات المدنية خاصة فيما يتعلق بعقود الإذعان، تحمي الطرف المذعن بوصفه الطرف الضعيف في العقد . هذه القواعد عينها حين تطبق على المستهلك في عقد التجارة الالكترونية تحقق له حماية كاملة، سواء تعلق الأمر بتفسير شروط العقد، أو ما غمض منه وكذلك فيما يتعلق بإبطال ورفع الشروط الجائرة عن ذلك المستهلك.
و بالرجوع إلى نص المادة 9 من قانون حماية المستهلك الفرنسي الصادر في 18 جانفي 1992 يؤكد على مدة الحماية .لا شك أن هذا ، يمثل تطورا هاما في حماية المستهلك في العقود بصفة عامة ، منها عقود التجارة الالكترونية.
هذا ، فيما يخص الشروط التعسفية. أما فيما يخص احترام خصوصية المستهلك، فإنه يستوجب احترام سرية البيانات الخاصة بالعملاء بوصفهم مستهلكين، وكذلك احترام حقهم في الخصوصية، و يقتضي ذلك الالتزام بعدم نشر أو بث أي بيانات تتعلق بشخصياتهم أو حياتهم الخاصة، وكذلك البيانات المصرفية الخاصة بهم على سبيل المثال.
وعليه ، فإن الاحتفاظ على بيانات المستهلك في التجارة الالكترونية تورث الثقة في هذه التجارة طالما أن البيانات في مأمن من الاختراق و السرقة ومن ثم إساءة استعمالها. الأمر، الذي يؤثر إيجابا على هذه التجارة و يدفع الأشخاص للتعامل فيها.
المسألة الرابعة: مكافحة الشروط التعسفية في عقد الانترنيت.
تتطلب قوانين التجارة الالكترونية ضرورة اعتبار وثائق الدعاية و الإعلان التي تتم عبر شبكة الانترنيت من الوثائق المكملة للعقود التي يتم إبرامها لشراء المنتجات.أما بالنسبة للتعاقد بالطريق التقليدي، فيتم تبادل الوثائق و المستندات ما بين طرفي العقد و التي تتضمن عروضا بالسلع و الخدمات. ومواصفاتها ومزاياها وهي مرجع عند الخلاف حول تنفيذ العقد في حين أنه فيما يتعلق بالتعاقد الالكتروني تكون الدعاية على شبكة الانترنيت عن السلع و الخدمات عبر وسائط الكترونية على شبكة الإنترنيت أو عن طريق أقراص أو شرائط ، وأنه بإعدام هذه الوسائط يكون كلا الطرفين قد افتقدا مرجعا هاما لحل خلافهما في شأن تنفيذ بنود العقد. لذلك تنص قوانين التجارة الالكترونية على ضرورة الاحتفاظ على الوسائط الالكترونية التي تمت الدعاية أو الإعلان بمقتضاها بوصفها وثائق مكملة للعقود المتعلقة بالمنتجات التي يرغب المستهلك في شرائها[6].
المحور الثاني
الحماية الجنائية للمستهلك عبر شبكة الانترنيت
إن المخاطر التي يتعرض لها المستهلك في عقود التجارة الالكترونية قد يكون مصدرها التاجر، و الذي يمثل الطرف المتعاقد معه في العلاقة التعاقدية حيث يتسم سلوكه بالغش و التحايل قبل المستهلك، وقد يقع الخطر من الغير كما في حالة اختراق الشبكات الالكترونية المختزن عليها البيانات أو المتداولة من خلالها، حيث يتم سرقة هذه المعلومات وإعادة استخدامها على نحو يضر بالمستهلك. الأمر، الذي يتطلب حماية المعلومات الالكترونية جنائيا.
إن الغش التجاري أو الصناعي الذي يتعرض له المستهلك في نطاق المعاملات المدنية العادية – في مضمون السلعة ذاتها - هو نفسه الذي يتعرض له في حال ما إن تم إبرام العقد بطريق الانترنيت، بل أن فرصة وقوع الغش في حالة التعاقد بطريق الانترنيت أكبر في ظل انعدام المعاينة للسلعة وذلك في الكثير من الأحيان. هذا فضلا، عن أن الدعاية و الإعلان في نطاق العقد الالكتروني له صفة خاصة قد تلعب دورا عظيما في إيقاع المستهلك في غلط يدفعه إلى التعاقد دفعا. خاصة، إذا ما أخذنا في الاعتبار قوة شبكة الانترنيت من حيث الانتشار و التأثير و الدعاية و الإعلان و القدرة للنفاذ إلى المستهلك حيث تجعله محاصرا في مسكنه وعمله.سيما ، وأن وسائط التواصل بهذه الدعاية تدفعه للتعاقد حتى قبل أن يكتشف أنه ضحية لمؤامرة مزدوجة من وسائل الدعاية و الإعلان ومن قبل التاجر أو المنتج .الأمر، الذي تستوجب حمايته من الغش و التحايل . وهو ما يجعلنا بالضرورة نتعرض للمسائل التالية :
المسألة الأولى : الحماية الجنائية ضد الغش التجاري و الصناعي.
يمكن تعريف الغش التجاري و الصناعي بمايلي:
"كل فعل من شأنه أن يغير من طبيعة المواد أو فائدتها التي دخل عليها عمل الفاعل، ولا تهم الوسيلة التي لجأ إليها الفاعل في سبيل تحقيق غايته. فقد يتم الغش بإحلال مواد أقل قيمة مكان أخرى أعلى منها فيما يراد إدخال الغش عليه. أو بإنقاص بعض المواد أو إضافة مواد أخرى عليه تزيد من كميته و تقلل من مفعوله، وغير ذلك من الصور التي لا تدخل تحت حصر. حيث يتفنن الغشاشون في استنباطها لتحقيق أغراضهم بالحصول على أرباح طائلة وغير مشروعة[7].
وقد يقع الغش بفعل الإنسان – كما في حالة الإضافة أو النقصان أو الخلط- وقد يكون الغش لأسباب خارجية عن إرادة الإنسان، كما هو الشأن في حال فساد السلعة نتيجة لطبيعتها كاللحوم و البيض و الجبن و غير ذلك.
و في جميع الأحوال ، فإن جريمة الغش لها ركنان أحدهما مادي و الآخر
معنوي. حيث يتحقق الركن المادي بأي فعل من الأفعال التالية:
· الغش أو الشروع فيه، وكذلك الفساد الذي يطرأ على السعة.
· العرض أو الطرح للبيع أو بيع المواد المغشوشة أو الفاسدة .
· الطرح للبيع أو العرض لـذات الغرض أو بيع المــواد المغشوشــة
أو الفاسدة.[8]
وما تجدر الإشارة إليه ،أن هذا الركن المادي يتوافر حتى في حالة البيع الالكتروني، وذلك عن طريق العرض أو الطرح للبيع من خلال شبكة الانترنيت بالنسبة للسلع الفاسدة أو المغشوشة التي تصل إلى المستهلك لاحقا.
كما يتحقق الركن المعنوي في هذه الجريمة بتوافر– نية الغش أي انصراف إرادة الفاعل إلى تحقيق الواقعة الجنائية مع العلم بتوافر أركانها في الواقع[9].أضف إلى ذلك أن المهني في عقد البيع الالكتروني من الصعب تصور جهله بحقيقة العيوب التي في بضاعته أو المنتج الخاصة به. ويلحق الغش كذلك، حالات التقليد في مراحل الإنتاج الصناعي، وكذلك تقليد العلامات التجارية المضللة للمستهلك.
المسألة الثانية : الحماية الجنائية من جريمة الاحتيال.
قد يلجأ المنتج أو الموزع عامدا لأجل الترويج لمنتجاته إلى الدعاية المضللة التي قد تنطوي في بعض الأحيان على مغالطات علمية بهدف تحقيق قدر كبير من الربح على حساب المستهلك الذي تخدعه هذه الدعاية.
ومن الأمثلة على ذلك، ما تلجأ إليه شركات صناعة الألبان المجففة من دعاية عبر شبكة الانترنيت وغيرها تفيد أن منتجاتها هي البديل الكامل للبن الأم على حين أن الثابت لدى منظمة الصحة العالمية أن ملايين الأطفال خاصة في دول العالم الثالث يموتون سنويا قبل السنة الأولى من أعمارهم بسبب اعتمادهم في التغذية على الألبان الصناعية[10].
تشير هذه الوقائع وغيرها، بأن جرائم الاحتيال أو النصب يمكن وقوعها بطريق الانترنيت ، حيث تمثل الطرق الاحتيالية فيها في صورة الدعاية المضللة لمزايا السلعة و الفوائد المرجوة من ورائها طريقا للاستيلاء على نقود المستهلك[11].
لهذا نجد أن قانون الاستهلاك الفرنسي الصادر عام 1993 تضمن نصوصا تحارب الغش و المخادعة، وذلك من أجل حماية المستهلك حيث تضم النصوص طائفتين من الأفعال. الأولى، تنظمها المواد 121 وما بعدها وهي تعاقب كل من يقوم بالدعاية الكاذبة أو تلك التي من شأنها الإيقاع في الغلط. أما الطائفة الثانية، فهي منظمة بالمواد 213 وما بعدها، وهي تعاقب على الغش و التدليس، وفي كلا الطائفتين فإن المخادع أو مرتكب الغش أو المدلس يعاقب بالحبس أو الغرامة أو إحدى هاتين العقوبتين . كما يمكن أن تضاف إليهما عقوبات تكميلية أخرى.
المسألةالثالثة: بعض صور الحماية الجناية للمستهلك في عقود التجارة
الالكترونية.
تمتاز هذه الصور باعتبارها حماية متكاملة للمستهلك في عقود البيع من خلال الانترنيت و بصفة خاصة في الأحوال التالية:
· تجريم فعل الدخول غير المشروع إلى مواقـع التجــارة الالكترونيــة
و الحصول على بيانات المستهلك،
· إمكانية معاقبة الجاني عند إتلاف بيانات المستهلك بالعقوبة المقررة للإتلاف العمدي للمنقولات بعد التسليم للبيانات و المعلومات باعتبارها من الأموال المنقولة،
· حماية وسائل الدفع الالكتروني من التعدي عليها إلى مجال التجارة الالكترونية،
· التعدي على بيانات البطاقة الائتمانية التي تخص المستهـلك،
· تزوير المحررات الالكترونية التي يكون المستهلك طرفا فيها.
وعليه ، فإننا نجد تشريعات التجارة الالكترونية تضمنت نصوصا قاطعة في شأن تجريم أفعال بعينها بهدف حماية مصلحة المستهلك في عقد التجارة الالكترونية.
الخلاصة.
إنه مع ظهور جرائم الانترنيت ، وعدم استطاعة القوانين العقابية التقليدية مواجهتها سعت معظم دول العالم لاسيما المتقدمة منــها إلى سن التشريعــات
و القوانين لمواجهة هذه الجرائم.
وتعد الولايات المتحدة الأمريكية من أوائل الدول التي انتهت لهذه المشكلات وحاولت علاجها من خلال سن التشريعات ابتداء من 10 أكتوبر 1984 . حيث أصدر الكونغرس الأمريكي ، قانونا يسمى بالتحايل المعلوماتي، وفي سنة 1985، تم إصدار قانونين متخصصين لجرائم المعلوماتية، قانون الغش و التعسف الذي تناول الجرائم الخاصة على الأنظمة المعلوماتية للحكومة الفيدرالية، وقانون سرية المخابرات الالكترونية في 8 فيفري 1996 . ناهيك عن قانون الاتصالات الذي تضمن نصوصا خاصة تهدف إلى تقييد حرية القصر في الدخول للمواقع الالكترونية قصد الإطلاع على الصور و الأفلام المخلة بالآداب العامة المنتشرة على شبكة الانترنيت.
ولم يقف المشرع الأمريكي عند هذا الحد، حيث تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية هي أول دول العالم التي أعطت عناية فائقة لمكافحة الجرائم المعلوماتية.
أما على مستوى الاتحاد الأوروبي، فقد حرص المجلس الأوروبي للتصدي للاستخدام غير المشروع لشبكات المعلومات .تجلى ذلك ، في اتفاقية بودبست الموقعة في 23 نوفمبر 2001 المتعلقة بالإجرام المعلوماتي . حيث تعد فرنسا من بين الدول التي تنبهت لهذه المشكلة ، فحاولت علاجها من خلال سن التشريعات وكان ذلك ابتداء من 6 جانفي 1978، إذ أصدرت قانون يسمى المعلومات و الحقوق الشخصية ليعقبه صدور مرسوم في 25 /12/1981 يوحد بعض المخالفات المرتبطة بمجال المعلوماتية لتصدر في عام 1988 قانون لحماية نظم المعالجات الآلية للبيانات، كما أصدرت قانونا جديدا عدل بعض أحكام قانون عام 1988 وذلك في سنة 1994، حيث أدمج هذا القانون في قانون العقوبات الفرنسي وأصبح يشكل بابا جديدا هو الباب الثاني من الكتاب الثاني من القسم الثاني ليعالج بعض الجرائم المعلوماتية . أما في الوطن العربي، فقد بدأت الدول فيه تتحرك لمواجهة الجرائم الناشئة عن استخدام شبكة الانترنيت بسن قوانين خاصة بذلك ، أو بتعديل ، أو إضافة مواد لقوانينها العقابية القائمة.
ومن الدول العربية التي تصدت إلى هذه الظاهرة سلطنه عمان وذلك بإصدار المرسوم رقم 72/2001 ، تضمن تعديل بعض أحكام قانون العقوبات ومنها جرائم الالتقاط غير المشروع للمعلومات أو البيانات ، الدخول غير المشروع على أنظمة الحاسب الآلي ، التجسس و التنصت على البيانات و المعلومات، انتهاك خصوصيات الغير أو التعدي على حقوقهم في الاحتفاظ بأسرارهم وتزوير بيانات وثائق مبرمجة أيا كان شكلها ، وإتلاف وتغيير ومحو البيانات و المعلومات، التعدي على برامج الحاسب الآلي، نشر واستخدام برامج الحاسب الآلي بما يشكل انتهاك لقوانين حقوق الملكية أو الأسرار التجارية[12].
إضافة إلى القانون العماني، فقد صدر قانون التجارة و المعلومات الالكترونية في تونس سنة 2000، وكذلك قانون التجارة و المعلومات الالكترونية في إمارة دبي عام 2002. كما نشير إلى أن المشرع الجزائري قد تصدى لبعض جرائم المعلوماتية بموجب قانون 04/15.
ومهما يكن ، فإن العناية بحماية المستهلك على كثرة نشاطها وتقدمها في الدول الغربية، تكاد تكون منعدمة في الوطن العربي ، إذ كل ما حظيت به هذه الحماية في هذه الدول ، أنها أصبحت تسن بعض القوانين لمواجهة الجرائم المترتبة عن استعمال شبكة الانترنيت بعدما أصبحت النصوص القانونية التقليدية غير قادرة على الوقوف إمامها. الأمر، الذي نرى معه ضرورة تدخل المشرع العربي بشكل أكثر جدية و مسؤولية لمواكبة التطورات الجارية في مجال حماية المستهلك في الدول المتقدمة.
الدكتور حـداد العيد
[1] . د/ عبد الفتاح حجازي، التجارة الإلكترونية وحمايتها القانونية، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية 2004، ص 10.
[2] . د/ أسامة مجاهد، التعاقد عبر الانترنيت
[3] . د/ أحمد الرفاعي، الحماية المدنية للمستهلك إزاء المضنون العقدي، دار النهضة العربية 1994، ص 105 ومابعدها.
[4] . د/ أسامة مجاهد، ص 109 المرجع السابق,
[5] . عبد الحميد حميش، حماية المستهلك الإلكتروني، مرجع سابق، ص 128.
[6] . د/ عبد الفتاح حجازي، التجارة الالكترونية وحمايتها القانونية، دار الفكر الجامعي الإسكندرية ص 26.
[7] . د/ سميحة القليوبي، غش الأغذية وحماية المستهلك، بحث لمؤتمر حماية المستهلك، القاهرة ، مارس 1993، ص 04.
[8] . د/ عبد الله حسين محمود، حماية المستهلك من الغش التجاري أو الصناعي، دار النهضة العربية القاهرة سنة 2002.
[9] . د/ عبد الله حسين محمود، المرجع السابق، ص 10 وما بعدها.
[10] . د/ محمد شكري سرور، التجارة الالكترونية ومقتضيات حماية المستهلك، بحث مقدم إلى المؤتمر العلمي ، أكاديمية
شرطة دبي – الإمارات العربية المتحدة، 26-27 فبراير 2003، ص 176.
[11] . محمد محرم محمد علي، النصب و التجارة الالكترونية، بحث مقدم المؤتمر – شرطة دبي أفريل 2003، المجلد الأول
ص 493.
[12]. د/ محمد أمين الرومي، جرائم الحاسوب و الانترنيت، دار المطبوعات الجامعية؟، الإسكندرية، 2003، ص 7 وما بعدها.