لقد كان النظام الأساسي اكثر وضوحاً من اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1968 والاتفاقية الأوروبية لعام 1974 إذ انه قرر عدم تقادم كل الجرائم الخاضعة لاختصاص المحكمة وهي (جرائم الحرب والإبادة وضد الإنسانية) ثم جريمة العدوان التي لم تشر الاتفاقيتان السابقتان إليها ، وبذلك عالج النظام الأساسي النقص الموجود في الاتفاقيتين ، فقد نصت المادة (29) من النظام الأساسي على (لا تسقط الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة بالتقادم أياً كانت أحكامه) ، ومن خلال تحليل المادة (29) يمكن استنتاج أمرين : الأول – إن هذه المادة منعت سقوط كل الجرائم الخاضعة لاختصاص المحكمة بالتقادم وبذلك وضع حداً للخلاف حول مدى خضوع جريمة العدوان للتقادم ، والثاني – إن المادة (29) منعت التقادم بنوعيه إذ أشارت نهاية المادة إلى عدم الأخذ بالتقادم(اياً كانت احكامه) وهذا يعني عدم سقوط الجريمة سواء بتقادم الدعوى القضائية أم بتقادم العقوبة ، وذلك لخطورة هذه الجرائم التي لا يجوز أن تسقط بالتقادم لأي سبب ولكي لا يتخذ المتهمون ارتكابها الاختفاء عن الأنظار خلال مدة التقادم سبباً أو عذراً للتهرب من المساءلة الجنائية وتفادي العقاب .
ولكن قد يثار التساؤل التالي حول التقادم في النظام الأساسي وهو (إن الاختصاص الزمني للمحكمة لا يسري إلا على الجرائم التي وقعت أو التي ترتكب بعد بدء نفاذ النظام الأساسي)([18]). ولكن ما هو الوضع بالنسبة لبقية الجرائم المرتكبة قبل نفاذ النظام الأساسي في 1/7/2002 هل يعني ذلك أنها سقطت بالتقادم ؟ في البداية يمكن القول إن عدم خضوع الجرائم المرتكبة قبل نفاذ النظام الأساسي لاختصاص المحكمة يقلل من فاعلية المحكمة ويدل على تأثير الاعتبارات السياسية في النظام الأساسي([19]). إلا انه ووفقاً للرأي الراجح فان ذلك لا يعني إن هذه الجرائم قد سقطت بالتقادم ، إذ تبقى هذه الجرائم ومرتكبوها يستحقون العقوبة ولكن هناك جهة قضائية أخرى غير المحكمة الدولية تنظر فيها وهي المحاكم الوطنية عن طريق ممارسة الاختصاص العالمي الشامل([20]).
ومع تأييدنا لهذا الرأي ، إلا إننا كنا نأمل أن يتم تأكيد ذلك في النظام الأساسي للمحكمة وفي المادة (11) بالذات ، إذ إن هذه المادة أوضحت فقط أن اختصاص المحكمة الزماني قاصر على الجرائم المرتكبة بعد نفاذ النظام الأساسي ، إلا أنها لم توضح ما هو الحكم بالنسبة للجرائم المرتكبة قبل هذا النفاذ ، ولاشك أن عدم توضيح موقف المحكمة من الجرائم السابقة على نفاذ نظامها الأساسي قد يكون له نتائج خطيرة،لان الدول التي قد ارتكبت هذه الجرائم سوف تفسر أن سكوت النظام الأساسي عن ذلك يعني تقادم الجرائم المذكورة،لذلك فأننا نقترح أن يتم إضافة فقرة جديدة إلى المادة (11) تنص على ما يلي : (3-لا يترتب على الأحكام السابقة في الفقرتين (1و2) سقوط الجرائم المرتكبة قبل نفاذ النظام الأساسي بالتقادم،بل يبقى اختصاص النظر فيها قائماً للمحاكم الوطنية أو المحاكم الدولية الجنائية الخاصة).
وقد يقول البعض إن المادة (29) قد نصت على مبدأ عدم التقادم ، إلا انه يمكن الرد على هذا القول بأن المادة المذكورة جاءت بصيغة تدل وفقاً للتفسير القانوني السليم على أنها لا تشمل الجرائم المرتكبة قبل نفاذ النظام الأساسي ، إذ أنها نصت على انه (لاتسقط الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة بالتقادم اياً كانت احكامه)،وكما هو معلوم واستناداً إلى المادة(11) فان الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة هي المرتكبة بعد نفاذ النظام الأساسي فقط .