تمثل قوانين الأحوال الشخصية أحد أهم المجالات التشريعية بالنسبة لحقوق المرأة فلا أحد ينكر تأثيرها الجوهري على مكانة المرأة في الأسرة والمجتمع، وعلى إنسانيتها ومواطنتها.
وبالرغم من الإنجازات الكثيرة التي تحققت للمرأة خلال العقدين الأخيرين فان اقل المجالات تأثراً بالتطور وتجاوباً مع التغيير كان المجال التشريعي، واقلها مجال التشريع للأحوال الشخصية، ولهذا سعت اللجنة البحرينية للأحوال الشخصية المكونة من عدة جمعيات نسائية ونحن جمعية المرأة البحرينية عضو فاعل في هذه اللجنة، سعت هذه اللجنة لبث الوعي بين النساء لأهمية هذا القانون، ولما يسببه غياب هذا القانون من ضياع حقوق المرأة والأسرة، كما أن هناك إجراءات ومعاملات قد تطول لشهور أو سنين، والنتيجة ضياع العديد من هذه الأسر وتشريد الأبناء وانتشار الانحرافات بينهم.
وقد ضمت اللجنة العديد من الجمعيات النسائية والمحامين ورجال دين للتحاور والتشاور وإبداء الرأي الصائب، ومؤخراً شكل جلالة الملك المعظم حمد بن عيسي آل خليفة لجنة لإعداد مشروع قانون أحكام الأسرة ولقد ترأس هذه اللجنة الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة نائب سمو رئيس الوزراء وزير الشئون الإسلامية وضمت رئيس المجلس الأعلى للقضاء والمحاكم الشرعية السنية والشيعية. ومن ضمن هذه اللجنة ثلاث محاميات ممن عملن في مجال قضايا الأسرة أمام المحاكم الشرعية. وقد انتهت اللجنة من أعمالها وصيغ مشروع قانون الأسرة والذي اصبح على الجمعيات النسائية مناقشته وتقديم مقترحاتهن، ليوثق على المشروع وترفع إلى مجلس النواب، ومن مطالب اللجنة أن يكون هذا القانون قانوناً موحداً للشيعة والسنة حيث إن تنظيم أحوال الزواج والطلاق وحضانة الأطفال لا يوجد فيها اختلافات كبيرة بين المذهبين، إننا نرى أن يؤخذ الإيجابي من كلا المذهبين، ويصاغ قي قانون واحد وطني غير طائفي، والسؤال يطرح نفسه، لماذا نريد ونطالب بسن قانون للأسرة في حين توجد هناك محاكم شرعية تقوم بهذا الدور؟
إن أهمية إصدار مثل هذا القانون، وهو وجوب التزام القاضي بأحكام القانون، وحتى لا يكون هناك اختلاف في الحكم من قاض إلى آخر وحسب مزاجه واجتهاده ومصلحته، فالقانون هنا يطبق على الجميع.. ويضع أسس وقواعد ثابتة لحياة الأسرة. ووجود القانون يسهل الرقابة على القاضي في المحكمة.
فمعظم البلدان المتحضرة لديها قوانين تسير وتيسر أمور رعاياها، والدين الإسلامي دين يسر وليس دين عسر، إن هذه الأحكام هي من وضع الفقهاء ورجال الدين.. وهؤلاء بشر ممكن أن يخطئوا أو يصيبوا.
** إذا ما هو قانون الأحوال الشخصية، ومن أين يستمد أحكامه؟
هو مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم علاقة الأفراد فيما بينهم، من حيث صلة النسب والزواج وما ينشأ عنه من ولادة وولاية وحضانة.. إلا انه يستمد أحكامه من الشريعة الإسلامية ومصادرها (القرآن والسنة).. ومع هذه نجد أن هناك اختلافات بين قوانين الأحوال الشخصية في الدول الإسلامية، لماذا؟
يأتي هذه الاختلاف بسبب الرأي الفقهي المعتمد في القانون فالآراء الفقهية حول أي أمر تكون متعددة ومختلفة وهذا ناتج عن اختلاف في فهم الآيات والأحاديث.
إذاً ما فائدة قانون الأحوال الشخصية للمرأة البحرينية؟ ولماذا ارتبط القانون بالمرأة وحقوقها؟
للقانون فوائد كثيرة سواء للزوجة أو الزوج والأولاد، والمحامين والقضاة من حيث الحقوق والواجبات المترتبة على عقد الزواج، ولقد ارتبط القانون بالمرأة لأنها ما تزال الطرف الأضعف في علاقاتها الشخصية، ولان حقوقها تهدر بسبب غياب هذا القانون، ونحن نطالب بقانون لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية، فالقانون يستمد أحكامه من الشريعة الإسلامية، ولا يخرج عليها، وإنما الغرض من إصدار القانون هو تحقيق العدالة للأفراد فلا يستغل القاضي بانتقاء الأحكام وإنما يطبق حكماً واحداً على الوقائع المتشابهة.
ويتكون قانون الأحوال الشخصية من الأجزاء التالية:
1- الزواج وأركانه وشروطه وأنواعه وآثاره.
2- الطلاق وأنواعه وآثاره.
3- الولادة وتشمل النسب والرضاع والحضانة والنفقة والولاية.
4- الوصية وأحكامها.
5- المواريث وأحكامها.
** نأتي الآن لمشروع قانون أحكام الأسرة (في تنظيم الزواج والطلاق وآثارهما).
وهو المشروع بقانون والذي صاغته اللجنة القضائية برئاسة الشيخ عبد الله بن خالد آل خليفة وزير الشئون الإسلامية: هذا المشروع فيه إيجابيات كثيرة، ولو انه تعتريه بعض السلبيات، وهو يتكون من (139) مادة وهو يعتبر فرع من قانون الأحوال الشخصية حيث لا تدخل فيه لا الوصية ولا الميراث.
الباب الأول يتكلم عن الخطبة.
الباب الثاني أحكام عامة.
1- تعريف الزواج
2- عقد الزواج، وشروطه وكل ما تشترطه الزوجة أو الزوج في العقد يحق أن ينص عليه صراحة، مثلا من حق الزوجة أن تشترط على زوجها ألا يخرجها من بلدها أو أن لا يتزوج عليها.
3- على الزوج أن يقر في وثيقة الزواج عن حالته الاجتماعية إن كان متزوجا مثلا عليه إخبار زوجته.
هناك بعض السلبيات مثلاً:
1- لم يحدد سن للزواج، وهذه ظاهرة خطيرة.
2- يجب حضور الزوجين أمام القاضي الشرعي لتوثيق عقد الزواج.
3- بالنسبة للولي، وهو الأب أو الجد للأب أو الأخ، يجب إضافة الولي في الزواج ما دون الواحد والعشرين.
4- المادة (12) يشترط في الولي أن يكون ذكرا فقط، يجب إضافة أو أم البنت والولد.
5- الجمع في حدود أربع نسوة يجب توافر الشروط الشرعية من عدل في المعاملة وعدل في الإنفاق كيف؟ المادة هنا فضفاضة يجب أن يكون هناك جهات مختصة تعين من خلال الطرفين لمعاينة هذا العدل.
6- بالنسبة للصداق (المهر) نضيف لا بد من مؤخر للصداق لا يقل عن ربع الصداق.
7- بالنسبة لتعدد الزوجات يجب تقنين هذا التعدد رجوعا للآية الكريمة (فانحكوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع، فان خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت إيمانكم ذلك أدنى أن لا تعدلوا)، لقد أباحت الآية السابقة التعدد ولكنها قيدت الإباحة بالعدل بين الزوجات من إنفاق ومسكن ومعاشرة، من هنا يظهر لنا أن دائرة إباحة التعدد قد ضيقها النص القرآني تضيقاً شديداً لأنه جعل مجرد الخوف من الظلم الاكتفاء بواحدة، فالزواج العادل لا يمكن أن يتحقق مع تعدد الزوجات من حيث أن تربية الأولاد لا بد أن تتم في بيوت ليس فيها شقاق وان يحترم كلا الزوجين الآخر.
كذلك هناك في المادة (52) بالنسبة لنفقة الزوجة: لا نفقة للزوجة (إذا منعت نفسها عن الزوج) تحذف هذه الجملة لأنه لا يمكن إثباتها.
* المادة (82) الطلاق:
يجب أن لا يقع الطلاق إلا لدي المحكمة وبحضور الزوج والزوجة.
* المادة (83) النفقة بعد الطلاق للزوجة:
يجب أن يعوض من تضرر من الزوجين سواء كان الضرر مادي أو معنوي.
* المادة (48) بالنسبة لسكن الحاضنة:
إذا انتهت فترة حضانة الأم يعود الأب مع الأولاد إلى البيت، والأم تخرج، يا ترى ما مصير الزوجة عند انتهاء الحضانة.
بالنسبة للنفقة يجب:
1- إلزام المحاكم بدراسة أوضاع الزوج المادية قبل الحكم بالنفقة للزوجة أو الأولاد.
2- يجب أن يكون هناك نفقة عاجلة للزوجة لإجراء وقتي دون انتظار سماع الدعوى وذلك بسبب الزوج وعدم حضوره للمحكمة.
** بالنسبة لسن الزواج
إن الحكمة من الزواج وغايته الاجتماعية النبيلة كونه سببا لسكون النفس واطمئنانها، وبناء خلية اجتماعية صالحة.. لهذا لزاما أن يسن في قانون الأسرة مادة عن سن الزواج، فظاهرة تزويج البنات في سن صغيرة ظاهرة منتشرة في البحرين وخاصة في القرى، وهناك ظاهرة تزويج أولياء الأمور لبناتهم وهن في سن دون البلوغ (بمعني تسمى هذه البنت لذلك الولد) حيث تكون إرادة البنت منعدمة لصغر سنها، وإذا كبرت لا يكون لها الخيار في مثل هذا الزواج، كذلك تنتشر ظاهرة تزويج الأولياء لبناتهم لزوج يكبرهن سناً، ولهذا نطالب بتحديد سن الزواج أو كما في بعض قوانين الأحوال الشخصية في الدول العربية، مثلا في القانون العراقي حددها بسن (18 سنة) للفتاة والفتى، واليمن (18 سنة) للفتى و(16 سنة) للفتاة، والقانون التونسي (20 سنة) للفتى و(17 سنة) للفتاة، على ضوء ذلك نرى ضرورة تدخل الشرع وتحديد سن الزواج ووضع نص يعاقب عليه أولياء الأمور الذين يقومون بإبرام عقود زواج أبنائهم دون السن القانونية.
وكذلك يجب وضع حد أقصى لفرق السن بين الزوجين، ومنع الزيجات ذات الفارق الكبير في السن ووضع عقوبة على أولياء الأمور الذين يزوجون أبناءهم أو بناتهم عند تجاوز الحد الأقصى، مثلاً في الأردن ينص القانون بمنع إجراء عقد على امرأة لم تكمل 18 سنة إذا كان خاطبها يكبرها بأكثر من عشرين عاماً، أما بالنسبة للطلاق: والذي هو أبغض الحلال عند الله، ومع ذلك نرى مآسي وألم شديد يقع على المرأة جراء من إن الرجل له الحق فقط في الطلاق. ولقد جرى العمل في تشريعات الأحوال الشخصية بناء على آراء الفقهاء إلى تحديد الحالات التي يكون للزوجة الحق في طلب الطلاق على النحو التالي:
1- طلب الطلاق للعيب، وقد جرى العمل بالأخذ به في محاكمنا.
2- طلب الطلاق لعدم النفقة، لا تأخذ محاكم البحرين لعدم الإنفاق كسبب من أسباب الطلاق.
قد تقوم المحكمة بالمصالحة فإذا لم يتم الصلح يتم التطليق (خلعاً)، بتنازل الزوجة عن حقوقها ودفعها مبالغ من المال. مع إن هناك دول مثل مصر وتونس والمغرب والكويت والعراق أخذت بطلب الزوجة الطلاق لعدم الإنفاق.
3- طلب الطلاق للغيبة، ليس هناك قانون يحدد المدة لغياب الزوج ومن ثم تستطيع الزوجة طلب الطلاق، فمحاكمنا تتشدد كثيراً في قبول دعوة الزوجة بطلب الطلاق، لذا نطالب بتحديد مدة زمنية لغيبة الزوج.
4- طلب الطلاق للضرر، في محاكم البحرين يكون حق المرأة في طلب الطلاق بسبب الضرر غير معروف، ولا تؤخذ بالحسبان ولا تعطى أية أهمية من قبل المحاكم الشرعية، وخاصة في مجتمع لا زالت المرأة لا تعرف الكثير عن حقوقها، وتتبع العادات والتقاليد والمواريث الاجتماعية البالية وخوفها هي نفسها من الطلاق وتبعاته، لهذا نرى ضرورة تشكيل مكاتب استشارية في جميع المحافظات للنظر في الشكاوي سواء من قبل الرجل أو المرأة، والعمل على إصلاح الخلل بين الزوجين بالمعروف.. هذه المكاتب منتشرة في الكويت ولها مفعول إيجابي.
بالنسبة للخلع، فالملاحظ أن محاكم البحرين تأخذ بالخلع إن طلب الطلاق إذا كان من الزوجة وحتى لو كان بسبب الضرب والاعتداء والإهانة غالبا ما تطلق المحكمة خلعا فتتنازل الزوجة عن حقوقها في نفقتها وأيضا عن نفقة أولادها، وأحيانا تتنازل عن المهر وتدفع مبالغ من النقود وهذا لا يجوز شرعاً.
حضانة الأولاد: لم يرد في القرآن أو في السنة النبوية نص يحدد الوقت الذي تنتهي فيه الحضانة، وقد اختلف الفقهاء فيه وذهب المذهب المالكي إلى الحضانة بالنسبة للصبي حتى يبلغ وبالنسبة للبنت حتى تتزوج، وهذا الرأي اخذ به المشرع لقانون الأحوال الشخصية في الكويت، أما في البحرين فليس هناك رأي ثابت، وغالباً في حالة الخلع تجبر الزوجة على أن تتنازل عن حضانة أولادها، ولقد سن قانون في ورقة مشروع قانون أحكام الأسرة بما ذهبت إليه الكويت: الولد لسن البلوغ والبنت حتى تتزوج.
إننا نرى المشرع البحريني قد نظم قواعد الإجراءات في القضايا المدنية والتجارية وكذلك الجزائية فاصدر القوانين المنظمة لتلك الإجراءات بشكل محكم صيانة للحقوق وضمانا لسير العدالة ومسايرة التطور التي تشهده البلاد في حين إن الجانب المهم والمتعلق بحياة الفرد في المجتمع لم يحظى بأي اهتمام يذكر ومازال المشرع البحريني لم يتدخل لتنظيم إجراءات التقاضي أمام المحاكم الشرعية ومازالت الأمور تسير بصورة عشوائية، لذلك فإننا نقترح إصدار قانون ينظم أحكام الأسرة على الأقل في الوقت الآني لينظم إجراءات التقاضي أمام المحاكم الشرعية، وإلى حين صدور مثل هذا القانون لا بد من الإسراع في:
1- تنظيم مسائل النفقة بتقرير نفقة عاجلة كإجراء مستعجل.
2- تنظيم مواعيد الطعن.
3- إيجاد مراكز استشارية قانونية لأطراف الخصومة، وإنشاء نظام الباحث الاجتماعي في محاكم الشرع لدراسة القضايا من الناحية الواقعية علي يد متخصصين في علم الاجتماع وعلم النفس وإعداد تقرير بذلك للقضاة الذين ينظرون في الدعوى حتى يكون القاضي ملما بجميع النواحي قبل إصدار الحكم.
ولهذا ومن اجل الوصول إلى تشريع للأحوال الشخصية يسهم في إرساء أسس جديدة للعلاقات العائلية تقوم على مبادئ المشاركة والاحترام والتفاهم ويحقق مستوى افضل من الضمانات لحقوق كل أفراد الأسرة بناء على الاحترام الكامل لقواعد المساواة والعدل والحرية، قانون يسعى إلى رفع الظلم والتعسف وتضييق المناخ من فرص الاستغلال والإساءة، قانون يكفل الحد من ظاهرة العنف الأسري الذي يبحث عن مبررات له في القواعد والأحكام والمفاهيم التقليدية من اجل الوصول إلى هكذا قانون علينا التعرف إلى التشريعات النافذة والتجارب الناجحة في استبدال أحكام تقليدية بأحكام مستحدثة مناسبة.
إن مشروع قانون أحكام الأسرة المعد للمناقشة والإقرار هو قانون عليه أن يرتفع بمواده ونصوصه إلى روح الميثاق الوطني ودستور البلاد الذي شرع حق المرأة بالمساهمة في التنمية البشرية بجانب الرجل دون تمييز أو نقصان وحقها في الوصول إلى قبة البرلمان بواسطة الانتخاب والترشيح ويأتي مشروع قانون الأحوال الشخصية أو قانون أحكام الأسرة تجاوبا وتوثيقا لإرادة عظمة الملك الشيخ حمد بن عيسي حفظه الله في مساواة المرأة البحرينية مع الرجل وان أي تعد أو محاولة لإحباط تشريع حقوق المرأة الفعلية بروح العصر من أي جهة كانت سيما المحاولة للحيلولة دون مناقشة هذا المشروع في المجلس النيابي لإقراره وإنجازه إلى حياة المرأة الفعلية في المجتمع يشكل محاولة بائسة من أعداء المرأة.
إن جميع القوى الخيرة والمستنيرة في مجتمعنا البحريني عليها أن تتضافر للحيلولة دون قوى الظلام والتخلف الذين يحاولون عبثا تقييد المرأة البحرينية بقيود عبودية القرون الوسطي