منتدى ثقف نفسك
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


ثقافة عامة، تاريخ إسلامي ، موسوعة الأساطير ، حكايات شعبية ، حقائق حول الماسونية
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 حكايات وأساطير عالمية ج 6

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
recflow
موسوعة ثقافية
موسوعة ثقافية



عدد المساهمات : 1746
تاريخ التسجيل : 06/06/2012

حكايات وأساطير عالمية ج 6 Empty
مُساهمةموضوع: حكايات وأساطير عالمية ج 6   حكايات وأساطير عالمية ج 6 Emptyالسبت سبتمبر 01, 2012 1:12 pm

الكتاب الرابع
أوروبا
روسيا
"سنيغورتشكا*" طفلة الثلج

في البيت القروي البسيط كانت بعض زواياه تلمع بالضياء القادم من النافذة ، حيث كان يدخل الضوء الأبيض و البارد لذلك الصباح الثلجي . لقد تعوّد كبيرا البيت على حب النور.
الجدّة "ماريوتشا" كانت تحيط القدر بالجمر ، كي يغلي الحساء على نار هادئة . وكانت الجدة حزينة فلقد مرت السنوات ، وأحنتها بأثقالها وبيّضت شعر رأسها بثلوج فصول الشتاء المتعاقبة .
لقد مرت السنوات وأخذت معها حلم العجوزين في أن يلد لهما طفل يملأ حياتهما بالسعادة.
أحضر الجدّ "يوتشكو" حزمة من الأغصان اليابسة ، ليطيل بها حياة النار في البيت. فامتلأ المطبخ بطقطقات الأغصان وهي تشتعل. وفي جوار البيت كانت تعلو فرحة الأطفال وهم يلعبون.
أطلّ العجوز "يوتشكو" من النافذة فرأى الأطفال يرقصون ويضحكون ، وقد شكّلوا من أنفسهم جوقة كورال ليغنّوا وهم يحيطون بتمثال من الثلج .
وبحماس قال الجدّ:
" اسمعي ياماريوتشا تعالي وانظري إلى الدمية التي صنعها الأطفال " . وبدأ العجوزان بالضحك وهما يريان الأطفال يضحكون. كانت دمية الثلج سمينة و قصيرة القامة ، فيها شبه كبير من عمدة القرية إنها شيطنة أطفال!!
وفجأة كف‘ يوتشوكو عن الضحك وقال : " ماريوتشا تعالي لنرى إن كان بإمكاننا أن نصنع صغيرا !! ألا ترغبين ؟" . فردت عليه
= : "ماذا بك؟ ألا ترى أن الناس ستضحك منا ؟ لقد شِخْنا يا رجل على أشياء الصغار هذه!! ".
-: "لا يهم ! "._ وأصرّ يوتشوكو _ وأضاف: " سنتفادى أن يرانا أحد، سنشكل دمية صغيرة مثل طفلة صغيرة وجميلة جدا .
أخذت ماريوتشا القدر عن النار ، ووضعت شالا من الجلد وخرجت مع يوتشوكو وعندما مرّا بالصغار توقفا ، وأخذا يلعبان معهما ويقفزان ويغنيان بكل الفرح الطفولي ثم بدآ بالانسحاب رويداً رويداً ، وتوجها إلى دغل صغير كانت أشجاره عالية والثلج عليها شديد البياض.
ركع العجوزان على ركبتيهما وبدآ يجمعان الثلج ، ويشكلانه على هيئة طفل صغير ، شكلا الجسم ثم الرأس ، و وضعا كمية كبيرة من الثلج على الرأس وقالا:" كي ينبت شعر كثيف !!"، ثم أضافا حفنتين على الخدين وقليلا من الثلج للأنف ، وحفرا حفرتين كبيرتين للعينين .
:" آه ها هو بالضبط! " قالا , وتعانقا وهما ينظران إلى ما شكّلاه، لكن فجأة توقفا و صمتا ، فلقد شاهدا شيئاً غريباً ، فأخذا يقتربان شيئاً فشيئاً ، ثم تبادلا النظرات بصمت .
و بدهشة كبيرة جداً كانت الحفرتان في رأس الدمية قد أخذتا تمتلئان بلون ازرق ، ومنه خرجت عينان تنظران بثبات ، و لم يعد وجه الدمية ابيض والخدود أخذت تظهر و تتدوّر ، وبدأ يسري بها اللون الزهري وتحرك الفم في ابتسامة لذيذة .
نفخة من الريح جعلت الثلج يهتز ، و يتحول إلى شعر طويل وملتف ، وعليه غطاء جلدي للرأس ، و فستان ابيض لا يمكن لناظره أن يفرقه عن ثلج المكان ، لقد تحولت الدمية الثلجية إلى طفلة رائعة !!.
تبادل العجوزان النظرات باندهاش كبير، وقالا سوية : " نعم إنها حقيقية !! لسنا نحلم فهذه طفلة إنها هنا إلى جانبنا قريبة منا جداً ، تتحرك وتمد ذراعيها و تنادينا !!".
فأخذاها ، فأحسا بدفء وبدآ يداعبانها بالقبل ، عندها شعرا أن الحياة انولدت من جديد في قلب كل منهما .
عانقا الطفلة وحضناها بين الذراعين ، وعادا بها إلى البيت وهما يرتجفان من شدة فيض عاطفتهما وسعادتهما .
في البيت وضعت الجدة ماريوتشا الطفلة على ساقيها و وراحت تهزهما وهي تردد أغنية حلوة للطفلة كي تنام .
ومن أعلى جدار المدفأة تدلى شال جلدي ، وبالقرب من وهج النار وضعا الحذاء الصغير الأبيض .
اقترب العجوز يوتشكو وقال بصوت منخفض: " اسمعي ماريوتشا !! لقد صار لنا طفلة صنعناها من الثلج ، وإنني أفكر بالاسم الذي سنعطيه لها فوجدت أن نسميها "سنيغورتشكا" هل يعجبك؟ ". هزت الجدة رأسها بالموافقة وهي تبتسم .
في تلك الليلة نام العجوزان وهما حائران بين فيض سعادتهما وخوفهما أن يكون كل شيء مجرد وهم أو حلم جميل قصير .
لكن في الصباح كانت الطفلة معهما ، وفي مكانها تضحك وتحكي تغمرها السعادة فلقد كانت تتكلم بطلاقة ، لقد صارت بهجة حقيقية للعجوزين .
في ذلك اليوم أقيمت حفلة كبيرة في البيت ، قامت الجدة ماريوتشا بتحضير كل أنواع الحلويات ، أما الجد يوتشكو فلقد دعا الموسيقيين وكل أولاد وبنات القرية ، ودارت السعادة وطالت الأغاني وامتدت الرقصات حتى ساعة متأخرة .
في تلك الليلة حلم الأطفال بـ"سنغوروتشكا" وبشعرها الذهبي وعينيها الزرقاوتين ، لقد بدت "سنغوروتشكا " ، وكأنها جاءت من إحدى الحكايات الجميلة ، وهي تلعب مع الأطفال ، أخذت تعلّمهم كيف يبنون قلاعاً وقصوراً من الثلج ، فيها صالات من المرمر و نوافير ماء كبيرة ، لقد بدا الثلج وكأنه يطيع مخيلة "سنغوروتشيكا" وهي تشكله بهيئات مستحيلة .
وعندما رقصت لتعلّم الصغار كيف يسقط ندف الثلج في البداية بشكل دردور . وفي النهاية بشكل بطيىء ، فلقد انذهل الأطفال جميعهم لقد كانت "سنغوروتشيكا" إحدى طفلات حكاية ثلجية.
لكن فصل الشتاء بدأ بالرحيل ، والأرض المغطاة بالثلوج أخذت تعود إلى خضرتها ، بدأت الأشجار تكسو أغصانها بالنّوار ، والهواء يأتي محملاً بالدفء وأغنيات الربيع وأريجه ، ولمعت الشمس ناصعة .
في أحد الصباحات كانت الجدة ماريوتشا قرب النار ، تحرس القدر المحاط بالجمر ، والجد يوتشكو كان قد انتهى من تجميع حزمة الحطب إلى المطبخ .
لم يكن هذا الصباح مثل ذاك الصباح الشتائي الذي شاهدوا فيه الأطفال مجتمعين حول دمية الثلج ، فهذا الصباح كان حزيناً ، وذاك صار بعيداً بعد أن أبهج البيت والحياة كلها .
تقف سنغوروتشكا إلى جانب النافذة ، تنظر إلى المرج وقد أزهر و ازدان والأشجار اخضوضرت أوراقها .
حذّر يوتشكو من أن وجه سنغوروتشكا صار شاحبا ، وامتلأت عيناها بحزن غريب وسأل سنغوروتشكا :
" ما بك هل تشعرين بسوء؟ ".
"لا!! لا !! _ أجابته بحزن _ لكنني افتقد الثلج ، فأنا لا أقدر على العيش بدونه ، والعشب الأخضر ليس جميلاً ، إن أختي البيضاء الرائعة أكثر جمالا وروعة ، وبدأت سنغوروتشكا ترتجف.
وفي اليوم الثاني بدت أكثر شحوباً وحزناً فيما ينظر العجوزان إليها بهلع .
:" ما الذي حل بالطفلة؟ ". سألت ماريوتشا بخوف كبير ، ولم يجبها يوتشكو الذي أمال رأسه ، وأخفى علامات الألم ، ثم اتجه نحو ستغوروتشكا متظاهرا بالسعادة، وقال : " بماذا تفكرين يا صغيرتي ؟ لم لا تخرجين إلى اللعب مع الأطفال في الحقول؟أم انك لم تعودي تحبينهم؟ ".
:" لا اعرف ياأبتي يوتشكو ، لكنني أشعر هنا في داخلي إنني سأختنق كلما استنشقت الهواء الدافئ ، وقلبي يكاد يتوقف ".
: "هيا تشجعي وتعالي معنا ، سأحملك بين ذراعي ، ولن أدع الريح تصلك ، سترين الأزهار والورود الخلابة التي جلبها الربيع ".
أبعدت ماريوتشا القدر عن النار وخرج ثلاثتهم إلى الحقل ، يوتشكو يحضن سنيغورتشكا بين ذراعيه ليحميها من النسيم ، فلقد كان الهواء عليلاً ودافئاً ومعطراً بعبير الورود ، لكن سنغوروتشكا انقبضت ، وأخذت ترتجف ,شجّعها العجوزان وحملوها بين أذرعهما إلى دغلٍ مزهرٍ ،لكن ورغم المرور بمجموعة من أشجار وارفة فلقد جاءت حزمة من أشعة الشمس ، و وصلت إلى الطفلة فجرحتها كأنها سيف .
صرخت سنغوروتشكا بلوعة ومرارة ، ثم بدأت تخرج منها حشرجات ، جحظت عيناها ممتلئة بالدموع على مرأى من "يوتشكو" و "ماريوتشا" وهما مضطربان مذهولان .
لقد بدأ جسم الطفلة يتقلص ، وأخذ يتحلل شيئا فشيئا ثم ذاب ببطء حتى صار قطرات ندى على العشب ، وعلى الجبال كان الثلج يتحلل مع أول إشعاعات الشمس .


* كلمة روسية تعني طفلة الثلج




اسفياتوغور والعمالقة



الجبال المقدسة في روسيا كانت عالية وعالية جداً ، تخترق الغيوم بقممها .وهناك ،كانت طيور النسور ، تقوم بطيرانها الهادئ فوق القمم ، وتحط بصمت في أعماق المضائق.
وفي مرج الأعشاب الشاسع كانت الصخور الهائلة تطلق بخارا يرتسم في السماء مثل أشباح رمادية .
كان الساكن الوحيد لتلك الجبال المقدسة هو المارد "اسفياتوغور" العملاق ، ولضخامته فقد كان يشبه إحدى تلك الصخور العالية ، وعندما كان يمشي يجعل الأرض ترتجف تحت أقدامه .
كان ممتطيا حصانه يتسلق أعلى القمم ، يعبر الوهاد ويجتاز الأنهار بقفزات غريبة كأنه يطير.
كان "اسفياتاغور" يعيش وحيدا في تلك العزلة الكبيرة ، جعلته قوته ينازل جميع أبطال روسيا ، وعندما كان يخرج إلى الحقول والسهول كانت الأشجار تتسمر من مشيته ، والأرض ذاتها كانت تهتز ووحدها كانت صخور الجبال المقدسة تحتمل المشية الثقيلة للعملاق.
كانت قوته غير طبيعية ، وكان ذلك سبباً لبؤسه ، إذ كان بمقدوره أن يستغل قوته في أشياء أخرى، فلو انه خصصها للعمل أو لخدمة الناس لكانت السعادة تغمره .
فعمره على الأرض قليل ، لكن "استيفاتاغور" كان جاهلا ، بل كان يحوّل كلّ شيء يلمسه إلى ذرات غبار وكل شيء كان ينسحق بين يديه الجبارتين .
في يوم ما خرج من جباله ، و وسط مرج الأعشاب الشاسع نصب خيمته الرمادية اللون ، وفيها اضطجع ونام حتى اليوم الثاني ، حيث قرر "اسفياتوغور" أن يتابع المسير .
وأخذ يمرّ بقرى وضيعات ومدن ، وبدأ يتعرف ويعشق الناس ،أسره الفلاحون بطبيبتهم وعطفهم وكذلك جمال النساء القرويات، وعندما مرّ بإحدى القرى رأى شابة رائعة الجمال ، وعندها فكر: " هذه شابة تصلح أن تكون خطيبة لي وتستحقني بجدارة ", ولم يتأخر البطل بالفوز بقلب الشابة القروية الفاتنة الجمال ، وبعد قليل فاز بالزواج منها وبأخذها إلى مملكته في الجبال المقدسة .
في يوم كان فيه "ايليا موروميتس" المحارب الشجاع يبحث عن أماكن فسيحة ، فكان عليه أن يمر بالجبال المقدسة وخلال ثلاثة أيام قفز من صخرة إلى صخرة ، وصعد القمم ، واجتاز الوهاد حتى خارت قواه فنصب خيمته وربط حصانه ، ونام مع أحلام عميقة .
نام "ايليا" لساعات طويلة ، وقبل أن تخرج الشمس حلم بأشياء غريبة وهجينة ، رأى وكأن جواده القوي يحفر الأرض بحوافره ، و يصهل جافلاً ، فيما بعد سمعه يقول بصوت إنسان:
" إليا! إليا! انهض انجُ من الخطر ! فالبطل اسفياتوغور يقترب ! هيا ! اتركني طليقا في هذه الحقول واختبئ أنت سريعا في جذع الشجرة!
نهض "ايليا" و عمل بنصيحة حصانه ، فتسلق إلى أعلى أغصان شجرة بلوط ، و بعد قليل ظهر "اسفياتغور" المريع الضخم والقوي مثل الصخر ، يحمل زوجته على أكتافه ، تجلس في هودج من الزجاج ، وفي حزامه سيف كبير جداً .
ترجل العملاق عن الحصان وبمفتاح من ذهب فتح القفص الزجاجي الذي خرجت منه زوجته الفاتنة الجمال والرائعة مثل الصباح .
وبينما كان "ايسافايتوغور" يجهّز خيمته بسطت الشابة على الأرض حصيرة ، وأخرجت من الخرج كمية كبيرة من الطعام اللذيذ ومشروبات حلوة مثل العسل .
خلال الأكل كان "ايليا" لا يتحرك بين أغصان الشجرة مختفيا عن عيون العملاق لكن المرأة كانت قد رأته وخشيت من غضب زوجها ، فجعلت "ايليا" وحصانه يختبئان في احدى جيوب ايسافوتوعور" الضخمة " ، والذي من غير أن يدري مضى بالحمولة ليومين ، وفي اليوم الثالث بدأ حصان "اسفياتوغور" يصدر إشارات تعب ، فزأر البطل : " آه أيها الحصان !! هل أصبحت شائخا وغير مفيد!! ألا تستطيع المسير بعد؟ ".
أجاب الحيوان الذكي :
" كنت أحملك أنت وزوجتك ، لكن منذ ثلاثة أيام احمل على ظهري حمولة زائدة ".
فتّش "اسفياتوغور" جيوبه الضخمة فعثر فيها على "ايليا" وحصانه فقال له : " من أنت ؟ " .
فأجابه: " اسمي إيليا ، وكانت عندي رغبة بإبداء إعجابي للبطل ايسافتوغور ".
: " ها أنا أمامك ، وهذه فرصة لنكون أصدقاء ، وستكون شاهدا على أفعالي العظيمة ".
قبل إيليا مشكوراً ، واستعد للمشي إلى جانب صديقه العملاق . وبدأ ايسافوتوغور يعامله كأخ له ، يتقاسم معه الأكل والشراب من نفس الكأس .
في يوم من الأيام كان البطلان يعدوان في المرج الشاسع فعثرا على تابوتٍ كبيرٍ جداً مغطى في كومة من الحبوب .
توقف ايسافوتوغور يفكر ، وقال : " فلنفحص لمن كان ذلك معدا ؟
دخل إيليا أولاً ، لكن القبر الصخري كان كبيراً جداً بالنسبة لمقاسه ، فدخل ايساتفوغور في التابوت الغريب وكأنه كان معد اً لمقاسه العملاق .
: " يبدوا انه معدٌ لي" ! _ قال ايسفاتوغور وأضاف_ : " يا إيليا !! يا صديقي وآخي !! هل بإمكانك وأنا هنا في جوف التابوت أن تغلق الغطاء ؟ ".
: "لا يا أخي !! إني أخاف ذلك " ،أجاب ايليا .
تدخل ايسافوتوغور واخذ الغطاء الحجري الضخم بإحدى يديه ، وعندما أطبقها أحكمت الجوانب واقفل التابوت بشكل كامل ، وعبثاً أخذ ايسافوتوغور يتحرك ، ويتلوى في الداخل .
: " إيليا يا أخي العزيز !! خذ سيفي و حطّم جدران هذا القبر اللعين ".
أخذ إيليا السلاح الفتاك ، وأفرغ ضرباته الجبارة على الحجر ، وهو يسمع زئير ايسافوتوغور يختنق في الجوف .
أحس بان قوته تتضاعف ، فعاد وأخذ السيف وبدأ يضرب من جديد ، ومع الضربات القوية كانت تتطاير شظايا الصخرة والشرر من السيف .
: " إني اختنق !! " ، زأر ايسافياتوغور : " تعال يا آليا يا أخي !! اقترب جيداً !! أريد قبل أن أموت أن الصق بك السر الرفيع لقوتي ". وأخذ صوت العملاق يضعف وكأنه يختنق .
: "وداعا يا رفيقي لقد لصقت بك قوتي وسيفي الجبار".
كانت هذه الكلمات الأخيرة ، وكانت آخر أنفاس العملاق الذي مات وهو يصارع الموت .
وقف إيليا مستنداً إلى سيف ايسفاتوغور وسط صمت المرج الشاسع ، لكنه أحسّ بقوة جبارة ، تسري به ، فراح إلى جانب قبر صديقه ، وأخذ يدور حوله مرات ثلاثة ، ثمّ ودّعه ، وعاد في الطريق الى روسيا قاصدا قصر عمه "فلاديميري نور الشمس" أمير مدينة كييف ، وقد اكتسب إيليا القوة والشجاعة اللتين حملتاه إلى أن يحقق المآثر المدهشة مع مردة آخرين في قصص مثيرة .
انضم إيليا إلى ستة من المردة وراحوا يمتطون خيولهم ، يعبرون الصحراء إلى أن وصلوا إلى سفح فيه أشجار بلوط قديمة ، ولأنهم كانوا متعبين جدا نزلوا إلى الأرض ، ونصبوا خيامهم ، واضطجعوا ليرتاحوا ، بينما راحت الخيول ترعى في الجانب .
عندما أعلنت الشمس عن النهار بشفقها الأحمر نهض "ايليا موروميتس" ونظر إلى البعيد ، كانت مجموعة من التتار تحجب الأفق ، و تتقدم ، تلفها غيمة من الغبار، تغزو السهل، وكأنها إعصار عنيف .
صرخ إيليا : " انهضوا أيها المردة !! فالتتار قادمون نحونا " , فنهضوا وحملوا سلاحهم وانطلقوا لمواجهة التتار ، وسرعان ما انتصروا عليهم .
كان الأعداء المهزومون يملأون السهل ، بينما المردة يطلقون صرخات المنتصرين :
" أية قوة يمكن مقارنتها بقوتنا؟ " . وصرخ "اليوشا بوبوفيتش" : "لا يوجد جيش يقدر على هزيمتنا !! ".
وقال إيليا:
" السيف الذي منحني إياه اسفياتوغور لا يُهزم ، لكن في تلك اللحظة وكأن الأرض انشقت وأنبثق منها محاربان مسربلان بمعادن تلمع ، واتجها نحو المردة قائلين:
" جئنا لنمتحن قوتنا نحن اثنان وأنتم سبعة ، لكن لا يهم فلنتحارب !! ".
امتلأ قلب "اليوشا بوبوفيتش" بالغضب ، امتشق سيفه وهجم على خصميه غريبي الشكل ، لكن آه منك أيتها المعجزة !! فعندما ضربهما "اليوشا" فقد تحولا إلى أربعة .
جرّد "دوبينيا نيبريتش" سيفه ، وتقدم نحو الأربعة ووقف وسطهم ،لكن وللغرابة أيضا ، فلقد تحول الأربعة إلى ثمانية ، وأخذوا يتقدمون !!.
قضى "ايليا موروميتس" بسيفه الجبار على الثمانية ، لكنهم تضاعفوا أيضا أمام دهشة واستغراب المردة .

وبعزم وبأس وغضب هجم السبعة سوية على أعدائهم ، لكنهم كلما قاتلوهم كانوا يتضاعفون !! .
وطيلة أيام ثلاثة وثلاث دقائق وثلاث ثواني استمرت المعركة ، حتى خارت قوى المردة الأبطال ، واحتلهم الذعر فهربوا إلى الجبل لينجوا بأنفسهم ، وهناك تحولوا إلى حجارة وبقوا إلى الأبد وهكذا يروون عن نهاية الأبطال العمالقة في روسيا المقدسة .



بلاد الراين


الماء الصافي في أعالي الجبال ، والبحيرات السويسرية تتطاير مياهها في الأبراج سريعة ، وتجري فيما بعد صافية هادئة بين أدغال الغابات السوداء ، تغرق المياه في مسارها بين هوامش في صخور عالية ، مكللة بالآثار والقلاع التي تحكي عن شغل الناس في المدن القديمة وضواحيها ، ويستمر الماء بطيئا و عريضا نحو البحر عبر الأرياف الهولندية .
في حوض الراين عاش سليلو قبائل الجرمان الذين أقاموا هناك أجيالاً وراء أجيال ، تركوا في ذاكرة حياتهم اجمل الحكايات .



الفارس الأخير



يقفز نهر “Aer " بين الصخور الكبيرة ، فيصقلها بمياهه ، وينحرف هادئا تحت ظلال الغابات المورقة .
يجري في السهل يصعد في تدفقٍ جارفٍٍ ويدخل في وادي ضيق تحيطه الروابي.
إحدى التلال القريبة من ضفاف النهر من منحنياته الصخرية والمتشظية تقبع عليها آثار قلعة التينار مغطاة بالنباتات المتسلقة .
منذ سنين عدة هُجرت القلعة الرائعة ، والعرق البشري الأرجواني لمالكيها القدماء قد قُضي عليه في معركة مأساوية .
كان الكورت دي التينار أخر سلالة العائلة النبيلة كان فارساً شجاعاً و محباً للحرية ، لم يسمح أبداً أن يفرض أحد عليه أي شيء لا يتلاءم مع كرامته و عزته ، في مرحلة كان الأمراء فيها يفرضون وبشدة الضرائب والخدمات لصالح الإقطاع والنبلاء .
الفارس كورت اعترض وبقوة على ذلك الجور غير آبه بالتهديدات.وعندها بعث الأمراء جيشا كي يحاصر القلعة المتشامخة . أغلقوا بوابات الحصن ، و خاض كل الرجال مقاومةً بطولية .
كانت السهام تصدر صفيراً ، وفي المجنبات المنحدرة كانت تتدحرج الصخور الكبيرة التي كانت تُقذف من الأعلى.
والمحاصرون الذين تجرّأوا على الاختباء في الصخور ، أفادوا من تلك الصخور التي جعلت قفز المهاجمين مستحيلاً.

امتد الحصار عدة أسابيع ، وصار نقص الأكل في الحصن هو العدو الأكبر للمدافعين .
"كورت التنار " رأى اقتراب اليوم الذي عليه توزيع آخر الخبز بين رجاله . وبعدها عليهم الاستسلام أو الهلاك .
امتد الحصار من غير أن تهبط معنويات المحاصرين ، وفي العكس، يوم بعد يوم كانت الهمم تضعف عند الذين يحاولون الهجوم والدخول إلى الحصن أمام الصعوبات للسيطرة واخضاع تلك القلعة الحصينة التي كان وضعها يجعل محاولاتهم الهجومية ضربا من المستحيل .
المدافعون كانوا شجعاناً ومستبسلين ، عندها أحسّ الأمراء بالرعب واليأس يتفشى بين رجالهم المحاربين ، فخشوا أن يندلع تمرداً بينهم بين لحظة وأخرى .
بعض الخدم الإقطاعي اختفوا هاربين من تلك الحرب غير المفيدة والخطرة. والتمرد سينشر الفوضى وعدم التنظيم في الجيش الذي يفرض الحصار .
وفي صباح دافئ ومشرق ظهر المسن كورت بشعره الأبيض فوق أعلى أبراج القلعة يمتطي خيله ومدجج بكل الأسلحة .
المظهر النبيل للفارس، بوجهه الشاحب الذي يداعبه الهواء الطلق ، و بريق سلاحه الفولاذي وخيله الأسود المتألق ، كل ذلك كان يمنح الفارس الهيبة والسحر .
فتثبـّتت كل النظرات عليه، و صمت الجميع حتى الوادي ظل صامتا في ذلك الصباح المشرق والدافئ!!

مدّ "الكورت التنار" ساعده في إشارة تحية وقال بصوت جهوري :
: هنا الرجل الأخير !! والخيل الأخير !! لكل اللذين عاشوا في هذا القلعة الحصينة ! فلقد قضى الجوع على رجالي و أبنائي ! وقد ماتوا جميعا ، لكن بكرامة لأنهم يعشقون الحرية ، ويبغضون طغيانكم .. أنا أيضاً سأموت بالطريقة التي عشت فيها حرّا دائماً من كل العبودية كأي فارس حقيقي ".
وعندما قال ذلك عند حافة البرج ، لكز خيله بمهمازه ، وأطلق صرخة على الحيوان النبيل الذي صهل صهلة غضب ، وانطلق إلى الفضاء بوثبة مخيفة .
سقطت خيول من جهة المنحدر الصخري المتشظي ، وتدحرجت محطمة حتى غرقت في ماء النهر وإلى الأبد أمام الخيل الأخير لـ"التينار" .
لم يتجرأ أي من المحاصرين على دخول الحصن الصامت للأبطال ، فرعب الميدان جعلهم يفرّون من ذلك الوادي المفزع .
و هكذا استمرت القلعة حصنا أبياً و وحيداً طوال الوقت الذي غطى آثارها بوشاح من الحجر .



الطفلة العملاقة والفلاح



منذ زمن بعيد كان في تلك الحقبة الغابرة الناس تروي إنها رأت أشياء رائعة ، و كائنات غير طبيعية وغريبة .
في تلك الأزمان يقولون انه في القلعة الكبيرة جداً في " نييدك " كانت عائلة من العمالقة .
من القلعة لا يبقى الآن أي شيء أكثر من انقاضها واثارها ، لكن في القرية القادمة التي تجيىء بها ذاكرة السكان القدماء ، مع انّ الرجال يروون تواريخ مثيرة للفضول ، سمعوها عن آبائهم وأجدادهم ، ويحكون عن القوة والهياكل الضخمة لأولئك العمالقة الذين كانوا يصنعون حياة متقاعدة في تلك القلعة من دون التعامل مع الناس ، لكن دون أن يقوموا بأدنى فعل يضرّ ، رحيمين متسامحين و طباعهم حلوة .
كلّ الناس يتذكرون أن ذلك الإقليم له سمة نبيلة وأصيلة ، من سمات القلاع القديمة في "نييديك"، وعندما يروي الفلاحون ذلك فإنهم يحكونه بعاطفة وعلى شرف ذكرى أسلافهم .
يقولون : " إن الإبنة الوحيدة لملاّك القلعة ابتعدت في أحد الأيام ، تتمشى بين أشجار الصنوبر وكروم العنب حتى وصلت إلى هضبة قريبة لمركز حكم البلدة ، أي الى المكان الذي يمكن منه السيطرة علىالقرية ، حيث الوادي ينقسم إلى قطع من الإراضي الفلاحية .
الطفلة العملاقة الطويلة مثل أعلى شجرة صنوبر توقفت لتنظر إلى بعض الكائنات الغريبة التي كانت تتحرك هناك في الأسفل ، ويقومون بحراثة الأرض .

تقدمت قليلاً فاكتشفت أنه كان رجلاً يحرث التراب بمحراثه المربوط بزوجين من العجول ، وخلال عدة دقائق راقبت الرجل بفضول وهو يحرث حقله .
كان ذلك مجهولا وغريبا بالنسبة لها ، فصارت تنظر إليه كما ينظر الأطفال إلى تعذيب النمل في جحرها ، كان منظر تلك الهيئات المتحركة رائعاً وهم يصنعون في الأرض خطوطاً طويلة ومتقاربة فيما بينها .
الطفلة العملاقة قفزت ، و وتطايرت من الفرح ، وملأت الوديان برذاذ قهقهاتها .
الفلاح العامل توقف متعجباً ، والعجول جفلت ، وتوقفت مذعورة ، وقبل أن يأخذ الفلاح بالحسبان لما يجري اقتربت الطفلة نحو الرجل والعجول وأخذتهم وهي في هالة من الفرح كما لو كانوا دمى للأطفال .
عادت إلى القلعة ، كانت سعيدة و ومبتهجة وهي تعرض لقيتها إلى والديها .
: "انظروا! انظروا! ماذا عثرت !! لا توجد دمية أجمل من هذا أليس حقا إنها جميلة؟ ، إنها دمية حقيقية حيّة !! سترون كيف يتحركون ويصنعون خطوطاً مستقيمة و متقاربة !!".
وبينما كانت تتكلم وضعت الفلاحين و زوجي العجول و نير الحراثة والمحراث على الطاولة الضخمة كمسرح الحفلات .
و دفعتهم كي يبدؤا بالعمل . لكن الطفلة توقفت عن الكلام والضحك أمام النظرة القاسية لوالديها .
العملاق صاحب اللحية الثلجية قال بحنان وجدية:
" هل تعرفي جيداً ماذا أحضرت يا بنيتي؟ هل تعرفي ماذا فعلتي؟ ، هذا الذي تسميه دمية هو رجل فلاح ، لقد أرعبتيه عندما كان يشتغل !! واقتلعتيه من بين الفواكه ، الثمار التي تتغذين عليها وتجعل أهلك يواصلون الحياة!!فمن غيره ما كانت الحياة ممكنة لنا !! هذا العامل المسكين هو الأكثر نفعاً وفائدة من كل الرجال ، فالآخرون يمكنهم الحياة بفضل عمله ،وجهده هو الجهد الأكثر نبلا وعطاء ، فلا المطر و لا البرد ولا الشمس اللاهبة قادرون على إبعاده عن الأرض التي يحرثها ويحرسها بحب . كل عامل يستحق الاحترام , والفلاح هو أكثر الذين يعملون ، ليس دمية !!لا يا بنيتي !! هيا !! خذيهم بحذر شديد وبعناية الى نفس المكان الذي أحضرتيهم منه ، واحمهم من أي مكروه !! و لاتنسي أن من لايحترم و لا يحب الفلاح والذي يصنع من الفلاح ضحية لأنانيته فإنه بذلك يجلب اللعنات من السماء " ..
الطفلة العملاقة وابنة العمالقة طلبت المعذرة ، وأخذت بانتباه كبير الفلاح و زوجي العجول ، وحملتهم يهتزون في راحة يدها ،وأعادتهم كي يحرثوا في أرضهم أثلاما جديدة ..



حكاية المحتال تيل



من حكاية شعبية قديمة في المانيا تروي مغامرات أحد المحتالين الذي عاش بين القرنين الثالث والرابع عشر ،
والذي كتب عنه الروائي الفلامنكو كارلوس دي كوستير في 1876، وهو عمل يعتبر من أجمل نتاجات الروح الإنسانية.
عن حكايات الفرح والمغامرات والبطولات لشخصية "ايولن شفيغيل" و " لام غويدزاك"* و حكاية تيل ايولن شفيغيل **..

كان "ايولون شبيغل" أحد اكبر المحتالين الذين يتفننون في الضحك على الناس وخداعها ومن الذين يحلوا لهم العيش من غير عمل و لا انشغالات أو مسؤوليات تحررهم من اكتشافهم وملاحقتهم بسبب أعمالهم وألآعيبهم السيئة .
ولد تيل في قرية صغيرة في ساجونياSajonia ، شبّ سليماً معافى منيعاً ولم يتأخر في إعطاء إشارات حياة مكر ودهاء أدهشت كل من عرفه .
كان عمره 14 سنة عندما انتقل مع عائلته للعيش في قرية قريبة من مدينة "مغديبورغ" إذ مات والده بعد فترة قصيرة ، ومن ذلك الوقت صار يتصارع مع امه لأنه كان يحصل على مبلغ من عمله ،لكن هكذا كان "تيل" جاهزاً للإطاعة والخنوع ، وليترك هواياته ، حبه للتعلم في القرقوز التي كان يصرف فيها أغلب وقته اليومي .
ولأن الجزء الخلفي من بيته كان يطل على النهر فلقد ثبت تيل حبلا في شباك بيتهم وربطها إلى شجرة في الضفة الثانية للنهر.
وعندما صار الحبل مشدوداً ومحكما جيداً ، قام تيل بالعبور عليه من طرف إلى طرف فتجمع ناس كثيرون، وصارت فرجة كبيرة مشاهدة الصبي وهو يرقص على الحبل بظرافة وخفة ويقفز .
جاءت أمه وأرادت أن تبعد ابنها عن تلك الألاعيب ، فحذرته ، ثم ّصعدت إلى السدة وقصت الحبل المشدود إلى النافذة ، عندها سقط تيل في الماء ، وفي أثناء سقوطه كان يقوم بحركات دورانية في الهواء ، أمـّا الذين كانوا يتفرجون عليه من أطفال وكبار فلقد بدأوا يضحكون و يهزأون ويصيحون:
" تيل !! حمّام الهنا !! بالتأكيد لن تشعر بالحر !! ولا بالرغبة في معاودة ذلك !! ".
بعد أيام قليلة سرى خبر في أنحاء القرية أن تيل يستعد لإعادة ألعابه فرغب الجميع في أن يقضوا وقتا من الضحك والترفيه عن النفس ، فذهبوا ليشاهدوا المغامر المتهور ، ولم يقتصر الذهاب على الأطفال فقط إنما على رجال و نساء القرية .
كان " تيل " يتوازن على الحبل بخفة وطرافة ، والجميع يتابعونه بأفواه مفتوحة وعيون جاحظة، وفي أثناء ذلك صرخ تيل:
" دعوني أرى !! من يعيرني فردة حذائه اليسرى؟ سأقدم لكم لعبة مسلية جداً ".
نزع جميع الأطفال أحذيتهم لأنم كانوا مبتهجين و مسحورين بتل
جمع تيل أربعين إلى خمسين حذاء وشكّها و لظمها في حبل ، ثم رماها بين جموع الفضوليين وهو يقول:
" لأرى إن كنتم جاهزين !! ليأخذ كل منكم حذاءه !!".
تدافع الجميع في البحث عن أحذيتهم ، كان هناك أحذية كثيرة ، وبعجلة كانوا يريدون استردادها إذ بعد قليل صار هناك كومة من الناس يلعنون ، ويصرخون ويتضاربون .
هرب " تيل" من شباك السدة وهو في غاية السعادة، ومن غير أن يفكر في العقاب الذي ستحضره أمه له طيلة أربعة أسابيع كانت بالنسبة له قرونا من الزمن ، خلالها ظلّ تيل محبوسا في البيت في غرفة مظلمة ، وعندما خرج من حبسه ليأخذ من الحرية ما سلبوه منها ، قرر أن يجول العالم مقتنعا أن القرية صارت صغيرة على مغامراته ، وهذا ما فعله بعد أن ترك ذكرى طيبة من مسخراته و إساءاته في أماكن عدة .
اتجه نحو إمارة "Anhalt " حيث ضمّه الأمير إلى خدمته ، ووضعه كحارس في برج مراقبة القلعة .
وفي يوم من الأيام نسي الخدم أن يأخذوا أكلا له ، وفي اليوم نفسه تسللت قوى معادية إلى الزريبة الخلفية للقلعة ، وسرقوا كمية كبيرة من الماشية .
واصل "تيل" في مكانه ما كان يعمل به ، ومن غير أية نية بأن يعطي إشارة صافرة إنذار.
لكن الأمير و رجاله المحاربين تمكنوا من صدّ اللصوص ، وأنقذوا المسروقات كلها ، وعند عودتهم الى القلعة توجه الأمير نحو تيل، الذي كان يسترق النظرات من خلف النافذة فقال تيل له:
" معاليك !! إن معدتي خاوية وخفت أن انفخ في القرن الذي أعطيتني لأنه يصدر صوتاً قوياً وعلى معدة خاوية فإنه يسبب لي طنيناً مؤلماً " .
ذهب الأمير و الفرسان لتناول الطعام على طاولة كبيرة وعامرة ، تمت إقامتها للاحتفال بالنصر ، وبينما هم منهمكين بتناول ألذّ المأكولات وأطيب الأطباق ، أطلق تيل الإشارات الثلاث من صافرة الإنذار وعند سماعها نهض الجميع !! لأخذ أسلحتهم تاركين المطعم خالياً ، وأطياب الأكل على الطاولات ، عندئذ لم يكن صعباً على تيل نيل مراده ، لهذا هبط من برجه بقفزات صامتة ، وعبّأ قسماً من تلك الطبخات والمأكولات اللذيذة في أكياس وفي جيوبه وعاد بهدوء إلى مكانه .
تلوّن وجه الأمير عندما أحس بخديعة الصافرة ، فطرد الوغد المكّار ، والذي مشى في الحال ، وعندما شعر بالتعب قرر شراء حصان ، وفي السوق عثر على حصان رخيص ، لأنه كان كبيراً في السن و قد أسيئت معاملته ، لكن صاحبه الحوذي كان نبيهاً وسريعَ الفطنة ، يريد بيعه بالغش والحيلة فطلب 24 فلورين*** .
فقال تيل له : "سأدفع لك الآن 12 فلورين ، و يبقى تطلبني 12 فلورين ".
وافق الحوذي ، فدفع تيل اثنى عشر فلورين وأصبح مالكاً للحصان. وبعد ثلاثة شهور أراد الحوذي ان يقبض الباقي الذي وعده تيل به ، فردّ تيل عليه وكأنه يستغرب:
" ألم نتفق على أن يبقى ذلك المبلغ دينا؟ لهذا بالضبط لا يجب عليّ دفعه ".!!
غضب الحوذي ، وتجادل الاثنان ، ثم ذهبا إلى القاضي ، وأمامه رفض تيل أن يدفع أي مبلغ قائلاً:

" أنا اشتريت الحصان بشرط وهو أن ادفع له مبلغ 12 فلورين عدّا ونقدا وأن أدين له بالإثني عشر المتبقيات ، وإذا دفعت له الآن فمن الواضح انني لن أدين له ، وهذا ليس ما اتفقنا عليه ، فأنا رجلٌ شريفٌ ويجب عليّ احترام كلامي" . فقبل القاضي بهذه الحجة ، ولم يدفع تيل الدين أبداً ..
وبعد عدة حيل نادرة و مغامرات في ذلك البلد انتهى تيل بالوصول الى مجلس امير " Hesse” ، عندها سأله الأمير: من أنت؟
:" معاليكم !! أنا فنانُ كبيرُ !! رسّام على مستو عال جداً !! إذ لن تجد مثيلاً لي في كل المملكة ".
:" ابق إذاً لتزخرف لنا جدران الصالة برسومات ، تمثل تاريخ أسلافنا وأجدادنا ".
طلب تيل مائة فلورين مقدماً على الحساب ليشتري ألواناً ، وليدفع لعددٍ من الرجال الذين سيساعدونه ، و وضع شرطاً : أن لا يدخل أحدٌ إلى الصالة طيلة الوقت اللازم لإتمام العمل .

وعندما اختلى تيل بمساعديه في الصالة التي سيرسمون فيها اللوحة الرائعة ، قال لهم تيل:
" يا أصحابي لقد جاءت الساعة التي سنبدأ بها راحتنا ، يمكنكم أن تناموا كل الوقت الذي ترغبونه ، فهنا لن نفعل شيئاً ، إنما سندع الوقت يمضي !! فإياكم أن يتحدث أحدُ عن عمل هنا !!".
مضت عدة أسابيع ، وفي صالة القصر لم يفعل أحد أيّ شيء اكثر من الراحة والأكل من أطيب و أفخر المأكولات التي كانت تأتيهم بأمر من الأمير ، وعندما حلّ اليوم الذي طلب الأمير فيه أن يشاهد اللوحة الفنية العظيمة، قال تيل له:
"معاليكم !! رغباتكم أوامر !! لكني أريد أن أحذركم من شرط نادر و كبير ، فرسوماتي لا تبدو للعيان أمام ناظريها إن كانوا قد كذبوا في مناسبة ما من حياتهم !!".
فكّر الأمير في الكذوبات التي كان قد ارتكبها ، و مع أنها كانت نادرة و قليلة فإنه لن يجعل تيل يعرف ذنوبه .
وصلا إلى الصالة ، و تيل في حالة كبيرة من القلق ، لكنه رفع ستارةً كانت مخصصة لحماية الألوان وتغطية الجدران .
فتح الأمير عيونه جيداً ،و أعاد فتحها كثيراً وهي مليئة بالدهشة ، فلم يكن يرى شيئاً !! إنما الجدار فقط !! نظيف وأبيض ، لكنه كتم ذلك ولم يتحدث خشية أن يعتبره كمخادع .
وراح تيل يوضح لوحته الرائعة إلى الأمير ، ويقول وهو في غاية السعادة:
" انظر يا سيدي!! هذا الرجل صاحب الهيئة الكبيرة المليئة بالظرافة !! انه الأمير "هيس/ Hesse" أحد أسلافكم البارزين ، وهذه السيدة التي إلى جانبه هي زوجته ابنة أنبل البيوت في بافاريا ، وهذا الفتى المقابل الذي تراه هنا هو ابنهم ، وهذا هو الحكيم والد الأمير غيلليرم !! وكما ترى فإن كل الأجداد أسلاف معاليكم قد رسمت بحرفة فريدة ، ولم يبق إلا إطلالة و هيئة سيدي الأمير " !!.
تشوش الأمير ، واحتار ولم يعرف ما يجيب به ،ويخشى أن ينتقد تيل الغريب ، فقال الأمير:
" إن رسوماتك لا تعجبني ، أريد أن يراها أشخاص اختصاصيون يعطونها قيمتها الفنية المناسبة " .
فكّر الأمير في أن يرسل وزراءه لرؤية ما بدا له حائطا ابيض وخاليا من الألوان، وربما تكون مناسبة ليمتحن صدقهم وإخلاصهم من زيف المجاملات والتملق ، وعندما علم تيل بذلك قال لمساعديه:
" يا أصدقائي ليهرب كل واحد فيكم من هنا قبل أن يتم اكتشاف الخديعة !! وندفع عندها ثمناً سيئاً لما فعلناه ولما لم نفعله بعد ". فهرب جميعهم دون أن يتركوا أي اثر.
توجه تيل إلى مدينة براغ ، وأخذ يعيش بالطريقة نفسها التي كان قد عاشها ، فادعى أنه حكيم عظيم ، يعرف ويعلم كل خفايا و ألغاز العالم والعلوم كلها.!!
و لانزعاجهم من هذا الحكيم اجتمع أساتذة الجامعة في المدينة ، وقرروا إفشال العالم المختال الذي يعلن امتلاكه للحكمة العليا والرفيعة ، فدعوا تيل للمثول إلى الجامعة للتأكد من علومه وللمناظرة العلنية والإجابة عن أربعة أسئلة ، قد وضعوها .
حضر تيل في اليوم الثاني إلى الجامعة ، وبعد أن جلس في كرسي الفخامة أمام منتدى العلماء ، وحشد من الشخصيات قال عميد الجامعة الوقور:
" أيها العالم البار أجب عن هذا السؤال الأول: ما هي كمية الماء الموجودة في البحر قطرة قطرة تقريبا؟".

: " أيها المعلم المبجل- أجاب تيل- اجعل الأنهار توقف جريانها ، و أن لا ترفع مستوى الماء في هذه اللحظة ، كي أتمكن من حساب الكمية بالضبط ".
تشوش عميد الجامعة قليلاً ، فطرح السؤال الثاني:
" قل لنا أين يقع مركز سطح الأرض؟".
:" مركز الأرض موجود بالضبط هنا حيث أجلس أنا ، وإذا لم تصدق يمكنك قياسه بحبل ،وإن كنت أنا مخطئا ًبقرط او قرطين فإني أعترف بخطئي "..
:" قل لنا الآن ما هي المسافة بالضبط بين الأرض والسماء؟"
:" لا توجد مسافة كبيرة -قال تيل- فمن السماء يمكن وبشكل جيد سماع أيٍ كان عندما يصرخ من هنا من الأسفل ، وللتأكد من ذلك فلتصعد فخامتكم ، وسترى كيف تسمعني عندما أناديكم "
كتم عميد الجامعة غضبه ، وطرح على تيل السؤال الأخير:
: " قل لنا ما هو حجم الجرم السماوي؟ ".
أجاب تيل على الفور :
" هل تقصد السماء؟ فالسماء لها ألف تيوسا****/Toesas طولا ً وألف عقدة عرضاً ، وان كنت لا تريد تصديق ذلك فاطرح منها الشمس والقمر والنجوم ، واحسب الحجم بنفسك! وعندها سترى أنني لم أخطئ ".
وهكذا أفحم العميد و بقي الجميع ماخوذين بينما خرج تيل من الجامعة يختال بين الأساتذة .
وبفوزه ذاع صيته كثيراً ، لكنه كان يخشى أن يثأر العلماء لهزيمتهم ، فقرر هجر مدينة "براغ" وتوجه إلى" نيورمبيرغ " ، حيث قدم نفسه على انه طبيب شهير .
في ذلك الوقت كانت المشفى مكتظة بالمرضى ، ولم يكن هناك عدد كاف من الأطباء في المدينة ليرعوا المرضى ، وفي هذه الظروف ذهب مدير المشفى إلى الطبيب الشهير "تيل ايولنسبيغيل" ، والذي بدوره قطع وعداً على نفسه بشفائهم جميعاً في لحظة واحدة مقابل مائتي فلورين، فوافق المدير في الحال .
وعندما حضر تيل أمام المرضى راح يقترب من كل واحد فيهم ، وفي الوقت الذي كان يجس نبضهم ، و يكشف عليهم ، كان يقترب من مسمع أذن المريض ويقول له بصوت منخفض:
" لا تفش لأحد ما أقوله لك، فأنا أفكر بشفائكم وتخليصكم جميعا من آلامكم ، ولأجل ذلك يلزم ومن الضروري أن نحرق واحدا منكم لنأخذ رماده ، ونصنع منه الدواء الوحيد الذي سيشفي الجميع ، ومن أجل إنقاذ الآخرين يجب أن تتم التضحية بواحدٍ ، وهذا سيكون الأكثر مرضا ، فعندما أصيح بكم : على كل من هو غير مريض في الردهة أن ينهض ، ويخرج منها ويعجّل في مشيته ، والذي سيتأخر في ذلك سيقع عليه اختيار التضحية وفداء الجميع " .
في اليوم التالي حضر تيل إلى المشفى ، وعندما فعل ما كان قد قاله ، وهو ما كان ينتظرونه ، تعجب الجميع لسرعة المرضى وهم يقفزون أحدهم فوق الآخر ، بل خرجوا إلى الشارع يصيحون ، انهم يشعرون بتحسن كبير وقد شفووا وكأن معجزة قد حصلت لهم .
ابتهج مدير المشفى ودفع المبلغ المتفق عليه إلى "تيل" لكن، بعد انقضاء ثلاثة أيام ،لم يقدر المرضى على التحمل بعد ، فرجعوا جميعاً إلى المشفى يصرخون ، ويستنجدون رعاية الأطباء فترك تيل المدينة قبل أن تنكشف خديعته .

وقد تعب من حياته ، حياة النصب والاحتيال ، فقال في سره : " الأفضل تغييرها وتوجيه قدراتي إلى العمل الشريف ".
وبعد هذا التفكير جرّب عدة مهن مختلفة في كل القرى التي مرّ بها ،لكن هكذا كانت عادته في المسخرة والخديعة والاحتيال ، إذ لم يبق مكان لم يخرج منه إلاّ مطروداً و ملاحقاً و تحت التهديد والوعيد..
وفي الطريق إلى مدينة كولونيا توقف تيل في نـُزُلٍ صغيرٍ ليقضي هناك عدة أيام للراحة .
وفي الصباح حلًت ساعة الإفطار ، ولم يكن الطعام قد جهز بعد ، فانزعج تيل جداً من الانتظار ومن الجوع الذي كان يعانيه ، فحذّره صاحبُ المتجر من انزعاجه و قال له:
" من لا يوجد عنده صبر على انتظار الطعام كما يجب ، فيمكنه في ساعة طيبة أن يأكل ما يقع تحت يده ".
بعد هذا التحذير جلس تيل إلى الطاولة ، وأكل قطعة خبز ناشفة ، وبعدها ذهب إلى جانب النار ، وجلس يرقب القدر ريثما تجهز الطبخة ، وعندما جلس جميع النزلاء ليأكلوا بقي تيل في المطبخ دون أن يتحرك فسأله المؤجر :
" ألا تريد أن تأتى إلى الطاولة؟".
:" لا!! -أجاب تيل- لقد شبعت من رائحة الطنجرة !!".
وعندما رُفعت طاولة الأكل ، قبض المؤجر المبلغ الذي يدفعه كل واحد من النزلاء مقابل حصته من الأكل، واتجه نحو تيل طالباً منه أن يدفع .
:" كيف أيها السيد المؤجر -احتج تيل- هل سأدفع مقابل شيء لم آكله؟".

:" بلا أعذار- قال المؤجر- عليك دفع المبلغ الذي يقع عليك فلقد أتخمت من رائحة طبختي!! " .
أخرج تيل قطعة نقود من معدن الفضة وتركها تقع وترن على الأرض و أعادها إلى جيبه ثم قال للمؤجر:
" يا سيد !! هل سمعت صوت قطعة النقود؟ " .
أجاب المؤجر: " نعم .. و أظن أنها مصنوعة من فضة جيدة ".
:" هل أنت متأكد انك سمعت رنينها؟ " . وأضاف تيل : " هل تقبض الرنين مقابل رائحة الطبخة؟ ".
وخرج تيل ، وقصد طريق مدينة "مغديبورغ" .
و بعد دوراته الكثيرة حول العالم حظي تيل بتعاطف أسياد عظام ، قدموا له الحماية وجعلوا منه إنساناً وديعاً .
لم يكن آنذاك قد شاخ تيل عندما شعر بالمرض ، وقرر العودة إلى مهبط رأسه ،لكن في مدينة قريبة من موطنه اشتد عليه المرض ، فنقلوه إلى المشفى حيث تمّ إخبار أمّه بذلك كي تأتي لتكون بالقرب من ابنها الذي يحتضر .
قدمت العجوز ووصلت في الوقت المناسب لتحتضن ابنها ، وبالسر أعطاها تيل صندوقاً قال إنه يخبىء فيه ثروة كل ما ادخره وجمعه !! وقبل موته بأيام قليلة وضع تيل وصيته والتي بموجبها أوصى أن كل طيباته المحفوظة في صندوق مشابه للصندوق الذي أعطاه لأمه ، وأن تقسم بين عائلته وأصدقائه والكاهن ..
وبعد أربعة أسابيع على موته تم فتح الصندوق الذي فيه الميراث ،

لكنهم لم يجدوا فيه شيئا أكثر من حجر !! والذي جعلت شدة وزنه الجميع يتوهمون بكمية ومقدار الثروة التي كانت مخبأة هناك!
من هذه الخديعة الأخيرة غضب كثيراً أولئك الذين انتظروا أن يثروا بالميراث !!، لكنهم تبرؤا من تيل وندموا على مراسم الدفن الكبيرة التي قاموا بها ،وعلى الزهور والورود ،وعلى بكائهم و مرافقتهم للتابوت حتى المقبرة ، حيث حدث الأمر الغريب وغير العادي:
في اللحظة التي أُنزل فيها التابوت إلى " فستقية" القبر ، انقطع أحد الحبال التي كانت تحمله فسقط التابوت بشكل عامودي !!
قال أحد الرجال: " اتركوه هكذا على هذه الحالة ،فهو لم يعش مثل الآخرين!! دعوه يرتاح في الموت بشكل مختلف !! القوا به هكذا !! " .
وعلى قبره كتبت العبارة التالية :
" ألا لا يرفعن أحدٌ غطاء هذا القبر
هنا يرتاح واقفاً
تيل اويلشبيغل
Till Eulenspiegel
Anno domini ...


* Eulenspiegal and Lamme Goedzak
** Till Eulenspiegel
*** العملة الهولندية ( المترجم )
**** مقياس طول فرنسي قديم يعادل مترا واحدا و 949 مليمتر( المترجم )

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
حكايات وأساطير عالمية ج 6
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» حكايات وأساطير عالمية ج 1
» حكايات وأساطير عالمية ج 2
» حكايات وأساطير عالمية ج 3
» حكايات وأساطير عالمية ج 4
» حكايات وأساطير عالمية ج 5

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى ثقف نفسك :: ثقافة عامة :: قصص و أساطير شعبية-
انتقل الى: