منتدى ثقف نفسك
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


ثقافة عامة، تاريخ إسلامي ، موسوعة الأساطير ، حكايات شعبية ، حقائق حول الماسونية
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 حكايات وأساطير عالمية ج 3

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
recflow
موسوعة ثقافية
موسوعة ثقافية



عدد المساهمات : 1746
تاريخ التسجيل : 06/06/2012

حكايات وأساطير عالمية ج 3 Empty
مُساهمةموضوع: حكايات وأساطير عالمية ج 3   حكايات وأساطير عالمية ج 3 Emptyالسبت سبتمبر 01, 2012 1:08 pm

أمريكا الجنوبية



في بلاد غووايانا تتكثف الغابات ، وتقل وحيدة وبعيدة عن العالم كأن أدغالها الرطبة شبك محكم حيث الأنهار العريضة تجري ، تلفها ظلال الغابة.
والجبال العملاقة والقمم الشاهقة كأنها تنهض من السهول الخضراء الشاسعة وفي المنحدر تكون الأرض دافئة ورطبة ، لكثرة الخضراوات وما تنضح من رذاذ
بعض الأنهار ، تفرّ من الشبك الأخضر المحكم وتخرج إلى النور طويلة وعريضة وتقفز من القمم العالية والشاهقة.
في داخل الغابة توجد أماكن خلابة ، يروي زائروها الكثير عن تلك الأنهار ، وعن الشلالات وعن الغابة المسكونة بالببغاوات وبأفاعي الكوبرا وبآلاف أصناف الطيور والحيات والنمور وحيوان التابير* والخرفان والقرود الرمادية اللون** ويروون عن قبائل الهنود التي تعيش حياة بائسة وسط الأدغال الهادئة والبعيدة والمنعزلة ، يروون الكثير عن تلك الحياة البدائية القاسية ويروون حكايات حزينة وجميلة حكايات كهذه التي تتحدث عن سلسلة جبال ايوان في أراضى قبائل الكاريبي.

بالنسبة للهنود الأركوانوس فان جبل "إيوان تيفوا" يعتبر جبلا مقدسا ، حيث تعيش الآلهة فيه وهي ترعى صحة البشر
فكأن سلسلة الجبال قد نهضت من الأرض ، وحطمت السور العظيم للغابة ، وصعدت من الأدغال الخضراء وفجأة انطلقت منها صخرة عارية بخط مستقيم شكّلت لاحقا سورا هائلا ، تبرز جوانبه المهشمة والحادة باتجاه السماء .
في أوقات المطر تختفي قمة ايوان بين الغيوم ، وتنفلت الشلالات من القمم ، تقفز ، تصطدم ، تتحطم بين الصخور وترشح في الهاوية بينما الجبل العملاق تحيطه أصوات عالية هي إضاءات الغيوم ، وعندما تنير الشمس ذروة جبل "ايوان" فإنه يبدو جليلا ومثيرا للدهشة !!
هناك في الأعلى تنقسم من الصخور قمم متباعدة منشطرة في أشكال هندسية ، كأنها فصّلت على مقاسات خيالية ، وكأن الايادي الخفية للآلهة امتدت لتضع على قمة الجبل العملاق سورا من الأحجار ، وكأنها بقايا كائنات حية وأشياء غريبة جدا.
فمن يقدر على الصعود إلى هناك حيث الإنسان يعجز عن التسلق ، ومن المستحيل عليه الوصول إلى هناك؟
ومن هو الذي وضع هناك الأكوام العشوائية لتلك الأعمدة المقطوعة في الساحات المهدمة ؟ ووضع بقايا تماثيل؟ و سقوف أكواخ؟ ووحوشاً في حالة ترقب؟ ونسوراً بأجنحة مفتوحة؟؟ لكن ، لم تكن هذه حالة قمم ايوان دائما وعند الهنود الارواكانوس الشرح والتوضيح عن الأيوان جبلهم المقدس ،و الذي يقولون عنه التالي:




* حيوان التايبير من الثديات يشبه الخنزير البري لكن ساقاه أطول وأنفه متطاول على شكل بوق له شعر قصير يغطي جسمه وذيل يكاد لا يرى يعيش في مناطق مدارية في أسيا وأمريكا اللاتينية وهناك من يأكل لحمه(المترجم )

** من الثديات اللاحمة، سريع، يشبه الفهد ،لكن، جلده أصفر محمر ببقع سوداء، يعيش في غابات أمريكا قريبا من الأنهار(المترجم )




جبل أيوان


عند ضفة نهر "الكاراو El Carao” الذي يجري قريبا من خاصرة جبل الأيوان كانت هناك مدينة في الزمان الغابر ، اسمها "تي كوفاي Tey Cupay" وكانت الأكثر غناء وازدهارا بين جميع المدن يتوافد الناس إليها من القبائل النائية بكثرة ، ليروا الجبل الذي تسكنه الآلهة الذين يعيدون الصحة والسلامة المفقودة . ومن بين الأكواخ العديدة لمدينة تيي تظهر قمم الإيوان بوضوح.
عندما كانت الصاعقة تطلق الرعد ليدوّي ثم ينتهي متبخرا في الوديان العميقة للجبال ،كان الهنود يبعدون النظر خائفين من غضب الآلهة الطيبين ،يخشون أن تحل عليهم الويلات ، لأن الألم والمرض يقهران البشر دائما . لهذا كانت نظرات الجميع تتجه متوسلة نحو قمم الجبلة ، كي تنحدر العطايا منها كمواساة حلوة وتهدئة طيبة.
منذ سنوات كثيرة جدا وفي ظهيرة ربيعية دافئة وصافية، وصلت عدة قوارب إلى الميناء الصغير للنهر، قوارب من قبائل اخرى بعيدة ،جاءت تحمل رجالا ونساء مرضى، ومعهم رجال كثيرون ليساعدوهم في الوصول إلى جبل الأيوان المقدس.
خرج الناس في مدينة "تي كوفي" لاستقبالهم وليقدموا لهم أغطية لأكواخهم وفي قلب الهنود الاريكوناس Arecunas كانت السعادة تقفز من رؤيتهم للعدد الكبير جدا من القبائل المتعددة.


في اليوم التالي نظموا الحفلات على شرف المسافرين، احضر الرجال من الغابات كميات كبيرة من لحم الماشية والأسماك ،جمعوها وقدموها مشوية مع فطائر الذرة والأناناس والموز في مركز البلد وسط الاكواخ الكبيرة .وحولها كانت أواني عريضة مليئة بشراب الكاتشيري*Cachiri الخمر الذي يجعلهم ينتشون ويمرحون.
اجتمع كل الهنود ، وخيمت عليهم السعادة ، فالمزامير والطنابير أعطت موسيقاها الإذن لبدء الرقص. وبدأت تسمع الأغاني وحفيف أوراق الأشجار اليابسة من سعف النخيل الذي كان يضعه الراقصون عليهم .وهكذا تواصلت ساعات وساعات من الغناء والرقص ، كان يقطعها فقط ذهاب الرجال والنساء إلى الأواني ، ليشربوا رشفات كبيرة من شراب الحفلة, لكن هناك في الجانب الأخر بقي المرضى وحيدين مع آلامهم متروكين في أكواخ خوص صغيرة ،ومن جميعها كانت تنطلق نفس الحسرات ونفس التوسلات في طلب المساعدة :
تعالوا تعالوا أيها الاخوة ...خذونا إلى جبل المعجزات ايوان!!
لكن لا أحد كان يسمع التوسلات أو يتذكر الآلام فالحفلة تستمر بالغناء ، وبالصرخات والجرار يعاد ملؤها بالشراب ، وعندما اختبأت الشمس خلف قمم ايوان استمرت الرقصات ، ومن تأثير شراب الكاتشيري كانت صرخات الفرح تنطلق ، وهيجانات الحفلة ترتفع وتمتزج بأنين المنسيين والمهملين .
وبسرعة اغمقت الشمس ، وقمة الأيوان اختفت خلف غيوم كبيرة و رصاصية اللون ، وفجاة شق السماء برق كبير ، ورعد بعيد صار يقترب حتى جعل الأرض تهتز. جاءت عاصفة محمولة على رياح هائجة ، وتوقفت تهدد فوق مدينة "كوفاي" وبدأت العاصفة تجول في المدينة يرافقها هدير الرعد ،وغيوم تحولت إلى شلالات .
كبرت العاصفة وجعلت الأكواخ تهتز و تنتفض !! وكذلك الأحجار!! وازدادت الرياح بصفيرها ، وخرج الهنود مذعورين إلى الساحات فالأشجار الغليظة قد اقتلعت من جذورها ، والقي بها بعيدا ،وبعضها كان يتدحرج ويقفز.
فرت الحيوانات هائجة من الغابة ، دفعتها غريزتها نحو السفوح والمروج ، لتختبئ في المكان الذي يحيا فيه الإنسان .
حيوان الجغوار والمواشي وحيوانات البفري الشاحمة عبرت وأعادت الركض في المرج تزمجر من الهلع ..
حيوانات التبري وحيوانات الباكه** كانت تبحث عن مخبأ في مياه النهر . والطيور الكبيرة كانت تجاهد بأجنحتها المضروبة ضد الإعصار.
قعقعة الصاعقة ودويها وصرخات الناس وعواء الوحوش كانت تختلط جميعها في صخب واحد ووحيد ، لقد اهتز وادي "تاي كوفاي" ،والإعصار اقتلع الأشجار ، وطارت الأكواخ والخوص في الهواء.
ومثل الريش كانت تعلو الناس والدواب، وتدور في الهواء السقوف المصنوعة من سعف النخيل ، وكذلك الطيور الكبيرة التي تكسرت أجنحتها ، لكن جبل الأيوان فقط بقي ثابتا ومحافظا على مكانته وشموخه.


فلقد حاول الإعصار أن يلفه في حلقات زوابعه ، لكن قوة الإعصار خارت وتفتت ، لكنها رفعت حتى الذروة إلى هناك بين الغيوم ، وجمعت كل ما تم اقتلاعه وتخريبه في السهل .
في اليوم التالي أشرقت الشمس ، وقمة ايوان التي كانت من قبل نظيفة بدت مغطاة بمزركشات نادرة وغريبة مقلوبة ، فكان هناك سقوف الأكواخ والخوص ،أشجار مقطعة، جثامين هنود مقطوعة ، أنصاف نساء جميلات ،بلاعيم وزلاقيم وحوش وطيور مفتوحة و مخالب متشنجة في الصخور، صقور بأجنحة مفتوحة للقفز إلى الجرف.
لقد جمّع الإيوان المقدس في قمته كل تلك الأنقاض ، وهناك بقيت مخزونة ومحفوظة بين الأحجار كتذكار لمدينة تي كوفاي وغضب الآلهة.







* Cachiri مشروب شائع في فنزويلا ( المترجم )

** حيوان الباكة ثدي قارض جنوب أمريكي يؤكل لحمه ( المترجم )

عذراوات الشمس



هناك في أعلى هضاب الأنديس المحاطة بقمم ثلجية توجد وديان خصبة و فاترة المناخ وهي المكان الذي أقام هنود "الكيتشواس" عليه احدى الحضارات الأكثر غناء وإثارة للفضول في أمريكا القديمة هي حضارة الاينكا*.
هناك في أراضى البيرو وبوليفيا توجد بحيرة "تيتكاكا /Titicaca" ، البحيرة الكبيرة على ارتفاع اكثر من 4 آلاف متر فوق سطح البحر ، وبقربها توجد آثار وبقايا مدن طاعنة في القدم ، عمرها آلاف السنين ، كما توجد آثار قلاع وحصون وهياكل ومعابد تثير الإعجاب .
هناك في البحيرة يوجد المكان الذي تتحدث عنه الأسطورة عن الأب رب الشمس ، الذي أرسل اثنين من أبنائه : رجل وامرأة ليقيما أول إمبراطورية الإنكا .
فلقد أرسل أبناءه ليعملوا ويحكموا الهنود الـ "كيتشوواس " في ذلك الوادي.
وكانوا هم الذين بنوا مدينة الـ"الكوزكو" العاصمة والتي منها، وخلال قرون، امتد نطاق الإمبراطورية ، وتوسع في حكومة جبارة لإمبراطورية الاينكا .
لقد أرسل الرب أبناءه ، ليصنعوا الخير للإنسان ،ولكي يحيا بالعمل والنظام والسلام حسب مشيئة الرب الشمس الإله الطيب الذي لم يفرض تقديم القرابين البشرية ، بل أراد أن يرى الناس سعداء.

و"الاينكا" أ كثر قدما من "الكيتشواس" الذين طوّروا ثقافتهم في هضبة بوليفيا و البيرو، وكذلك في منطقة "تيتيكاكا" حيث لا تزال سلالة ذاك الشعب العريق تعيش هناك.
كان في مدينة كوزكو عاصمة الإمبراطورية قصور اً ضخمة ورائعة بمثابة معابد تعيش فيها أجمل العذراوات اللواتي يكرسن حياتهن لعبادة الشمس.
عاشت العذراوات المقدسات من غير أن يرين أحداً أو يتحدثن مع أي شخص ما عدا الملكة زوجة الاينكا فقط التي يمكنها أن تزورهن .فلقد كانت عقوبة الموت تنتظر كل من يجرؤ على حب احدى تلك النساء ، و من أجل أن لا يقدر أحد على الدخول إلى مكان سكناها فلقد تم إحاطة المكان بحصون عالية وحراس أوفياء يحيطون الأديرة حيث كانت عذراوات الشمس .



* الهنود الحمر /الاينكاقبائل الكيتشواس و أيما راس

الراعي وعذراوات الشمس


على خاصرة خضراء للجبل الذي تغطيه الثلوج كان يخبئ الماشية البيضاء ، لتقديمها كأضحيات وقرابين كان شعب الـ"اينكا" يقدمها إلى إله الشمس..
كان الراعي الشاب يدعى "اكويا نافا" لطيفا وله مظهر لائق وحسن ، يمضي خلف ماشيته ، وعندما كان يجلس والقطيع يرعى كان سعيداً ، يخرج الناي الذي كان يرافقه دائما ، ويبدأ بعزف موسيقى هادئة وحلوة تجعله يزداد سعادة .
وفي يوم كان فيه منشرحا جدا ،وهو يعزف ، جاءته اثنتان من بنات الشمس اللاتي كن يعشن في أحد قصور المدينة المجاورة , اذ كان قد سمح لهما بالخروج في النهار كي تتسليان في الحقل ، لكن لم يكن مسموحا لهما الغياب في الليل عن مسكنهما المحروس جيدا من قبل حراس صارمين ..
وصلت العذراواتان إلى الراعي وسألتاه عن الرعي وعن قطيع أغنامه ، فبقي "كويا نافا" مذعورا ً، ثم أراد أن يطلق ساقيه للهرب ، فهما إضافة إلى انهما مقدستان وابنتان للشمس فهما فائقتا الجمال ، لكنهما طلبتا منه ألاّ يخاف ، وعاودتا السؤال عن أغنامه ، ثم آخذتاه من ذراعه لينهض .
وقف الراعي أخيراً و قبّل يد كل واحدة منهما، وهو مندهش من روعتهما.
العذراء الكبيرة فيهما واسمها "تشوكي ييانتو" انجذبت للكلام مع "اكويا نافا" بعد أن بانت خفة دمه وبعد لحظات ودعتاه.
بدأت "تشوكيبيانتو" تتحدث مع أختها عن لطافة وبهجة ذلك الراعي ، واستمرتا بذلك طوال الطريق حتى وصلتا إلى قصرهما حيث رآهما حراس البوابة ، وفتشوهما إذ انهم يقولون في تلك الأيام إنهم وجدوا إحداهن وقد خبّأت رجلا حبيبا على قلبها وجعلته يمر مخفيا بين الملابس !!


دخلت العذراواتان إلى قصر بنات الشمس وزوجاتها _ الشمس _ اللواتي كن ينتظرن أطيب الأكلات المطبوخة في قدور من الذهب الناعم، لكن تشوكي ذهبت مباشرة إلى مخدعها ليكون بمقدورها التفكير منفردة بالراعي ، الذي بدأ قلبها يخفق بالحب تجاهه .
وفي تلك الأثناء كان "اكويا نافا" قد دخل إلى خصّه ليفكر منفردا في المفاجأة العظيمة لتشوكو الرائعة ، لكنه بدأ يشعر بحزن شديد ، فأخذ الناي وعزف ألحانا شديدة الحزن ، جعلت حتى الحجارة تشفق عليه ، ثم غنّى وهو يبكي:
" آه ! آخ! منك ! آيها الراعي البائس ! أيها العاجز عن كل شيء .. أه! منك! لا تقدر على رؤية حبيبة قلبك ، ولو رأيتها فإن حبك سينفضح ، وسيقضى عليك وعلى حبك ، وسينتهي الحب بالموت" ..واستمر يغنى بحزن كبير جدا حتى غفى.
لكن أمه العجوز البعيدة عنه فلقد حدست بسبب عذاب ابنها ، وراحت تهيء نفسها للسفر إليه ، فحملت معها سلة مزركشة وفاخرة ، وبدأت تمشي في الجبال حتى وصلت إلى الزريبة التي يسكن فيها ابنها.
ثارت عواطف الراعي عندما شاهد أمه ، وأخذت هي تواسيه وتقول له إن أحزانه ستزول خلال بضعة أيام ، ومن أجل ذلك ذهبت تحضّر له طبخة السلاحف ، الأكلة الموصوفة للحزن عند الهنود ،وبينما هي تطبخ رأت بنات الشمس قادمات باتجاه الزريبة ، ثم جلست الاثنتان عند المدخل ترتاحان من التعب وعندما شاهدتا المرأة العجوز في الداخل طلبتا منها شيئا للأكل فقدمت لهما صحنا من السلاحف ، أكلتاه بشهية كبيرة.


بدأت تشوكو تنظر حوالي الزريبة وإلى داخلها برغبة كبيرة علّها تعثر على"اكويا نافا" ، لكنها لم تجده لأنه في لحظة وصولهما أمرته أمه أن يدخل في السلة التي أحضرتها معها ، ( يقول الهنود إن ذلك كان ممكنا في تلك الأزمان).
ظنت تشوكو أن حبيبها الراعي يحرس القطيع ، لهذا لم تسأل أمه عنه وعندما رأت السلة قالت:" ما أجملها "!! وسألت : لمن هذه السلة؟فأجابتها العجوز : إنها لها وقد تركها لها والداها كميراث ، فهي سلة فاخرة جداً ،وأضافت العجوز إنها تقدمها وبنفس طيبة كهدية لها ، وبإمكانها أخذها معها إلى القصر .
وبعد قليل ودعت بنات الشمس أمّ الراعي ، واتجهن نحو المرج تحمل تشوكي السلة بيدها وفي عينيها شوق لرؤية راعيها هنا أو هناك فهي لم تره في زريبته.
وصلتا إلى القصر، وعند المدخل فتشهما حراس البوابة ولم يجدوا شيئا معهما عدا السلة التي لم يكن يخفيانها .
وبعد العشاء أخذت تشوكي سلّتها الجديدة وذهبت إلى مخدعها ، وهناك بدأت تبكي ، وتتذكر الراعي الذي أحبه قلبها ، لكنه لم يدعها تذرف الكثير من الدموع عندما أخذ "اكويا نافا" يناديها باسمها ، فارتعبت وهلعت ، لكنها صارت تذرف دموع الفرح عندما رأت حبيبها الراعي ، وراحت تسأله كيف دخل إلى هناك؟ فأجابها بالحقيقة عن دخوله في السلة التي جاءت تحملها.
عانقته تشوكو و وضع "اكويا نافا" رأسه على رجل تشوكي ، التي راحت تمسّد له شعره بلطف وحنان ، وتنظر إليه بعينيها الرائعتين الساحرتين حتى مطلع الفجر ، عندها دخل الراعي مرة ثانية إلى السلة ، وحبيبته ابنة الشمس تنظر إلى تلك المعجزة .


وبعدما خرجت الشمس وقبّلت الأراضي كلها ، خرجت تشوكو من القصر إلى المروج وحيدة ، تحمل السلة، وفي أحد الكهوف في الجبال جلست مع حبيبها مرة ثانية، لكن حدث أن رآهما أحد حراس القصر الذي كان يتبعها ، وشاهد كل شيء فبدأ يطلق الصيحات ، يستدعي الحراس الآخرين فهرب الراعي وحبيبته إلى الجبال القريبة من مدينة "كالكا" ، ومن شدة التعب نام الحبيبان وعندما استيقظا كانا مرعوبين من الموت المحتم الذي ينتظرهما كعقاب ، فنهض الاثنان يرتعدان خوفا.
أخذت هي في يدها فردة من صندلها ، ونظرا إلى الناس في "كالوكا" وصارا يشعران انهما يتجمدان في مكانهما ، ثم صارا كتلة صلبة كبيرة وضخمة لقد أخذا بالتحول إلى حجارة..
اليوم يمكن رؤيتهما من "كالكو" ومن مناطق أخرى , لقد صارا جبلين كأنهما تمثالان يذكران بالحبيبين الراعي وابنة الشمس .



Oyallanty أويانتي


من بعيد يأتي المحاربون منتصرين.كانوا قد حاربوا وسيطروا على أولئك المتمردين في المحافظات التي تشكل إمبراطورية الإينكا.
يأتون من بعيد إلى " كوزكو" المدينة العظيمة ، ليهدوا انتصارهم إلى الإنكا ابن الشمس. وفي مقدمتهم يأتي "أويّانتي" بطل الأنديز، القائد المحارب القوي والشاب الطويل و المنتصر .
في مدينة " كوزكو" تمّ تزيين القصر الإمبراطوري من أجل استقبال أويانتي المنتصر ، وفي العرش الذهبي ينتظر الإنكا محاطا بهدايا عظيمة إلى القائد المحارب.
هناك والى جانب العرش كانت زوجة الإنكا والأميرة "كويّيور" ، ومع أن اسمها يعني"نجمة" فان عينيها كانتا حزينة وخافتة مثل الفوانيس عندما يشرق عليها نور الصباح .
تقترب الحاشية ، وتقترب معها أصوات النايات المصنوعة من قصب السكر و من العظام، و كذلك تقترب أصوات الطبول الكبيرة ، وتسمع الجوقات وصرخات الشعب الذي يهتف للأبطال.
وإلى صالة العرش يدخل الموسيقيون والمغنّون والمحاربون ، الذين ينقلون هدايا الذهب والأحجار الكريمة.
يعلن المنادي إلى الربان الكبير ابن الأنديز ظهور أويانتي بثياب ملونة ، وهو عاري الذراعين والفخذين ، وفأسه في الخصر ، والخوذة مزركشة برأس النسر .

يصل أويانتي، ويتقدم وينحني أمام العرش ،يتكلم وصوته رصين:
_:"سيدي يا ابن الشمس لقد انتصرت كما أردت أنت ، وهنا عند قدميك كما الشعوب التي هزمتها ، أضع الفأس التي أخذتها إلى المعركة، قل لي إن كنت استحق فضلك ؟ وإن كنت اقدر أن أقول لك رغباتي كما وعدتني، عندما خرجت إلى الحرب"؟.
فنهض الإينكا واخذ أويانتي بين ذراعيه. ورفع أويانتي رأسه ونظر إلى الأميرة" كوييور" ، فبقيت عيناها ثابتة في عيني المحارب القوي كوعد حب صامت.
قال الإنكا:
=: " اطلب!! اطلب أيها الشجاع أويانتي ستجدني جاهزا لأكرّم النصر البطولي لأفضل رجالي المحاربين.. تكلم ولا تصمت.. فكل الخيرات تبدو لي أنها لا تكفي لتكريمك ".
وبقي أويانتي صامتا ، تتجه نظراته ثانية لتتقاطع مع نظرات العيون الثابتة لكوييور اسم النجمة..
=:" تكلم اطلب يا أويانتي "..ألحّ الإنكا,:" قل ما تشاء".
فتحدث أويانتي :
_: "أيها السيد يا سيدي أريد نجمة ..لكن الإينكا لم يفهم ، وعبّر عن ذلك بنظراته إلى المحارب .
-:" نعم أيها السيد العظيم أريد نجمة ، أريد كوييور ابنتك التي تهب الحب لقلبي" .
فارتعد الإينكا ، واشتعلت عيناه كالجمر وبدأ فمه يرتعش قبل أن يتكلم :


=: " مستحيل هذا أبدا يا أويانتي ..فأنت بذلك تطلب تدمير الأعراف السماوية للإينكا ، ففي جسد الأميرة تجري الدماء المقدسة للشمس ، وكذلك دماء القمر ، ولا يمكن خلطها بدماء الإنسان. هذه هي قوانين الإينكا ابن الشمس التي تريد أن تنتهكها. كيف يمكن أن يتسع قلبك لهكذا رغبة مرعبة "؟
رفع أويانتي نظراته عالياً وقال:
_: " أنا ابن الأرض الأقدم من القمر، وبخفقان من نار الجبال انولد في قلبي حبّ النجمة القوي، الحب الذي لا ينهزم ، وهكذا تحبني كوييور، ولن تكون هناك قوة في العالم يمكنها أن تعارض ملكا من الأنديز ".
=: "لا أيها المتشامخ أويانتي ! لا أريد سماعك ! ابتعد من هنا "..
وفي الوقت الذي تمكن أويانتي فيه من الوصول إلى البوابة، ويهرب ، تابع ملك الإينكا صراخه:
=: "أيها الجند ، يا جنودي اتبعوه! لا تدعوه يخرج من مدينة كوزكو ،فليمت قبل أن يصل إلى قمم جبال الأنديز. أعلنوا الحرب عليه وعلى أتباعه، ولتطبّق قوانين أبناء الشمس والقمر ".
وفيما بعد ثبت الإينكا نظراته في "كوييور" الجميلة ، وفي عينيه سؤال ملييء بالحسرة .لكن كوييور تحدثت بصوت واثق:
*: "سيدي ابن الشمس .. أنت والدي الإينكا مالك كل الإمبراطورية ، لكن قلبي سليل القمر والشمس قد احتله "أويانتي" نعم لقد احتله ".
=: "لا ! "، صرخ الاينكا مزمجراً، :" أبدا يا ابنة الدم المسمم بحب إنسان, لن تمزقي قانون القدر. أنا سأمنعك. ستكونين مدفونة في بيت العذراوات المنذورات للشمس. وسوف تنتظرين هناك ساعات حياتك لتكوني عروساً لها. هذه هي قوانيننا.القوانين المقدسة لأبناء الشمس ".
ماذا سيحل بك, يا كوييور الجميلة والحزينة يا اسم النجمة!؟ ماذا سيحل بك بين عذراوات الشمس في ذاك المحفل المحاط بأسوار مغلقة وعالية!؟ ماذا سيحل بك بغير حب أويانتي!؟
سوف يقدّمونك إلى الشمس كزوجة ، بحسب معتقدات الإينكا.. وبينما أنت تحلمين ببطلك فهم يطاردونه ، وهو يهرب ، يريد الاجتماع بمحاربيه في الجبال .
انك يائسة من غير أمل. الليل والشفق سيفاجآنك بعينيين مليئتين بالحب الضائع. أيتها الجميلة والحلوة يا "كوييور" ! الحب قريب و يحيط بك مع الأسوار العالية. انك لا تعلمين أيتها العذراء الشاحبة ، انك ستمضين إلى لقائه هذه الليلة في الحقل الذي تتمشين فيه مع أحزانك تحت النجمات. انك لا تعلمين،لكن، "أويانتي" قريب منك وسيأتي ،لأنه لاشيء يمنع رغبته ، فلقد دخل إلى حيث الأبواب قد أغلقت وها هو قريب جدا منك وأنت الآن تستمعين إلى قلبه في صدرك.
الآن ستشعرين أنك مأخوذة كما لو كنت تطيرين على الذراعين الجبارتين لأويانتي ، يحملانك بحلاوة كما لو كنت ملتفة بغيمة تحت القمر الذي يرانا.
أنت لا تعلمين إلى أين تذهبين لكنك ستشعرين بالأمان بين الذراعين اللتين تحملانك ، وترفعانك إلى الجبال ، وسوف تشعرين بالنسيم العليل والنقي في القمم الشاهقة التي يصلها نسر الكوندور.وهناك سوف ترتاحين في خيمة "أويانتي" التي شيدها من الجلود القوية, ستكون قلعة من قلاع الأنديز ، يحميك فيها آلاف المحاربين ، يحرسون القمم والطرقات والأعناق تحت النجوم.
وأنت أيها البطل المقدام ، سوف تشعر بالسعادة لأنك تحديت قوانين الآلهة. إنها قلعة الصخور في أعلى الجبال ، يحرسها آلاف المحاربين الأوفياء لأويانتي. وفي كل مكان توجد عيون يقظة في القمم وفي النهر الذي يجري في الوادي.


أما خيمة أويانتي فيحرسها المحاربون الأكثر وفاء له ، ويصمتون كي لا يعكرون صفو أحلام الأميرة التي اقتُلعت من بين أبناء الشمس وتم تنصيبها ملكة وأمّا لأبناء الأرض الذين سنّوا الأسلحة و هييأوا صدورهم لقتال جيوش الإينكا إن هي وصلت إليهم.
ويمر ليل النجوم صامتا فوق بلاد الأنديز. ويخرج أويانتي من الخيمة ليتكلم مع قياداته فتصله أخبار أن الإينكا أرسل جيوشه ضد القلعة. وكل شيء جاهز للمقاومة وللانتصار. فلا أحد يقدر على الوصول إلى أعلى قمة ، حيث توجد الأميرة.
وفي الحال يأتي أحدهم ليبلغ عن وصول رجل جريح إلى بوابة السور والذي يقول إنه يحمل أخبارا إلى "أويانتي".
وعلى ضوء المشاعل تعرّف أويانتي على "رومنيهوي" قبطان جيوش افيننكا ورفيق حروب كثيرة ،الرفيق الذي كان قد أنقذ حياته. و "رومنيهوي" يأتي جريحا يقول: إن الإينكا قد أقصاه عن القيادة وعاقبه بشكل قاس لأنه لم يتمكن من منع هروب أويانتي واختطاف الأميرة ،وهو الآن في حالة حقد ويستعد للقتال ضد السيد القاسي.
يأمر أويانتي بعنايته وحراسته ، لأنه لا يعرف أين يختبأ التزلف والخديعة في قلب رومنيهوي .
لكن جيوش الإينكا أتت بصمت عبر الطرقات والجبال وعند بزوغ الشفق كانوا قد وصلوا إلى الوادي الذي تسيطر عليه القلعة.
ودارت حرب عنيفة بين جيوش الإينكا ومحاربين الإنديس فاحترقت الغابات ، وسقط مطر من النبال و رعود من الحجارة تساقطت من المجنبات ، فالخديعة والخيانة سمحتا للأعداء بالتقدم بين دخان الحرائق.
أمر أويانتي رفاقه أن يأخذوا الأميرة كوييور إلى ممر في داخل الأرض ، ينفتح بين الصخور، ويتجه نحو السور الذي يحيط بصولجانه، لكن إلى جانب السور كان الخائن يزحف ، ويتقدم ويقترب من ظهر أويانتي ، ويفرغ ضربة جبارة من فأسه على رأس البطل، فسقط بطل الإنديس مضرجًا بالدماء وفاقدا للوعي وسط حصنه المنيع .فبالخيانة فقط أمكن مهاجمة قلعة الإنديس. فلقد زحف المحاربون الاينكا في الليل حتى السور ، وانتظروا إشارة النار التي أرسلها الخائن رومنيهوي.
وتم اسر كوييور و أويانتي، وأخذهما إلى مدينة كوزكو، حيث كان الاينكا العظيم قد اعدّ لهما العقاب.
وصلت هوادج القضاة مرفوعة على حمالات من ذهب. وأمام ابن الشمس احضروا كوييور و أويانتي الجريح وبلا خوذة ولا سلاح!!
وفيما يحتفظ الكهنة بصمت مطبق وجّه الاينكا سؤالا إلى أويانتي
:" لماذا انتهكت معبد عذراوات الشمس "؟ وكان صوته يدوي ويهدد..
تقدمت كوييور وقالت:
" كنت أنا يا أبي وسيدي لم يكن الذنب ذنبه ، بل أنا هربت إلى الجبل لاتبعه لان قلبي كان يوجهني نحوه ".
لكن ،أويانتي سيقول الحقيقة ، ينظر بحزم إلى الاينكا ويقول:
"هذه هي الحقيقة أنا اختطفت الأميرة إني أحبها على طريقة حب أبناء الأرض وأخذتها معي، أنقذتها من العقاب الفظيع الذي كان قد أعدّ لها. فلا يمكن للشمس أن تأخذ لها زوجات من لحم من بنات الإنسان إنما فظاعتك ووحشيتك هما القادرتان على تقديم حياة الأميرة الشابة ..أنا فقط من يحبها وعندي الاستعداد للتضحية بحياتي لأجلها وليس أنت أو الشمس التي تدعي انك ابنها ".


في عيني الاينكا لمع برق من الحقد فقال:
:" أويانتي أيها الزنديق!! اعترف بذنبك المارق. القانون سيطبق وسيحرق المذنب بالنار المخلصة.أما الابنة التي تدنست فسوف تنفى وتلقى إلى التشرد في الصحارى ".
سمع أويانتي كلمات الاينكا ونظر إلى كوييور، وفي النظرات كانت مواساتهم الكبيرة .
سار المحارب صاحب القلب الذي لا يهزم، سار بخطوات واثقة نحو الموت وهو يفكر في كوييور الحبيبة الجميلة.
مات أويانتي البطل !! أما كوييور النجمة الحلوة فلقد شرّدت إلى الحقول والصحارى ، لكن في إمبراطورية الاينكا يتذكر الجميع ذلك الحب الذي وحّد لأول مرة بين ابن الأرض وابنة السماء.
ومنذ ذلك الوقت والجميع يعبرون عن إعجابهم بكوييور اسم النجمة وببطل الأنديس الذي أحبها على طريقة أبناء الإنسان.
الذاكرة الساحرة للهنود


على طول أمريكا الجنوبية تستند التربة إلى الجدار، الذي تشكله جبال الأنديز في سلسلة من القمم الشاهقة تصعد وتهبط ، تتجمع وتفترق ، وفي وسطها توجد هضبة كبيرة ، هي الهضبة البوليفية ، حيث توجد هناك البحيرة العملاقة، وكأن الأعمدة الصخرية تحملها على ارتفاع أربعة آلاف متر عن سطح البحر.

كان المسافر قد مشى أياما وأياما بين تلك السهول الشاهقة والمنعزلة والصامتة ، التي تشبه عالم ميت.
أحس المسافر بعاطفة قوية في تلك العزلة الجرداء
، في منطقة كأنها بحر من الحجارة , توقف لمرات عدة ، كي يستنشق الهواء الناعم الذي يأتي من الذروات العملاقة لتلك الجبال الجبارة وقممها الثلجية ، تلمع في السماء الصافية.
نظر القروي المسكين إلى البعيد ، حيث عاشت أجيال من الرجال صامتة لقرون ، مثل صمت القمم الشاهقة .أجيال قديمة أكثر قدما من الاينكا قد ضاعت هنا في أزمان مشاعيّة بلا ذاكرة .
ومن بعيد رأى المسافر نقطة سوداء ، بدأت تكبر وتكبر مع المسير ، وفيما بعد انفلقت النقطة ، وأفضت عن رجل هندي اقترب المسافر من الهندي وسارا معا بصمت في التربة الوعرة .
مشيا كثيرا ووصلا إلى هناك ، حيث الأرض تنحدر بمنحنى عنيف ، حتى جرف عميق وواسع قريبا من سور الجبال المائلة ، وكأنها مضطجعة على المنحدر.
ومن عمق الحفرة الكبيرة الضخمة خرجت مثل حكاية عجيبة مدينة السقوف الحمر بأعمدة بيضاء ، وبشجرات جذورها ضخمة، وبيوت وشوارع تتفرع وتتفرع على جنبات الطريق و السور، إنها " لا باث la paz* " مدينة عمرها قرون من السنوات هي أعلى العواصم في العالم ، أعلى من أربعة آلاف متر فوق سطح البحر ، مقامة على صحن رائع ، وساحر محاط بقمم الجبال والذروات التي تشبه عرف الديك.



أشار الهندي بإصبعه إلى المسافر عن المدينة وعن الجبال المقدسة وكانت عيناه تشعان بضياء ذاكرة القرون، ذاكرة العرق البشري الذي تسري فيه دماء الإله أيمارا**Aimara ، والتي سالت في العصور الأولى لمنطقة الأنديس الشاسعة.
قال الهندي:
" انظر يا أخي ! عندما كان الإله" ويراكوتشا WirAkocha" اله العمار كان يشيّد الحياة للناس في كل ما تراه عيوننا الآن ،لكن الإله "كجنو،Kjuno" اله الخراب كان يلاحق خطوات الإله الطيب ويدمر كل شيء يبنيه".
شيد الإله "ويراكوتشا Wirakoch " مدينة من الحجر ، فقذفها الإله "كجنو Kjuno بجبال من الثلج ، فبنى الإله الطيب مدينة إضافية كي يحيا الناس ،لكن إله الخراب كان يدمرها ، و يدفنها بنفس القوة ،عندها استدعى الإله "ويراكوتشا" إلها آخر لمساعدته هو "نيني ،Nine" اله القوة وأب النار.
مادت الأرض وماجت غاضبة وحارقة وظهرت حلقة من البراكين لحماية الإله الطيب "ويراكوتشا" وعمله الصالح. لكن، "كجنوKjuno” مدمر العالم بثلوجه طلب في الحال حماية من "هوايارا Huayra " اله الريح
, واستمر "ويراكوتشا" في كل الهضبة الرائعة يبني مدناً محاطة بجبال من نار ،لكن عندما ينتهي ويغادرها وينطلق ليعمر مدناً أخرى ، كان اله الريح ينفخ في البراكين ويطفئ لهيبها ثم يأتي "كوجنو ،Kjuno "متبوعا بثلوجه ويعيد تدمير كل شيء ، فتصارع الإله "ويراكوتشا" الذي يبنى مع الإله "كوجنو" الذي يدمر، واستمر الصراع لوقت طويل.

وهكذا كانت المدن تبنى، محاطة بالبراكين، لتبقى فيما بعد خربة ومدفونة بالبرد.
تعب ويراكوتشا من تلك الحرب التي لا نهاية لها ،ففكر بطريقة يحمي فيها أعماله من غضب خصمه، فقام بالتالي:
غرس وبشكل قوي كعب قدمه الجبارة في تراب السهل الكبير، وهكذا شكّل ما تراه اليوم صحنا عظيما ،والذي أقام المدينة عليه لاحقا..
هل ترى هناك دروع الثلج في كل القمم الجبلية ؟ إنها جيوش الإله "كجنو" التي لا تزال تترصد رغم هزيمتها ، فهم لا يجرؤن ، ولن يجرؤا أبدا على النزول إلى المدينة المحمية في هذه الحفرة ، فلقد أطلق الإله وايركوتشا عليها اسم " ماركا ماركاMarka" أي مدينة المدن. المدينة الأكثر ارتفاعا ، والأكثر قدما لما كان وسيبقى ملجأ للإنسان خلال قرون ،ملجئ آمن ومحمي في المكان الذي حفره الكعب المقدس، وكان اسمها "لاباث، La Paz” أي السلام..
صمت الهندي أمام عيون المسافر الغارق في التفكير ، وعاد فيما بعد يحكي ببطء وبلهجة أكيدة وبذاكرة قديمة:
"نحن نعرف كل شيء عن عالمنا هذا ،عالم الجبال الذي لا يعرفه أناس آخرون.أقول لك الحقيقة ، لان الآلهة أرادت أن يرى الناس هنا كيف انخلقت هذه الروائع؟
انظر إلى هناك !إلى الجبل وقممه الجبارة البراقة من الثلج فوق مدينة السلام "لاباث" !!انه " إييامامني /Illimamni " سيد الأنديس الأعظم بين النسور!!
وسأقول لك ما حدث:
"في الوقت المظلم ،ربما وتقريبا في الفجر الأول عندما كانت الأرض والجبال تتحركان ليأخذ كلّ منهم مكانه، جاء نسر الكوندور العظيم جدا ليحط على سلسلة جبال يراقب منها بناء الأنديس !!
مرت شموس وأقمار كثيرة كانت تتجاذب لتجد لها مكانا ، وفي كل الأيام مع الغسق ،عندما كانت تولد النجوم كان نسرالكوندور يطلق جناحيه الهائلتين المشتعلتين ليطير في الليل بإشعاع مذهل ، وفي النهار كان يعود دوما إلى الاختفاء عندما تأتى الظلال.
وهكذا استمر سنوات وسنوات وقرون يتحرك من أجل بناء كل هذا العالم الذي تراه ، وفي يوم من الأيام، عندما رأى" ويراكوتشا" إله العمل أن مهمته انتهت ،وكانت كل الصخور والمياه والجبال قد بقيت كل في مكانه بثبات، أراد ،و قرر أن يبقى الطير المشتعل المضيء الذي يراه الجميع، أن يبقى هناك أيضا والى الأبد..
خفق نسرالكوندور العجيب بجناحيه الهائلتين المنتشرتين على قمم الأحجار، فسقطت الثلوج من السماء كأنها جبل من البياض البراق وله عدة قمم، تلك القمم الثلاث هي في الحقيقة : رأس الكوندور والأجنحة الهائلة التي لا يمكنها التحرك بعد..
مرة ثانية سكت الهندي أمام العيون الثابتة للمسافر وبعد هذا عاد يقول وكأنه راوي الذاكرة المتقدة للهنود:
"هناك أشياء أخرى نعرفها ولا أحد غيرنا يعرفها ما لم يكن قد ولد هنا.. وإن كنت تستطيع استيعابي فاسمع هذه الحقيقة أيضا:
كان الزمن لا يزال ظلاما ،والأرض تضخمت كثيرا عدة مرات ،وفي محاولة لها خرجت من الماء، ونهضت إلى أن شكلت سلسلة الجبال هذه..
تحركت الجبال وجاهدت لتبقى عالية ومرتفعة ولها مكان ، بعضها بإكليل من ثلج وبعضها من نار البركان، و بفضل تلك الأنوار كان الجميع يرونها كمحاربين أشداء و غريبين إذ كان الزمان لم يزل ظلاما ، والسواد يعم..
أربعة من تلك الجبال تفوقت على ما تبقى بفضل قوتها، وكل واحد منها أراد أن يرتفع ويعلو أكثر ويمتاز بالضخامة، وعندما ذهبوا إلى "وايركوتشا" كي يحكم بينها ويقرر، قال الإله لهم:
"لن يكون أحدكم اكثر قوة من الآخرين.. سيكون هناك أسياد أربعة لسلسلة الجبال وهم:
سيد الضوء
سيد الحجارة
سيد الماء
سيد الهواء
سيد الحجارة وسيد الهواء اخترقا السماء بقممها الحادة و سيد الضياء وسيد الماء اتسعا وتمددا مثل مناشير متعجرفة في الآفاق، لكن في يوم من الأيام كان سيد الهواء يغار من سيد الماء فقال إلى سيد الحجارة الذي يحسد بقوة سيد الضياء:
" توحد مع سيد النار فأنا سأقضي على سيد الماء وانطلق الاثنان يزمجران ضد خصميهما".
كانت المعركة كبيرة وشرسة بين الأبطال الأربعة المتحاربين ،خاضوها بدون تعب طوال آلاف السنين ، ولا يزالون يخوضون تلك المعركة ، فالثلوج والنيران والرياح والصخور تتعارض بقوة في عواصف وأعاصير و حمم بركانية محترقة و وكوارث طائحة.. مزقوا بعضهم ، وغرق بعضهم ، لكنهم عادوا يبزغون ويظهرون اكثر عنفا و لا يموتون..
في النهاية وضع وايركوتشا الهدوء على الأرض الهائجة والمتحارب عليها ، واصدر إرادته:
يبقى الآن فقط ثلاث أسياد في سلسلة الجبال هم: سيد الضياء ،وسيكون اسمه من الآن فصاعدا "ايامفو Illampu" البرّاق المشرق،و سيد الماء ، و سيكون اسمه من الآن فصاعدا" اييماني Illimani " الرقراق المتلألئ ، وسيد الحجارة ، سيكون اسمه من الآن فصاعدا " وايانا فوتوسي Wayana Potosi " الشاب الهادر الذي يجأر..
وأما أنت يا سيد الهواء فستدفع ثمن تمردك ، لهذا ستبقى وحيدا وفي الأسفل.
أطلق الإله بمقلاعه الإلهي حجرا من ذهب على قمة الجبل المدببة ، فقصها كما تقص قصبة سكر، وسوى مكانا سديداً في قلب الجبل، وأما القطعة العلوية التي انشطرت عن القمة وهربت طائرة فقد قال الإله وايركوتشا لها: أنت ابعدي ابعدي أنت "ساهاما" أي المبعدة !! هكذا أناديك بسبب تمردك.
ومن تلك اللحظة بقي فقط ثلاثة آلهة في سلسلة الجبال هذه التي تراها الآن هي:
"ايامفو" و "اييماني" و "ايانا فوتوسي" ، أما " ساهاما “التي هربت ، فإنها موجودة بعيداً ووحيدة في الجانب الآخر من السلسة الجبلية ،لكنها مغطاة بالثلوج متشامخة وعظيمة ورائعة.
وصمت الهندي، وأحجم صوته القديم، وأخذ يشير بإصبعه إلى القمم الساحرة التي لا تزال تلمع وتضييء كأنها ألغاز وأسرار عند الغسق ..




* حرف الزاي يلفظ ثاء بالإسبانبة (المترجم )
** من الآ لهة التي يعتقد بها شعوب الهنود الحمر الذين سكنوا أعالي البيرو ( المترجم )



Araucanos ارواكانوس




إلى الجنوب من تشيلي على شواطئ المحيط الهادئ تقع ارض "الأرواكانوس"، ففي أزمان غابرة عاش هناك رجال لهم سحنة رائعة ، يحظون بالإعجاب والوقار،
ستة عشر زعيم قبيلة تقاسموا السلطة على أرواكانا ، التي تمتد بين البحر وأعلى قمم الجبال.
عاش الناس على خيرات تلك الأرض ، فحرثوها ورعوا أغنامهم، والأطفال كانوا يدربون في الطريق ، حتى إذا وصلوا إلى أن يكونوا سريعين جدا فيكون بمقدورهم اللحاق بالشاة التي تهرب، وأصحاب العضلات الأقوى كان يحتفظ بهم من أجل القتال ، أو ليحملوا الفؤوس أو دبابيس الحرب الثقيلة ، أو يعدّون الرماح أو ليطلقوا المقلاع المخيف.
كان الأرواكانوس شعبا من رجال أغنياء أقوياء في العمل أشداء أمام الجوع والبرد المجمد والحر الشديد ، لم يكن هناك أبدا من يقدر على السيطرة على قلقهم من أجل الحرية.
فلا الملوك الأقوياء ولا شعوب غريبة اخرى ولا قبائل محاربة شرسة قدرت أبدا على احتلال السهول وجبال الأرواكانس ، ولم يقدر أحد أن يطأ الوادي العريض من كل الطامعين بغناه بالفواكه والخيرات وبالمناجم والفضة والذهب.


Caupolican كاوفوليكان



في يوم من الأيام ظهر خلف سلسلة الجبال بعض الرجال البيض على ظهر خيول لم يروها أبدا من قبل ، لم تكن معروفة ، كانوا مسلحين بحديد يلمع، يلبسون حديداً ويملكون الرعد والنار التي تخرج من المدافع والبنادق القديمة فتقتل.
أثار ظهور المقاتلين الإسبان مفاجأة وخوفا كبيرين عند الارواكانوس الذين تساءلوا: هل هم آلهة؟
كانوا يقولون، ويصرخون، ويسألون: هل جاءوا من المياه ؟ أية مراكب عجيبة وغريبة أقلتهم ؟ انهم يحملون الصواعق بأيديهم، ويركبون دواب سريعة مثل الريح ،انهم آلهة انهم آلهة!!
ولأول مرة تم غزو أراضيهم ،و لأول مرة انتشر الرعب والعبودية في قلوب الارواكانوس، فعاشوا خانعين خاضعين لإرادة كائنات غريبة ، كانوا يبحثون عن الذهب والفضة.
الغزاة البيض أخذوا يتحولون إلى أفظاظ قساة فجبروتهم وإساءاتهم وأفعالهم الشريرة جعلتهم ضعفاء وحاقدين.
:ليسوا آلهة أيها الاخوة انهم ليسوا آلهة -هكذا كان يصرخ نبلاء الارواكانوس- انهم أناس شريرون اضطهدونا وأذلونا وبمقدورنا أن نهزمهم فلننهض إلى الحرب نعلن الحرب والموت على هؤلاء الغرباء، فلن يكون هناك راحة وسلام في قلوب أطفال الارواكانوس ما لم تنظف أرضنا ، وتتحرر من هؤلاء الأبالسة.

ومن الجبال ومن السهول نهض الإستنفار ، يركض المراسلون بين غابات أرواكانوس من أجل تحريك وتجميع الناس ، وجعل زعماء القبائل يعقدون الاجتماعات الكبيرة للحرب ، وهناك في السهل الكبير بين الجبال بدأوا يتجمعون:
"توكفال" مع ألفين من المحاربين ،"اونغولو" مع أربعة آلاف، "كايوكوفيل" مع ستة آلاف، "لينكوي" مع ثلاثة "ليموليمو" و" تفورين" و "كولكولو" وآخرين مع آلاف من المحاربين الشباب.
غاب فقط "كاوفوليكان" القوي والحائز على إعجاب الجميع.
كانت المجادلات قوية و حامية الوطيس بين زعماء القبائل، ليقرروا من الذي سيقود الحرب ضد الغزاة فصرخ "كايوكوفيل":
"عندي تحت الأوامر العدد الأكبر من المحاربين، وأنا مستعد لأجرب قوتي مع أي كان" فقال" تفورين":
"أنا جاهز للموت مع جميع رجالي ، ولا أحد يتفوق علي في الشجاعة واستخدام السلاح".
المحاربون الآخرون صرخوا أعلنوا عن حسناتهم وسخّنت المنافسة الهمم، والمجادلات كادت تتحول إلى نزاع بين الجميع، فتحدث "ليموليم" الشيخ والحكيم وقدم نصيحته:
"أيها الزعماء الشجعان اتركوا سلاحكم الآن ، فالأفضل أن يرفع ضد العدو، جميعكم متساوون بالنبل والقوة، امتحنوا قوة أذرعكم، وليكن الرئيس هو الذي يقدر على حمل الجذع الأضخم في غاباتنا على كتفيه من غير توقف أو استراحة.

أخذ جميعهم يمتحن أسباب الشيخ"ليموليم" ،والذي راح ينظر إلى الجبال بقلق، يرقب قدوم العظيم "كاوفوليكان"
أحضروا جذعا ضخما من شجر البلوط ، حملوه بين ستة رجال أصحاب عضلات قوية، ومن شدة ثقله فلقد أحضروه يجرونه بين الستة ، وأبقوه وسط حشود المحاربين، الذين يحضرون المسابقة.
يأتي "فايكابي" شاب طويل قاسي اللحم ، يحضن الجذع ويحمله، ويبقيه على كتفيه مدة ست ساعات
و "كايوكوفيل" يستسلم قبل أن يصل إلى هذا الوقت بينما "فورين" و "اونغولو" أبقياه طيلة نصف نهار .
أمـّا "لينكويا" ا لقوي فيحمل الجذع بسلاسة على كتفيه العريضتين جدا ، ويتمشى ويركض بالجذع ،منذ أن خرجت الشمس والقمر أيضا يفاجئه بنوره الساحر.
وعندما تصل الشمس إلى منتصف السماء، وتبدأ بالنزول نحو المغيب، يسقط الجذع عن الأكتاف القوية للينكويا .
كلهم يصرخون: لينكويا انتصر !! فلتكن قيادتنا له !! فلـ"لينكويا" الحظوة في أن يكون المسؤول الأعلى".
وفي هذه اللحظات يأتي ويتقدم كاوفوليكان، يأتي وحيدا من غير محاربين يرافقونه .
كاوفوليكان: طويل، وقوي ومحارب متمرس ،وخفيف الحركة وله هيبة قوية وصارمة، والجميع يقدّرون الأقوى والأنبل.

يأتي "كاوفوليكان" عندما تبدأ الشمس بالغروب ، وكلهم يطلبون وقتا للراحة، ويقررون تمديد المسابقة حتى اليوم التالي،
وعندما بزغ الفجر في أعالي الجبل حمل "كاوفوليكان" الجذع الثقيل على أكتافه الخارقتين.
يطلع النهار، وتعلو الشمس إلى منتصف السماء، وتختفي ثانية خلف الجبال، والليل يظهر النجوم و"كاو فوليك" يروح ويجيء ببطء وبسرعة، دون أن يعطي إشارات تعب، تعود الشمس للطلوع، ويمضي نهار كامل ، ويخرج القمر ثانية بطلعته البهية ، ومرة ثانية يأتي الفجر ، ليرى "كاو فوليك" مع الشجرة على كتفيه.
وفي نهاية اليوم الثالث ،عندما تصل الشمس إلى نصف السماء يقفز "كاو فوليك" ، ويرمي الجذع الثقيل إلى بعيد ،فتهيج الحشود بالانفعال :انه الأقوى انه الأقوى انه "كاوفوليكان".
يضع الشيخ "ليموليم" الفأس الحجري في يد المنتصر، و من تلك اللحظة استعد الارواكانوس للقتال تحت أمر كوافوليك العظيم.
وبطولاته في الحرب ضد الغرباء كانت كثيرة ، ولم تفقدها الذاكرة، فلقد غناها الشعراء كما غنوا مماته المفخرة من أجل حرية أرض أرواكانوس.



Guaranties أرض الفضة



هناك حيث تقترب مياه نهر الأروغواي ، قبل أن تتجه إلى المصب العظيم الكبير للفضة في الأرض المقطعة بالجزر بين النهرين الكبيرين ، كانت تعيش قبائل هنود "الغوا رانيين* "Guaranias عند وصول الغزاة إلى هناك والى الجنوب في الأراضي التي تحيط بـ"بوينس ايرس**" والى الشمال في الغابات على ضفاف الانهار .
ومع الغوارنيون كان الهنود الكيرنديس، Querndies وآخرين من الهنود كانوا يعيشون هناك ، يصطادون الأسماك والطيور والحيوانات ، وكان بعضهم يزرع الحقول ، لكنهم كانوا جميعا محاربين أشداء كما قال عنهم الغزاة الذين خاضوا معهم معارك كبيرة وكثيرة ، وتركوا ذلك موثقا و مكتوباً .
حكاية "اسافي" احدى حكايات الهنود الغواريين وهي موجودة في مؤلف للكاتب الأرجنتيني " ، روي دياث دي غوثمان/ \Ruy Diaz de Guzman " عام 1612 ميلادي .


* من قبائل الهنود الحمر القدماء الذين يعتقدون بالإله غوارني وتسكن هذه القبائل في المنطقة الممتدة بين انهر الفضة والجبال البركانية (المترجم )
** عاصمة الأرجنتين الحالية ( المترجم )



الفتاة " اسافي "*



كانت جميلة جدا تلك الفتاة "اسافي" ، ابنة رئيس القبيلة ،وكان والدها الشيخ ينظر إلى فتاته بحنان كبير، كما يجب على الأباء أن ينظروا إلى أبنائهم غير السعداء.
كانت الشابة الهندية اسافي رائعة الجمال ، وقد أتاها خيرة المحاربين لرؤيتها ، والتقدم لخطوبتها، لكن اسافي لم تعط إجابة للذين تحببوا اليها ، فالفتاة الأكثر جمالا في القبيلة لا تبادل الحب ، لأنها كانت باردة وقاسية القلب .
لم تعشق "إسافي" ولم تطع أحداً ، لهذا كانوا يتندرون عليها ويقولون: " التي لم تبك أبداً " !! ولم ير أحد دمعة منها في عيونها السود رغم معاناة أهلها .
احدى ارتفاعات مياه نهر الأرغواي أغرقت، واقتلعت الأكواخ والخوص ، وأخذت إلى الأبد النساء والأطفال.. فرفع الشيوخ والشباب نحيبهم وأساهم إلى السماء لكن اسافي لم تبك.
كانت عيناها الرائعتان السوداوان تنظران إلى بعيد بلا مبالاة بآلام الآخرين ، فبدأوا يفكرون أن اسافي هي سبب كل المآسي تلك ، فقالت احدى الساحرات :" دموع اسافي فقط تقدر على تهدئة غضب الالهة "!!
لكن حلّت مآس أخرى وأخريات ، وفي احدى المعارك مع قوم آخر أقوياء وأشداء كان على القبيلة أن تهرب ، وتختفي في الجبال بعد أن وقعت الفتيات العذراوات الأكثر روعة في أيدي الأعداء ، وسقط أشجع المحاربين قتلى ، وتقلصت القبيلة إلى بضع نساء وحفنة من المقاتلين ، الذين أنقذوا الشيخ الزعيم و لجأ جميعهم إلى الغابة، ومن ضمنهم كانت اسافي ، وفي عينيها لم يكن يلمع الدمع ،

فألقت الساحرة بيدها على طلاسمها وسحرها ، علها تتوصل إلى نصيحة الفلك والنجوم ، وفي النهاية قالت:
" كي تمر المصائب من جانبنا ولا تضربنا ، يجب على اسافي أن تبكي!! لكن كيف نجعلها تبكي؟ فالشيخ الزعيم يكنّ لإبنته حبا كبيرا لا حدود له!! فكيف يمكن جعلها تبكي؟ إذ أنها لم تكن قادرة على إظهار ابسط علامات الشفقة مع مآسي ومصائب الآخرين!! وهذا ما أراده الكهان والسحرة!! وكان بالضبط امتحان الألم في داخل أعماقها .
في يوم من الأيام، كانت اسافي تتمشى في أحد دروب الغابة ،فخرجت للقائها امرأة عجوز محنية الظهر، وترتجف ، وبصوت فيه الكثير من الحسرة طلبت منها أن تقطع لها بعض الأغصان اليابسة لكوخها حيث حفيدها مريض ، ويكاد يموت من البرد .
نظرت اسافي إليها بازدراء ، فركعت العجوز على ركبتيها ،وطلبت منها ، وتوسلت بصوت مفجوع ، لكن الشابة الهندية تابعت طريقها.!!
بعد قليل ظهرت لها امرأة لا تزال شابة، وعلي يديها طفل ، والدموع في عينيها.
اقتربت المرآة من اسافي ، كانت ملامحها تشير إلى إنها موجوعة ،وعندها فاجعة. وبصوت فيه الكثير من التوسل كشفت لها عن الطفل الذي يحتضر ، ورجتها أن تبحث لها عن بعض الأعشاب المفيدة القادرة على شفاء ابنها.

كانت اسافي تعلم أين توجد تلك الأعشاب ، وفي أي مكان من الغابة ،فتلك الأعشاب تطرد الموت، وكان بمقدورها أن تحضرها بمجرد أن تمشي قليلا إلى جانب الطريق ، لكن الشابة الهندية الغريبة عن الألم تابعت مشيتها غير مكترثة .
وما أن مشت بضع خطوات حتى ظهرت قوة غريبة ،جعلتها تتوقف ، و من خلف ظهرها سمعت صوت ساحرة القبيلة التي تقمصت الشيطان ، سيد الأعمال الشريرة.
:آنيا !! يا سيد الظلال اجعل هذه الفتاة الباردة التي لا تواسي عجوزا و لا أمـّا ، اجعلها أن لا تكون أمـّا ولا عجوزاً أبداً!!
:آنيا !! يا سيدي اجعل هذه المرأة التي بلا قلب والتي لم تبك أبدا ، اجعلها تبكي لمدى الحياة..
:آنيا !!اجعل هذه المرأة التي كان عدم بكائها هو سبب المآسي، اجعلها تحيا إلى الأبد ، تبكي ومن خلال بكائها تقدم الخير للآخرين .
اسافي لم تقدر على سماع أكثر من ال
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
حكايات وأساطير عالمية ج 3
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» حكايات وأساطير عالمية ج 8
» حكايات وأساطير عالمية ج 1
» حكايات وأساطير عالمية ج 2
» حكايات وأساطير عالمية ج 4
» حكايات وأساطير عالمية ج 5

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى ثقف نفسك :: ثقافة عامة :: قصص و أساطير شعبية-
انتقل الى: