الكتاب الثاني
أساطير النار
أمريكا الشمالية
الفتى وذئب الكويوتي*
هذا ما يحكيه أصحاب السحنة الحمراء ، وقد حدث منذ سنين غابرة.
في تلك الأيام البعيدة ، حيث كان الناس فيها يفهمون لغة الحيوانات ، والتي كان فيها كلب الصحارى ، الذئب الأمريكي الخبيث المحتال، الرمادي اللون كان صديقا طيبا للهنود وقد أسموه كويوتي. في قبيلة هندية كان يعيش فتى له ساقان قويان مطواعان ، وله نظرات ثابتة وثاقبة .
كان يعيش وسط القبيلة ، لكنه كان يكثر القفز بين الغابات ،ويصعد إلى قمم الجبال، وكان يخوض في الأنهر، لا يفارقه صديقه حيوان الكويوتي"Coyote"، رفيقه في الصيد وحتى في المنام .
وفي مرات كثيرة توقف لينظر كيف كان الرجال يحشرون الأسماك بين شقوق صخور النهر، وكيف كانت النساء يقتلعن جذورا طازجة ، ويحفرن الأرض بأحجار مسننة ، كان ذلك في أيام الربيع الدافئة والطويلة ، لكن عند حلول الشتاء كان الناس يتراكضون بين الثلوج يهربون من البرد وكأنه عدوهم فكانوا يغرقون يائسين في أعماق الكهوف المظلمة.
كان الشاب الفتي ينظر بوجه قاس ، وهو يفكر بحسرات شعبه البائس والذي لا حول له تحت السماء المثلجة، فقال إلى الحيوان الكويوتي:
" أنت لا تحسّ بسكاكين البرد لأنك سمين ، ولك جلد كثيف الشعر. أمّا هم فإنهم يرتجفون ويموتون ، قل لي يا صاحبي وأنت الذي تقود خطواتي في الصيد ، قل لي ماذا علي أن أفعل تجاه شعبي كي لا يعاني أكثر "؟.
قال الكويوتي:" لا شيء "!!وفي تلك الليلة لم ينم إلى جانب صاحبه، ولم يعد إلى جانبه إلاّ بعد انقضاء عدة أيام بلياليها الطويلة.عندئذ قال الكويوتي:
" أنا أعرف ماذا عليك أن تفعل ، لكنه صعب جدا وأكثر صعوبة من أي شيء ، كنت قد فعلته ،ولن تقدر على فعله أبداً ".
فأجابه الفتى:
" قل لي ما هو؟ فأنا قادر على فعل كل شيء ما لم يكن مستحيلا ".! قال الكويوتي: " اذهب إلى جبل النار لتسرق قبسات من ذلك الوهج ، وتحضره إلى شعبك" .
سأل الفتى: وما هي النار؟ و ما هو الوهج ؟
أجاب الكويوتي: النار مثل وردة حمراء ،لكنها ليست وردة، إنها تركض بين الأعشاب ، وتقضي عليها كما لو كانت دابة ،، لكنها ليست دابة مع إنها قوية ومريعة ، لكنها تتمدد على سرير بين الحجارة ، وتقدم الأشجار أغصانها لها لتأكل ، إنها أخٌ طيبٌ يداعب النسمات والأشياء بألسن كبيرة وبرّاقة وساخنة. وإذا أمكنك إحضارها فإن شعبك سينعم بالدفء، و يخبئه كما لو أنك تخبئ قطعة من الشمس.
قال الهندي: نعم سأحضر تلك النار ساعدني. اتجه الفتى نحو شيوخ القبيلة ليطلب مائة رجل لهم أفخاذ قوية وعضلات وسيقان خفيفة الحركة. فاصطف جميعهم في طابور ، يوجههم الكويوتي نحو جبل النار.
مع انتهاء اليوم الأول تركوا في الطريق الرجل الأكثر ضعفا بالركض فيهم. وكان عليه أن يرتاح هناك ، وينتظر ومع انتهاء اليوم الثاني من الركض ابقوا رجلا آخر ليرتاح وينتظر، وهكذا بدأوا يتناقصون واحداً تلو الآخر مع نهاية كل يوم من الأيام المائة للمسيرة.
أمّا الشاب صاحب الساقين القويتين والملبيتين له برفقة الكويوتي فلقد بقيا وحدهما إلى المرحلة الأخيرة من المسير عَبَرا السهول وواجهتهما الجبال وفي النهاية وَصَلا سوية إلى النهر الكبير الذي يجري فوق رمال جميلة عند سفح جبل النار.
كان الجبل يصل حتى الغيوم ، وكان في قمته شيء يشبه قبعة كبيرة من الدخان الكثيف.
في الليل كانت أرواح النار تتراكض ، وترقص في المجنبات على هيئة جذوات كبيرة ، بينما كان النهر الكبير يلمع كما لو أن مياهه قد اشتعلت. قال الكويوتي للفتى:
" انتظرني هنا سأذهب لأحضر لك قبسا من وهج الجبل ،انتظرني وكن مستعداً ويقظاً لأنني سأصل منهكاً ،وعليك أن تتابع راكضا إذ أن أرواح النار سوف تلاحقك ".
وبدأ الكويوتي يصعد الجبل ويختبئ خلف الأحجار ، لكن أرواح النار اكتشفته، وعندما رأوه نحيفاً و متسخاً سخروا من رائحته غير العدوانية ،
لكن عند حلول الليل وعندما بدأت الأرواح بألعابها ورقصاتها في ألسنة اللهب الكبيرة ، تمكن الكويوتي من أخذ لسان كبير و طويل ، وهرب به هابطا الجبل بسرعة. وبطريق مستقيم كانت ألسنة اللهب تركض خلفه ، تصدر زئيرا كأنه زئير لبوة تحترق.
رأى الشاب صديقه الكويوتي يهبط الليل مثل نجمة تهرب من السماء ، كانت أرواح النار تتبعه كأنها نهر من الوهج ، وراح يتساءل :هل تقترب القبسة المشتعلة؟ هل تقترب ؟ هل تصل؟؟
وقع الحيوان الشجاع أرضا ، يكاد يختنق ، وقواه تخور فأخذ الشاب تلك القبسة المشتعلة وبدأ بالركض والركض ، وأرواح النار في الجذوات تركض خلفه ،والفتى يتابع الركض ، ويمضي مثل سهم، كي يصل إلى الرجل الأول ،الذي تركوه يستريح وينتظر، و يده ممدودةليستقبل الجذوة ، ويبدأ بالركض بها سريعا كسهم انطلق من قوس.
وهكذا تستمر الجذوة من يد إلى يد دون توقف ، وأرواح النار تركض خلف الشعلة المسروقة ، إلى جبال الثلج التي لا يقوى الناس فيها على البرد . استمرت النار في الهواء تنتقل من يد إلى يد بين الراكضين ، فكانت صفراء وجميلة في النهار ، وفي الليل حمراء رائعة.
وصلت الشعلة إلى الرجل الأخير، ومنه إلى القبيلة ،وهناك صنع الرجال لها سريراً من الأحجار وسط المغارة، بدأوا يطعمونها بحب يقدمون لها الأغصان اليابسة، ومنذ ذلك الوقت ابتهج الناس بحب تلك الشعلة عدوة البرد ، والفتى الهندي النبيل أصبح معروفا من قبل الجميع انه الشجاع الذي اكتشف النار .
والكويوتي أيضا منذئذ يمكنه إن يعرض والى الأبد أثار عمله المعطاء، وحتى هذا اليوم تحتفظ سلالة الهندي بالجلد الأصفر ، وكيف احتمس بالنار كذكرى لمأثرته الشجاعة.
* Coyote نوع من الذئاب بحجم الكلب الكبير يعيش في المكسيك وامريكا الشمالية (المترجم )
نيوزيلندا
مانوي الذي أحضر النار
عن البطل يتحدثون ، عن مآثر عجيبة ليست للبشر، كان مانوي هو الذي أخرج من أعماق البحر الجزيرة نيوزيلندا الكبيرة ، وتركها على سطح المياه في نفس المكان الذي تقع فيه اليوم .
كان مانوي هو الذي اخترع نابا للحربة كي تطبق جيدا على الأسماك ، وكذلك اخترع سلة بها فخ كي يحشر سمك الحنكليس .
كان مانوي هو الذي احضر النار إلى الناس وهو الذي جعل اليوم يطول كفاية كي يتمكن الناس من العمل جيدا .
ومانوي فعل أشياء كثيرة من أجل خير الناس ، وهي أشياء لا يمكن تعدادها لكثرتها .
عندما ولد مانوي كان بشعا ومشوها، فتركته أمه عند شاطئ قاحل ، لكن آلهة البحار حمته ، و "تامانويكي تي رانجي" وهو أحد أسلافه الأجداد ، وكان في السماء ، فقد أخذه إلى هناك ،وعلّمه كلّ الأشياء غير الطبيعية التي كان يعرفها، وهكذا كان.
عندما شبّ مانوي عاد إلى الأرض ليبحث عن عائلته ، وعند وصوله عثر على إخوانه وهم يلعبون بالحراب عند شاطئ البحر ، وعند مشاهدتهم لذلك الفتى البشع انفجروا جميعهم بالضحك لكنه قال لهم:
"لماذا تضحكون؟ ألا ترون إنني أخوكم الصغير" ؟ لكنهم لم يصدقوه ، وكذلك أمهم التي قالت له: " أنت لست ابني "!!
فأجابها مانوي: ألا تذكرين عندما تركتيني في ذلك الشاطئ القاحل؟
آه!! نعم صحيح ، لقد نسيت !!أنت مانوي!!قالت الأم وهي نادمة لكن سعيدة في الوقت نفسه من عودة ابنها ورؤيتها له. فبقي مانوي مع أهله .
وعندما صعد أشقاؤه إلى القارب الصغير بهدف الصيد قال لهم: "أريد الذهاب معكم "، لكنهم رفضوا قائلين:
" لا ، إننا لا نحتاجك " .
لكن أخوة مانوي كانوا يصطادون بشكل قليل إذ أن الحراب لم يكن لها أنياب كي تطبقها على الأسماك ، فعلمهم مانوي كيف يعملون حراب بأنياب في طرفها لا يمكن إن تفلت الأسماك منها.
في يوم أخر ذهب الأخوة لاصطياد الحنكليس ، لكنهم اصطادوا الشيء القليل إذ أن اسماك الحنكليس كانت تخرج من الباب نفسه الذي دخلت منه في سلال الصيد ،عندها اخترع مانوي فخا في باب سلة الصيد، كي تدخل اسماك الحنكليس ولا يمكنها الخروج .
وعلى الرغم من ذلك فان أخوة مانوي لم يحبوه ، ولم يرغبوا بان يذهب معهم في الزورق ، لكنه في يوم من الأيام اختبأ مانوي في قاع الزورق ، وتغطى بألواح الأرضية ، وعندما كانوا في أعالي البحار قال اخوته:" ما أحسن أن نمضي من غير مانوي "!!
لكن صوتا قد خرج من القاع يقول: " إنني هنا !! ورفع مانوي الألواح ، وخرج . فغضب الأخوة كثيرا ولم يرغبوا بإعطائه صنارة كي يصطاد .
لكن مانوي لم يغضب ، وبدأ يصطاد بصنارة سحرية كان يخبئها معه ، وكانت مصنوعة من فك أحد أسلافه القدماء.
لم يرغب أخوته بإعطائه طعما، عندها ادخل مانوي رأس الصنارة في أنفه ، وبللها بالدم ، ثم رمى بها إلى الماء.
لم يكن أحد من الأشقاء قد اصطاد شيئاً ، وقد اعتقدوا أن مانوي لن يصطاد أيضاً ، لكن مانوي انتظر حتى ينزل شص الصيد إلى الأعماق أكثر.
قال إخوانه له: " لماذا أنت هكذا عنيد جدا ؟ لا يوجد هنا صيد !! هيا نذهب إلى مكان أخر "!!
ضحك مانوي وبقي ينتظر، وفجأة أحس بحركة شد قوية في الخيط الذي جعل الزورق الصغير يكاد ينقلب ، ثبـّت مانوي الحبل بقوة ، وساعده إخوانه بذلك ، ورويدا رويدا بدأ يصعد شيء مرعب من الأعماق ، وعندما وصل إلى السطح بقي أخوة مانوي مشدوهين ، إذ إن ذلك الشيء كان كبيراً جداً ،غطى كل مساحة البحر على مد النظر ، ولم يكن ذلك أقل من "تي- اكا - آ - مانوي " أي السمكة التي اصطادها مانوي ، وهي جزيرة نيوزيلندا الكبيرة .
قفز اخوة مانوي فوق الشيء المريع ، كي يقصوا منه قطعاً من اللحم ،لكن في كل مكان غرسوا سكاكينهم فيه ، فقد تحول إلى وهاد، وفي كل مكان سلخوا الجلد منه ،فلقد تحول إلى جبال. وهكذا انولدت نيوزيلندا من أعماق المياه والتي أصبحت لاحقا أرض الماورييس* Maories.
ومع مرور الوقت انتبه مانوي إلى أن النهار كان قصيراً جداً، و " تامانويترا "أي الشمس كانت تنهض ، وتجوب السماء بسرعة ، وتعود من غير أن تمنح وقتاً كافياً للناس ، يمكنهم من إتمام أعمالهم.
فكر مانوي بان عليه أن يجبر الشمس على أن تسير ببطء أكثر ، فقال مانوي لإخوانه: " فلنربط الشمس كي تسير ببطء وهكذا يكون للناس وقت أطول كي يتموا أشغالهم".
فردّوا عليه:كيف لنا أن نفعل ذلك؟ ألا ترى أن الشمس تحرق كل من يقترب منها؟
فقال مانوي: " لقد رأيتم ماذا أمكنني فعله، ألم أرفع جزيرة تي-آ- مانوي من البحر؟ وكذلك بإمكاني أن أفعل أشياء أخرى بل وأكبر أيضاً ".
اقنع مانوي أشقاءه واقتلع خصلة من شعر رأس أخته "هينا،Hina"، وبحث عن أربطة من حرير اخضر ، حتى يتمكن إخوانه من ضفر الخيوط بقوة. تذكر مانوي ما كان قد علمه إياه سلفه الذي كان في السماء ، وكيف تكون للأوتار قوة سحرية فائقة.
صنعوا بتلك الخيوط شبكة كبيرة ، حملوها ومخروا حتى نهاية العالم إلى المكان الذي تخرج منه الشمس كل صباح، استغرقوا عدة شهور في الوصول إلى نهاية العالم ، ووصلوا إليه في ليلة مظلمة ،عندها علقوا الشبكة أمام الحفرة التي كانت الشمس ستخرج منها.
عند الصباح خرجت "تامانويتيرا" ، ووجدت نفسها مطبقا عليها في الشبك السحري. حاولت أن ترخيها، ولم تستطع، كان الأخوة يمسكون الشبكة بقوة وثبات، و ربطوها بأوتار جديدة.
كانت الشمس تنتفض على الجانبين تريد أن تقفز ، وحاولت تقطيع الحبال ، لكن الحبال كانت قوية جدا. عندها تقدم مانوي حاملا عصاه الحربية المصنوعة من عظم أحد أسلافه ، وبدأ يضرب الشمس ،لكنها أخذت تقاوم، وبدأت تنشر جرعات كبيرة وساخنة جعلت الأخوة يتراجعون ، لكنها لم تجعل مانوي يتحرك من مكانه ، وهكذا استمر الصراع بينهما وكانت الشمس تصرخ: : "أنا "تامانويتيرا" الجبارة !! لماذا انتم ضدي" ؟
=: " لأنك تجوبين السماء بشكل بطيء جداً ، والناس لا يوجد عندهم الوقت الكافي للبحث عن الأكل وهم جياع ".
: "وأنا أيضا لا يوجد عندي الكثير من الوقت لأضيعه" !! أجابت تامانويتيرا. عندها استمر مانوي بالضرب ، حتى وهنت الشمس ، واستسلمت عندها قالت: : " كفى من فضلك سأمشي بشكل أكثر ".
وبهذا الوعد سمحوا لها بالخروج من الشبكة ،وهي أوفت بوعدها . ومنذ ذلك اليوم تعبر السماء ببطء ، وأصبح للناس وقت أطول لتجفف ملابسها ، وتحصل على قوتها ، لكن بعض الحبال التي ربطوا الشمس بها بقيت ملتفة عليها، ويمكن رؤيتها كأشعة تومض ، وهي تخترق الغيوم. كل هذا المآثر، أنجزها مانوي ، لكن شعبه لم يكن يعرف أبدا كيف يشعل النار.
قرر مانوي إن يكتشف سر مناطق النيران. عندها نزل في حفرة وجدها في الأرض ، وكانت فيها "مافوكي" آلهة النار فطلب مانوي منها جذوة، فأعطته أحد أظفارها المشتعلة ، فخرج مانوي بالظفر وفكر: " هذا لا ينفعني، إنها نار حقاً "!! لكن أهلي مهتمون بمعرفة كيف يشعلون النار لهذا أطفأ الظفر المتوهج في تيار ماء وعاد يطلب النار مرة ثانية.
أعطته مافويكي ظفرا مشتعلا أخر، لكن مانوي أطفأه وعاد يطلب النار من آلهة النار ،وللمرة الثانية أعطته مافويكي ظفرا مشتعلا آخر ، فأطفأه مانوي في تيار الماء نفسه، وللمرة الثالثة عاد يطلب النار من آلهة النار ، وللمرة الثالثة أعطته ظفرا مشتعلا.
وأعاد مانوي الكرة لتسع مرات ، إذ أطفأ النار في الماء تسع مرات ، وعندما جاء للمرة العاشرة إلى آلهة النار وطلب منها آخر أظفارها المشتعلة قبضت عليه ، ودفعته مافويكي إلى النار بشكل قوي ، لكن مانوي تمكن من الإفلات بسرعة كبيرة ، ولم تتمكن من الإمساك به ، وإثناء هربه كان يشتمها حتى اشتاطت غضبا فاقتلعت آخر أظفارها المتوهجة وألقتها كي تصطاده.
أحدث الظفر ناراً في الحقول وفي الغابات، وكان على مانوي إن يهرب أمام تقدم السنة اللهب ، وفي النهاية طلب مساعدة المطر التي هطلت بسيل جارف، حتى أطفأت الحريق الكبير.
وعندما رأى مانوي أن آخر نار في العالم تكاد تنطفئ التقط بعض الجمرات ، وخبّأها داخل أشجار الغابة .وهكذا بقيت النار في العالم.
* تطلق على سكان جزر نيوزيلاندا في الاقيانوس ( المترجم )
اليونان
بروميثيوس والنار
في البلاد التي نسميها اليوم اليونان ، وقبل قرون من الزمن كان قد عاش فيها شعب الهيلينيين أو الإغريقيين القدماء. وهو من أكثر الشعوب حكمة في ذلك التاريخ القديم.
في تلك البلاد يوجد جبل عال تختبئ قمته بين الغيوم، اسماه الإغريقيون آنذاك بالجبل الأولمبي, وقد تخيلوا أن قمة الجبل كانت بمثابة السماء حيث تعيش فيها آلهة كثيرة صاحبة قوة جبّارة ،هي التي خلقتها.
كان زيوس بمثابة الملك ، وسيد جميع تلك الآلهة. كان الإله الأعظم والأكثر جبروتاً فكلما كان يغضب كان يطلق الرعود والصواعق فوق الأرض ، فتختبئ الناس وهم يرتجفون من الخوف حتى أن الآلهة الآخرين كانوا يرتعدون خوفا. كان زيوس قد أخذ من جبل الأولمبي مملكة له، يحيط به مجلس كبير مؤلف من: زوجته "هيرا ،Hira " الآلهة الملكة وأولادهم، وفيبوFebo اله الشمس واله الموسيقى والشعر، والآلهة ارتميساArtemisa، الآلهة القمر آلهة الصيد وحامية الشباب، وبلاس أثينا آلهة الحكمة، وآرس اله الحرب ، وحادس اله الثروات ، وافروديت آلهة الحب والجمال ، وهيرميس* اله التجارة ،والهة آخرون كثيرون.
بين تلك الآلهة الكثيرين والكائنات فوق الطبيعيين الذين عاشوا في جبل الأولمب كان بينهم بروميثيوس العظيم ، الذي تجرأ على تحدي الإله الملك المرعب.
كان بروميثيوس واحدا من الذين خُلقوا على الأرض قبل أن يُخلق الناس بكثير من الزمن.
فلقد كان بروميثيوس مسؤولا عن خلق الإنسان نفسه, فقد أخذ حفنات من تراب اليونان ، وعجنها بالماء ، فصنع شكل إنسان، وأعطاه الحياة والقوة كي يمكنه مضاعفة نفسه، وصنع قواما للهيئة البشرية وكما تخفض الحيوانات رؤوسها لتنظر إلى الأرض فلقد جعل الإنسان يرفع رأسه لينظر إلى السماء. أحب بروميثيوس الناس الذين خلقهم ، وأراد لهم الخير مما تعطيه الأرض وكل ما يمكن أن يمنحهم السعادة. لكن زيوس العظيم شعر بأنه مهتاج لأن بروميثيوس فضّل الناس بمعاملته ، فلقد أرادهم زيوس أن يكونوا خانعين وبائسين، لم يكن يرغب في أن تكون لهم أية قوة لخوفه من أن يجرؤا في يوم ما على الاستيلاء على مملكته.
لكن بروميثيوس كان سعيداً ،وهو ينظر إلى الناس وهم يواصلون حياتهم، وهو على أتم الاستعداد لخدمتهم حتى ولو كان عليه إن يتحدى غضب زيوس. كان يراهم وهم يروحون ويأتون نشيطين، سعيدين .
لكن عندما جاء الخريف وأطلق أول برد الشتاء صَفيرَه، رأى بروميثيوس الناس وقد كفّوا عن الفرح، ورآهم يرتجفون ويظهرون علامات الأسى.
كان للحيوانات جلود سميكة كثيفة الشعر، وبإمكانهم أن يلجأوا إلى كهوف الأرض لكن الإنسان لم يتمكن من حماية نفسه وكان يعاني.
تأثر بروميثيوس بآلام المخلوقات التي خلقها.فكّر أن يحضرها إلى الأولمب الذي لا يقربه فصل الشتاء ، لكن زيوس كان هناك، ولم يكن يسمح بدخول المخلوقات البشرية إلى هناك ،فكان على بروميثيوس أن يفكر في طريقة أخرى لمساعدة البشر.
فكر و فكر ، وجاء يذّكر اله البركان "هيفايستوس، Hefaisto، أحد أبناء زيوس المعاقبين في العمل في إحدى أكوار الحدادة الكبيرة جدا على الأرض ، حيث كان يصهر الصواعق والسلاح لوالده.
قال بروميثيوس:" أجل ، يمكن للبركان أن يمنح القليل من نيران المرجل". خرج بروميثيوس ليلا من جبل الأولمب ، وأخذ يهبط من نجمة إلى نجمة كي لا يكتشف زيوس أمر مغامرته هذه .
وعندما وصل إلى الأرض بحث عن كهف عميق إلى جانب البحر ، ومن خلال مغارة بين الصخور أخذ ينزل وينزل عبر زوايا حجرية ، وهو يبحث عن كور الإله، وفي نهاية الطريق المعتم خرجت شرارة من النار، وهناك وصل وأمام البوابة الضخمة لمحددة البركان نادى بضربات قوية ، اهتزت بين ضجيج السنديان والمطارق ، فانفتحت البوابة وتفاجأ البركان عندما رأى بروميثيوس، كان بروميثيوس يعلم جيدا أنه يمنع على البركان أن يوقف نيران الآلهة ، لكنه حاول أن يؤثر على قلبه فقال له:
" لقد خلقنا الناس ، وهم يعيشون هنا ، ويعبدون زيوس ، لكن فصل الشتاء قد حلّ ، وهم يعانون ويموتون من البرد ، ولا يمكننا تركهم بلا رحمة"!!.
" نعم ! أجاب البركان حقا! ما تقول، لكنك تعلم جيدا إننا لا يمكننا فعل أي شيء من أجل إنقاذهم من غير أن يقول زيوس ذلك"!!
وتابع البركان يصهر الأحمر الحيّ يحوله إلى صاعقة سماوية.
في تلك اللحظة التي تظاهر البركان فيها بأنه منهمك في عمله، قام بروميثيوس وبسرعة بإضرام شعلة ، وهرب بها وسط العتمة بين الصخور.
في ذلك اليوم لحق الناس ببروميثيوس وأحاطوه ، وهو يحمل وهجا في قبضة يده ، فقدم لهم النار عدوة البرد وقال لهم:
" يمكنكم إن تحافظوا عليها ، وتبقوها حيّة بأن تقدموا لها أغصان الأشجار اليابسة ".
وارتفعت صيحات وأغاني الامتنان لصديق الناس الذي أحضر لهم الوهج الذي يعطي الضياء والدفء ، ويصهر المعادن على شكل محراث وأسلحة الصيد و عملة النقود .
اشتاط زيوس غضبا ،عندما علم أن الناس امتلكت النار، وهو الذي كان قد أقفل عليها في جوف الأرض ، فهبط إلى السرداب ليسأل البركان:
" هل كنت أنت من منح النار التي أعطيتك لتخبّئه "ا؟؟
أجاب البركان وهو يتمنى أن لا ينكشف أمر بروميثيوس فقال:
"لا !!لا لست أنا!! فأنا من عمل واشتغل عندك ، فصنعت لك أجمل الأسلحة والتي لم يكن أحد قد صهرها من قبل ، تعال و متّع نظرك بهذه الأسلحة". لكن زيوس لم يتوقف عن سؤاله حتى يعرف الحقيقة، وقال للبركان:
" أطِعني الآن !! اصهر السلاسل الأكثر صلابة من نيران الكور هذه ، سوف أُقيّد بروميثيوس بها هناك على صخرة في أقصى الأرض، وسوف يقوم أحد طيوري الجوارح وليكن النسر بتعذيبه ليلا ونهارا والى الأبد".
وعاد زيوس إلى الأولمب ، بينما بدأ البركان بصهر السلاسل ، ولما انتهى أخذها إلى صخرة كبيرة في القوقاز ، حيث كان هناك ينتظره رُسُلُ زيوس ومعهم بروميثيوس .
ثقب البركان الصخرة الكبيرة ، وثبّت فيها الحديد ، وربط السلاسل في زندي وعقبي بروميثيوس ، وأدار الإله البركان رأسه وابتعد بخطوات طويلة حتى لا يرى البطل وهو يتعذب.
وبقي بروميثيوس مقيداً بالسلاسل، ووجهه مرفوعاً نحو السماء ،وفوق الصخرة بدأ طائر النسر يحوم، كي يلتهم أحشاءه يوماً بعد يوم.
كان بروميثيوس على ثقة بأنّ الناس لن تعاني البرد بعد، وهذا ما كان يواسيه في عذابه فلم يدع الألم يهزمه ، ولم يفقده الأمل بالحرية. وفي يوم صادف فيه أن مرّ "هيركوليس،Hercules** " بالقرب من الصخرة التي قيدوا بروميثيوس عليها و رأى هيركوليس كيف كان النسر يهبط ليلتهم الكبد من الصدر المفتوح للرجل العظيم غير القادر عن الدفاع عن نفسه ، فأحسّ بالغضب من قسوة التعذيب .
استل هيركوليس قوسه الضخمة ، ووضع السهم القويم وأطلقها على قلب النسر ، ثم صعد إلى الصخرة وبذراعيه الجبارتين حطّم سلاسل القيود ، لكن إحداها بقيت عالقة في قدم بروميثيوس وبها أيضا القاعدة التي ثبتت مع قطعة من حجر الصخرة .
قال بروميثيوس له: " لقد أَمضيتُ هنا سنوات وسنوات إلى أن جئت أنت قل لي يا هيركوليس كيف يمكنني مكافأتك " ؟
اصطحب بروميثيوس هيركوليس ليريه إحدى مآثره ، وعادا فيما بعد إلى حيث يعيش الناس كي يساعدوهم ويسرّون برؤيتهم.
لكن ومن وسط الأولمب رأى زيوس بروميثيوس حراً طليقاً ، فغضب، لكنه ظنّ أنّ قراره قد تم تنفيذه ، إذ أن البطل كان يجر السلسلة وهي مثبتة بقدمه ، وكذلك كان القيد مثبتا بقطعة الصخر.
عاد بروميثيوس إلى الأولمب ، ليواصل حياته مع الآلهة لكن على الأرض لم ينسه الناس أبدا .
كل سنة يقيمون احتفالا على ذكراه ، حيث الشباب الأكثر قوة والأكثر سرعة بالركض يتناقلون في قبضاتهم جذوة مشتعلة ، ويركضون بها في المدن الإغريقية ،في احتفالات سباق تخليدية للبطل الذي جلب النار ، وتكريما لصديق الناس المثال الأعلى للتمرد على الجور والطغيان.
* هذه الأسماء أطلقها الرومان على الآلهة الإغريقية: زيوس(جويبتر)و هيرا(جونو)وفيبو (ابولو) ارتيميسا(ديانا) فالاس اثينا (مينيرفا) آرس( مارتي) حادس (بلوتن) افروديت(فينوس) هيرمس(ميركوري)
** رمز القوة الجسدية ( المترجم )