* نظرية الأدميرال الأميركي الفرد ماهان:
ويعد مؤسس المبادئ البحرية التي تتلخص في المطالب المكانية للدولة التي تعتمد في توسيع مجالها الحيوي على مدى قدرتها البحرية والجوية كعنصر أساسي في الاستراتيجية العسكرية. وقد ركز في كتابه/ أثر القوة البحرية في التاريخ/ على أحداث الحروب الماضية وخاصة في الفترة الواقعة ما بين 1660 و1783. وعدّ ماهان أن الأحداث التاريخية ما هي إلا مظهر من مظاهر النشاط الجغرافي.. وذكر أن الظروف الجغرافية في وادي النيل ودجلة والفرات كانت مواتية لقيام حضارات نهرية على حين أن الجسر الذي يربط بينهما كان من المحتوم على الفاتحين عبوره/ وذكر هنا الآشوريين ت وهم بنظره ليسوا من سكان المنطقة الأصليين ـ والفرس والمكدونيين / وقد أشار على الحكومة الأميركية آنذاك علم الجغرافيا السياسية إلى مناهج المدارس الثانوية( ).. وقد رأى أن التاريخ إنما يقوم على ثلاثة مصادر هي: الإنسان والمكان والزمان. فيما أنه في الجيوبوليتيكا يقوم على عنصرين فقط هما: الأرض والدولة ورأى أن رخاء أي شعب ومصيره إنما هما مرهونان بما يعدانه من خطط تجارية عسكرية وقال "إن أسطولاً تجارياً ترفرف عليه الأشرطة ـ الأوسمة ـ والنجوم سوف لا تقتصر فائدته على تنشيط تجارة البلاد فحسب، بل سيكون بمنزلة الدرع لقوتها البحرية.. وإن السفن التجارية حيثما سارت لا غنى لها عن الشعور بالطمأنينة في الموانئ التي تقصدها وبالحماية في الطرق التي تسلكها وهذا كله يتطلب قيام إمبراطورية فيما وراء البحار وبناء أسطول قوي لهذه الغاية وما ترمي إليه في مستقبل الأيام".
ومن هذه النقطة ندرك التأثير الهام لنظرية ماهان في السياسة العسكرية الأميركية منذ القرن الثامن عشر.. فقد بسطت واشنطن نفوذها في أميركا اللاتينية والمحيط الهادي والقسم الشمالي من المحيط الأطلسي معتمدة على قوتها البحرية. فتولى أسطولها الجبار حراسة مياه الباسفيك حتى غرب الأطلسي ـ حيث لم يكن في استطاعتها النفاذ إلى المحيط الهادي فتركت أمر حراستها للسفن البريطانية. وفي مطلع القرن الماضي ركزت القوات العسكرية الأميركية على العمليات الفنية الجوية وارتأت القيادة العسكرية الأميركية أن الحاجة إلى القواعد الجوية عبر المحيطات قد أصبحت ملحة فتوجهت خارج حدودها السابقة..
وبإلقاء نظرة على التوسع الحيوي الأميركي بين 1783 ـ 1853 نجد أن حدود الدولة الأميركية قد أصبحت في منطقة الميسيسبي وجبال الليجاني. ثم قامت بشراء مستعمرة لويزيان الفرنسية ـ ما وراء الميسيسبي من كندا شمالاً حتى سواحل المكسيك. ومن ثم استولت على فلوريدا عام 1819. وفي عام 1845 ضمت ولاية تكساس من المكسيك وكانت تسمى جمهورية النجم الأوحد Lone Star Republic ثم قامت بشراء منطقة غادسدن من المكسيك 1853. وبذا اكتملت حدود الدولة إلى ما مساحته /3022387/ ميلاً مربعاً بعد أن كانت لا تزيد عن 868 ميلاً مربعاً. وقد توسعت بناءً على هذه النظرية في المحيط الأطلسي منذ 1898 ـ بالاستيلاء على بورتوريكو ثم على غواتيمالا ـ بطريقة التأجير ت حتى قناة بنما وجزير ة فيرجين التي اشترتها من الدانماركيين 1917.
والتقت نظرية ماهان بأفكار الرئيس مونرو حول الطابع الدفاعي والموجه ضد أي تدخل من قبل الدولتين الأوربيتين بريطانيا وفرنسا في أميركا الوسطى والكاريبي. وكان هذا التوجه بداية للتوسع الإقليمي "النابذ" في تعريف ماهان ـ وبداية الدائرة الأولى في التوسع.. أما الدائرة الثانية فهي إخضاع دول أميركا اللاتينية بدءاً من جزر الهاواي وهندوراس وقناة بنما.
وقد رأت واشنطن فيما بعد أن ما أوصى به ماهان قد حان تحقيقه فاتجهت إلى الاستيلاء على القواعد العسكرية في مختلف البحار.. ذلك لأن بلاداً شاسعة مترامية الأطراف لابد وأن تتعرض لهجوم من البحر إذا ما نشبت الحرب على جبهتين مختلفتين ـ كما أوضح ماهان ـ وهنا تبدأ الدائرة الثالثة بالاستيلاء على مفاتيح الدفاع عن القسم الشرقي للمحيط الهادي، حيث أجبرت إسبانيا على التنازل لها عن جزر الفيليبين وغوام وساموا والقاعدة البحرية باغو باغو. ومع نشوب ثورة البوكسرز في الصين، وجدت الولايات المتحدة الفرصة لإنزال قواتها في بكين وتينتسن واستولت على جزر أخرى في المحيط الهادي /هاولاند، بيكر، جونستونز، بالميرا، تارفيس كينغ مان، ريف، وسوينز/ الخ. وفي النصف الثاني من القرن الماضي تمكنت الولايات المتحدة من الحصول على ما لم يكن الرئيس ويلسون قد حصل عليه وهو تبعية القارة الهرمة (أوربا) للولايات المتحدة اقتصادياً وعسكرياً وثقافياً، وتململها في الشرق الأدنى والأوسط الأقصى على حد سواء.. إلا أن الأهم من هذا وذاك هو تلك الفِكَرْ الخفية التي تكمن وراء زحف واشنطن وراء الطاقة ومنابع النفط، إن في الشرق العربي أو في الدول المستقلة أو في شرق آسيا.. وللإجابة عن هذا السؤال لا بد من العودة إلى التاريخ..