الإعلام المعاصر وأشكال الهيمنة
* لمحة تاريخية:
الإعلام ظاهرة اجتماعية دخلت إلى المجتمعات البشرية منذ بدائية العصور الإنسانية حتى اليوم وبذا فإنه يشكل عصب الحياة المعاصرة ووجهاً من وجوه الحضارة، كما يعبر عن السياسة والاتجاهات الفكرية والظروف الاجتماعية والنظم الاقتصادية ويؤثر فيها كما يتأثر بها ومما لا شك فيه أن التطورات الإيديولوجية والقيم والمبادئ المنبثقة عنها تمثل لحمة الإعلام وسداه.
كان الإعلام في دولة أثينا يقوم على الأسطورة لتأدية أغراض سياسية بوساطة الخطابة والمسرح فتؤدي هذه الوسائط مجتمعة دور وزارة الإعلام.. فيما كانت سوق عكاظ والمربد في الجزيرة والرافدين تمثلان وزارة الإعلام في تأديتهما لأغراض ثقافية، أدبية وسياسية/ كان زهير بن أبي سلمى ـ على سبيل الظرافة ـ يضع كفه على رأس سيفه عندما يبدأ بإلقاء حوليته دون أن يتأثر بالألم أو بالدم النازف من يده جراء انفعاله بما يلقيه.. فكم هذه الصورة مؤثرة؟!/ إلى أن جاءت المطبعة وهنا دخل الإعلام في مجال العلم ولاسيما علم النفس بعد قيام الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر فتطورت وسائل الاتصال السلكية واللاسلكية ثم المذياع والتلفزيون والسيارة والطيارة والقطار، وظهور آلة الروتاتيف في طباعة الصحف، وميلاد صحافة البنس أو الصحافة الصفراء أو الصحافة الشعبية بدءاً من 1880، والدخول القوي للإعلان كممول أساسي للصحف، وانتشار التعليم وانتقاله إلى تعليم شعبي وإلزامي، وبروز "المجتمع الجماهيري" كل هذا التطور المتسارع والنوعي في الإعلام حوله إلى ما أسمي بالإعلام الجماهيري The Mass Media. وتعززت هذه الصفة بعد ظهور الإذاعة في العشرينيات والتلفزيون في الخمسينيات.
وفي الحرب العالمية الثانية أنشئت وزارات الإعلام في الدول التي كانت تحتاج إلى التأثير على العدو من الناحية الحربية ـ والجهوزية القتالية ـ والسياسية والاقتصادية واقتصرت. مناهج هذه الوزارات وبرامجها الإعلامية على الدعاية العسكرية وهذا ما عرف بالحرب النفسية، وهدفها الترويج للقضية المعنية مباشرة أو مداورة فكانت تبث مادتها مباشرة أو عن طريق إعلان تجاري لسلعة أو وباء ليس من أجل لفت الانتباه فقط بل لخلق الاعتقاد بما يبثه لدى الطرف الآخر المعادي.. وهذا ما عبر عنه غوبلز (وزير إعلام هتلر) بالقول: إن الجماهير تصدق الكذبة الكبيرة أكثر من الصغيرة أما الكذبة الخطيرة فتكتم ويسّر بها إلى المقربين (مع تنبيههم ولفت أنظارهم إلى أن الخبر سري ويجب كتمانه) وهذا هو المقصود في نصائح غوبلز التي بلغت العشر
* وبعد انتهاء الحرب الكونية الثانية قامت حرب من نوع جديد بين الحلفاء وهي حرب دعائية تقوم على الكذبة الصغيرة والمتوسطة والكبيرة معاً، لا على المدافع والقنابل والصواريخ العابرة للقارات ـ وهي فترة الحرب الباردة ـ الدعائية النفسية المركزة والتي أودت بالاتحاد السوفييتي بعد توريطه بغزو الفضاء وكان اقتصاده لا يحتمل تلك النفقات الهائلة، فرضخ لثقل المهمة ودفع ما دفعه من ثمن باهظ.. أما دافع هذه الحرب فهو تعدد أنظمة الحكم في العالم والعقائد الاجتماعية والأحزاب.. ولهذا ارتكزت في صراعها على وسائل الإعلام لا على آلة الحرب الفاتكة واهتمت بالرأي العام العالمي ووسائل الاتصال الجماهيرية..
* ومع تقدم التقنية والتقنية والتطور الإعلامي المعاصرين قامت الدول والشركات بإنشاء محطات إذاعية وقنوات تلفزيونية متخصصة أخذت توجه موادها إلى جمهور أفقي، وجمهور عمودي موجود بفعل دافع الاهتمام، الهواية، المهنة، التخصص. وهكذا أنشئت قنوات تلفزيونية تراثية موجهة، وأخرى رياضية (اعتمدت في البدء على برامج الملاكمة)، وأخرى فكرية وأدبية انتهجت نمط ما يسمى بالحداثة أي قطع الصلة مع الماضي والتمتع باللحظة وعدم التفكير بالمستقبل..
إلا أن التزايد الكبير في عدد القنوات، خلخل مكانة القنوات الإعلامية السابقة، في العالم عموماً ومن ضمنها منطقتنا العربية. وتجلى ذلك في تناقص عدد جمهور هذه القنوات ومتتبعيها، بعد أن أعيد ترتيب هذا الجمهور والبرامج الإذاعية والتلفزيونية وخطابها من جمهور الأمة الواحدة أو كشعب موحد، ذي أهداف ومثل وقيم وتجارب اجتماعية وعاطفية، إلى برامج من نوع خاص، همها نسف هذه القيم من جهة، وتقويض سلطة وصلاحية "الدولة الوطنية" من جهة أخرى، وأصبحت تخاطبه كفئات اجتماعية مشتتة مفككة وبلا رابط وطني أو قومي أو أخلاقي وبلا هوية.. ومعظمها تسلوي وليس معرفياً بالطبع.. .. وأوضح خبراء الكيتش الأميركيون: "بأن وسائل الاتصال أصبحت بديلاً للوحي والإلهام نظراً للتوسع العلمي والتقني الذي أدخل هذا الإعلام في وضع جديد وعقل جديد وأداء جديد أيضاً.."( ) ومن هنا كانت دعوة صموئيل هانتنغتون بأن الثقافة القادمة هي جديدة ويجب على الثقافات العقائدية أن تترك مكانها وتتنحى لأنها ثقافات بائدة وتدخل روح العصر أو العولمة. ويلاحظ أنه في ظل هذه التغيرات والسيطرة والاحتكارات الإعلامية بدأت مكانة وسائل الاتصال الفردية في التزايد، بشكل متفاوت من مجتمع إلى آخر، وسمح الكومبيوتر بالاستهلاك. الفردي للمضامين الثقافية والإعلامية، مثل متابعة برامج التلفزيون عبر شاشة الكمبيوتر وكذلك الأحداث والأخبار وما إلى ذلك.
* وقد نجح الإعلام الغربي في اقتحام وسائط الإعلام العربية من أبوابها العريضة دون أي إذن أو جواز مرور.. فقامت قنوات على نمط ونهج الإعلام الغربي اعتمدت الحوار المفتوح والتحليل المختلف والخبر النوعي والسريع، كما الحال في قناة الجزيرة أو LBC والعربية مؤخراً. التي سلكت جميعها نفس السلوك مع زيادة في برامج الجنس ونصف التعري. ويعتقد البعض أن التغيرات التي طرأت على البرمجة التلفزيونية في القنوات العربية يتعلق بإيقاع الحياة الاجتماعية المحلية وليس بالتأثيرات الكونية وهذا مناف لواقع الإعلام العربي الراهن بطبيعة الحال.. فمعظم القنوات والمطبوعات المحلية أو المهاجرة تتبع للممول الذي ربما كان محلياً ولكنه إقليمي أو دولي بالتأكيد.. وإن المنافسة بين القنوات التلفزيونية على الصعيد الدولي لها دورها الفاعل في مجال البرمجة التلفزيونية على صعيد القنوات المحلية، ولهذا فإن موقع الجمهور قد تغير في المعادلة الإعلامية التقنية الحديثة ـ العولمية ـ، إذ لم يشرك الجمهور فيها من قبل ولم يصبح طرفاً مشاركاً فيها الآن.. وبالتالي لم يعد يطلق على الجمهور تسمية القارئ أو المشاهد أو المستمع، بل أصبح يسمى "المستخدم" User نتيجة المنهجيات التي فرضتها التكنولوجيات الحديثة ولم يعد الإعلام جماهيرياً بمعنى الشعبي بل عولمياً أي متغرباً. ويمكن عقد مقارنة بسيطة بين التقنيات والقنوات التقليدية والراهنة في هذا المقام فنقول أن هيئة الإذاعة البريطانية BBC، وصوت أميركا. AV و RAI الإيطالية ـ وغيرها من القنوات الغربية الموجهة كانت النموذج الإذاعي والتلفزيوني الأمثل للمحطات الإعلامية في عقد الخمسينيات والستينيات. فيما أصبح النموذج الناجح في التسعينيات هو سي آن آن CNN وmtv وmbc و"قناة الجزيرة" وآرتي، وأوربيت.. الخ.. بالطبع إن هذه القنوات كلها متخصصة في الحوارات المفتوحة والبرامج الوثائقية الكاشفة والخبر الطازج والتحليل الإخباري السياسي الجريء، وقلما تلجأ إلى البرامج الفكرية والأدبية إلا ما ندر.. ويشفع لها في ذلك انتشار مراسيلها في شتى أنحاء المعمورة وفي مكان الحدث على الفور.. وكأنها هي صانعته أو العالمة به قبل وقوعه.. وكذلك خبراؤها ومحللوها المتخصصون (المتفرغون وتدفع لهم مبالغ عالية) وصارت هذه القنوات نموذجاً يحتذى به في الدول العربية قاطبة.. وقد تحولت هذه القنوات إلى مقصد يؤمه المعارض والمخالف والمختلف ليبث آراءه منها، ومرجعاً للقنوات التجارية، ونموذجاً للقنوات الناجحة أيضاً وهذا ليس اعترافاً منا، بل حقيقة، وإن سألتم عن السبب فنقول: هو في تقصير القنوات الأخرى واعتمادها الساذج على البرامج الممجوجة المكرورة أو المنقولة أو المستعارة من القنوات الأخرى وعلى المرسل/ المعد والمذيع/ غير المنتقى بدقة بل بتأثيرات ما ولفظه اللغوي الركيك أو المشوه ـ وكأن اللام لديهم قمرية فقط ولا يعرفون اللام الشمسية كما أن قلة قليلة من المذيعين والمذيعات في التلفزة العربية قاطبة دون أي استثناء هم من خريجي كليات اللغة العربية وآدابها على كثرة الخريجين/ وأداؤهم غير المناسب للمكان ولا للزمان، وغياب عنصر المثير الإعلامي بتشتيت وحدة الموضوع والتكرار والانتظام، كأن ينقلني المخرج من نقطة إلى أخرى دون تمهيد ومن فكرة إلى نقيضها دون تدقيق وخاصة في الموضوعات الفكرية ـ السياسية أو الأدبية.. والكاريكاتير في الصحيفة التابعة إذا اقترن بفكرة هامة وصورة ساخرة.. والتقيد بعناصر الإثارة: من إثارة الانتباه إلى الاهتمام ثم الانطباع ثم الامتناع وأخيراً النزوع الخ.. وتستحسن الإشارة ههنا إلى أن الإنسان تحكمه قوانين أساسية بدءاً من الذاكرة وهي على مراحل: الحفظ والاحتفاظ والاستعادة.. خاصة وإن في الإنسان مناطق لم تكتشف بعد وتشبه الصحراء وفيها مرتكزات حساسة.. كما إن في الجهاز العصبي مناطق للاختيار، تختار الخلايا ما يعجبها وترفض أخرى.. لماذا؟ لأن الأمر هو محض عملية عصبية تنقل معلومة إلى المخ فيقوم بتصنيفها وتوزيعها على المراكز ذات العلاقة وهي: الرمز، والربط، والتواصل أو الترابط.. أي نقل العلاقة بين الأشياء من المركز الأول إلى الثاني أما المركز الثالث فينقل العموميات، وكلما كانت هذه المعلومات قريبة من القيم فإنها تؤثر في الإنسان وتدخل الروح والقلب. وهكذا يتواصل الأفراد والجماعات فتتكون شبكة من العلاقات الاجتماعية عن طريق الإعلام كونه حاملاً لمواد التواصل. وكذلك تكوين الاتجاهات.. وهنا نسوق مثالاً من التجربة الأمريكية أثناء الحرب على الصين وكوريا.. فقد ذكر أدوارد سليب Edward Slep ـ مختص بعلم النفس الجماهيري ـ أنه قابل أسرى أميركيين من هذه الحرب، فسأل أحدهم عن رتبته فأجاب بأنه ملازم فنزع رتبته وتساوى مع بقية الأسرى من الرتب الأدنى مما جعله يتحول عن الانضباط العسكري ـ ثم أتت مرحلة التعذيب ـ وهنا تبدأ مرحلة الحنين إلى الوطن، فيأخذه إلى زنزانة لا يسمع فيها حتى دقات قلبه ويقدم لـه الطعام خلسة دون أن يدري أو يرى لمدة أسبوعين وبعد العزل والتلقين يقرأ عليه تعاليم العم ماو أسبوعاً.. وبعدها طلب منا أن ننقد أنفسنا فقمنا بذلك وهنا تمت عملية مسح الدماغ المطلوبة.. أي التحدث عن عيوبه وحسناته علناً وعندما عاد إلى أميركا سأل نفسه هل سيجد هنا حزباً شيوعياً أميركياً يحتمي به؟ فلم يجد لأنه ممنوع. إذن إن الإعلام ليس فقط بث صوت وصورة وموسيقى أو هز جسد وعض شفاه بل هي إقناع وإمتاع، وتسلية وتثقيف وتأثر وتأثير تقوم على أسس علمية.. وقد قطع الآخرون أشواطاً في هذا المضمار ونحن ما زلنا نستعير ونكرر أو نردد في عصر لا ينتظرنا فيه أحد.
* إضافة إلى كل ذلك فإن هذا التطور لا يمكن أن يفهم بعيداً عن إشكالية وسائل الاتصال المرئية والمسموعة والمقروءة الوطنية، وطبيعتها ووظيفتها في ظل السيطرة العولمية بامتداداتها المختلفة في المجال الثقافي والإعلامي والاقتصادي.. ولا تتجلى صورة هذا التطور إذا استبعدنا عملية إعادة النظر في هذه الوسائط على ضوء هيكلة الاقتصاد الدولي وعملية اندماج الشركات المنتجة للإعلام، والثقافة، والترفيه، والتسلية، مع قطاعات تجارية ومالية واقتصادية.
1 ـ لقد ألغت تكنولوجيا أقمار الاتصال عنصري الزمان والمكان، فلم يعد البعد المكاني حائلاً دون التواصل بين مجتمعات أو أفراد تبعد بينهم الشقة باتساع الكرة الأرضية كلها، فالحدث الذي يقع في العراق أو في كوريا وصربيا مثلاً، يتردد صداه في أي مكان آخر من العالم... وكما ألغت التكنولوجيا الحديثة عنصر المكان، ألغت أيضاً عنصر الزمان فالأحداث بمختلف أشكالها تنتقل ساعة وقوعها، أو بعد ذلك بقليل من مكان وقوعها إلى أي مكان آخر يمكن الوصول إليه ويهتم بمتابعة هذه الأحداث. وما ينطبق على الأحداث يمكن أن ينطبق على المعلومات والمعارف، فقد أصبح العالم كله شريكاً في شتى مجالات المعرفة، وأصبح من الممكن التلاقي بين الأفراد والمجتمعات عبر الهاتف أو الفاكس أو القنوات الفضائية الأخرى..
2 ـ واستفادت الصحف بشكل آخر من التكنولوجيا الاتصالية الحديثة، فأصبح في الإمكان ظهور الصحيفة في أكثر من مدينة في نفس الوقت، إذ تتولى الأقمار الصناعية نقل صورة الصفحات بين مراكز الطباعة المختلفة في وقت واحد/ فجريدة "الشرق الأوسط" مثلاً تطبع في نفس الوقت في كل من لندن وجدة والدار البيضاء. وتظهر في كل هذه المناطق في وقت واحد، وكذلك الحال بالنسبة لجريدة الأهرام الدولية التي تطبع في وقت واحد في كل من القاهرة ولندن ونيويورك وصحف عربية ودولية أخرى كثيرة/ وذلك بفضل التقدم الهائل في التكنولوجيا المتطورة. وتعددت أقمار الاتصال وزادت إمكانياتها وقدرتها على حمل المزيد من القنوات التي يمكن تخصيصها للتلفزيون أو الإذاعة أو لنقل البيانات والمعلومات، وبدأ استخدام ما يسمى بالنظام الرقمي والإشارة المضغوطة التي ضاعفت من عدد قنوات الاتصال الفضائية عدة مرات، على القمر الواحد دون زيادة في التكلفة. فالقناة القمرية التي استأجرتها مصر على القمر الأوروبي على سبيل المثال، أصبحت تحمل قناتين تليفزيونيتين (القناة الفضائية المصرية، وقناة النيل الدولية، بالإضافة إلى ثلاثة برامج إذاعية) ومن المتوقع أن تزيد هذه الإمكانيات فتصل إلى ثمانية أضعاف الإمكانات القائمة في الوقت الحاضر وذلك بسبب التقدم في التكنولوجيا/ ففي عامين اثنين 92 ـ 1993 ارتفع عدد القنوات الفضائية العربية على سبيل المثال حتى وصل إلى أكثر من أربع عشرة قناة ومن عام 1993 حتى 1998 ارتفع عدد القنوات إلى 40 قناة ومن المتوقع زيادتها في السنوات القادمة أضعاف ذلك، وهذه الإمكانيات كلها شجعت الدول في القنوات الغيورة على قضايا الأمة على استخدام القنوات التليفزيونية الفضائية في بث ثقافتنا على العالم، والدخول في عصر المنافسة للحصول على ثقة المشاهد، مما أدت المنافسة إلى الاتجاه لتخصص القنوات من حيث المادة والجمهور المستهدف من أجل تفتيته إلى شرائح متباينة، فبدلاً من تقديم قنوات تليفزيونية شاملة تتضمن الإعلام والتوثيق والترفيه، بدأت بعض القنوات تتخصص في الأخبار أو الرياضة أو برامج الأطفال أو الأفلام الروائية أو غيرها، واكتفت كل قناة بجمهور محدود وفقاً لاهتماماته، بعد أن كان التطلع دائماً نحو أوسع قاعدة ممكنة من الجمهور بل من المعلن بالحقيقة.
3 ـ وهناك أيضاً أقمار التوزيع التي توصل الإشارة إلى محطات أرضية صغيرة تتولى توزيعها في الأماكن المحيطة عن طريق الميكروويف أو أنواع الترددات المختلفة. وهناك شبكات التوزيع الأرضية أو شبكات الكوابل التي توزع الإشارة على المشاركين في الخدمة التليفزيونية، وتستخدم هذه الشبكات تكنولوجيا "الألياف الضوئية" القادرة على حمل أكثر من مائة قناة تليفزيونية بكفاءة عالية من حيث الجودة ونقاء الصوت والصورة، أو تستخدم الترددات الكهرومغناطيسية وتسمى في هذه الحالة بتسمية متناقضة هي "شبكات الكوابل بلا كوابل"!!. ومن المؤكد أن استقبال البرامج والمواد التي تبث من هذه المحطات سوف يلعب دوراً خطيراً في التأثير على العادات والتقاليد والثقافة واللغة العربية بل يمكن أن تبتسرها في بعض المجتمعات أو تمحوها والأمثلة على ذلك كثيرة ومتنوعة.
يستنتج مما سبق أن النجاح الإذاعي أو التلفزيوني في عصر العولمة لا يقاس بالقيمة المضافة في المجال الثقافي والمعرفي وبالمنفعة الاجتماعية، بل يقاس بالعائد التجاري. وهذه حقيقة أجبرت القنوات الإعلامية العربية الحكومية على خوض رهان وجودها، إذ إن عليها منافسة القنوات الخاصة الممولة من شركات لم يكن يعرف مصدر تمويلها الحقيقي ولا الجهة السياسية الخارجية التي تتبع لها حتى وقت قريب.. وصار البحث عن مصادر التمويل في قطاع الإعلان هو الهم الأكبر لهذه القنوات عامها وخاصها. وبذا نلاحظ أن برامج القنوات العامة أصبحت تشابه برامج القنوات الخاصة مما دفع المتلقين إلى التساؤل عن الفارق بين هذه أو رأينا فيما سبق كيف اقتحمت الثقافة السوداء الثقافات القومية وكثفت عمليات المركزة ونشاطها لنسف الوقائع الحضارية والروحية ـ الأخلاقية والعقلية عن طريق الإعلام ووسائطه التقنية المتقدمة من علم وتقانة، وفي مقدمتها المنجزات التاريخية لهذه الشعوب كما مر معنا آنفاً، والتي هي نتاج التأمل والإدراك والمعارف والوعي والمثل أو القيم، بغية تمهيد السبيل لسيطرة الأخطر وهي ترويض العقل البشري.. وحدث هذا كله بواسطة وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية المتكاثرة عبر العالم.. ويتسم الإعلام المعاصر بسمات ثلاث هي: أنه مختصر جداً، ومكثف جداً، وسريع جداً.. حتى يبدو وكأنه شبيه بـ "السندويشة" السريعة التي تحرض على الأكل أو تثير الشهية من دون أن تشبع.. والإعلام المعاصر يقدم المادة التي لا تحتاج إلى إشغال الفكر ولا تستدعي التأمل والنقد أو التحليل. لسبب أساسي هو أنه سطحي ولا يثير غير الرغبة في التسلية والترويح عن النفس والتحفيز الجنسي عبر مشاهد التعري الفاضحة والإعلان التجاري، حيث يستخدم جسد المرأة والمواطن المثيرة فيه كمعبر للدعاية لسلعة أو حدث احتفالي وما إلى ذلك.. وهذا الإعلام هو شديد الخطورة على الروح والعقل معاً، ذلك لأنه لا يدخل في حوار مع المتلقين، وهو يتجنب النقد أصلاً ليس كما يظن البعض بأن الجدل والنقاش أو النقد يقصي هذا الإعلام عن برجه العالي ويكشف عوراته التبريرية ويقوده إلى الاعتراف بالآخر وافتقاره للصدقية، كلا بل لأن طبيعة تكوين هذا الإعلام الغائي إنما تقوم أساساً على قاعدة مطلقة وهي: الكذب وتربية روح الانقياد وتصديق كل شيء بالاعتماد على التقنية الهائلة التي تهدف إلى عدم نفاذ الرؤية الصحيحة عن حاضر البشرية ومستقبلها والتعتيم على الحقائق وإلهاء الناس عن الغوص في القضايا الحساسة والجادة التي تمس وجودهم وبقاءهم ومصائرهم وكبريات القضايا التي تخصهم.. ولأجل ذلك يدأب هذا الإعلام على طرح مسائل جانبية وعائمة لحرف المتلقين عن دورهم الحقيقي، بعيداً عن وعيهم ورقابتهم.. وقد عود هذا الإعلام متلقيه على التزمت الديني أو السياسي والإثني والطائفي وكذلك النشاط الرياضي بأشكاله أي ترويض الروح والعقل والبدن معاً.. كأن تقام المباريات الدولية أو مباريات كأس العالم إما في فترة الامتحانات الدراسية أو في الحرب (كما حدث في عام 1982 أثناء الاجتياح الإسرائيلي الغاشم للبنان) ولهذا قامت دول عديدة بنقل فترات الامتحانات إلى غير موعد المباريات الدولية وهذا ما يؤكد نجاح هذا الإعلام في التأثير على الناس وعلى السياسات التعليمية المحلية دون منازع.. وهذا يعني نجاحها في تعميم روح الانقياد والامتثال لسياستها وأهدافها التي سعت إليها منذ أربعينيات القرن الماضي حتى الآن، وكونت، في نفس الوقت، مخرجاً للإعلام العربي من حالة الاستعصاءات الحرجة والاستحقاقات التاريخية في الفترة الضاغطة والمأساوية التي ما انفكت تستبد بأمتنا العربية منذ نصف قرن من الزمن. وقد أوجدت هذه الأوساط أقنية رديفة تحك على "جرب" المصابين بداء التبعية والانقياد للإعلام الأسود والسياسة والثقافة السوداء، لتنكأ جراح الناس بين الفينة والأخرى وفي الأوقات المريرة عبر برامج حوارية مفتوحة يفتقر إليها الإعلام المغلق، وتقوم هذه الفضائيات على تقديم المادة أو الرأي المعاكس أو أكثر من رأي ـ كما هو حاصل في قناة الجزيرة ثم في العربية التي تأخذ جانب الحياد في معظم الأحيان وقد اختارتا معدي برامج ومذيعين متخصصين ـ أي دون واسطة كما الحال في كثير من المحطات العربية ـ ولعل من ضمن منهجها إثارة الفتن واليأس في الساحة العربية تحت شعار الرأي والرأي الآخر أو ديموقراطية التعبير والفكر الحر، وليس من أجل أن تكون هذه القنوات منابر حرة حقيقة، وأوضح مثال على ذلك قناة الحرة التي أنشئت بعد إسقاط بغداد واحتلال العراق من قبل الإدارة الأميركية وقد حشدت لها طاقات تمويلية وفنية كبيرة لتسهم مع غيرها من المحطات التلفزيونية في توجيه الثقافة العولمية ونسف الهوية وبالتالي الإفادة من تجارة الإعلام ـ سواء في الإعلان أم في المساهمات التجارية الخدمية والترويج لها على غرار المصائف المشبوهة، الجنسية والمقامر وما إلى ذلك.. وإذا علمنا أن ساعات البث الموجهة إلى الوطن العربي تتجاوز 75% من فترات البث عامة، فإن قنوات البث العربية المرتبطة ـ منهجاً وأداءً ـ بهذه القنوات وسياستها تبث على مدار الساعة برامج تشد المتلقي أكثر من برامج القنوات المحلية التي ما انفكت تمجد وتقدس سيدها وإنجازاته التاريخية وتشكل هذه البرامج 70% من مجموع ساعات البث كما الحال في الأردن وموريتانيا والمغرب مثلاً.. وتتناوب هذه القنوات جميعها، العربية والأميركية، المهمة فيما بينها بعد أن جهزت بأجهزة متقدمة ومتطورة جداً.. وهذه إشارة إلى نجاح آخر وهو تقني إذا أدخلت الآلة الحديثة إلى السوق الإعلامية وهذه ذات دلالة كبيرة تعني أن الآلة تحتاج إلى يد وعقل يديرانها والأهم منهما إلى ثقافة وإلمام بها وهذا يتم في دول المنشأ مما يسهل عملية الاستيراد من السوق المنتجة، أي استيراد الآلة والعقل والثقافة التي من شأنها إيجاد عقلية وثقافة منسجمة مع عقلية وثقافة الصانع وهنا مربط الفرس. وفي النهاية لا نجازف إذا قلنا بأن الإعلام الأميركي ـ الأسود قد حقق نجاحات كبيرة في ساحتنا العربية في الوقت الذي لم تزل فيه وسائل الإعلام العربية منشغلة بإنجازاتها المقدسة، وهذا ما جعل المتلقي العربي يهرب إلى ذلك الإعلام، وهذا ما سهل أيضاً على القيمين على هذا الإعلام الدخول من هذه الثغرة لتمرير أهدافها وسياستها الخبيثة لربط المتلقي العربي (المثقف الواعي والساذج معاً) ببرامجها ووسائلها المدروسة بدقة، كبديل لبرامج أحادية التوجه القائمة في الساحة الإعلامية العربية عموماً..
1 ـ تصنيع الثقافة والإعلام:
إن "تصنيع الثقافة" مسألة قديمة طرحتها مدرسة فرانكفورت منذ الأربعينيات، وشكلت مدخلاً لنقد "الثقافة الجماهيرية" أو إدانتها. نعتقد أن هذا النقد أو الإدانة كانت تنطلق من الرفض الضمني لفكرة تصنيع الثقافة التي تسلب منها كل تجارب أصلية ومتميزة أكثر من استنادها لرفض نمط الإنتاج الرأسمالي للثقافة. أعتقد أن الجديد في هذه المسألة الذي ندرجه في هذه الفرضية يتمثل فيما يلي:
ـ لم تأت إرادة "تسليع" المواد الثقفية نتيجة للتطور المنطقي لنمط الإنتاج السائد في هذا البلد أو ذاك فقط، بل بدأت تفرضه تلك الإرادة السياسية التي تمارس الضغوط على المنظمات مثل المنظمة العالمية للتجارة وعلى الدول لفرض قوانين السوق على الأفلام السينمائية وبرامج التلفزيون، والصور، والأشرطة السينمائية. لقد استهجنت الكثير من الأوساط هذه الضغوط وسعت وتسعى لمقاومتها، خاصة تلك التي تحمل حنيناً للماضي الذي يربط بين الثقافة والخدمة العمومية، الحنين المشبع بالرؤية الطوباوية التي تجمع بين الثقافة والتحرر أو التي تخشى على مستقبل المواد الثقافية "الوطنية" جراء إخضاعها عنوة لقوانين السوق.
إن "تسليع" الإعلام الذي بدأ نتيجة ميلاد وكالات الأنباء العالمية، وتدويل الصورة التلفزيونية بدءاً من الخمسينيات، قد تعمق بشكل لا نظير له على المستوى القاعدي وفق بعدين أساسيين:
1 ـ الإجماع شبه التام بدور الإعلان في تمويل المؤسسة الإعلامية المعاصرة حتى تلك التابعة للقطاع العام والتي تضطلع بدور الخدمة العمومية. هذا الإجماع لا يخفى التفاوت النسبي في إسهام الإعلان في تمويل مختلف وسائل الإعلام المختلفة (صحيفة، إذاعة، تلفزيون) لكنه يضعف الإرادة السياسية في تقنين الإعلان والحد من تأثيره السلبي في مضمون المادة الإعلامية وفي بنيتها وفي شكل تقديمها. ألم تندثر العديد من وسائل الإعلام في الدول التي تحكمها قوانين الطلب والعرض.
2 ـ لقد سمحت التكنولوجيا الحديثة في محو الحاجز الفاصل بين الإعلان والإعلام، ففي شاشة الكمبيوتر يتعايش النص الإعلاني بجانب النص الإعلامي، ونرى أن المادة الإعلامية لا توجد سوى لمرافقة المادة الإعلانية المتحركة في الشاشة المذكورة، وهذا ما أدى إلى الإجهاز على كل الجهود الثقافية والقانونية التي بذلت للفصل بينهما منذ أزيد من قرن. فمن باب الحرص على احترام حق الجمهور في الإعلان الذي يحمل قدراً من الخيال أو التحايل على الواقع، كان الإلحاح القانوني على إخطار الجمهور بأن هذا إعلان وذاك إعلام. ليس هذا فحسب، فالعديد من الدول فرضت سقفاً معيناً على نشر الإعلانات أو بثها.
2 ـ التداخل ما بين الترفيه والإعلام والثقافة:
أصبح من الصعوبة بمكان الفصل بين المجالات التالية: الإعلام، الترفيه، الثقافة. لقد أصبح التعليم والتثقيف يقدم عبر الشاشة الصغيرة في قالب ترفيهي ولهوي يشجع من هم خارج البرنامج التلفزيوني على الالتحاق بالبرامج من خلال استخدام الهاتف أو شبكة الإنترنيت. كما أن "صفحة الواب" قد وفرت للمستخدم القيام بعدة أشياء في الوقت ذاته، كان القيام بها يتم بشكل منفصل منذ حوالي قرن من الزمن: قراءة آخر الأخبار، الاستماع إلى الموسيقى أو إلى برامج الإذاعة، والبحث في الموسوعة عن مصطلح أو مفهوم، والمشاركة في لعبة اليانصيب. وإذا كان إسهام تكنولوجيا الاتصال الحديثة واضحاً في إزالة الفاصل المنيع بين هذه المجالات الثلاثة في الستينيات والسبعينيات، فإنه لا يمكن إبعاد انعكاسات الاندماج في نشاطات الشركات الصناعية المختلفة في قطاعات غير متجانسة: نشر الصحف، الإنتاج الإعلاني، صناعة برامج تلفزيونية عامة أو تربوية، شركات البث التلفزيوني، صناعة الموسيقى والغناء، صناعة برامج الكمبيوتر ذات الأغراض المختلفة. والأكثر من هذا التداخل بين صناعة الإعلام الآلي والبريد والاتصالات وصناعة المعرفة والثقافة. ويرى البعض أن التداخل المذكور هو من صنع عملية "تسليع" الثقافة والترفيه والإعلام وتحويلها إلى سلعة تلهث وراء "خرافة" الجمهور العريض الذي فقد عرشه في زمن تضافرت فيه الأسباب "لتفتيته"، وتوفرت الشروط لازدهار الاتصال الشخصي أمام "تضعضع" المكانة المهيمنة للاتصال الجماهيري.
3 ـ الانتشار التلفزيوني:
في رصده للتحول الذي يشاهده عالم الاتصال، خاصة المرئي منه، استخلص الباحث الفرنسي دانيل بونيو أننا نعيش مرحلة الاتصال ضد الإعلام( ) سنة 1992 لعل هذه المقولة توحي بضرورة إعادة النظر في مفهومنا للإعلام والاتصال ليس لتحريرهما من كل وهم، كأن نربط بين الاتصال والتفاهم، والإعلام والتحرر، بل للتأكيد على تطور الرؤية للإعلام والاتصال في ظل العولمة. لقد كنا نعتقد أن الإعلام يلازم الاتصال، ولا يوجد إعلام بدون اتصال، وحتى إن مؤرخي وسائل الإعلام يؤكدون على أن القرنين السابقين كانا قرني الإعلام حيث ازدهرت صحف الرأي، ووسائل الإعلام ذات الطابع الإخباري: الإذاعة والتلفزيون وأواخر القرن الماضي، أي في زمن الاتصال.
إن النقل التلفزيوني المباشر لا يسعى لتقديم الإعلام بل يعمل على تغليب الاتصال، فهو يقدم لنا الإحساس وينفخ فينا عاطفة المشاركة واللقاء. لذا نلاحظ غلبة الفرجة في الإعلام المرئي. العديد من المواد الإخبارية التلفزيونية: روبرتاجات تلفزيونية، أفلام وثائقية، جرائد إخبارية، كلها أصبحت قطعة من الاستعراض والتمشهد، أي أن إنتاجها وتقديمها يخضع لمعايير الإنتاج الدرامي.وهذا ما يقلص الهامش بين ما هو واقعي وغير الواقعي أو الخيالي في وسائل الإعلام ـ سنعود إلى هذه النقطة في افتراض آخر ـ هذا إضافة إلى أن الحوارات الإذاعية والتلفزيونية أصبحت أقرب إلى الكلام الاستعراض talk show.
إن غلبة الاتصال في عصر العولمة هي، في حقيقة الأمر، غلبة الشكل وهذا ما يجرنا إلى مراجعة فهمنا للعلاقة بين الشكل والمحتوى. إن القرن الماضي الذي كان قرن الإعلام قد ترك إرثاً كبيراً في مجال "سينما المخرج" و"صحافة الرأي" والمنابر الفكرية في البرامج الإذاعية والتلفزيونية، أما عصر الاتصال فقد أبرز الجانب المبهرج المغري بالمؤثرات الصوتية والمرئية، والحيل البصرية التي أصبحت تشكل قيمة في حد ذاتها. إنها طريقة خطف البصر وتحويله إلى الاهتمام بالشكل على حساب المحتوى في ظل هذا التحول "ترعرعت" ما يطلق عليها الباحث الفرنسي "دانيل بونيو" (إيديولوجية الاتصال) والتي تتمثل في المقولة التالية: المهم هو أن نتصل( ). لا يهم ممضون الاتصال ومحتوى التبادل، المهم هو أن نتبادل فقط. المهم أن نتصل: نتبادل الانطباعات والمشاعر الفعلية أو المفتعلة التي يمكن أن يخلقها الشكل وليس المضمون.
4 ـ سرعة الاتصال أو الضخ الكثيف:
إن المظهر الأساسي لتطور الإعلام والأكثر بروزاً في حياتنا المعاصرة هو السرعة: سرعة تدفق الأخبار والمعلومات وتداولها: عندما اغتيل الرئيس الأمريكي "أبرهام لنكون" في أبريل سنة 1865 استغرق خبر مقتله ستة أشهر حتى عمَّ الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، وعندما اغتيل الرئيس الأمريكي في 1963 وصل خبر مقتله إلى جل الأمريكيين خلال الساعة التي تم فيها، أما عندما تم تنفيذ حكم الإعدام في الرئيس الروماني نيكولا شوشيسكو في ديسمبر 1989 فقد علم الشعب بالخبر في الدقيقة التي حدث فيها بفضل البث التلفزيوني المباشر( ) وعندما تمت محاصرة مجلس الدوما الروسي للإطاحة بالرئيس الروسي السابق "يلتسين" علم مستخدمو الإنترنت بالحدث في الثانية ذاتها! لقد أصبح الإعلام يملك سرعة الإنترنت. إن هذا القول لا يعني بأن شبكة الإنترنت أصبحت أداة خطيرة وفاعلة في مجال نقل الأخبار والأحداث، بل إن وسائل الإعلام المختلفة: الإذاعة والتلفزة، وحتى طبعات الصحافة الإلكترونية أصبحت تمتثل أكثر لمتطلبات السرعة والآنية.
إن سرعة تقديم الأخبار عبر وسائل الإعلام والذي كان وسيلة لنقل الأخبار ولتمكين الجمهور من الاطلاع على التطورات والمستجدات في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي تحول في مطلع الألفية الحالية إلى غاية في حد ذاتها. غاية تكتنز إيديولوجية تقديس السرعة، وتختزل الحدث الصحفي في اللحظة الراهنة وراء اللهث الذي يجافي التاريخ أو يحجمه في تسابق شديد للحاق بالمستقبل، دون التوقف المتبصر عند الحاضر. هكذا تظهر السرعة والآنية كرهينة للتطورات التي تجري في العالم وكأنها إفرازات جديدة وآنية ومفصلة عن الأحداث وغير مرتبطة بماض.
إن النجاح في المجال الإخباري والإعلامي أصبح يقاس في الغالب بالسرعة وبالمقدرة على تجاوز ما هو راهن وليس بمدى ارتباطه بالواقع أو ببنائه الفكري.
لقد عبر الكثير من الباحثين( ) عن خشيتهم من التأثير السلبي لهذه السرعة على دقة الأخبار وموضوعيتها وخوفهم من تأثيرها على الجمهور. بدل الوقوف على ما يجري وتفاعلاته في الساحة العسكرية والسياسية تدافعت العديد من القنوات التلفزيونية التي غطت "أحداث أفغانستان" إلى القفز على الواقع الشحيح بمعلوماته في محاولة استشفاف المستقبل عبر الأسئلة التي توجه إلى المراسلين الصحفيين والخبراء، والتي نذكر منها ما يلي: كيف سيكون رد الفعل؟ وما هي توقعاتكم بخصوص... ؟ كيف ترون الوضع بعد...؟
إن خطر السرعة يكمن في نظرنا في مستويين، وهما:
1 ـ جميع المهنيين والمختصين يدركون جيداً أن الأخبار هي مواد شديدة التلف وأن حياة قيمتها الإخبارية قصيرة جداً. إن إيديولوجية تقديس السرعة يختصر أكثر عمر الأخبار وذلك من خلال فرض المعادلة التالية التي لم تثبت صحتها: سرعة تدفق الأخبار تساوي ارتفاع إيقاع استهلاكها. الإمعان في هذه الفرضية يدفعنا إلى طرح المستوى الثاني من هذه الإشكالية.
2 ـ إن سرعة تدفق الأخبار طرح مشكلاً جديداً على البشرية لخصه الباحث الكندي "بسكال لابونت" فيما يلي: (ظلت التكنولوجية منذ 300 ألف سنة وسيلة لدعم الثقافة وتطويرها(...) لكن منذ منتصف القرن العشرين هناك شيء ما تغير لقد بدأنا ننتج بسرعة أكثر من طاقتنا على الهضم. لم يحدث هذا من قبل أبداً. النتيجة أننا نبلع أكثر فأكثر الإعلام وبسرعة متزايدة).
نعتقد أن الإشكال الذي طرح منذ التسعينيات من القرن الماضي ليس محصوراً في عدم المقدرة على هضم الإعلام الذي يصلنا بل يتعداه إلى عدم القدرة على بلع كل الأخبار المنتجة، أي متابعة إيقاع تدفق الأخبار بالسرعة التي تبعث على "الدوخة"، وهذا رغم محركات البحث عن المواقع في شبكة الإنترنت، ورغم وجود "مغربلات الأخبار والمعطيات في شبكة الإنترنيت. وربما ستتضح خطورة السرعة في نقل الإعلام وتداوله من خلال الفرضية الثامنة. لقد تغير مفهوم الإعلام وطبيعته في عصر العولمة حيث لم يعد مرتبطاً بمخرجات وسائل الاتصال الجماهيري بل أصبح شديد الالتصاق بالمعلومات: المالية، والعلمية، والتكنولوجية، والطبية، والرياضية، والثقافية، والاجتماعية. بمعنى أن الإعلام لم يعد حكراً على المؤسسات الإعلامية الكلاسيكية حيث دخل متعاملون جدد في مجال إنتاج الإعلام، وتخزينه، وتوزيعه، لم تكن لهم علاقة سابقة بوسائل الإعلام الكلاسيكية. لقد أنجر عن هذا التغيير القيمة التبادلية للإعلام تسعى لتطغى على قيمته الاستخدامية في ظل تحول البنية الاقتصادية للمؤسسة المنتجة للإعلام والقائمة على الطلب وليس على العرض. كما أصبح الإعلام والمعلومات مادة لتراكم رأسمالي في عصر العولمة.
إن عدد المنتمين لحقل الإعلام والاتصال في تزايد مستمر حيث تجاوز رجال الصحافة والعلاقات العامة. لقد انضم إليهم جيش من الفنيين والخبراء والمختصين في تجميع المعلومات وفي تخزينها، وحفظها، وبثها، وإعادة إنتاجها. وهذا ما يطرح قضايا أخلاقية وأدبية وقانونية في ممارسة الإعلام والاتصال بدأت تشكل هاجساً أساسياً لدى السلطات العمومية وسط رجال القضاء ولدى الجمعيات المهنية.
5 ـ الحقيقة البيضاء أو الإعلام الحقيقي:
كان الاعتقاد السائد في القرن الماضي يتمثل في أن حرية الصحافة تساوي الحقيقة، وتعزز الحق في الإعلام والاتصال، لكن التحولات التي عاشها عالم الإعلام والاتصال في عصر العولمة تدعونا لمراجعة هذا الاعتقاد. فحرية الإعلام لم تعد بريئة من عمليات التضليل والتعتيم والتحايل على الحقيقة. إن الأمر لا يقتصر على بعض الحالات التي وصفت بأنها تجاوزات أخلاقية ومهنية وسياسية في تغطية بعض الأحداث، مثل أحداث تميشورا برومانيا. لقد أصبح هذا التضليل جزءاً أساسياً مكوناً لبعض المفاهيم والمصطلحات الإعلامية التي تكتسي طابعاً تقنياً على الصعيد النظري وتعطي مشروعية للممارسة الإعلامية التي تقف في الحد الفاصل بين الحقيقة والزيف، وتعطي "للواقع الإعلامي" بعداً أخراً يتمثل في إعادة ترتيب عناصر الحدث بغية إخراجها إعلامياً( ).
إن السمة التي تميز الإعلام في عصر العولمة هي هلامية الحاجز بين الواقع والخيال على الصعيد المفهومي أو الواقعي وذلك من خلال استشراء الصور الافتراضية أو الاعتبارية والمونتاج الرقمي للصور التلفزيونية وتأثيث التواصل البصري بالصور الرقمية التي أقل ما يقال عنها أنها لا تملك نسخة أصلية لها. فهي صورة ونسخة عن الصورة في الوقت ذاته.
إن رفع سقف حرية الإعلام لا يؤدي بالضرورة إلى رفع سقف ممارسة الحق في الإعلام. الكثير من المهتمين بتطورات تكنولوجية الاتصال التي زادت في كمية الأخبار والمعلومات يؤكدون على أن أكبر خطر يداهم ممارسة الإعلام يتمثل في غياب أو تغييب المصدر. هذا الأمر لا يشجع الحق في الإعلام بتاتاً بل يميعه لأنه يسمح بالتأكيد عملياً على الحق في التضليل: فهل يمكن الجزم بأن الجمهور يتمتع فعلاً بحقه في الإعلام في مطلع الألفية الحالية إذا كان لا يعرف مصدر الأخبار، ومنتج المواد الإعلامية أو أنه لا يملك الأدوات التي تسمح له بمعرفة ذلك.
كانت الحجة المستخدمة لإثبات غياب الحرية منذ العشرينيات من القرن الماضي تتمثل في حرمان الجمهور من حرية الاختيار. فلا حرية بدون اختيار الجمهور الواعي في ما يشاهد وما يقرأ وما يستمع إليه. وقد قام الباحث الأمريكي هربرت شيلر بتفكيك ما يسميها بأسطورة "الاختيار"( ). فاتضح بأن الاختيار، بصرف النظر عن تباين وجهات النظر حوله، لا قيمة له إذا لم تعرف من يقول الحقيقة بعد أن أصبحت القوانين عتيقة أو قليلة الجدوى. كما أصبح بإمكان أي شخص أن يبث برامج إذاعية عبر شبكة الإنترنيت أو يؤسس داراً لنشر الكتب الإلكترونية والأغنية عبر الشبكة وغيرها.
هـ ـ ثلاثية الاستراتيجية الإعلامية الأمريكية:
كتب برنار لويس الكاتب الأمريكي أحد عناصر الآلة الإعلامية الأميركية أثناء الحرب الاحتلالية على العراق بأنه كلما تقدم المحتل العسكري في التوسع والتدمير يجد مؤيدين لـه ولكن هؤلاء ليسوا أحراراً في تأييدهم أيضاً لأن كل شيء سيكون خاضعاً لحذاء العسكري المحتل ومرتبطاً بأوامره.. وأنه كلما قصر عمر الاحتلال فإن الأمم تسلم من صناعة الكذب والارتزاق منه وقلب الحق إلى باطل والخير والأخلاق النبيلة إلى رذائل وفساد وانحلال.
ودرجت في الإعلام الأمريكي والإعلام التابع له، فكرة الهزيمة النفسية التي يستطيع هذا الإعلام أن يلحقها بالمتلقي وذلك بتكرار الأكاذيب حتى تترسخ في الأذهان ويمتثل لها.. وقد أصبحت هذه الفكرة منذ انتهاء الحرب الكونية الثانية وبدء الحرب الباردة باب رزق لعديد من الشركات الأمريكية والاحتكارات الإعلامية العالمية أو أصحاب المؤسسات العريقة مثل BBC وCNN أو وتجعلون رزقكم أنكم تكذّبون.
ومن التعابير البراقة الخادعة التي يستخدمها الإعلام الأمريكي هي تسمية الإدارة المحلية أو الحكم المحلي في البدلان التي تقع تحت سيطرة العسكري الأمريكي على غرار الإدارة المحلية في العراق أو في أفغانستان ليست لتعني نظاماً ولا تتسم بأية صفة اعتبارية قانونية للنظام أو السلطة الوطنية لكونها فرضت بالقوة الأمريكية السياسية أو الإعلامية أو الإدارية فهي في القانون الدولي ليس لها الصفة الاعتبارية القانونية لأنها لم تختر من قبل الشعب صاحب الشرعية والسيادة على أرضه وفي دولته ومن حقه وحده فقط أن يزيل هذه السلطة أو ينتخب غيرها وليس الاحتلال. وأن حكومة يفرضها المحتل هي حكومة احتلال، وينطبق عليها ما ينطبق على الاحتلال من كل النواحي والاعتبارات حتى من ناحية المقاومة وشرعيتها وبإمكان المرء العودة إلى ميثاق الأمم المتحدة للتأكد من مخالفة القوات الأمريكية لكل شرائع الميثاق والقانون الدولي والأمم المتحدة.
والناحية الملفتة هنا هي أن عديداً من وكالات الأنباء والتلفزة هي موظفة عند قائد الحملة الأمريكية على العراق وقبله على أفغانستان ألم تكن قناة CNN وغيرها خادمة عند فليكس أثناء الهجوم وقصف بغداد أو بريمر الآن؟. ونحن نعرف تماماً أن إعلاماً كهذا إنما يبغي حجب الحقيقة أولاً عن الشعب الأمريكي وثانياً عن العالم.. خاصة أنه أثبت عجزاً منقطع النظير أمام التلفزيون الصربي قناة بلغراد الفضائية التي هزمت بكل ما تعنيه الكلمة كل الإعلام الغربي المؤيد للمهاجمة الأمريكية ومعه الناتو بنقله الحقائق من وعلى أرض الواقع بالصوت والصورة، فارتكبت القوات الأمريكية إثماً تاريخياً إعلامياً ديمقراطياً وهو أنها حشدت كل إمكاناتها التقنية والصاروخية لضرب شبكات تلفزيون بلغراد الثابتة والمحمولة في حربها على صريبا التي لم تقترف أي ذنب سوى أنها لم تقبل بعودة سيناريو المسألة الشرقية واستخدام مجالاتها للعبور باتجاه الشرق لتنفيذ خطط ماهان وماكيندر الجيوبوليتيكية التي تعني توسيع الحدود الجغرافية بالقوة العسكرية وهو النموذج الأوروبي في نظرية إسقاط الدول والاتحادات وتفكيك الشعوب ومحاصرتها بحيث لم تترك لصربيا سوى أربعة كيلو مترات منفذاً بحرياً في أراضي الجبل الأسود وهذا فقط لضرورات أمنية أمريكية وأوروبية بالدرجة الأولى وليس الضرورات الإنسانية للشعب إن ما هو حقيقي في حياة الشعوب هو صحيح وذو قيم وواضح، لكنه يصبح في وسائط الإعلام الغربي عكسياً تماماً.. ومنسجماً مع مقولة: اكذب، واكذب على كل الناس حتى علي..
* الحقيقة هي أولى ضحايا الحرب على العراق:
احتل الإعلام موقع القلب بالنسبة للدوائر الغربية عموماً والأميركية خصوصاً، وقد نظر إليه على أنه رديف إستراتيجي في ساحة الحرب، ولم يتم الاعتراف بمركزيته فقط في دعم الحروب بل اعتبر جزءاً أساسياً منها ولا يتجزأ من تلك الحروب ولذلك عملت هذه الدوائر على تجنب المقولة المعروفة بأن الحقيقة هي أولى ضحايا الحرب وهذا ما دفع بالإعلام الأميركي إلى محاولة كسر هذه القيود التي تفرض عليه للحيلولة دون الحقيقة، وليس للاستسلام لها..
فقد فاق عدد الصحفيين الذين قتلوا في العراق مثلاً أي حرب أخرى، إلا أن المعلن هنا اثنان أو ثلاثة، وهذا يدل على حجم الكذب الذي كان يراد له أن يمر دون انكشاف، حتى تظل أسطوانة "اكذب علي" هي السائدة.
وفي هذا الصدد يستحسن أن ننقل للقارئ العربي ملخصاً لكتاب صدر في لندن بعنوان: اكذب عليّ ـ البروباغاندا والتشويه الإعلامي في الحرب على العراق ـ تحرير: ديفيد ميلر بالاشتراك مع عدد من الكتاب والصحفيين الذين شاركوا في نقل الأخبار من ساحة الحرب / مع القوات الأميركية 2004/( ).
ويتحدث فيه الكتاب المشاركون عن دور الإعلام الغربي بعامة والأميركي على وجه الخصوصية في الترصد الحربي على العراق وقبلها وخلالها وبعدها. وربما جاز القول إن النقد الراهن لهذا الإعلام والصادر عن مؤسسات ومؤلفين ومختصين غربيين هو من أشد ما تعرض له هذا الإعلام خلال نصف القرن الأخير. ويأتي هذا النقد بعد التطور الهائل في وسائل الإعلام الغربي واختراقها لأسقف عالية وتسنمها موقع السلطة الرابعة في الديمقراطيات الحديثة، حيث هي الراصد والمراقب اليومي عن كثب لأداء السلطات الثلاث الأخرى. لكن هذا كله في وقت السلم، أما في وقت الحزب فإن هذا الإعلام يتردى ـ كما يبدو لمعظم المساهمين في كتاب "اكذب علي" ـ ليصبح مجرد ماكينة من الكذب تعيد إنتاج الخطاب الرسمي وتحتفي به. هذا الكتاب يشكل صفعة قوية لأداء الإعلام الأميركي والبريطاني في الحرب على العراق، وهو وثيقة إدانة حقيقية. ويبدو أنه كلما بدأت المؤسسة الرسمية في الولايات المتحدة وبريطانيا تأمل بإغلاق ملف مبررات الحرب على العراق، تفاجأ بضربة جديدة تعيد فتح الملف من الصفحة الأولى، وهذا الكتاب ليس سوى إحداها.
* الإعلام الأميركي والحقيقية السوداء( ):
تبين مقالات الكاتب البريطاني/ الأسترالي الشهير والجريء جون بلجر التي نشرها قبيل الحرب في صحيفة أوبزيرفر البريطانية وخلالها ـ وقد وقف بلجر ضد الحرب دون هوادة ـ تبين غطرسة إمبريالية أميركية تعكس عجرفة القوة، ولا علاقة لها بأي مسوغ من المسوغات التي سيقت لتبريرها. وهو يلحظ كيف انجرف الإعلام وراء الشهوة الإمبريالية الإمبراطورية، وعمل على جعل ما هو خارج عن نطاق التصور وكأنه أمر عادي...؟!! إنه أمر عادي أن يدمر بلد وتنتهك سيادته، ويحتل دون قرار من مجلس الأمن، ويتم ذلك كله ضد رأي الغالبية الكاسحة من العالم؟ ص12.
في خضم ذلك التمدد الإمبريالي يغدو تصنيع الرأي العام في البلدين وفي العالم وتهيئته للحرب وتسويق مسوغاتها أمراً حيوياً، ولتحقيقه كانت المؤسسة الرسمية قد عمدت إلى ممارسة الكذب الصريح وتشويه الحقائق عن طريق تضخيم صغيرها وإغفال كبيرها، وأحياناً تخليق جديدها من الصفر.
والتساؤل الذي يتوقف عنده بلجر وغيره هو: إلى أي مدى يمكن للرأي العام في الغرب أن يمرر عمليات التسويغ تلك. ويقبل إغلاق ملف الحرب بالسرعة التي يأملها السياسيون؟ وفي الإجابة على هذا السؤال يقول بلجر: "في معمعة عملية الحرب احتل الإعلام موقع المركز، وجعله رديفاً استراتيجياً لا يمكن التعامل معه بخفة. ولم يتم الاعتراف بمركزيته في دعم المجهود الحربي فقط، بل اعتبر جزءاً لا يتجزأ وأساسياً من ذلك المجهود. لذلك فإن محاكمات أداء ذلك الإعلام التي أعقبت قيام الحرب وانتهاء مرحلتها العسكرية المباشرة توازت ولا تزال تتوازى مع المحاكمات التي تقام لإعادة النظر والتشكيك في الحرب نفسها وبناءً على الاعتبارات والذرائع التي شنت بسببها".
لكن الانطباعات العامة التي ترددت في معظم بقاع العالم كانت تحوم حول اتهام مركزي موجه إلى الإعلام الغربي عامة، أو بدقة أكثر إن الإعلام الأميركي والبريطاني ـ والمتلفز منه على وجه التحديد ـ ومفادها أن هذا الإعلام انحاز بتياراته الرئيسية إلى منطق الحرب، ولم يسأل القائمين عليها كما هي أصل مهمته: المساءلة والتشكيك. بل عوض ذلك ضحى بالمهنية والموضوعية وداس على كل المدا