مصادرالتاريخ الحديث :
أولا : الوثائق :
بما أن البحث الذي لا يقوم على المصادر الأصلية ، بحث ضعيف لا يرقى للمستوى العلمي المطلوب . وبما أن العثور على الوثائق الأصلية المتعلقة بموضوع البحث كالعثور على كنز ، فالوثائق التاريخية تعد إذا من أهم المصادر التاريخية Historical Documents .
والوثائق بمثابة الوقود الذي يحتاج إليه المحرك لتأدية وظيفته بالنسبة للكتابة التاريخية ، وهى أيضا لب التاريخ ، والمصدر الأول للكتابة التاريخية ، وبغيابها يصعب على المؤرخ كتابة التاريخ الصحيح لأنه لا يستطيع التعرف على الماضي مباشرة إلا مـن خلال الآثار التي خلفها وراءه [11]. ونظرا لهذه القيمة التي تتمتع بها هذه الوثائق لابد أن نعرف ماذا نقصد بكلمة وثيقة لغويا . ونوضح ولو بإيجاز متى نسمى المادة التي بمتناول أيدينا وثائق .
لقد جاء تعريفها في اللغة على أنها مؤنث الوثيقة وعناه المحكم أو ما يحكم به الأمر ، ويقال أخذ بالوثيقة في أمره أي بالثقة. وأما لتوضيح النقطة الثانية ، فقد عدها البعض بأنها المستندات التي تصدر من جهات رسمية أو من أفراد لهم صفة رسمية ، وتعرف هنا بالوثيقة القانونية. وبعضهم عدها كل ما خلفه الحدث التاريخي من آثار بمعنى أن لكل مكتوب قيمة تاريخية حتى لو لم يكن لمحررها صفة رسمية . وتوسع آخرون في تعريفها فأكدوا على أنها كل آثار السلف حتى ولو كانت من ابن لأبيه أو من صديق لصديقه، أو بيان حساب لأحد التجار أو إيصال دين ، أو قائمة أسعار فكل ذلك قد يكون ذو أهمية في دراسة التاريخ الاقتصادي ، والاجتماعي ، والثقافي [12] ، ومن وجهة نظر الباحث ، أن الكثير من الوثائق الرسمية لا تفي بالغرض المطلوب في تفسير الحدث مما يحتم على الباحث الرجوع إلى كل ما تركه الحدث التاريخي من آثار ، ومن هنا يتفق الباحث مع الرأيين الأخيرين ، ويرى أن كل ما خلفه الحدث التاريخي يدخل في عداد الوثائق .
أنواع الوثائق :
الوثائق غير المنشورة :
هي مجموعة الأوامر والخطابات والتقارير ومحاضر الجلسات والاجتماعات ومضابط المؤتمرات وسجلات وأوراق الدولة والساسة والمسؤولين وتقاريرهم السرية وتصريحاتهم العلنية ، وكذلك ملفات الساسة المودعة بدار الوثائق، ووثائق وزارة الخارجية، ووثائق دور الوثائق الكبرى ، كدار المحفوظات البريطانية ، والتي تحوى فيما تحتويه على آلاف الوثائق المتعلقة بكل المنطقة العربية. وكذلك تضم برقيات ورسائل متبادلة وإحصائيات رسمية ، وهى التي تسجل الأحداث التاريخية وقت وقوعها [13].
لذلك عدت الوثائق مصدر هام ، لأنها لو نشرت لأفادت كثيرا في حل كثير من ألغاز التاريخ وحقائقه والتي لا تزال مبهمة إلى الوقت الحالي ، وكذلك يدخل في عداد الوثائق غير المنشورة الوثائق الموجودة لدى بعض الأسر ، والأفراد ، والذين لا يقنعون بضرورة إيداعها فـي دور الوثائق . وعلى الرغم من أن بعض الأفراد درجوا على إيداع وثائقهم الخاصة كأمانات لدى مراكز الوثائق إلا أنهم بعد فترة قصيرة من الزمن يطالبون باسترجاعها قبل أن يمضى وقت كاف لدراستها أو حتى نسخها .
وكما أن البعض الآخر يضع شروطا قد تمنع وصول الباحث لتلك الوثائق ، أو تحول دون نشرها للصالح العام . وكما أن الوثائق الموجودة عند أصحابها ، والتي تفتقر إلى الحفظ السليم تتعرض للتلف السريع ، والفقد مما يؤدى إلى ضياع كثير من الحقائق التاريخية علينا[14].
وقد لجأت وزارة الثقافة في المملكة المغربية إلى طريقة رائعة للحصول على صور من الوثائق العديدة الموجودة لدى الأفراد والأسر ، فقد تعلن كل عام عن جوائز قيمة ترصد لمن يقدم ما في حوزته من وثائق للوزارة ، وبعد أن تثبت أهميتها من خلال لجنة خاصة تقوم بفحصها تصور وتعاد الوثيقة الأصلية لأصحابها [15].