مصادر التاريخ الحديث والمعاصر
عرف التاريخ على أنه علم يبحث في كل الأحداث ، والوقائع التي قام بها الإنسان منذ أن وجد في الماضي ، وكان هدفه هو معرفة الإنسان بنفسه ، أى أن يعرف طبيعته كـإنسان ، ويـرى "كولنجود" فى كتابه فكرة التاريخ " أن معرفتك بنفسك معناها معرفة ما تستطيع أن تفعل " [1].
إن قيمة التاريخ ترجع إلى أنه يحيطنا علما بأعمال الإنسان بالماضي ، إذن بحقيقة هذا الإنسان ، وقد اختلف الباحثون في أصل لفظ كلمة " تاريخ " فذهب البعض إلى أنه لفظ عربي خالص ، وذهب آخرون إلى أنه لفظ فارسى ، وأن العرب أخذوه عن الفرس، وذهب فريق ثالث إلى أن أصل الكلمة غربى ، وأنها مأخوذة من كلمة " أرخى " اليونانية بمعنى بداية أو حكم ، و" أرخايوس " بمعنى قديم ، ويرون أنها مأخوذة من Historia الرومانية ( البحث عن الأشياء الجديرة بالذكر ) [2]، ويرى آخرون على أنها سامية، ومشتقة من القمر أي ( يرخ ) [3] . ولفظ كلمة " تاريخ " بالعربية يعنى الإعلام بالوقت ، حيث يقال أرخت الكتاب وورخته توريخا " أى حددت وقته "، وكلمة توريخ لفظ عربى أصيل ، وقيل أنها مأخوذة من أصل سريانى معناه " الشهر " [4]، وقد أشار السخاوى لذلك فذكر " أن التاريخ يبحث عن وقائع الزمان من حيث توقيتها ، وموضوعه الإنسان ، والزمان " [5].
تطور الكتابة التاريخية عبر العصور :
مرت الكتابة التاريخية فى أدوار متعددة ، حتى وصلت إلى الصورة التي نراها الآن ، فقد كان أول دور دون به التاريخ ، كان فى صورة قصصية . كما جاء فى الأسفار اليهودية ، حيث ذكرت الأخبار الأولى عن الأحداث التي مرت بها الخليقة منذ نشأتها الأولى (كقصة الخلق ، وقابيل ، وهابيل ، والطوفان ، ...) ، كذلك تناولت سير وأخبار الملوك ، وكذلك لعبت الأساطير ، والحكايات دورا هاما فى حياة الإنسان ، وكانت بداية طبيعية للتاريخ ، إذ يحكى الإنسان لأبنائه أخبار الأجداد ، والسلف ، مما نستنتج من ذلك على اهتمام الإنسان بأخبار أسلافه السابقين مـنذ أقدم العصور .
وبعد اختراع الإنسان للكتابة شهد التاريخ طفرة عظيمة فى مجال تسجيل الأحداث ، والأفكار والمعتقدات ، وقد شهدت هذه الفترة محاولات عديدة لتدوين التاريخ سواء فى مصر وبابل وبلاد الإغريق ، وتميز مؤرخيهم بالبعد إلى حد كبير عن الخرافات والأساطير ومحاولة الوصول إلى تفسير منطقي للأحداث .
وعندما أصبحت المسيحية الديانة الرسمية للإمبراطورية الرومانية تأثر التاريخ بهذا الحدث ، وتحول التاريخ إلى أيدي القساوسة والرهبان ، وصار التاريخ خاضعا للاهوت ومسخرا له [6]. وتغيرت النظرة للتاريخ ، فنظر للأحداث لا على أنها نتيجة تصرف الإنسان وسلوكه لكن على أنها إرادة الله ومشيئته التي تسير الكون .
وفى عصر النهضة الأوربية ، أصبح التاريخ وطنيا قوميا يهتم بإثبات الشخصية الخاصة المتميزة لكل منها . وقد شهد التاريخ في القرن التاسع عشر تقدما ملحوظا ، من حيث بعد التاريخ عن السرد والجنوح إلى روح النقد والتحليل ، ولكن كانت هناك مشكلة وحيدة لا تزال تهز أركانه ، وهو الهدف منه ، والأسس التي يجب أن تقوم عليها الكتابة التاريخية ، أو ما نعبر عنه اليوم بـالمنهج[7].
المصادر الأصلية للتاريخ الحديث والمعاصر :
إن كتابة التاريخ الصحيح لا تبدأ إلا بالنظر إلى المادة الخام الأولية كأحد عناصر البحث العلمي ، وكما تستخدم في الكيمياء، والفيزياء عناصر الفلزات ، والمواد الكيماوية الخاصة بالتجربة العلمية ، تستخدم في الدراسة التاريخية مادة خام أولية وهامة للبحث العلمي ، وهى المصدر التاريخي .
تلك المادة الخام التي توفرت في دراسة التاريخ الحديث أكثر من أي فرع من فروع التاريخ الأخرى ، فالتاريخ الحديث يمتاز بكثرة مصادره وتنوعها بشكل يدعو إلى الحيرة ، فالكتب والدوريات التي تتحدث في هذا الفرع من فروع التاريخ تطبع بالآلاف كل عام ، وتتناول موضوعات تاريخية بمختلف اللغات للمتخصص ، والقارئ العادي ، لذلك يجب على المؤرخ ، أو الباحث الواعي متابعة تلك المؤلفات لمعرفة كل جديد فيها ، وعليه أن يقرأ جيدا كل المؤلفات الـتي تتناول فترة بحثه [8].
الفرق بين المصادر والمراجع :
المصادر والمراجع :
هي المعين العلمي الذي يستمد الباحث منه معلوماته في كتابة بحثه ، وليس هناك فرق بينهما من الناحية اللغوية لأن كليهما بمعنى رجع .
وتنقسم مصادر التاريخ الحديث إلى فرعين رئيسيين :
المصادر الأصلية :
هي التي تنحصر في شهادة شهود العيان التي يسجلها أشخاص كانوا موجودين خلال وقوع الحدث أو مشاركين فيه سلبا أو إيجابا . وتعد المصادر الأصلية للتاريخ الحديث كثيرة جدا ومتنوعة ، ويأتي في مقدمتها الوثائق .
وسوف نتحدث عن هذه المصادر ودورها في الكتابة التاريخية بشكل لاحق
المصادر الثانوية :
هي التي تنقل غالبا عن المصادر الأصلية ، كما أن بعض هذه المصادر يمكن أن نعتبرها أصلية في بعض الدراسات وثانوية في بعضها الآخر [9].
أما المرجع :
فهو المعين العلمي الذي يستمد منه الباحث ، ويعينه على تكوين فكرة عامة عن ما سبقه في كتابة بحثه ، وترشده إلى المراجع والمصادر المتعلقة ببحثه ، وكما أنها تمد الباحث ببيانات عن المراجع ، والمصادر ، وعدد الصفحات ، وأماكن طبعها ، وسنوات الطبع ، بل إن البعض يعطى بيانات توضيحية عن محتويات المراجع والمصادر المذكورة