تعريف :
الحكاية في اللغة : " هي ما يُحْكى ويُقَصّ ، وَقَعَ أو تُخُيِّل( )، وهي : " ما يُقَصّ من حادثةٍ حقيقية أو خيالية كتابةً أو شفاهاً ( ) ، وهي مصدر مشتقّ من الفعل حَكَى يحكِي حِكايةً ، أي قصَّ وروى ، والحكْيُ هو الكلام ، والحكاية هي القصة المرويّة التي يتناقلها عامة الناس فيحكيها الكبيرُ للصغير ، وتتناقلها الأجيال حتى تصبح موروثاً شعبياً متعارفاً عليه .
والحكاية نتاجٌ فكريّ جميل ، أنتجته الشعوب عبر تاريخـها الطويـل ، وأودعت بها أروع قصصها ، وأجمل ما مرّ بها من أحداثٍ وحكايات ، فجاءت لتعكس خلاصة تجاربها ، وتعطي صورة نابضة حيّة عن واقع الأمة عبر مراحل تاريخها الطويل ، تتجلى فيها حكمة الشعب وعصارة تجاربه وتفاعله في المراحل التاريخية التي عاشها ، وتعطي وصفاً لبعض الجوانب من الحياة الإنسانية ، والأحداث التاريخية المختلفة ، وإظهار النواحي الفكرية والعقلية التي شهدتها المنطقة في فترة من الفترات ، فتعيد لذاكرة الأبناء صورة تاريخهم المجيد وتراثهم العريق بما عرفه من نُبلٍ وأصالة ، وتعيد إلى أذهانهم صورة آبائهم وأجدادهم ومواقفهم الحميدة وأعمالهم الخالدة ، التي يعتز بها كل محبّ لأرضه ووطنه وأهله وتاريخه .
ولو لم تكن تلك الحكايات تحتوي على مقومات البقاء لما استطاعت الصمود أمام تحديات العصور ، ووقفت بكل شموخ لتؤدي دورها الاجتماعي والفكري الذي من أجله أنشئت .
والحكاية الشعبية موروث تراثيّ عريق يرثه الخلفُ عن السَّلَف ، وما من جيل إلا ويستمد الكثير من حكاياته من الجيل الذي سبقه ، فيستمر التواصل بين الأجيال ، ليربط بين الماضي والحاضر ، فتمتد جذور التراث عميقة في أعماق التاريخ لتصل عقول الأبناء بتراث الآباء والأجداد فيستمر النسل الفكري والمصاهرة العقلية ، بما يحمل ذلك من نقلٍ للصفات والعادات المتوارثة ، ومن معالم للحياة الفاضلة من كرم ووفاء وإيثار وشجاعة وتضحية .
تنتقل الحكايات عبر تاريخها الطويل من بلدٍ إلى بلد ومن قطر إلى آخر ، فتكتسب من كلّ مكان مزايا جديدة ، وإضافات مختلفة تطبعها بطابع ذلك المكان ، وتصبغها بصبغته ، وتضاف إليها بعض المؤثرات التي تلائم كلّ بلد ، فتصبـح وكأنها فُصِّلـت على تلك المنطقـة ، وكأنها حدثت بها دون غيرها .
فنرى القصة الواحدة بأنماط مختلفة ، وألوان وشخصيات مختلفة أيضاً ، حيث يصبغها كل قطر بصبغته الخاصة ، فتتعرض الحكاية بذلك إلى كثيرٍ من التحريف والتغيير ، إن كان في الزمان أو المكان أو الشخصيات ، غير أنها في مبناها وأهدافها وجوهرها تكون قصة واحدة قد تكون حدثت في عصور بعيدة وأيام غابرة .
ولو نظرنا إلى المجتمع البشري لرأيناه يقسم إلى ثلاث طبقات ، طبقة تعيش في البادية والصحراء ، وأخرى تعيش في القرى والريف ، وثالثة تعيش في الحواضر والمدن ، ولكل منطقة من هذه المناطق ظروفها ومناخها وبيئتها ومزاياها الخاصة بها ، ومن الطبيعي أن تؤثر كل منطقة على سكانها ، ونرى ذلك التأثير بارزاً في حكاياتهم وقصصهم كما سنبينه بعد قليل .