اليوم .. وغداً
وقف مدير المركز الثقافي مشدوهاً، وهو يرى تزاحم الناس على الباب، بعد أن غصّت الصالة بهم. وهذا أمر لم يعهده من قبل. فقد كان يدعو الناس بالبطاقات والهاتف، ويعلق الإعلانات في المناطق المزدحمة من المدينة، ويوزعها على الدوائر والمؤسسات. وبالرغم من هذا كله لا يزيد عدد الحاضرين عن عشرين أو ثلاثين شخصاً.
ومما زاد في عجبه ودهشته، أن الشاعر الذي يلقي قصائده هذا المساء، ليس من الفحول، فهو لم يطبع ديواناً، ولم تنشر له الصحف والمجلات إلا بعض القصائد في زاوية رسائل القرّاء، أو على دروب الإبداع.
نظر إلى ساعته وقال محدّثاً نفسه:
- بقي على موعد الأمسية الشعرية ربع ساعة، والجمهور قد ملأ المكان.. هذه بادرة جيدة وإن كان في الأمر مايثير الشك والقلق.
شدّ على يد الشاعر الذي يقف إلى جانبه، يبتسم ابتسامة ذات معنى. وشعر بالغبطة وقد اعتقد أن جهوده ومساعيه في استقطاب الجمهور قد أثمرت، وقال للشاعر كأنه يتكرّم عليه:
- أنت لا تعرف أي جهد بذلته وأي عناء ليكون لك مثل هذا الجمهور الذي لم يكن لشاعر من قبل.
كتم الشاعر ضحكته، وقال محدثاً نفسه: يعتقد المدير أنه صاحب الفضل.. المسكين، هو الآخر لم يكتشف سر اللعبة.
دخلا إلى القاعة عندما أزفت ساعة الأمسية الشعرية وعندما صعد مدير المركز إلى المنصّة وقدّم الشاعر، تبدلت الوجوه وتلونت بألوان عديدة.. ساد وجوم في الصالة،وسمعت همهمات واستنكارات خافتة، تحولت إلى ضجيج وفوضى.. تسلل بعض الحاضرين بهدوء، أما من بقي منهم فقد منعه الحياء.
نظروا مرة أخرى إلى الإعلان المعلّق عند الباب الخارجي دققوا النظر جيداً، واكتشفوا سر اللعبة.
كانت هناك دعوتان.. إحداهما للأمسية الشعرية، التي أقيمت هذا اليوم، والأخرى لحفل فني يقام غداً. وقد قامت يد خفيّة بانتزاع كلمتي اليوم وغداً من الدعوتين، ووضعت كلاً منهما مكان الآخر.