اشتهر بالميل إلى السلم, ولم يكد يجلس على العرش حتى خرج عليه أخوه جم, ولقي السلطان في محاربته الكثير من العنت إلى أن اضطر إلى الفرار منه إلى مصر.
وكما ذكرنا كان يميل إلى السلم لا يدخل الحروب إلا مدافعًا, وعظم في عهده أمر الأسطول العثماني حتى أصبح خطرًا يهدد الملك الأوربي، فما لبث أن اشتبك مع أسطول البنادقة في موقعه هائلة هي فاتحة الانتصارات البحرية العثمانية, وفي عهده سقطت غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس؛ مما يدل على مدى تفرق المسلمين، وظهرت في عهده أيضًا دولة روسيا التي تمكن أميرها إيفان الثالث من تخليص موسكو من أيدي التتر المسلمين ومحاربتهم وابتلاع بلادهم وإقامة الأفعال الوحشية فيهم، وبعث إلى السلطان بأول سفير روسي عام 897هـ. وفي عصر السلطان بايزيد الثاني اعترفت البغدان بالسيادة العثمانية, وقامت بدفع الجزية سنويًّا.
سيطرة سليم الأول على الحكم:
كان جنود الإنكشارية لا يعجبهم انكماش بايزيد وضعفه, فالتفوا حول أصغر أبنائه سليم الذي وجدوا فيه العقلية العسكرية القوية، وكان يحكم في ذلك الوقت إمارة طرابزون, وابنه سليمان في كافا عاصمة القرم, فسار سليم إلى ابنه في كافا وجمع جيشًا سار به إلى الولايات العثمانية في أوربا، وحاول السلطان بايزيد تهديد ابنه بالقتل, لكنه تراجع وترك له حكم بعض الولايات الأوربية عام 916هـ، فطمع سليم وسار إلى أدرنه وأعلن نفسه سلطانًا، فحاربه أبوه وانتصر عليه، ففر إلى القرم ثم عفا السلطان عنه وأعاده إلى ولايات أوربا, فلم يهدأ سليم إلا بعد أن جمع الإنكشارية وسار بها إلى إستانبول, وأرغم والده على التنازل عن الحكم ثم سرعان ما مات السلطان سليم الأول.
الدولة العثمانية من مجرد دولة إلى مقر للخلافة الإسلامية
الخليفة سليم الأول (918- 926هـ)
الاتجاه إلى توحيد العالم الإسلامي:
خريطة دولة الخلافة العثمانيةبهذه العقلية العسكرية والتسلط غير المحدود الذي يتمتع به السلطان سليم الأول, رأى أن يجعل كل همه في توحيد الأمصار الإسلامية الأخرى, حتى تكون يدًا واحدة ضد التحالف الصليبي الذي لا ينتهي في أوربا ضد المسلمين, وخاصة بعد سقو الأندلس, والتي لم يحاول إنقاذها أي مصر إسلامي قائم في ذلك الوقت.
ومما زاد رغبته في توحيد المسلمين ما تردد وقتها من أن البرتغاليين احتلوا بعض المواقع في جنوب العالم الإسلامي, ليواصلوا طريقهم إلى المدينة المنورة وينبشوا قبر رسول الله ويساوموا المسلمين على القدس الشريف, وفي نفس الوقت يتحرش الصفويون الشيعيون بالعثمانيين من الشرق, ويجبرون السكان السنيين الذين تحت أيديهم على اعتناق المذهب الشيعي, ويزحفون على العالم الإسلامي, بل ويعقدون حلفًا مع البرتغاليين أعداء الإسلام على المسلمين السنة بصفة عامة, وعلى العثمانيين بصفة خاصة.
الهجوم على الدولة الصفوية وموقعة جالديران:
ولم يضيع السلطان سليم الأول الوقت, وأعد العدة لمنازلة الصفويين, وخشي في طريقه أن يعترضه السكان الشيعة الذين هم داخل الدولة العثمانية على الحدود المتاخمة للصفويين, فأمر بقتلهم جميعًا، ثم سار مباشرة في اتجاه عاصمة الصفويين (تبريز) وأراد الجيش الصفوي أن يخدع العثمانيين بالفرار من أمامه حتى يصاب الجيش بالإرهاق فينقضوا عليه، وحدث الصدام بين الجيشين في جالديران شرقي الأناضول عام 920هـ، وانتصر العثمانيون, وبعدها بعشرة أيام دخل السلطان سليم الأول مدينة تبريز واستولى على خزانتها، ثم اقترب فصل الشتاء ففترت عزائم الإنكشارية, فانتظر السلطان حتى انتهى فصل الشتاء ثم سار مرة أخرى في اتجاه الدولة الصفوية, واستولى على بعض القلاع في أذربيجان, ثم عاد إلى إستانبول وجمع ضباط الإنكشارية الذين فترت عزيمتهم وامتنعوا عن مواصلة الزحف عندما حل فصل الشتاء, فقتلهم جميعًا حتى يكونوا عبرة لغيرهم.
الهجوم على المماليك:
ما إن انتهى السلطان سليم الأول من الصفويين حتى أعد العدة للهجوم على المماليك الذين ضعف أمرهم في ذلك الوقت, ولم يحاولوا الوقوف في وجه البرتغاليين, بالإضافة للخلاف الثائر بين المماليك والعثمانيين على إمارة ذي القادر التي تقع على الحدود الفاصلة بينهما.
موقعة مرج دابق 922هـ:
استطاع السلطان سليم الأول جذب ولاة الشام في صفه لقتال المماليك, ووعدهم بالإبقاء عليهم في إماراتهم إذا ما تم له النصر، ثم سار بجيشه لملاقاة المماليك الذين بدورهم أعدوا أنفسهم لملاقاة العثمانيين، والتقى الجمعان في موقعة مرج دابق عام 922هـ، واحتدم القتال العنيف بينهما, فتسلل ولاة الشام بجيوشهم وانضموا للعثمانيين, فضعف أمر المماليك وهزموا وقتل في المعركة السلطان قنصوه الغوري، وبهذه المعركة أصبحت الشام في قبضة سليم الأول, أي ما يعادل نصف دولة المماليك، وغدت الأناضول بأكملها تحت سلطان العثمانيين.
موقعة الريدانية 923هـ:
تولى السلطان طومان باي مكان قنصوه الغوري، فعرض عليه السلطان سليم الأول أن يعترف بسيادة العثمانيين ودفع خراج سنوي لهم, فأبى طومان باي، فبرز إليه السلطان سليم فانهزم طومان باي على حدود الشام الجنوبية, فتتبعه السلطان سليم حتى مدينة القاهرة, حيث التقى الجيش في موقعة الريدانية وانتصر العثمانيون برغم الدفاع المستميت للمماليك, ووقع طومان باي في يد العثمانيين نتيجة لخيانة أحد أتباعه، فأعدموه على باب زويلة.
تسلم العثمانيين مقاليد الخلافة:
بانتهاء دولة المماليك تنازل الخليفة العباسي الأخير محمد المتوكل -والذي كان كمن سبقه من الخلفاء في دولة المماليك ليس له أي سيطرة وإنما كان صورة فقط- للسلطان سليم الأول عن الخلافة، ودخلت الحجاز في تبعية الدولة العثمانية, وأصبح السلطان سليم الأول أول خليفة عثماني، فنقل مقر الخلافة من القاهرة إلى إستانبول، وتوفي السلطان سليم الأول عام 926هـ.