وحدة الوجود
التعريف :
وحدة الوجود مذهب فلسفي لا ديني يقول بأن الله والطبيعة حقيقة واحدة ، وأن الله هو الوجود الحق ، ويعتبرونه - تعالى عما يقولون علواً كبيراً - صورة هذا العالم المخلوق ، أما مجموع المظاهر المادية فهي تعلن عن وجود الله دون أن يكون لها وجود قائم بذاته .
- ونحن نوضح هذا المذهب لأن آثاره وبعض أفكاره لا زالت مبثوثة في فكر أكثر أهل الطرق الصوفية المنتشرة في العالم العربي والإسلامي ، وفي أناشيدهم وأذكارهم وأفكارهم .
- والمذهب كما سنرى موجود في الفكر النصراني واليهودي أيضاً ، وقد تأثر المنادون بهذا الفكر من أمثال : ابن عربي ، وابن الفارض وابن سبعين والتلمساني بالفلسفة الأفلاطونية المحدثة ، وبالعناصر التي أدخلها إخوان الصفا من إغريقية ونصرانية وفارسية الأصل ومنها المذهب المانوي ولمذهب الرزاردشتي وفلسفة فيلون اليهودي وفلسفة الرواقيين .
التأسيس وابرز الشخصيات وأهم آرائهم :
• إن فكرة وحدة الوجود قديمة جداً ، فقد كانت قائمة بشكل جزئي عند اليونانيين القدماء ، وهي كذلك في الهندوسية الهندية . وانتقلت الفكرة إلى بعض الغلاة من متصوفة المسلمين من أبرزهم : محي الدين ابن عربي وابن الفارض وابن سبعين والتلمساني . ثم انتشرت في الغرب الأوروبي على يد رونو النصراني وسبينوزا اليهودي .
ومن أبرز الشخصيات وأفكارهم :
• ابن عربي 560هـ –638 :
- هو محي الدين محمد بن علي بن عبد الله العربي ، الحاتمي ، الطائي ، الأندلسي وينتهي نسبه إلى حاتم الطائي ، أحد مشاهير الصوفية ، وعرف بالشيخ الأكبر ولد في مرسية سنة 560هـ وانتقل إلى أشبيلية حيث بدأ دراسته التقليدية بها ثم عمل في شبابه كاتباً لعدد من حكام الولايات .
- في سن مبكرة وبعد مرض ألم به كان التحول الكبير في حياته ، حيث انقلب بعد ذلك زاهداً سائحاً منقطعاً للعبادة والخلوة ، ثم قضى بعد ذلك حوالي عشر سنين في مدن الأندلس المختلفة وشمالي إفريقية بصحبة عدد من شيوخ الصوفية .
- في الثلاثين من عمره انتقل إلى تونس ثم ذهب إلى فارس حيث كتب كتابه المسمى : الإسراء إلى مقام الأسرى ثم عاد إلى تونس ، ثم سافر شرقاً إلى القاهرة والقدس واتجه جنوباً إلى مكة حاجاً ، ولزم البيت الحرام لعدد من السنين ، وألف في تلك الفترة كتابه تاج الرسائل ، وروح القدس ثم بدأ سنة 598هـ بكتابة مؤلفه الضخم الفتوحات المكية .
- في السنين التالية نجد أن ابن عربي ينتقل بين بلاد الأناضول وسورية والقدس والقاهرة ومكة ،ثم ترك بلاد الأناضول ليستقر في دمشق .وقد وجد ملاذاً لدى عائلة ابن الزكي وأفراد من الأسرة الأيوبية الحاكمة بعد أن وجه إليه الفقهاء سهام النقد والتجريح ،بل التكفير والزندقة . وفي تلك الفترة ألف كتابه فصوص الحكم وأكمل كتابه الفتوحات المكية وتوفي ابن عربي في دار القاضي ابن الزكي سنة 638هـ ودفن بمقبرة العائلة على سفح جبل قسيون .
• مذهبه في وحدة الوجود :
يتلخص مذهب ابن عربي في وحدة الوجود في إنكاره لعالم الظاهر ولا يعترف بالوجود الحقيقي إلا لله ، فالخلق هم ظل للوجود الحق فلا موجود إلا الله فهو الوجود الحق .
- فابن عربي يقرر أنه ليس ثمة فرق بين ما هو خالق وما هو مخلوق ومن أقواله التي تدل على ذلك : " سبحان من أظهر الأشياء وهو عنيها " .
- ويقول مبيناً وحدة الوجود وأن الله يحوي في ذاته كل المخلوقات :
ياخالق الأشياء في نفسه أنت لما تخلق جامع
تخلق ما لا ينتهي كونه فيك فأنت الضيق الواسع
- ويقول أيضاً :
فالحق خلق بهذا الوجه فاعتبروا وليس خلقاً بذالك الوجه فاذكروا
جمـع وفرق فـــإن العين واحــدة وهي الكثيـــرة لا تبقي ولا تـذر
وبناء على هذا التصور فليس ثمة خلق ولا موجود من عدم بل مجرد فيض وتجلي وما دام الأمر كذلك فلا مجال للحديث عن علة أو غاية ، وإنما يسير العالم وفق ضرورة مطلقة ويخضع لحتمية وجبرية صارمة .
وهذا العالم لا يتكلم فيه عن خير وشر ولا عن قضاء وقدر ولا عن حرية أو إرادة ثم لا حساب ولا مسؤولية وثواب ولا عقاب ، بل الجميع في نعيم مقيم والفرق بين الجنة والنار إنما هو في المرتبة فقط لا في النوع .
وقد ذهب ابن عربي إلى تحريف آيات القرآن لتوافق مذهبه ومعتقده ، فالعذاب عنده من العذوبة والريح التي دمرت عاد هي الراحة لأنها أراحتهم من أجسامهم المظلمة ، وفي هذه الريح عذاب وهو من العذوبة :
- ومما يؤكد على قوله بالجبيرة الذي هو من نتائج مذهبه الفاسد :
الحكم حكم الجبر والاضطرار ما ثم حكــم يقتضي الاختيار
إلا الذي يعـــزى إلينـــــا ففي ظـــــــاهره بأنــــه عن خيار
لو فكر النـــاظــر فيـــه رأى بأنــه المختار عن اضطرار
- وإذا كان قد ترتب على قول ابن عربي بوحدة الوجود قوله بالجبر ونفي الحساب والثواب والعقاب . فإنه ترتب على مذهبه أيضاَ قوله بوحدة الأديان . فقد أكد ابن عربي على أن من يعبد الله ومن يعبد الأحجار والأصنام كلهم سواء في الحقيقة ما عبدوا إلا الله إذ ليس ثمة فرق بين خالق ومخلوق .
يقول في ذلك :
لقد صار قلبي قابلاً كل صورة فمرعى الغزلان ودير لرهبان
وبيت لأوثـــــان وكعبة طائف وألواح توراة ومصحف قرآن
- فمذهب وحدة الوجود الذي قال به ابن عربي يجعل الخالق والمخلوق وحدة واحدة سواء بسواء ، وقد ترتب على هذا المذهب نتائج باطلة قال بها ابن عربي وأكدها وهي قوله بالجبرية ونفيه الثواب والعقاب وكذا قوله بوحدة الأديان .
- وقد بالغ ابن عربي في القول بوحدة الوجود تلاميذ له أعجبوا بآرائه وعرضوا لذلك المذهب في أشعارهم وكتبهم من هؤلاء : ابن الفارض وابن سبعين والتلمساني .
• أما ابن الفارض فيؤكد مذهبه في وحدة الوجود في قصيدته المشهورة بالتائية :
لهـــــــا صلاتي بالمقــــام أقيمها وأشـهـــــــد أنهـــــــــــا لي صلت
كلانا مصل عــــابد ســـاجـد إلى حقيقة الجمـع في كــــــــل سجـــدة
وما كان لي صلى سواي فلم تكن صلاتي لغيري في أداء كل ركعة
ومـــــا زالت إياها وإياي لم تزل ولا فـــــرق بل ذاتي لذاتي أحبت
فهو هنا يصرح بأنه يصلي لنفسه لأن نفسه هي الله . ويبين أنه ينشد ذلك الشعر لا في حال سكر الصوفية بل هو في حالة الصحو فيقول :
ففي الصحو بعد المحو لم أك غيرها وذاتي ذاتي إذا تحــــلت تجــــــلت
- الصوفية معجبون بهذه القصيدة التائية ويسمون صاحبها ابن الفارض بسلطان العاشقين ، على الرغم مما يوجد في تلك القصيدة من كفر صريح والعياذ بالله .
• وأما ابن سبعين فمن أقواله الدالة على متابعة ابن عربي في مذهب وحدة الوجود :
قوله : رب مالك ، وعبد هالك ، وأنتم ذلك الله فقط ، والكثرة وهم .
وهنا يؤكد ابن سبعين أن هذه الموجودات ليس له وجد حقيقي فوجودها وهم وليس ثمة فرق بين الخلق وبين الحق ، فالموجودات هي الله !!
• أما التلمساني وهو كما يقول الإمام ابن تيمية من أعظم هؤلاء كفراً ، وهو أحذقهم في الكفر والزندقة . فهو لا يفرق بين الكائنات وخالقها ، إنما الكائنات أجزاء منه ، وأبعاض له بمنزلة أمواج البحر ، وأجزاء البيت من البيت ، ومن ذلك قوله :
البحر لا شك عندي في توحـده وإن وأن تعــــــــدد بالأمواج والزبد
فلا يغرنك ما شاهدت من صور فالواحد الرب ساوي العين في العدد
- ويقول أيضاَ :
فما البحر إلا الموج لا شيء غيره وإن فرقتــه كثـــــــرة المتعــــــدد
- ومن شعره أيضاَ :
أحـــــن إليــه وهو قلبي وهل يرى ســـــــواي أخـو وجد يحن لقلبه ؟
ويحجب طرفي عنه إذ هو ناظري ومــــــا بعــــــده إلا لإفراط قـربه
- فالوجود عند التلمساني واحد ، وليس هناك فرق بين الخالق والمخلوق ، بل كل المخلوقات إنما هي لله ذاته .
- وقد وجد لهذا المذهب الإلحادي صدى في بلاد الغرب بعد أن انتقل إليها على يد برونو الإيطالي وروج له اسبينوز اليهودي .
• جيور واتو برونو 1548-1611م وهو مفكر إيطالي ، درس الفلسفة واللاهوت في أحد الأديرة الدينية ، إلا أنه خرج على تعاليم الكنيسة فرمي بالزندقة، وفر من إيطاليا ، وتنقل طريداً في البلدان الأوروبية وبعد عودته إلى إيطاليا وشي به إلى محاكم التفتيش فحكم عليه بالموت حرقاً .
• باروخ سبينوزا 1632-1677م . وهو فيلسوف هولندي يهودي ، هاجر أبواه من البرتغال في فترة الاضطهاد الديني لليهود من قبل النصارى ، ودرس الديانة اليهودية والفلسفة كما هي عند ابن ميمون الفيلسوف اليهودي الذي عاش في الأندلسي وعند ابن جبريل وهو أيضاَ فيلسوف يهودي عاش في الأندلس كذلك .
ومن أقول سبينوزا التي تؤكد على مذهبه في وحدة الوجود :
- ما في الوجود إلا الله ، فالله هو الوجود الحق ، ولا وجود معه يماثله لأنه لا يصح أن يكون ثم وجودان مختلفان متماثلان .
- إن قوانين الطبيعة وأوامر الله الخالدة شيء واحد يعينه ، وإن كل الأشياء تنشأ من طبيعة الله الخالدة .
- الله هو القانون الذي تسير وفقه ظواهر الوجود جميعاً بغير استثناء أو شذوذ .
- إن الطبيعة عالماً واحداً هو الطبيعة والله في آن واحد وليس في هذا العالم مكان لما فوق الطبيعة .
- ليس هناك فرق بين العقل كما يمثله الله وبين المادة كما تمثلها الطبيعة فهما شيء واحد .
• يقول الإمام ابن تيمية بعد أن ذكر كثيراً من أقوال أصحاب مذهب وحدة الوجود " يقولون : إن الوجود واحد ، كما يقول ابن عربي - صاحب الفتوحات - وابن سبعين وابن الفارض والتلمساني وأمثالهم - عليهم من الله ما يستحقونه - فإنهم لا يجعلون للخالق سبحانه وجوداً مبايناً لوجود المخلوق . وهو جامع كل شر في العالم ، ومبدأ ضلالهم من حيث لم يثبتوا للخالق وجوداً مبايناً لوجود المخلوق وهم يأخذون من كلام الفلاسفة شيئاً ، ومن القول الفاسد من كلام المتصوفة والمتكلمين شيئاً ومن كلام القرامطة والباطنية شيئاً فيطوفون على أبواب المذاهب ويفوزون بأخس المطالب ، ويثنون على ما يذكر من كلام التصوف المخلوط بالفلسفة " ( جامع الرسائل 1- ص 167 ) .
• الجذور الفكرية والعقائدية :
- لقد قال بفكرة وحدة الوجود فلاسفة قدماء : مثل الفيلسوف اليوناني هيراقليطس فالله - سبحانه وتعالى - عنده نهار وليل وصيف وشتاء ، ووفرة وقلة ، جامد وسائل ، فهو كالنار المعطرة تسمى باسم العطر الذي يفوح منها .
- وقال بذلك الهندوسية الهندية : إن الكون كله ليس إلا ظهوراً للوجود الحقيقي والروح الإنسانية جزء من الروح العليا وهي كالآلهة سرمدية غير مخلوقة .
- وفي القرن السابع الهجري قال ابن عربي بفكرة وحدة الوجود وقد سبق ذكر أقواله .
- وفي القرن السابع عشر الميلادي ظهرت مقولة وحدة الوجود لدى الفيلسوف اليهودي سبينوزا ، الذي سبق ذكره ، ويرجح أنه اطلع على آراء ابن عربي الأندلسي في وحدة الوجود عن طريق الفيلسوف اليهودي الأندلسي ابن ميمون .
وقد أعجب سبينوزا بأفكار برونو الإيطالي الذي مات حرقاً على يد محاكم التفتيش ، وخاصة تلك الأفكار التي تتعلق بوحدة الوجود . ولقد قال أقوالاً اختلف فيها المفكرون ، فمنهم من عدوه من أصحاب وحدة الوجود ، والبعض نفى عنه هذه الصفة .
- وفي القرن التاسع عشر الميلادي نجد أن مقولة وحدة الوجود قد عادت تتردد على ألسنة بعض الشعراء الغربيين مثل بيرس شلى 1792-1822م فالله سبحانه وتعالى في رأيه - تعالى عما يقول : " هو هذه البسمة الجميلة على شفتي طفل جميل باسم ، وهو هذه النسائم العليلة التي تنعشنا ساعة الأصيل ، وهو هذه الإشراقة المتألقة بالنجم الهادي ، في ظلمات الليل ، وهو هذه الورد اليانعة تتفتح وكأنه ابتسامات شفاء جميلة إنه الجمال أينما وجد … ".
- وهكذا فإن لمذهب وحدة الوجود أنصار في أمكنة وأزمنة مختلفة .
• موقف الإسلام من المذهب :
الإسلام يؤمن بأن الله جل شأنه خالق الوجود منـزه عن الاتحاد بمخلوقاته أو الحلول فيها . والكون شيء غير خالقه ، ومن ثم فإن هذا المذهب يخالف الإسلام في إنكار وجود الله ، والخروج على حدوده ، ويخالفه في تأليه المخلوقات وجعل الخالق والمخلوق شيئاً واحداً ، ويخالفه في إلغاء المسؤولية الفردية ، والتكاليف الشرعية ، والانسياق وراء الشهوات البهيمية ، ويخالفه في إنكار الجزاء والمسؤولية والبعث والحساب .
- ويرى بعض الدعاة أن وحدة الوجود عنوان آخر للإلحاد في وجود الله وتعبير ملتو للقول بوجود المادة فقط وأن هذا المذهب تكئة لكل إباحي يلتمس السبيل إلى نيل شهواته تحت شعار من العقائد أو ملحد يريد أن يهدم الإسلام بتصيد الشهوات أو معطل يحاول التخلص من تكاليف الكتاب والسنة .
يتضح مما سبق :
أن هذا المذهب الفلسفي هو مذهب لا ديني ، جوهره نفي الذات الإلهية ، حيث يوحد في الطبيعة بين الله تعالى وبين الطبيعة ، على نحو ما ذهب إليه الهندوس أخذاً من فكرة يونانية قديمة ، وانتقل إلى بعض الغلاة المتصوفة كابن عربي وغيره ، وكل هذا مخالف لعقيدة التوحيد في الإسلام ، فالله سبحانه وتعالى منـزه عن الاتحاد بمخلوقاته أو الحلول فيها .
جماعة التكفير والهجرة
التعريف:
هي جماعة المسلمين كما سمت نفسها ، أو جماعة التكفير والهجرة كما أطلق عليها اعلاميا ، جماعة اسلامية غالية نهجت نهج الخوارج في التكفير بالمعصية ، نشأت داخل السجون المصرية في باديء الأمر ، وبعد اطلاق سراح أفرادها ، تبلورت أفكارها ، وكثر أتباعها في صعيد مصر وبين طلبة الجامعات خاصة.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
تبلورت أفكار ومباديء جماعة المسلمين التي عرفت بجماعة التكفير والهجرة في السجون المصرية وخاصة بعد اعتقال سنة 1965? التي أعدم اثرها سيد قطب وأخوانه بأوامر جمال عبدالناصر حاكم مصر آنذاك.
لقد رأى المتدينون المسلمون داخل السجون من ألوان العذاب ما تقشعر من ذكره الأبدان ? وسقط الكثير منهم أمامهم شهداء بسبب التعذيب ? دون أن يعبأ بهم القساة الجبارون . في هذا الجو الرهيب ولد الغلو ونبتت فكرة التكفير ووجدت الاستجابة لها.
في سنة 1967? طلب رجال الأمن من جميع الدعاة المعتقلي تأييد رئيس الدولة جمال عبدالناصر فانقسم المعتقلون الى فئات:
فئة سارعت الى تأييد الرئيس ونظامه بغية الافراج عنهم والعودة الى وظائفهم وزعموا أنهم يتكلمون باسم جميع الدعاة ? وهؤلاء كان منهم العملاء وثبت أنهم طابور خامس داخل الحركة الاسلامية ? وثمة نوع آخر ليسوا عملاء بالمعنى وانما هم رجال سياسة التحقوا بالدعوة بغية الحصول على مغانم كبيرة.
أما جمهور الدعاة المعتقلين فقد لجأوا الى الصمت ولم يعارضوا أو يؤيدوا باعتبار أنهم في حالة اكراه.
بينما رفضت فئة قليلة من الشباب موقف السلطة وأعلنت كفر رئيس الدولة ونظامه ? بل اعتبروا الذين أيدوا السلطة من إخوانهم مرتدين عن الإسلام ومن لم هم يكفر فهو كافر ? والمجتمع بأفراده كفار لأنهم موالون للحكام وبالتالي لا ينفعهم صوم ولا صلاة . وكان إمام هذه الفئة ومهندس أفكارهم الشيخ علي إسماعيل.
ومن أبرز شخصيات هذه الجماعة :
- اسماعيل علي الشيخ : كان امام هذه الفئة من الشباب داخل المعتقل ، وهو أحد خريجي الأزهر ، وشقيق الشيخ عبد الفتاح اسماعيل أحد الستة الذين تم اعدامهم مع الأستاذ سيد قطب ، وقد صاغ الشيخ علي مباديء العزلة والتكفير لدى الجماعة ضمن أطر شرعية حتى تبدو وكأنها أمور شرعية لها أدلتها من الكتاب والسنة ومن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم في الفترتين : المكية والمدنية متأثرا في ذلك بأفكار الخوارج ، الا أنه رجع الى رشده وأعلن براءته من تلك الأفكار التي كان ينادي بها.
- شكري أحمد مصطفى (أبو سعد) من مواليد قرية الحوائكه بمحافظة أسيوط 1942 م ، أحد شباب جماعة الأخوان المسلمين الذين اعتقلوا عام 1965م لانتسابهم لجماعة الأخوان المسلمين وكان عمره وقتئذ ثلاثة وعشرون عاما.
. تولى قيادة الجماعة داخل السجن بعد أن تبرأ من أفكارهم الشيخ علي عبد اسماعيل .
. في عام 1971م أفرج عنه بعد أن حصل على بكالوريس الزراعة ومن ثم بدأ التحرك في مجال تكوين الهيكل التنظيمي لجماعته . ولذلك تمت مبايعته أميرا للمؤمنين وقائدا لجماعة المسلمين – على حد زعمهم – فعين أمراء للمحافظات والمناطق واستأجر العديد من الشقق كمقار سرية للجماعة بالقاهرة والاسكندرية والجيزة وبعض محافظات الوجه القبلي.
. في سبتمبر 1973م أمر بخروج أعضاء الجماعة الى المناطق الجبلية واللجوء الى المغارات الواقعة بدائرة أبي قاص بمحافظة المينا بعد أن تصوفوا بالبيع في ممتلكاتهم وزودوا أنفسهم بالمؤن اللازمة والسلاح الأبيض ، تطبيقا لمفاهيمهم الفكرية حول الهجرة.
. في 26 اكتوبر 1973? اشتبه في أمرهم رجال الأمن المصري فتم القاء القبض عليهم وتقديمهم للمحاكمة في قضية رقم 618 لسنة 73 أمن دولة عليا.
. في 21 أبريل 1974? عقب حرب أكتوبر 1973? صدر قرار جمهوري بالعفو عن مصطفى شكري وجماعته ? إلا أنه عاود ممارسة نشاطه مرة أخرى ولكن هذه المرة بصورة مكثفة أكثر من ذي قبل ? حيث عمل على توسيع قاعدة الجماعة ? ? إعادة تنظيم صفوفها ? وقد تمكن من ضم أعضاء جدد للجماعة من شتى محافظات مصر ? كما قام بتسفير مجموعات أخرى إلى خارج البلاد بغرض التمويل ? مما مكن لانتشار أفكارهم في أكثر من دولة.
. هيأ مصطفى شكري لأتباعه بيئة متكاملة من النشاط وشغلهم بالدعوة والعمل والصلوات والدراسة وبذلك عزلهم عن المجتمع إذ أصبح العضو يعتمد على الجماعة في كل احتياجاته، ومن ينحرف من الأعضاء يتعرض لعقاب بدني ? وإذا ترك العضو الجماعة اعتبر كافرا ? حيث اعتبر المجتمع خارج الجماعة كله كافرا . ومن ثم يتم تعقبه وتصفيته جسديا.
. رغم أن شكري مصطفى كان مستبدا في قراراته ? إلا أن أتباعه كانوا يطيعونه طاعة عمياء بمقتضى عقد البيعة الذي أخذ عليهم في بداية انتسابهم للجماعة.
وكما هو معلوم وثابت أن هذه الجماعة جوبهت بقوة من قبل السلطات المصرية بخاصة بعد مقتل الشيخ حسن الذهبي وزير الأوقاف المصري السابق ? وبعد مواجهات شديدة بين أعضاء الجماعة والسلطات المصرية تم القبض على المئات من أفراد الجماعة وتقديمهم للمحاكمة في القضية رقم 6 لسنة 1977? التي حكمت بإعدام خمسة من قادات الجماعة على رأسهم شكري مصطفى ? وماهر عبدالعزيز بكري ? وأحكام بالسجن متفاوته على باقي أفراد الجماعة.
. في 390 مارس صبيحة زيارة السادات للقدس تم تنفيذ حكم الإعدام في شكري مصطفى وإخوانه.
بعد الضربات القاسية التي تلقتها الجماعة اتخذت طابع السرية في العمل الأمر الذي حافظت به الجماعة على وجودها حتى الآن ولكن وجود غير مؤثر وغير ملحوظ لشدة موجهة تيار الصحوة الاسلامية من أصحاب العقيدة والمنهج السلفي لهم بالحوار والمناظرات سواء كان داخل السجون والمعتقلات أم خارجه ? مما دفع الكثير منهم الى العودة الى رشده والتبرؤ من الجماعة.
. ماهر عبد العزيز زناتي : (أبو عبدالله) ابن شقيقة شكري مصطفى ونائبه في قيادة الجماعة بمصر وكان يشغل منصب المسؤول الاعلامي للجماعة ? أعدم مع شكري في قضية محمد حسين الذهبي رقم 6 لسنة 1977? . وله كتاب الهجرة.
الأفكار والمعتقدات:
ان التكفير عنصر أساسي في أفكار ومعتقدات هذه الجماعة.
- فهم يكفرون كل من ارتكب كبيرة وأصر عليها ولم يتب منها ? وكذلك يكفرون الحكام الذين لا يحكمون بما أنزل الله بإطلاق ودون تفصيل ? ويكفرون المحكومين لأنهم رضوا بذلك وتابعوهم أيضا بإطلاق ودون تفصيل ? أما العلماء فيكفرونهم لأنهم لم يكفروا هؤلاء ولا أولئك ?كما يكفرون كل من عرضوا عليه فكرهم فلم يقبله أو قبله ولم ينضم إلى جماعتهم ويبايع إمامهم . أما من انضم إلى جماعتهم ثم تركها فهو مرتد حلال الدم ? وعلى ذلك فالجماعات الإسلامية إذا بلغتها دعوتهم ولم تبايع إمامهم فهي كافرة مارقة من الدين.
- وكل من أخذ بأقوال الأئمة بالاجماع حتى لو كان اجماع الصحابه أو بالقياس أو بالمصلحه المرسلة أو بالاستحسان ونحوها فهو في نظرهم مشرك كافر.
- والعصور الاسلامية بعد القرن الرابع الهجري كلها عصور كفر وجاهلية لتقديسها لصنم التقليد المعبود من دون الله تعالى فعلى المسلم أن يعرف الأحكام بأدلتها ولا يجوز لديهم التقليد في أي أمر من أمور الدين.
- قول الصحابي وفعله ليس بحجة ولو كان من الخلفاء الراشدين.
- والهجرة هي العنصر الثاني في فكر الجماعة ? ويقصد بها العزلة عن المجتمع الجاهلي ? وعندهم أن كل المجتمعات الحالية مجتمعات جاهلية . والعزلة المعنية عندهم عزلة مكانية وعزلة شعورية ? بحيث تعيش الجماعة في بيئة تتحقق فيها الحياة الاسلامية الحقيقية - برأيهم – كما عاش الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام في الفترة المكية.
- يجب على المسلمين في هذه المرحلة الحالية من عهد الاستضعاف الاسلامي أن يمارسوا المفاضلة الشعورية لتقوية ولائهم للاسلام من خلال جماعة المسلمين – التكفير والهجرة – وفي الوقت ذاته عليهم أن يكفوا عن الجهاد حتى تكتسب القوة الكافية.
- لا قيمة عندهم للتاريخ الاسلامي لأن التاريخ هو أحسن القصص الوارد في القرآن الكريم فقط.
- لا قيمة أيضا لأقوال العلماء المحققين وأمهات كتب التفسير والعقائد لأن كبار علماء الأمة في القديم والحديث - بزعمهم - مرتدون عن الاسلام.
- قالوا بحجية الكتاب والسنة فقط ولكن كغيرهم من أصحاب البدع الذين اعتقدوا رأيا ثم حملوا ألفاظ القرآن الكريم عليه فما وافق أقوالهم من السنة قبلوه وما خالفها تحايلوا في رده أو رد دلالته.
- دعوا إلى الأمية لتأويلهم الخاطئ لحديث (نحن أمة أمية ....) فدعوا إلى ترك الكليات ومنع الانتساب للجامعات والمعاهد إسلامية أو غير إسلامية لأنها مؤسسات الطاغوت وتدخل ضمن مساجد الضرار.
- أطلقوا أن الدعوة لمحو الأمية دعوة يهوديه لشغل الناس بعلوم الكفر عن تعلم الإسلام ? فما العلم إلا ما يتلقونه في حلقاتهم الخاصة.
- قالوا بترك صلاة الجمعة والجماعة بالمساجد لأن المساجد كلها ضرار وأئمتها كفار الا أربعة مساجد : المسجد الحرام ? والمسجد النبوي ? وقباء ? والمسجد الأقصى .. ولا يصلون فيها أيضا الا اذا كان الامام منهم.
- يزعمون أن أميرهم شكري مصطفى هو مهدي هذه الأمة المنتظر وأن الله تعالى سيحقق على يد جماعته مالم يحقق على يد محمد صلى الله عليه وسلم من ظهور الاسلام على جميع الأديان.
- وعليه فان دور الجماعة يبدأ بعد تدمر الأرض بمن عليها بحرب كونية بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي تنقرض بسببها الأسلحه الحديثه كالصواريخ والطائرات وغيرها ويعود القتال كما كان في السابق رجل لرجل بالسلاح القديم من سيوف ورماح وحراب.
- ادعى زعماء الجماعة أنهم بلغوا درجة الامامة ? والاجتهاد المطلق ? وأن لهم أن يخالفوا الأمة كلها وما أجمعت عليه سلفا وخلفا.
وأهم كتاب كشف عن أسرار دعوتهم وعقيدتهم هو – ذكريات مع جماعة المسلمين – التكفير والهجرة – لأحد أعضاء الجماعة عبدالرحمن أبو الخير الذي تركهم فيما بعد.
الجذور الفكرية والعقائدية:
ان قضية تكفير المسلمين قديمة ، ولها جذورها في تاريخ الفكر الاسلامي منذ عهد الخوارج . وقد تركت آثارا علمية لعدة أجيال . وقد استيقضت هذه الظاهرة لأسباب عدة ذكرها العلماء ويمكن اجمالها فيما يلي:
- انتشار الفساد والفسق والالحاد في المجتمعات الاسلامية دونما محاسبة من أحد لا من قبل الحكام ولا من المجتمعات الاسلامية المسحوقة تحت أقدام الطغاة والظالمين.
- محاربة الحركات الاسلامية الاصلاحية من قبل حكام المسلمين ، وامتلاء السجون بدعاة الاسلام واستخدام أقسى أنواع التعذيب ، مع التلفظ بألفاظ الكفر من قبل المعذبين والسجانين.
- ظهور وانتشار بعض الكتب الاسلامية التي ألفت في هذه الظروف القاسية وكانت تحمل بذور هذا الفكر ، واحتضان هذا الفكر من هذه الجماعة - التكفير والهجرة – وطبعه بطابع الغلو والعنف.
- ويعد أساس جميع ما تقدم : ضعف البصيرة بحقيقة الدين والاتجاه الظاهري في فهم النصوص والاسراف في التحريم والتباس المفاهيم وتميع عقيدة ومنهج أهل السنة والجماعة لدى بعض قادة الحركة الاسلامية بالاضافة الى اتباع التشابهات وترك المحكمات وضعف المعرفه بالتاريخ والواقع وسنن الكون والحياة ومنهج أهل السنة والجماعة.
أماكن الانتشار:
انتشرت هذه الجماعة في معظم محافظات مصر وفي منطقة الصعيد على الخصوص ? ولها وجود في بعض الدول العربية مثل اليمن والأردن والجزائر .... وغيرها.
يتضح مما سبق:
أن هذه الجماعة هي جماعة غالية أحيت فكر الخوارج بتكفير كل من ارتكب كبيرة وأصر عليها وتكفير الحكام باطلاق ودون تفصيل لأنهم لا يحكمون بشرع الله وتكفير المحكومين لرضاهم بهم بدون تفصيل وتكفير العلماء لعدم تكفيرهم أولئك الحكام . كما أن الهجرة هي العنصر الثاني في تفكير هذه الجماعة ? ويقصد بها اعتزال المجتمع الجاهلي عزلة مكانية وعزلة شعورية ? وتتمثل في اعتزال معابد الجاهلية (ويقصد بها المساجد) ووجوب التوقف والتبين بالنسبة لأحاد المسلمين بالاضافة الى اشاعة مفهوم الحد الأدنى من الاسلام . ولا يخفى مدى مخالفة أفكار ومنهج هذه الجماعة لمنهج أهل السنة والجماعة في مصادر التلقي والاستدلال وقضايا الكفر والايمان وغير ذلك مما سبق بيانه.