الكاهنة أو ديهـــيا
تعرف الكاهنة في المصادر التاريخية الأجنبية و العربية والبربرية القديمة والحديثة بأنها امرأة أمازيغية جميلة وشجاعة وقوية البنية. وهي كذلك بنت ينفاق الزناتية من بني جروة من القبائل البربرية البترية الكبيرة التي ستنتقل من الحياة الوبرية الرعوية إلى الحياة المدرية القائمة على الاستقرار والتمدين وبناء الممالك .
وكانت الكاهنة تقطن جبال باغية قرب مسكيانة بسفوح جبال الأوراس الشامخة بالجزائر، وتعرف باسم دميا أو دهيا، والصواب دهي بمعنى المرأة الجميلة في القاموس اللغوي الأمازيغي، ولقبت بالكاهنة لكونها دوخت بدهاء خارق الفاتح العربي المسلم حسان بن النعمان الوالي الجديد على أفريقيا الشمالية حوالي 72هـ الموافق لسنة 692م ، وواجهته بقسوة وشراسة قل نظيرها ، وتفوقت في هذه المقاومة العنيدة حتى على الملك الأمازيغي السابق أكسل أو كسيلا.
ومن ثم، فالكاهنة ملكة أمازيغية أوراسية واجهت المسلمين الفاتحين مواجهة الأبطال المدافعين عن الهوية الأمازيغية والمتشبثين بالأرض والكينونة البربرية معتقدة في ذلك أن المسلمين مثل: الرومان والوندال والبيزنطيين لايهمهم سوى احتلال أراضي الغير واستغلال ثرواته واستنزاف ممتلكاته وإخضاعه إذلالا واستعبادا. لذا ، كانت لمقاومتها العنيفة في نوميديا ( الجزائر) آثار وخيمة على التواجد العربي الإسلامي في شمال أفريقية. وقد حكمت الكاهنة مملكتها الأوراسية خمس سنوات متتالية، وقد بايعها الأمازيغيون بالإجماع مباشرة بعد مقتل أكسل(كسيلة) الذي قتله القائد العربي حسان بن النعمان في معركة ممش قرب مدينة القيروان بتونس ثأرا لمقتل عقبة بن نافع على يد كسيلا قرب نهر الزاب بالجزائر .
وكانت للكاهنة مكانة كبيرة بين أهلها يحترمونها تعظيما وتبجيلا إلى درجة التمجيد والتقديس ، وفي هذا يقول الثعالبي:” إنها امرأة نادرة رفعها سكان المنطقة إلى منازل الآلهة البشرية التي عبدها الناس”. أما عبد الرحمن بن عبد الحكم في كتابه” فتوح إفريقية والأندلس“، والبلاذري في كتابه” فتوح البلدان” فقد نعتاها ” بملكة البربر”. بينما يورد المالكي في كتابه” رياض النفوس” بأن جميع الأمازيغيين كانوا يخافون من ديهيا ويطيعونها بسبب جرأتها وشجاعتها المنقطعة النظير، والدليل على ذلك ما أثبته صاحب هذا الكتاب قائلا:” وقد سأل حسان جماعة من مسلمي البربر عنها فذكروا له أن جميع من بإفريقية منها خائفون وجميع البربر لها مطيعون، فإن قتلتها دان لك المغرب كله ولم يبق لك مضاد ولا معاند”.
ويعني هذا أن الكاهنة في حكمها امرأة مستبدة ومتجبرة ومطلقة ، تحكم البلاد بيد من حديد. ومن هنا، نفهم بأن الكاهنة كانت قائدة محنكة تحسن التخطيط الحربي، وتستعد جيدا للمعارك التي تخوضها ضد الفاتحين العرب المسلمين عددا وعدة، وتتصف بالذكاء والشجاعة والصلابة والقوة والمهابة والحنكة والدهاء والمراوغة وادعاء الغيب وممارسة السحر والكهانة مع حسن القيادة والإشراف . وكانت أيضا باعتراف المصادر العربية نفسها امرأة إنسانية تحترم أصول الحرب وقواعد القتال وتقدر مبادئ النزال العسكري تقديرا أخلاقيا محكما.
و قد كان للكاهنة فيما يرويه الإخباريون العرب ” بنون ثلاثة ورثوا رئاسة قومهم عن سلفهم، وربوا في حجرها،فاستبدت عليهم واعتزت على قومها بهم، ولما كان لها من الكهانة، فانتهت إليها رئاستهم ووقفوا عند إشارتها”.
وقد توفيت ديهيا في معركة حامية الوطيس أثناء مجابهتها لجيش حسان بن النعمان في موقع بالجزائر سمي فيما بعد ببئر الكاهنة حوالي79هـ أو 80هـ