معركة كوفادونجا
في كثير من معاركنا مع الصليبيين يكتب الله تعالى النصر لأهل الإسلام ولكنه سبحانه يقدر الهزيمة في بعضها الآخر لأسباب منها ما هو متعلق بنا من معاصٍ ومخالفات, ومنها ما هو متعلق بالابتلاء الرباني للعباد..
واليوم نستذكر معركة خاضها أجدادنا ضد الصليبيين القوط والتي هزم فيها الجيش الإسلامي ألا وهي معركة كوفادونجا أو مغارة دونغة.
علمنا في حلقات ماضية ما حققه أجدادنا من فتوحات في بلاد الأندلس في عهد الخلافة الأموية, وكيف أن الجيش الإسلامي طارد فلول القوط وأخلاهم من شبه جزيرة أيبيرية حتى حاصرهم في نقطة واحدة وهي أستورياس أو بلايو حيث لم يستطع الجيش الإسلامي اقتحامها..
هذه النقطة الحصينة التي تقع في الركن الشمالي الشرقي من إسبانيا اليوم تعرضت لحملات عدة من قبل الجيوش الإسلامية ولكنهم كانوا ينسحبون منها مباشرة, ولم يكن حاكم تلك النقطة آنذاك وهو (بيلايو) قادرًا على دحر جيوش المسلمين التي كانت تتوغل في هذه النقطة من فترة لأخرى كما لم يكن باستطاعة المسلمين إزالته من الحكم..
قام حاكم تلك النقطة بإعلان مملكة أستورياس باعتباره أحد كبار دولة القوط الغربيين بعد سبع سنوات من سقوط بلاد الأندلس بيد المسلمين, كما تزامن ذلك مع هزيمة المسلمين في معركة بلاط الشهداء وخسارتهم لأغلب ملكهم في بلاد الفرنجة وانسحابهم منها..
شعر المسلمون بخطر هذه المملكة على وجود دولة الإسلام في بلاد الأندلس فعزموا على توطيد حكمهم وتثبيت أقدامهم فيها قبل العودة لغزو الإفرنج, وعزموا على القضاء على كل جيوب المقاومة الصليبية الموجودة في شمال إسبانيا في المناطق الجبلية شديدة البرودة..
قام الجيش الإسلامي بقيادة القائد ابن علقمي اللخمي بغزو تلك المملكة الجديدة على رأس جيش قوامه ما بين 800 إلى 1400 مجاهد, ولما وصل جيش المسلمين إلى تلك النقطة قام الصليبيون باستغلال الجبال لصد المسلمين من خلالها..
وفي يوم 11 ربيع الثاني من العام 104 هجرية التحم الجيشان, واستطاع المسلمون من فتح الكثير من أراضيها حتى أجبروا حاكمها بيلايو على الانسحاب والاحتماء بجبال تلك المناطق ومعه 300 من رجاله قرب قرية جبلية تعرف باسم كوفادونجا (وتعني كهف السيدة) وتعرف المنطقة عند العرب باسم صخرة بلاي (نسبة إلى بلايو)..
قام ابن علقمي اللخمي بإرسال رسول إلى بيلايو يطلب منه الاستسلام ولكنه رفض, فما كان من ابن علقمي اللخمي إلا أن أمر جنوده بالصعود إلى الجبال وقتال بيلايو وأعوانه المتحصنين في كهوف المنطقة ذات الطبيعة الشديدة الوعورة..
ولكن بيلايو وأعوانه قاوم مقاومة عنيفة مما أدى إلى استشهاد عدد من المسلمين وأجبروهم على الانسحاب, خاصة وأنه لم يتبق من جنود بيلايو سوى 30 صليبيًّا وقالوا قولهم المشهور: "ثلاثون علجًا ما عسى أن يجيء منهم"..
وبهذا انسحب الجيش الإسلامي, واعتبرت تلك المعركة أول معركة انتصر بها صليبيو أوربا على المسلمين في الأندلس, ولا زال مؤرخو أوربا يعتبرونها نواة ما يسمونها حروب الاسترداد, أي استرداد ما فتحه المسلمون من بلاد الأندلس..
ومن هذه المعركة نعلم أن محاصرة العدو مهما كان عدده وضعفه في الجبال هو أفضل من اقتحام الجبال عليه؛ لأن بالعرف العسكري فإن السيطرة على المرتفعات تعتبر أهم نقاط السيطرة على مجريات المعركة..
وهذه سنة رسول الله في معاركه حيث جعل الرماة على جبل ليضمن عدم التفاف المشركين على جيشه..
نسأله تعالى أن يجعلنا ممن يتمسك بسنة نبيه في حربه وسلمه.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم