الإسلام في بورما "ميانمار"
وصل الإسلام إلى أراكان (ببورما) في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد "رحمه الله" في القرن السابع الميلادي عن طريق الرحالة العرب حتى أصبحت دولة مستقلة حكمها 48 ملكاً مسلماً على التوالي، وذلك لأكثر من ثلاثة قرون ونصف القرن، أي ما بين عامي (834 هـ - 1198، 1430م - 1784م)، وانتشر الإسلام في كافة بقاع بورما وتوجد بها آثار إسلامية رائعة، من المساجد والمدارس والأربطة منها: مسجد "بدر المقام" في أراكان وهو مشهور، ويوجد عدد من المساجد بهذا الاسم في المناطق الساحلية في كل من الهند وبنغلاديش وبورما وتايلاند وماليزيا وغيرها، وأيضا مسجد "سندي خان" الذي بني في عام 1430م وغيرها.
الاحتلال البوذي لأراكان في عام 1784م احتل أراكان الملك البوذي البورمي"بوداباي"، وضم الإقليم إلى بورما خوفاً من انتشار الإسلام في المنطقة، فأخذ يخرب ممتلكات المسلمين، ويتعسف في معاملتهم؛ فامتلأت السجون بهم وقتل من قتل، ورحل الكثيرون، لقد دمّر "بوداباي" كثيراً من الآثار الإسلامية من المساجد والمدارس، وقتل الكثير من العلماء والدعاة، واستمر البوذيون البورميون في اضطهاد المسلمين ونهب خيراتهم وتشجيع البوذيين "الماغ" على ذلك خلال فترة احتلالهم التي ظلت لأربعين سنة انتهت بمجيء الاستعمار البريطاني، في العام 1824م، فقد احتلت بريطانيا بورما، وضمتها إلى حكومة الهند البريطانية الاستعمارية.
مذبحة للمسلمين في بورما على يد البوذيين
وفي العام 1937م ضمت بريطانيا بورما مع "أراكان" - التي كان يقطنها أغلبية من المسلمين-؛ لتكوّن مستعمرة مستقلة عن حكومة الهند البريطانية الاستعمارية كباقي مستعمراتها في الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس خلال الحقبة الاستعمارية، آنذاك، وعُرفت بحكومة "بورما البريطانية". وفي العام 1942م تعرّض المسلمون لمذبحة وحشية كبرى من قِبَل البوذيين "الماغ " بعد حصولهم على الأسلحة والإمداد من قِبَل البوذيين البورمان والمستعمرين البريطانيين وغيرهم راح ضحيتها أكثر من "مائة ألف مسلم "، وأغلبهم من النساء والشيوخ والأطفال، وشرّدت الهجمة الشرسة مئات الآلاف من المسلمين خارج الوطن، ولا يزال الناس -وخاصة كبار السن- الذين يذكرون مآسيها حتى الآن من شدة قسوتها وفظاعتها، ويؤرخون بها، ورجحت بذلك كفة البوذيين "الماغ"، وكانت سطوتهم مقدمة لما تلا ذلك من أحداث، وفي العام 1947م قُبيْل استقلال بورما عُقد مؤتمر في مدينة "بنغ لونغ" للتحضير للاستقلال، ودعيت إليه جميع الفئات والعرقيات باستثناء المسلمين "الروهينغا" لإبعادهم عن سير الأحداث وتقرير مصيرهم، وفي 4 يناير 1948م منحت بريطانيا الاستقلال لـ "بورما" شريطة أن تمنح لكل العرقيات الاستقلال عنها بعد عشر سنوات إذا رغبت في ذلك، ولكن ما إن حصل "البورمان" على الاستقلال حتى نقضوا عهودهم، حيث استمرت في احتلال أراكان دون رغبة سكانها من المسلمين الروهينغا والبوذيين "الماغ" أيضاً، وقاموا بممارسات بشعة ضد المسلمين، وظل الحال على ما هو عليه من قهر وتشريد وإبادة؛ ليزداد الأمر سوءا بالانقلاب الفاشي 1962م.
مسلموا بورما .. مأساة تسلم لمأساة
منذ استولى العسكريون الفاشيون على الحكم في بورما بعد الانقلاب العسكري الذي قام به الجنرال "نيوين" عام 1962م بدعم المعسكر الشيوعي الفاشي الصين وروسيا، ويتعرض مسلمو أراكان لكل أنواع الظلم والاضطهاد من القتل والتهجير والتشريد والتضييق الاقتصادي والثقافي ومصادرة أراضيهم، بل مصادرة مواطنتهم بزعم مشابهتهم للبنغاليين في الدين واللغة والشكل.
كما يتعرضون لطمس الهوية ومحو الآثار الإسلامية وذلك بتدميرها من مساجد ومدارس تاريخية، وما بقي يمنع منعاً باتاً من الترميم فضلاً على إعادة البناء أو بناء أي شيء جديد لـه علاقة بالدين من مساجد ومدارس ومكتبات ودور للأيتام وغيرها، وبعضها تهدّم على رؤوس الناس بفعل التقادم ، والمدارس الإسلامية تمنع من التطوير أو الاعتراف الحكومي والمصادقة لشهاداتها أو خريجيها. كما توجد محاولات مستميتة لـ "برمنة" الثقافة الإسلامية وتذويب المسلمين في المجتمع البوذي البورمي قسراً.
وأيضا التهجير الجماعي من قرى المسلمين وأراضيهم الزراعية إلى مناطق قاحلة، تعد مخيمات تفتقد لمقومات الحياة، وتوطين البوذيين في "قرى نموذجية" تبنى بأموال وأيدي المسلمين وتسخير المسلمين للمهام الصعبة، كالعمل في البناء وتحت حرارة الشمس الملتهبة، وشق الطرق الكبيرة والثكنات العسكرية، دون أي تعويض يعود على المسلمين، ومن يرفض فمصيره الموت في المعتقلات الفاشية التي لا تعرف الرحمة.
الترحيل والعقاب الجماعي لمسلمي بورما
يتعرض المسلمون في "أراكان" للطرد الجماعي المتكرر خارج الوطن مثلما حصل عقب الانقلاب العسكري الفاشي حيث طرد أكثر من 300.000 مسلم إلى بنغلاديش. وفي العام 1978م طرد أكثر من 500.000 أي نصف مليون مسلم، الآن يعيشون في أوضاع قاسية جداً، مات منهم قرابة 40.000 من الشيوخ والنساء والأطفال حسب إحصائية وكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، وبالطبع حياتهم محاطة بالمشكلات مع البنغاليين الفقراء وسط موارد محدودة، وفقر بلا حدود، وكل هذا لا يعلم عنه المسلمون في العالم شيئا، وإن علموا وقفوا مكتوفي الأيدي.
وفي العام 1988م فقد تم طرد أكثر من 150.000 مسلم، بسبب بناء القرى النموذجية للبوذيين في محاولة للتغيير الديموغرافي، وأيضا في العام 1991م تم طرد قرابة 500.000 أي نصف مليون مسلم، وذلك عقب إلغاء نتائج الانتخابات العامة التي فازت فيها المعارضة بأغلبية ساحقة انتقاماً من المسلمين، لأنهم صوتوا مع عامة أهل البلاد لصالح الحزب الوطني الديمقراطي NLD المعارض، ومن الإجراءات القاسية للنظام القائم كذلك إلغاء حقّ المواطنة للمسلمين؛ حيث تم استبدال بطاقتهم الرسمية القديمة ببطاقات تفيد أنهم ليسوا مواطنين، ومن يرفض فمصيره الموت في المعتقلات وتحت التعذيب أو الهروب خارج البلاد، وهو المطلوب أصلاً.
حرمان المسلمين في بورما من التعليم
يحرم أبناء المسلمين من مواصلة التعلم في الكليات والجامعات، إمعانا في نشر الأمية، وتحجيمهم وإفقار مجتمعاتهم ومن يذهب للخارج يُطوى قيده من سجلات القرية، ومن ثم يعتقل عند عودته، ويرمى به في غياهب السجون، إضافة لحرمانهم من الوظائف الحكومية مهما كان تأهيلهم، حتى الذين كانوا يعملون منذ حقبة الاستعمار أو القدماء في الوظائف أجبروا على الاستقالة أو الفصل التعسفي، إلا عمداء القرى وبعض الوظائف التي يحتاجها العسكر فإنهم يعيِّنون فيها المسلمين بدون رواتب، بل على نفقتهم ويدفعون تكاليف المواصلات للعسكر واستضافتهم عند قيامهم بالجولات التفتيشية للقرى، ويضاف لذلك منعهم من السفر إلى الخارج حتى لأداء فريضة الحج إلا إلى بنغلاديش ولمدة يسيرة، ويعتبر السفر إلى عاصمة الدولة "رانغون" أو أية مدينة أخرى جريمة يعاقب عليها، وكذا عاصمة الإقليم والميناء الوحيد فيه مدينة "أكياب"، بل يمنع التنقل من قرية إلى أخرى إلا بعد الحصول على تصريح.
المسلمون لا حياة لمن تنادي
لا يسمح للمسلمين باستضافة أحد في بيوتهم ولو كانوا أشقاء أو أقارب إلا بإذن مسبق، وأما المبيت فيمنع منعاً باتاً، ويعتبر جريمة كبرى ربما يعاقب بهدم منزله أو اعتقاله أو طرده من البلاد هو وأسرته، كما تفرض عقوبات اقتصادية مثل: الضرائب الباهظة في كل شيء، والغرامات المالية، ومنع بيع المحاصيل إلا للعسكر أو من يمثلهم بسعر زهيد لإبقائهم في فقرهم المدقع، أو لإجبارهم على ترك أراضيهم وممتلكاتهم.
مطالب المسلمين في بورما ويطالب زعماء المسلمين في بورما بأن تمنح قضاياهم مكانتها اللائقة، والبحث والدراسة عنها بالإضافة إلى توفير فرص التعليم لأبناء "الشعب الروهنجي"، وتخصيص المقاعد للمنح الدراسية في الجامعات بكميات معقولة، وفتح المعاهد والجامعات، حيث تعد أوضاع المسلمين في بورما مأساوية، وظلوا ضحايا لشتّى أصناف الاضطهاد في مختلف نظم الحكم التي مرت على بورما، حتّى عهد الاضطهاد المجرد من الإنسانية من الحكومة العسكرية منذ أكثر من نصف قرن ،فيتعرض المسلمون للتشريد والتهجير والقتل والسجن وتوطين الآخرين في أراضيهم وغصب ونهب ممتلكاتهم وتقييد تنقلاتهم.