مجلـــــس الشيـــوخ
حوالي 37 في المائة بلغت نسبة الشيوخ (والشيخات) الذين تم تعيينهم في مجلس الدولة بتاريخ 15 من أكتوبر 2011.
أشرت في مدونة سابقة [وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط] إلى التوتر الناشئ من إسقاط دولة القبيلة على دولة المؤسسات، وإلى التأثيرات السلبية لهذا التوتر على المؤسسة وعلى القبيلة معا، وإلى مدى الارتباك الذي يطال مفاهيم كثيرة جراء هذا الإسقاط كمفهوم العدالة الاجتماعية وسيادة القانون والحرية الفردية وتساوي الفرص، وحذرتُ من خطورة هجمة القبيلة بقضها وقضيضها على المؤسسة وفرض طرقها ومناهجها في إدارة الموارد والمقدرات.
السؤال هنا: لماذا كل هؤلاء الشيوخ في مجلس الدولة في العام 2011؟ لماذا الاحتفاظ بالألقاب الاجتماعية أصلًا كالسيد والشيخ والرشيد والخادم والبيسر جنبًا إلى جنب مع الألقاب المؤسساتية كمعالي وسعادة والألقاب العلمية كالدكتور والمهندس والأستاذ بالرغم من الفوارق الجوهرية بينها؟ فالألقاب المؤسساتية والعلمية تُكتسب، عادةً، بالجهد والمثابرة والترقي، في حين تُكتسب الألقاب الاجتماعية ، بالقدرية والوراثة الحتمية. كما أن الألقاب المؤسساتية عادة ما تكون ديناميكية متغيرة وزائلة بينا تكون الألقاب الاجتماعية جامدة لا تتغير عبر الأزمنة.
أولويات الهرم الاجتماعي ومناهجه تختلف كل الاختلاف عن أولويات الهرم المؤسساتي ومناهجه، وبالتالي فإن الجمع بينها تحت سقف الدولة يربك البنيتين ويخلخل مفهوم المؤسسة ويجرده من معناه ويحد من قدراته.
مع هذا الحضور الطاغي للبنية الاجتماعية التقليدية سيبدأ العقل المؤسساتي يفكر بالعقل الجمعي ويصبح خاضعًا للهرم الاجتماعي منقادًا خلفه مأخوذًا بحساباته التقليدية في ممارساته الوظيفية وصلاحياته وقراراته ورؤيته، خصوصًا وأنه يدرك بأن اللقب الاجتماعي أشد وأبقى، وبأن المنزلة الاجتماعية الجامدة تستطيع أن تزلزل المنزلة المؤسساتية وتقلبها رأسًا على عقب.
هذه الردة إلى القبيلة والمشيخة وهذا الارتداد على الأعقاب يشيان بأن الدولة لم تنجح بعد في الوصول إلى مقاربة ثابتة ومنهج واضح لمفهومها وكينونتها ودلالاتها. لم تنجح في الانتقال من كونها مجرد حالة نفسية واجتماعية مغلقة ومنعزلة عن العالم يحكمها الموروث الجامد والرؤية الأحادية الماضوية إلى حالة تقدمية مؤسساتية منفتحة على كل الاحتمالات يحكمها الوارث المتحرك والرؤية المستقبلية التعددية.
لماذا هذه الردة؟
هل أدركت الدولة هشاشة بنيتها المؤسساتية وخطورة التجاوزات التي حدثت باسم المؤسسات التي أنشأتها في السنوات الماضية؟ هل استيقظت الدولة على ما نهشته هذه المؤسسات من لحمها، واستفاق أبنائها على الفتات؟ فتات البنية التحتية وهشاشة الأنظمة والبرامج والمشاريع التي خُطط لها أن تكون تقدمية؟ هل انعدمت الرؤية وانكسرت البوصلة؟
سواء تحدثنا عن أفراد أو عن جماعات، ففي مثل المواقف تشتعل النوستالجيا، وتتحرك غريزة البقاء ويصبح الارتماء بين أحضان الأمس وإلى المهد الأول نتيجة حتمية. فهل ارتمت الدولة، كما بدأت أو مرة، إلى مهدها الأول وهو القبيلة تستجدي منه البقاء والاستمرار؟
أم تُراها أدركت بأنها تجاوزت المجتمع برؤيتها ومشاريعها التقدمية، ولكنها استفاقت على مجتمع يراوح مكانه ولا يريد إلا أن يعيش على ماضوية غابرة يحكمها المذهب والقبيلة والأعراف والتقاليد البالية؟
أليس في هذين التفسيرين فصلٌ فجٌ بين المجتمع والدولة؟ من وراء هذا الفصل؟
مهما يكن تفسير هذا الارتداد، فإنه له ما بعده، خصوصًا وأن المرحلة القادمة حبلى بالكثير. فهل نستطيع أن نأتمن القبيلة والمذهب والأيدلوجيا والجهوية على ما هو قادم؟
أيتها النوافذ
قليلًا من هواء الغابات
إنني أختنق
ورئتاي جاحظتان خارج صدري
كعيني اليتيم
وصوتي ضال كالرعد
لا يعرف أجيالًا مقبلةً ينشدها
ولا فمًا قديمًا يعود إليه
أيها البناءون
ادعموني بحجر
إنني أتصدع
كالجدران التي خالطها الغش...