معاملات اسلامية
الوقف
مشروعية الوقف:
شرع الله الوقف لما فيه من قربة إليه، ولما فيه من عطف على ذوى الأرحام والفقراء، فقد يكون الوقف لهم، كأن يتصدق الرجل بما يخرج من ثمر أو زرع من أرض يملكها على أقاربه. وكذلك لما فيه من رعاية لمصالح المسلمين، فقد يوقف الرجل الماء الذي يخرج من عين يملكها للمسلمين ليشربوا منها وينتفعوا بها.
أهمية الوقف للفرد المسلم:
والوقف من الصدقة الجارية التي تكون ذخرًا للمسلم بعد مماته. قال ( :"إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" [مسلم وأبو داود والترمذى والنسائى].
وقال أيضًا:"من احتبس (وقف) فرسًا فى سبيل الله إيمانًا بالله وتصديقًا بوعده، فإن شبعه وريه وروثه فى ميزانه يوم القيامة" [البخارى].
وقف الصحابة أموالهم فى سبيل الله:
وقد كان أصحاب النبى ( يقفون أفضل أموالهم على الفقراء والمحتاجين، فعن ابن عمر-رضى الله عنهما قال: أصاب عمر أرضًا من أرض خيبر، فقال: يا رسول الله، أصبت أرضًا لم أصب مالا قط أنفس (أغلى وأفضل) منه، فكيف تأمرنى فيها؟ قال:"إن شئت حبست (وقفت) أصلها، وتصدقت بها غير أنه لا يباع أصلها ولا يبتاع ولا يوهب ولا يورث" [أحمد والبخاري].
فتصدق بها عمر، فى الفقراء والقربى والرقاب وفى سبيل الله والضيف وابن السبيل، لا جناح على من وليها (أى عمل فيها)، أن يأكل منها أو يطعم صديقًا بالمعروف، غير متأثل فيه أو غير متمول فيه. [متفق عليه].
وقوله:"لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف غير متمول" معناه أن للعامل على الوقف الحق فى أن يأكل مما ينتج عن هذا الوقف دون إسراف، فإن كان الوقف أرضًا، أكل من ثمارها دون إسراف، ودون أن يأخذ الثمار أو المحصول على أنه ملك له.
ولم يكن عمر وحده الذي يتصدق بأغلى ما عنده، فها هو ذا عثمان بن عفان قد اشترى (بئر رومة) من ماله الخاص وتصدق بها، وأيضًا خالد بن الوليد كان يتصدق بدروعه وسيوفه على جيوش المسلمين. وغيرهم كثيرون من الصحابة.
وقد روى أن الرسول ( قال:"أما خالد فقد احتبس أدراعه فى سبيل الله" [متفق عليه].
أنواع الوقف:
أ- وقف أهلى: وهو وقف على الأولاد والأحفاد والأقارب، ومنه ما روى من أن أبا طلحة-رضى الله عنه أراد وقف بستان من نخيل كان أحب إليه من أى شيء عنده، فذهب إلى رسول الله (، وقال له: ضعها يا رسول الله حيث أراك الله فقال له ( :"بخ بخ ذلك مال رابح، ذلك مال رابح وقد سمعت، وأنا أرى أن تجعلها فى الأقربين" فقال أبو طلحة: افعل يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة فى أقاربه، وبنى عمه". [متفق عليه].
ب وقف خيرى: وهو وقف على أبواب الخير، كالتبرع بأرض لبناء مسجد أو مدرسة أو مستشفى أو ما شابه ذلك، والوقف يجوز أن يكون للذمى (اليهودى والنصرانى) إذا كان الذمى فقيرًا، ويؤمل دخوله فى الإسلام.
ما يتم به الوقف:
والوقف يتم بالقول والفعل الدالين عليه معًا، فأما القول فهو كقول الرجل: وقفت هذه الأرض لبناء مسجد. وأما الفعل الدال فهو كبناء مسجد، ورفع الأذان فيه للصلاة.
شروط الوقف:
للوقف شروط كى يكون صحيحًا:
1- أن يكون الموقوف شيئًا مباحًا، فلا يكون-مثلا-خمرًا أو دار ميسر أو ما شابه ذلك من المحرمات، وبالجملة يصح وقف كل ما يجوز بيعه، ويجوز الانتفاع به مع بقاء عينه.
2 ألا يكون الموقوف مما يهلك بالاستعمال كالشموع، أو من الأمور التي تنتهي سريعًا بعد التبرع بها أو وقفها كالعطور.
3 أن يكون الواقف حرًا مالكًا عاقلا بالغًا غير محجور عليه بسفه أو غيره، وعليه فلا يصح وقف العبد لأنه لا ملك له، ولا يصح وقف مال الآخرين، ولا يصح عند الجمهور وقف المجنون؛ لأنه فاقد الوعي، ولا يصح وقف الصبى، ولا يصح الوقف من السفيه والمفلس الغافل.
4 أن يكون الوقف على معين كولده وأقاربه أو رجل معين، أو على جهة بر، كبناء مساجد أو مدارس، فإذا كان الوقف على غير معين، كرجل أو امرأة، أو على معصية مثل الوقف على الكنائس فإنه لا يصح.
حكم ما يقفه الرجل وهو مريض:
إذا أوقف المريض شيئًا لأجنبى فإنه يعتبر وصية، ولا يتوقف على رضا الورثة بشرط ألا يزيد عن الثلث، فإن زاد على الثلث، فإنه لا يصح وقف هذا الزائد إلا بإجازة الورثة.
حكم تبديل الموقوف:
يجوز تبديل الوقف إن كان فى التبديل مصلحة، كأن يكون الشيء الموقوف دارًا، فيجوز بيعها وشراء أفضل، أو أن يكون الموقوف مسجدًا فيتم هدمه وإعادة بنائه بغرض التوسعة مثلا أو التجديد، بل ويجوز نقله من مكانه إلى مكان آخر إن كان فى ذلك مصلحة، فقد قام عمر بن الخطاب-رضى الله عنه بنقل مسجد الكوفة القديم إلى مكان آخر، وجعل مكانه سوقًا للتمارين (بائعى التمر).
وقد قال ( يومًا لعائشة:"يا عائشة، لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية،لأمرت البيت فهدم، فأدخلت فيه ما أخرج منه، وألزمته بالأرض، وجعلت له بابين: بابًا شرقيًا، وبابًا غربيًا [متفق عليه]. وفى ذلك دليل على جواز التبديل والتغيير.
مالا يجوز فى الوقف:
لا يجوز للواقف أن يوقف شيئًا يضار به الورثة، كأن يوقف للذكور شيئًا دون الإناث. فقد قال ( :"لا ضرر ولا ضرر" [أحمد وابن ماجة]. وعلى ذلك فالأوقاف التي يراد بها قطع ما أحل الله به أن يوصل ومخالفة فرائض الله باطلة من أصلها لا تنعقد بحال، ومن هذه الأوقاف من يوقف لذكور أولاده دون إناثهم.