العبادة
العبادة هي الحكمة التي خلق الله الإنسان من أجلها، فما أعظمها من حكمة وما أجَلَّها من غاية.. قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} [الذاريات:56] ولما كان وجود الإنسان في هذه الحياة من أجل أن يكون عبدًا لله، كانت العبادة هي الدعوة التي نادى بها كل نبي قومه.
قال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله } [النحل:36].
وقال تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} [الأنبياء:25].
وقال تعالى: {ولقد أرسلنا نوحًا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله} [_المؤمنون:23].
وقال تعالى: {وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه} [_العنكبوت:16] .
وقال تعالى: {وإلى عاد أخاهم هودًا قال يا قوم اعبدوا الله}[_الأعراف:65]. وقال تعالى: {وإلى ثمود أخاهم صالحًا قال يا قوم اعبدوا الله} [الأعراف:73].
وقال: {وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم} [_المائدة: 72].
والإنسان ليس العابد الوحيد في هذا الكون، فكل شيء في هذا الوجود يعبد الله ويطيعه، قال تعالى: {ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء}
[الحج:18] وقال تعالى: {واذكر عبدنا داوود ذا الأيد إنه أواب . إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق . والطير محشورة كل له أواب} [ص:17-19].
وهكذا يظهر لنا أن جميع المخلوقات خُلِقَتْ للعبادة والطاعة، والإنسان أحد المخلوقات في هذا الكون، وعلى ذلك فالإنسان إذا سار في طريق العبادة فإنه يكون سعيدًا لأنه يسير مع هذا الكون الذي يعبد الله، أما إذا انحرف عن هذا الطريق المستقيم؛ فسوف يعيش شقيًا؛ لأنه خالف الحقيقة الكبرى التي لأجلها خلق، كما أن مخلوقات الله في هذا الكون تعجب من الإنسان الخارج عن طاعة الله، فهذا هدهد سليمان -عليه السلام-تعجب عندما رأي ملكة سبأ وقومها يسجدون للشمس، فإن الهدهد لم يكن يظن أن هناك من يعبد غير الله، وخاصة الإنسان الذي كرمه الله وسخر له كل ما في الكون؛ ليكون له معينًا
على طاعة الله.
قال تعالى على لسان الهدهد: {وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون . ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السموات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون . الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم} [_النمل:24-26].
وعبادة الله سبحانه هي أعظم منزلة يتطلع إليها الإنسان في هذا الوجود، فقد وصف الله بها أكرم خلقه وهم الأنبياء، كما كانت أعظم كلمة يقولها كل نبي عن نفسه، يقول تعالى: {ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين} _[الصافات:17].
وقال الله تعالى: {ذرية من خلقنا مع نوح إنه كان عبدًا شكورًا} [_الإسراء:3].
وقال تعالى: {واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار} [ص:45].
وقال تعالى: {ذكر رحمت ربك عبده زكريا} [مريم:2].
وقال تعالى:: {ووهبنا لداوود سليمان نعم العبد إنه أواب} [ص: 31].
ويقول تعالى عن أيوب -عليه السلام-: {إنا وجدناه صابرًا نعم العبد إنه أواب} [ص:44].
ويقول عيسى -عليه السلام-: {إني عبد الله أتاني الكتاب وجعلني نبيًّا} [مريم:13].
ولقد وصف الله -عز وجل-نبيه وخليله محمدًا بالعبودية في أجلِّ المواقف وأعظمها؛ ففي رحلة الإسراء والمعراج قال تعالى: {سبحان الذي أسرى بعبده} [الإسراء:1] وقال: {فأوحى إلى عبده ما أوحى} [النجم:10] وفي مجال الدعوة إلى الله وتبليغ رسالته، قال تعالى: {وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدًا} [الجن:19] وإذا تأملنا حياة رُسُلِ الله -عز وجل- وجدناها كلها عبادة وطاعة لله -سبحانه- لذلك استحقوا تكريم الله لهم.
ولقد كان نبينا محمد ( خير العابدين الطائعين، فقد كانت حياته كلها طاعة لله، تلك الحياة التي صورها هذا النداء الخالد في قوله تعالى: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين . لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين} [_الأنعام:162-163].. لقد كان لسانه ( دائمًا رطبًا بذكر الله، وكان يصوم حتى يظن من حوله أنه لا يُفْطِر وكان يصلي حتى تتورم قدماه، ويكثر من السجود بين يدي الله سبحانه، وكان ينفق ويعطى عطاء من لا يخشى الفقر.
وقف ( ذات ليلة يصلي بين يدي ربه، وأطال الوقوف حتى تورمت قدماه، فأشفقت عليه زوجته السيدة عائشة -رضي الله عنها- وبعد أن أتم الصلاة قالت له: هَوِّنْ عليك يا رسول الله، فقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال (: (أفلا أكون عبدًا شكورًا)
[متفق عليه].. إنها لذة العبادة والطاعة لله -سبحانه وتعالى- التي تهون في مقابلها الدنيا كلها، وما أحسن قول الشاعر:
يا إلهي شاقني هـذا الوجــود عز قدري بك في ظل الســجود
أنت إن ترضَ كفاني مـغنمـًا ليس بعد اللـــه لي من مغنــم
عبادات المسلم:
يقوم الإسلام على أركان خمسة لا يتم إسلام المرء إلا بها، قال (: (بني الإسلام على خمسٍ: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان) [متفق عليه] وهذه هي العبادات المفروضة على كل مسلم، فإن أداها كاملة كان من أهل الجنة، فقد روى أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: جاء رجل من أهل البادية، فقال: يا محمد، أتانا رسولك (من أرسلته إلينا) فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك! قال: (صدق).
قال: فمن خلق السماء؟ قال: (الله).
قال: فمن خلق الأرض؟ قال: (الله).
قال: فمن نَصَب هذه الجبال، وجعل فيها ما جعل؟ قال: (الله).
قال: فبالذي خلق السماء وخلق الأرض، ونصب هذه الجبال، آلله أرسلك؟ قال (: (نعم).
قال: وزعم رسولك أن علينا خمسَ صلوات في يومنا وليلتنا. قال: (صدق).
قال: فبالذي أرسلك، آلله أمرك بهذا ؟ قال: (نعم).
قال: وزعم رسولك أن علينا زكاة في أموالنا. قال: (صدق).
قال: فبالذي أرسلك، آلله أمرك بهذا؟ قال (نعم).
قال: وزعم رسولك أن علينا صوم شهر رمضان في سنتنا. قال: (صدق).
قال: فبالذي أرسلك، آلله أمرك بهذا؟ قال: (نعم).
قال: وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلاً. قال: (صدق).. قال: ثم ولى (أي انصرف الرجل) وهو يقول: والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن ولا أنقص منهن، فقال النبي (: (لئن صدق ليدخُلَنَّ الجنة) [مسلم].
وليست العبادات مقصورة على الأركان الواردة في الحديث، ولكن هذه هي العبادات الكبرى في الإسلام، فهناك أبواب أخرى كثيرة من العبادات والطاعات يستطيع المسلم أن يقوم بها، وكلما أكثر الإنسان منها ازداد
حب الله له.
يقول تعالى في الحديث القدسي: (من عادى لي وليًّا، فقد آذنتُه بالحرب، وما تقرَّب إلىَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مما افترضتُه عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه، فإذا أحببتُه كنتُ سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يُبْصر به، ويده التي يَبْطش بها، ورجله التي يمشى بها، وإن سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذ بي لأعيذنَّه، وما ترددتُ عن شيء أنا فاعله تردُّدِي عن نفس المؤمن يكره الموت، وأنا أكره مَسَاءَتَه)_[البخاري].
خصائص العبادة الصحيحة :
1 -أن تكون العبادة موافقة للسنة الشريفة، فقد سئل الفضيل بن عياض عن معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيكم أحسن عملاً} [_الملك:2] فقال: أحسن العمل أخلصه وأصوبه. قيل: فما أخلصه وأصوبه؟
قال: أخلصه ألا تشرك مع الله غيره، وأصوبه ما وافق السنة.
2 -توفُّر الإخلاص لله -سبحانه- فالإخلاص هو رأس العبادات، وميزان قبول الأعمال، قال تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء} [البينة:5].
وقال (: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه) [متفق عليه] فعلى المسلم أن ينقي قلبه من الرياء، وأن يجعل عبادته لله وحده، قال تعالى:{فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحًا ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا} [الكهف:110] فما أسعد الإنسان عندما يتمكن الإخلاص لله من قلبه!!
وعلى المسلم أن يكثر من العبادة والاشتغال بها، فهو كلما أكثر منها؛ امتلأ قلبه بحب الله، وهذا هو حال المؤمنين، فأحب شيء إلى نفوسهم أن يكونوا دائمًا في عبادة الله، وكلما داوم الإنسان على العبادات والطاعات؛ تمكنت حلاوة الإيمان من قلبه، وازداد حب الله له، فقد قال (: (وإن أحب الأعمال إلى الله -عز وجل-أدومه وإن قل) [متفق عليه].