امرؤ القيس:
هو أبو الحارث جندج بن حجر الكندي، اُمّه اُخت المُهَلهَل وكليب. ولد في نجدسنة 500 ميلادي، وعاش في اللهو ونظم الشعر، فطرده أبوه; فسمّي بالأمير
الطريد، فراح يتنقّل بين الأحياء فلقّب بالملك الضّليل.
أجمع النقّاد بأنّه شاعر وجداني وله المنزلة الاُولى بين الشعراء الجاهليّين، حيث قالوا في معلّقته (قِفا نبكِ) التي تتكوّن من ثمانين بيتاً: إنّه وقف واستوقف، وبكى واستبكى، وذكر الحبيب والمنزل في بيت واحد، فهو أوّل شاعر أطال الوقوف على الأطلال وبكى، وإن كان قد سبقه الشاعر ابن جذام; لذلك فإنّه أمير لهو وصيد ومغامرات وبطل متشرّد.
عندما سمع بمقتل أبيه قال: «ضيّعني أبي صغيراً، وحمّلني دمه كبيراً»، فودّع اللهو والترف، فأخذ يستعدّ للمطالبة بالثأر.
لقد تفشّى في جسده داء الجدري وأودى بحياته سنة 540م.
ترجم ديوانه إلى اللاّتينيّة والألمانية.
المختار من شعره:
كان امرؤ القيس ذا نفس عاطفيّة شديدة الانفعال، فشعره يمتاز ببديع المعنى ودقّة النسيب ومقاربة الوصف، فمعلّقته تحتوي على الهمّ والغمّ والبكاء على الحبيب ومنزل الحبيب، وفيه الغزل العفيف والماجن، وفيه وصف الليل، خاصّة ونحن نعلم أنّ ابن البادية يزداد همّه في الليل، فتلاحظ في شعره اللهو والذي يحزّ في قلب الشاعر صفة التشرّد بعد حياة الترف التي أدّت إلى أن يسكب الشاعر عبرات تسيل على أقواله الغزليّة لتطغى حرارة حسراته فيقول:
قِفا نبكِ مِنْ ذكرى حبيب ومنزل ِبِسِقْطِ اللوى بين الدخول فحومل
تَرَى بَعَرَ الأرْآمِ في عَرَصاتِها وقِيْعَانِهَا كأنَّهُ حَبّــــــفُلْفُلِ
كأَنِّي غَدَاةَ البَيْنِ يَوْمَ تَحَمَّلُوا لَدَى سَمُرَاتِ الحَيِّ ناقـِفُ حَنْظَلِ
وقد يجمع امرؤ القيس في غزله وبوقت واحد المناجاة والعتاب والرجاء والذلّة والعزّة والرقّة، كما في قوله:
أفاطم مهلاً بعد هذا التَّدلّل وإن كنـت قد أزمعتِ صرمي فأجملي
أعزّكِ منّي أنّ حبكِ قاتلي وأنّك مهما تأمري القلبَ يفعــــلِ
أمّا شعره في الخيال والطبيعة يقول:
وليل كموج البحر أرخى سدوله عليَّ بأنواع الهموم ليبتلــي
فقلتُ له لما تمطّى بصلبـــه وأردف إعجازاً وناءَ بكلكـلِ
ألا أيّها الليل الطويل ألا انجلـي بصبح وما الإصباح منك بأمثل
فيا لك من ليل كأنّ نجومـــه بأمراسِ كَتَّان إلى صُمِّ جَنـدَلِ
فامرؤ القيس في حياته وبعد مماته يُعدّ من كبار شعراء العرب وزعيم الشعر القديم.
ونلاحظه يصف الحياة بقوله:
مِكَرٍّ مِفرٍّ مُقبل مُدبــر معـــاً كجلمودِ صَخْر خَطَّهُ السَّيلُ من عَلِ
عمرو بن كلثوم :
عمرو بن كلثوم بن مالك، من بني تَغلُب، اُمّه ليلى بنت المهَلهَل الشاعر.
وُلد عمرو بن كلثوم في مطلع القرن السادس للميلاد، وقيل: إنّه عاشمائة وخمسين عاماً، وكان فارساً شجاعاً معجباً بنفسه حيث «إنّه قَتلَ عمرو بن هندملك الحيرة في عام 570م، العام الذي وُلد فيه نبيّنا(صلى الله عليه وآله)» ، وقيل: إنّه مات قبل الإسلام.
عمرو بن كلثوم شاعر مطبوع يقال: إنّ معلّقته كانت تبلغ مائة بيت، وكانت تدور على الحماسة والفخر والهجاء والمدح والغزل وذكر الخمر ومخاطبة الحبيبة ووصفها، حيث إنّه اشتهر بمعلّقته نظراً لحسن لفظها وانسجام عبارتها وغلوّ فخرها.
شرح معلّقته الزوزني والتبريزي، وطبعت سنة 1819م، وقد تُرجمت إلى اللاّتينيّة والألمانية والإنكليزية والفرنسية.
المختار من معلّقته:
مطلع المعلّقة في الخمر والغزل:
ألا هُبّي بصبحكِ فاصبحينا ولا تُبقي خمــور الأندرينا
وله في مخاطبة عمرو بن هند بالوعد والوعيد والفخر:
أبا هند، فلا تعْجَلْ علينـا وأنظـرنا نخبرْكَ اليقيـنا
بأنّا نُورد الراياتِ بيضـاً ونُصْدِرهنّ حُمْراً قد روَينا
وأيام لنا غُرٍّ طــــوال عَصَيْنا المَلْكَ فيها ان نَدينا
وَرِثْنا المجدَ قد علمت مَعَدٌ نُطاعـن دونَه حتّى يَبِيـنا
ومن شعره في الخيال الملحمي، حيث يتّخذ الاُسلوب القصصي والتصوير الحسن حيث يقول:
ملأنا البرّ حتّى ضاق عـنّا وظهر البحر نملأه سفيـنا
لنا الدنيا ومن أضحى عليها ونبطش حين نبطشُ قادرينا
زهير بن أبي سُلمى :
ولد زهير في الحاجر سنة 520م، وعمّر 90 عاماً، وقيل 97 عاماً، قضاها رزيناً حليماً ناصحاً بما فيه الخير والسلام محبّاً للحقّ.
وقد ذهب المؤرّخون بأنّه كان نصرانياً لما رأوا في شعره من النزعة الدينية والإيمان بالبعث والحساب، وأكثر من ذلك الموعظة للكفّ عن الأخطاء والرجوع عن سفك الدماء.
وتوفّي زهير بن أبي سُلمى قبل مبعث رسول الله(صلى الله عليه وآله)، أي قبل عام 610م.
أجمع النقّاد بأنّه لم يمدح أحداً إلاّ بما فيه، وبرعَ بالمديح، حيث امتاز مدحه بالصدق، وكثرت الحكمة في شعره. كما وتتّصف قصائده بالتنقيح والتهذيب، حتّى زعموا أنّه كان ينظم القصيدة في أربعة أشهر، وينقّحها في أربعة أشهر، ثمّ يعرضها على أصحابه في أربعة أشهر. فيتمّ قصيدته في حَوْل (عام كامل)، لذلك عُرفت قصيدته بالحوليّات.
المختار من شعر معلّقته:
فأقسمتُ بالبيت الّذي طافَ رجالٌ بَنَوهُ من قريش وجُرهُمِ
يميناً لَنِعمَ السيّدان وُجدْتُها على كلّ حال من سَحيل ومُبرمِ
لقد نشبت حرب عُرفت بحرب داحس والغبراء دامت طويلاً، فقد حذر الفريقين (بنو أسد وغطفان) من شرِّ الخيانة وإضمار الحرب ووصف نتائجها المشئومة، فيقول:
ألا أبلغ الأحلاف عنّي رسالة ًوذبيان: هل أقسمتم كل مُقسَمِ
فلا تكتمن الله ما في صدوركم ليخفى ومهما تكتم الله يعْـلم
وما الحرب إلاّ ما علمتم وذُقتمُ وما هو عنها بالحديث المرجّمِ
متى تبعثوها تبعثوها ذميمـةً وتَضرّ إذا ضربتموها فتضرمِ
وممّا جاء في الحكمة:
ومن يجعل المعروف من دون عِرضه يَفِرْهُ ومن لا يتّقِ الشتم يُشتم
ومن يجعـل المعروف في غيرِ أهلـهِ يكُن حمـدُهُ ذمّاً عليه ويَندمِ
لسانُ الفتى نصــفٌ ونصـفٌ فؤاده فلم يبقَ إلاّ صورةُ اللحمِ والدمِ
هكذا كان زهير، كان قاضي صلح، يصدر أحكامه شعراً، فهو يصِفُ صديقاً إلى غايته، وهو وصّافاً ماهراً، حيث تأخذ قصيدته بالمقدّمة وبالموضوع والخاتمة.
توفّي ابن أبي سلمى سنة 627 للميلاد.