رفيق الطريق
كان الناس إذا أراد أحدهم أن يذهب إلى السوق , فكان يسري مع ساعات الفجر الأولى , فيصل مع إطلالة الصباح ويكون السوق قد بدأ في ذلك الوقت وكانت الأسواق تقام يومي الاثنين والخميس , وبعضها كان يقام يوم الجمعة .
وذات يوم سرى أحد الأشخاص راكباً بهيمته ومتوجهاً نحو السوق وكان الوقت ليلاً , ومن يذهب وحده يحسّ بوحدة الطريق ووحشته , وببعد المسافة , فتمنى ذلك الرجل أن يجد رفيقاً يقطع معه عناء السفر حتى يصل إلى السوق .
وبعد أن سار بعض الوقت , رأى رجلاً أمامه يركب بهيمةً وقد تقدمه في الطريق , فساق الرجل بهيمته لتسرع به علّه يلحق بذلك الرجل ويتسلّى معه بالحديث فلا يشعر بمشقة السفر وعنائه .
وكان الرجل الأمامي يسير على مهل ، فما هي إلا برهة قصيرة حتى اقترب منه ذلك الرجل وبادره بالتحية قائلاً له : صَبَّحَكَ الله بالخيـر , فرد عليه الرجل قائلاً :
لا صبَّحك الله بالخير , أيها الوغد ، من أين تعرفني ، وماذا تريد مني في هذا الصباح الباكر .
وغضب الرجل ولام نفسه على اللحاق به ، وشتمه ورد له الصاع صاعين ، ولم يسكت الرجل الآخر بل أخذ يكيل له من المسبة والشتائم الشيء الكثير ، وصار الرجل يردّ أحياناً ويسكت أحياناً أخرى , وظلا يتشاجران على هذا الشكل حتى اقتربا من السوق , وعندها التفت الرجل فجأة فلم يرَ أحداً أمامه ، واختفى ذلك الرجل تماماً ولم يعد يظهر له أثر ، فعرف أن ذلك الرجل لم يكن رجلاً بل هو شيطان تلك المنطقة ، الذي يخرج على كثير من الناس في الليالي المظلمة ، وتعجب من نفسه كيف لم يعرفه أو حتى يفطن على باله ، وضحك من ذلك الصباح الذي نَكَّدَه عليه ذلك الشيطان , ولكنه فطن إلى أنه قطع الطريق دون أن يشعر بأي تعب أو عناء ، لأنه كان مشغولاً بمشاجرة ذلك الرجل الغريب الأطوار .