الموضة
إن السعي لملاحقة الموضة قضية اجتماعية خطيرة تواجه المجتمعات الإسلامية، في ظل ظروفها الاقتصادية والاجتماعية المتردية، والنفس البشرية تتوق دائمًا للجمال وتعجب به، فالجمال هبة من الله يهبها لمن يشاء، وقد أخبر النبي ( بأن الجمال من صفات الله -عز وجل- فقال: (إن الله جميل يحب الجمال) [مسلم]. بكل ما تحمل كلمة جمال من معنى.
وقد أمر الله -عز وجل- عباده بالتزين والتجمل في غير إسراف، مع التأكيد على أن لباس التقوى هو الساتر الحقيقي للإنسان، قال تعالى: {يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوءاتكم وريشًا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون} [الأعراف: 26] .
الزينة المباحة:
والمسلم يعمل على الاهتمام بمظهره الخارجي كل حسب طاقته وقدرته، وكل هذا مباح ولا غبار عليه مادام لا يتعدى حدود الشريعة الآمرة بستر العورة للرجال والنساء على السواء، قال تعالى: {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق} [الأعراف: 32].
فالتجمل والاعتدال فيه والانضباط أمر حسن ومحمود، أما الإسراف فيه والتقليد الأعمى لكل ما يبتدع على أيدي أعداء الإسلام فهو المذموم الذي لا يحبه الله
-عز وجل- ولا يرضاه لعباده. ومما يؤسف له أن نرى من المسلمات من يلهثن وراء خطوط الموضة كما يسمونها، ويعدُّون هذا تحضرًا وتقدمًا.
منبع الموضة:
وينبغي بداية أن نعلم أنَّ الموضة من صادرات الغرب الصليبي إلى بلاد المسلمين، فالموضة هي مجموعة أذواق وأهواء ضالة، تصور للناس السُّذَّج على أنها الحضارة بعينها، وأن من لا يفعل ذلك فهو غير متحضر ولا يجأرى العصر.
الدائرة المفرغة:
والعجب كل العجب أن هذه الموضة تتغير بتغير الزمان والمكان والفصول والشهور، والطول والقصر، والسمنة والنحافة، وكبر السن، وصغره، مما يؤدي بمن تتتبعها أن تدور في دائرة مفرغة لا ينتهي بها الدوران حتى تقضي عليها.
وقبل الحديث عن الموضة ينبغي للمسلم أن يضع في حسبانه بعض المبادئ الشرعية، حتى يفهم كيف يتعامل مع الموضة، فقد أمر الله -عز وجل- المؤمنين بعدم اتباع أهواء القوم الضالين، قال تعالى: {ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرًا وضلوا عن سواء السبيل} [المائدة: 77]، وقد لعن رسول الله ( المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء [البخاري].
موضة النساء:
ونحن نرى أن المرأة -خاصة- في مجتمعاتنا الإسلامية قد انجرفت في تيار الموضة، فإذا أمر الغرب بإطالة الثوب سَمِعَتْ لأمره، وإذا أمر بتقصيره أو لبس الثياب اللاصقة بالجسد كانت أول من يسمع ويطيع. فالمتبعة للموضة تبدو وكأنها إنسانة خاوية من داخلها لا تملك إلا أن تسلِّم وتستسلم لأصحاب الأهواء، فإذا أمرها الغرب بارتداء (البنطلون) بدعوى أنه يسهل حركتها ويساعدها على ممارسة الرياضة والذهاب إلى العمل، سمعت وأطاعت بدون وعي ولا تدبر.
وكذلك اختيار الإكسسوارات وألوان الماكياج التي يجب أن تتفق مع لون الفستان. أو البشرة، والدقة في اختيار قَصَّة الشَّعْر وتسريحته، بحيث يتماشى مع أحدث القَصَّات العالمية.. إلى غير ذلك.
موضة الرجال:
وإن كانت الموضة توجه أكثر النساء، فإن أعداء الإسلام لم يتركوا الرجال، فظهر في الشباب تقليد الغربيين وغيرهم من فساق هذه الأمة، فتراهم يقصون شعرهم كما يقصه أحد المغنيين أو أحد الرياضيين، كما يلبسون السلاسل الذهبية في أعناقهم، ويرتدون ملابس معينة، تشبهًا بقوم هم -لما فيهم من فسوق- لا يساوون عند الله جناح بعوضة.
المستفيد الأول:
والمستفيد الأول من الموضة الشركات التي تتاجر في المنتجات الخادمة لهذه الموضات، كالشركات المنتجة لأدوات التجميل، وكذلك وسائل الإعلام المروِّجة لهذه المنتجات التي تجعل همَّ الإنسان الأكبر متابعة الموضة وملاحقة كل ما ينشر عنها في وسائل الإعلام بما يكفي لصرفه عن الغاية الأساسية التي خُلِقَ من أجلها وهي عبادة الله وتعمير الكون بالعمل الصالح، قال تعالى: (وما خلقت الجنَ والإنس إلا ليعبدون) [الذاريات: 56].
الآثار الخطيرة للموضة:
- كَشْفُ المرأة لمفاتنها بين الناس فيه إثارة الغرائز، مما يؤدي إلى الفساد والانحلال الخلقي، وهذا بدوره كفيل بانهيار المجتمع وضياع الروابط والعلاقات الصالحة بين الناس.
- انتشار الكبر والتفاخر بين الناس، حيث إن كل من الرجل والمرأة يتباهى ويتفاخر بثيابه على الآخرين ويهتم بأناقته أمام المجتمع، وقد حرم الإسلام أن يلبس المسلم لباس شهرة.
- انشغال وسائل الإعلام بخدمة هذه الموضة، حيث إنها الوسيلة الأولى لنشر خطوط الموضة وتعريف الناس بها، سواء أكانت وسائل إعلام مرئية أم مسموعة، أم في صورة كتب ومجلات خليعة، فوسائل الإعلام تسعى وراء المكاسب المادية فلا تراعي القيم الخلقية في سبيل مكاسبها. وبدلاً من أن يكون الإعلام أداة وعي يصبح أداة لصرف الناس عن رعاية شئون الأمة الإسلامية والاهتمام بالمصالح الشريعة.
- انتشار العديد من الأمراض وبخاصة الجلدية بين النساء؛ نتيجة استخدام بعض أنواع الكِرِيم والشامبو ووسائل التجميل الأخرى، وانتشار العديد من الأمراض النفسية وخاصة بين النساء، كالحسد والحقد والإحباط حيث إن بعض النساء لا يجدن ما يسايرن به الموضة.
- خروج المرأة للعمل سعيًا وراء المال الذي يحقق لها أهدافها لشراء أحدث الأزياء، بدلا من أن تتحمل مع زوجها نفقات الحياة المتزايدة يومًا بعد يوم، فإنها تنفق ما تحصل عليه من مال لإشباع رغباتها، وفي هذا إثارة لمشاعر الزوج تجاهها، وبداية لتفتت الأسرة، وقد يضطر الزوج مع كثرة إنفاق زوجته أن ينزلق في مهاوٍ خطيرة كالسرقة أو الرشوة أو الاختلاس.
دور الإسلام:
وأمام هذه الآثار الخطيرة المدمرة يقف الإسلام حاميًا ومدافعًا عن المسلمين حتى لا يسقطوا في الهاوية، فالإسلام أَمَرَ بالتزين والتجمل، ولكنه حث على الاعتدال والوسطية، قال تعالى: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} [الأْعراف: 31] ، وقال ( : (كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة) [البخاري وأحمد]، ولقد نهى الإسلام عن التكبر فقال (: (بينما رجل يمشي قد أعجبته جُمَّتُهُ وبُرْداَه إذ خُسِفَ به الأرضُ، فهو يتجلجل في الأرض حتى تقوم الساعة)
[متفق عليه].
وقد صان الإسلام المرأة ووضع لها من الضوابط ما يصونها من العبث والامتهان. ونذكر المرأة المسلمة -خاصة- لوقوعها في أخطار الموضة بحديث رسول الله (: (صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات، مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا) [مسلم].
فأي الطريقين أحق أن يتبع، وأيهما عنوان الحضارة والتقدم؟! وصدق الله -عز وجل- إذ يقول: {وأن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلك وصاكم به لعلكم تتقون} [الأنعام: 152]. إن الإسلام يحرص على الهوية الإسلامية لأتباعه، وأن تكون لهم شخصية استقلالية فلا يجرون وراء كل لاهث، ولا يسمعون لكل ناعق، فمنهجهم يحفظ لهم شخصيتهم وتمييزهم عن بقية الأمم.
التبرج والحجاب
لا يخفى على أحد ما عمت به البلوى في كثير من البلدان الإسلامية، من تبرج كثير من النساء وسفورهن وعدم احتجابهن عن الرجال، وإبداء زينتهن التي حرم الله عليهن إبداءها، ولا شك أن ذلك من المنكرات العظيمة والمعاصي الظاهرة التي تحل بها العقوبات وتنزل النقمات، ويترتب عليها ظهور الفواحش وارتكاب الجرائم وقلة الحياء وعموم الفساد.
إن معصية التبرج لها ثقل كبير في ميزان الآثام، وبها تسقط المرأة في براثن الشيطان؛ لتصبح شيطانة ظاهرة للعيون، تفوق في فسادها وإفسادها ما يفعله الشيطان بأتباعه.
ما هو التبرج؟:
والتبرج هو أن تُظْهِر المرأة للرجال الأجانب ما يوجب الشرع أن تستره من زينتها ومحاسنها؛ كأن تبدي لهم مفاتن جسدها، أو أن تفتنهم بمشيها وتمايلها وتبخترها.
والتبرج معصية ليست فردية، بل هي معصية اجتماعية، تشترك فيها المتبرجة مع ولي أمرها الذي يسمح لها بذلك ولا يمنعها، ويشارك فيها أفراد المجتمع الذين لا يبالون بزجر المتبرجة وردها عن غيها؛ لذلك استحقت المتبرجة اللعن والحرمان من الجنة بل من تنسم ريحها.
حكم التبرج:
والتبرج محرم بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، وما تفعله أكثر نساء هذا الزمان من التبرج والزينة ما هو إلا مجاهرة بالعصيان وتشبه بالكافرات وإثارة للفتنة، قال تعالى: {وقرن في بيوتكم ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى} [الأحزاب: 33]، وقال (: (صنفان من أهل النار لم أرهما.. قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة ، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا
وكذا) [مسلم].
أسباب التبرج:
وللتبرج أسباب كثيرة منها:
1-ضعف الإيمان في النفوس، فتستحسن القبيح، وتستقبح الحسن ويصير المعروف عندها منكرًا، والمنكر معروفًا.
2- التقاعس عن واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
3- قلة العلم، وظهور الجهل، وقلة العلماء العاملين بعلمهم، الذين يحملون القدوة لمجتمعاتهم.
4- سوء التربية والتوجيه والتعليم من جهة الآباء ومن جهة منشآت التعليم،
5- وسائل الإعلام ودورها الخطير في تشجيع التبرج والسفور والاختلاط،
6- تقليد الأوربيين والأمريكيين، واتخاذهم قدوة ومثلاً أعلى في الحضارة والتقدم.
آثار التبرج:
آثار التبرج كثيرة، منها:
شيوع الفواحش، وسيطرة الشهوات، وحلول الرذيلة، وفساد الأسر، وتفشي الطلاق، والإساءة إلى المرأة في عفافها وعرضها، ثم يأتي بعد ذلك الانهيار الأخلاقي الشامل.
الحجاب حرية:
وقد أمر الله تعالى بالحجاب، وهو أن ترتدي المرأة ما يستر جسمها وزينتها عن أنظار الرجال غير المحارم، والمرأة التي تعتقد أن الله تعالى يضيق عليها بفرضه الحجاب، هي امرأة لم تتشبع روحها بالإيمان، ولم يتشرب قلبها حقيقة الإسلام، وإلا لفهمت أن حريتها تكمن في ستر جسدها من عيون الفساق.
والإسلام يهدف إلى إقامة مجتمع عفيف، لا تهيج فيه الغرائز والشهوات، ولا تستثار، حتى لا تنتهي إلى سعار شهواني لا يرتوي. فلا مكان في المجتمع المسلم للنظرة الخائنة والحركة المثيرة والجسم العاري، من أجل ذلك كله فرض الله الحجاب على المرأة حفظًا لها من الأذى، ومنعًا للرجال من الوقوع في الفتنة.
حكمة الحجاب:
والحجاب أو الزي الشرعي واجب على المرأة المسلمة وجوبًا عينيًّا لا يسعها تركه، وقد تعددت النصوص الواردة في ذلك، ومثاله قوله تعالى: {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورًا رحيمًا} [الأحزاب: 59].
وقوله تعالى: {قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن} [النور: 31].
شروط الحجاب:
ويشترط في الزي الشرعي بعض الشروط، منها:
-أن يكون ساترًا لجميع البدن: على رأي بعض الفقهاء، وقد استثنى بعضهم الوجه والكفين، لقوله تعالى: {يدنين عليهن من جلابيبهن} [الأحزاب: 59]، والجلباب: هو الثوب السابغ الذي يستر البدن، ومعني الإدناء : الإرخاء والسدل.
-أن يكون كثيفًا غير رقيق ولا شفاف: لأن الغرض من الحجاب الستر.
-ألا يكون زينة في نفسه أو ذا ألوان جذابة تلفت الأنظار؛ لقوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} [النور: 31]. أي بدون قصد أو تعمد، فإذا كان في ذاته زينة فلا يجوز ارتداؤه ؛ لأن الحجاب هو الذي يمنع ظهور الزينة للأجانب.
-أن يكون واسعًا غير ضيق: لا يصف البدن بضيقه، ولا يجسِّم العورة، ولا يظهر مواضع الفتنة.
-أن لا يكون معطرًا: حتى لا يثير الرجال، ويجذب اهتمامهم، قال ( : (كل عين زانية، والمرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس، فهي كذا وكذا) يعني زانية [الترمذي].
- أن لا يشبه زي الرجال: لحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: لعن رسول الله ( الرجل يلبس لبْسةَ المرأة، والمرأة تلبس لبْسَة الرجل.
[أبو داود].
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله ( قال: (لعن الله المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء) [البخاري]، يعني المتشبهات بالرجال في أزيائهن، كبعض نساء هذا الزمان.
أهمية الحجاب:
الحجاب من أنفع الوسائل وأقواها في منع الفاحشة، وهو الذي يجنب المرأة والرجل مسالك الفتنة والوقوع في المعصية. وتقوم فلسفة الضوابط الشرعية لزي المرأة في الرؤية الإسلامية على تحييد أنوثتها في حركتها الاجتماعية، والتركيز على البُعد الإنساني والإيماني في تعاملها مع الأجانب عنها، وليس بُعد الأنوثة، وذلك في كل ما يرتبط بحركتها خارج بيتها.
النظرة الغربية:
وهذه الضوابط الشرعية قد خالفتها النظرة الغربية للمرأة تمامًا، فأصبحت سلعة تخضع للعرض والطلب، وتعرض للإهانة، بل وشيوع مضايقتها جنسيًّا، وتفشي الاعتداء عليها واغتصابها.
الشرع الحكيم:
ما أحكم الشرع الإسلامي الذي فرض على المرأة الحجاب رمز الطهر والنقاء والعفاف، وصدق الشاعر إذ يقول :
صوني جمالك إن أردتِ كرامـــةً
كي لا يصولَ عليك أدني ضَيْغَم
لا تعرضي عن هَدْي ربك ساعـةً
عَضِّي عليه مدي الحياةِ لتَغْنمــي
ما كان ربك جائرًا في شرعـه
فاستمسكي بِعُراهُ حتى تَسْـلَمِي