عندما كان أستاذنا في دار التوحيد عمر الحكيم يدرسنا الفرائض ويرتفع صوته كلما دخل علينا بعبارة «توفي عن» ويقسم المواريث افتراضاً، كنا نتصور أن أكثر الأمور سلاسة لأهل الميت بعد وفاته هو تقسيم ميراثه، وعندما كان يأتي الناس إلى آل كمال عبدالحي وحسين ومحمد سعيد ليقوموا بعمل شباك الوراثة للمتوفين من أهليهم، كنا نتصور أن هذه مسائل إجرائية منتهية بنص القرآن في آية المواريث في سورة النساء واستقرت بعد ذلك مسائلها على أيدي الصحابة (رضوان الله عليهم) والعلماء على النحو الموجود في متن الرحبية وشروحها، لكن عندما نسمع عن بعض القصص في مجتمعاتنا نجد أن هناك مشكلات اجتماعية من نوع آخر ما أنزل الله بها من سلطان، هي حرمان النساء من الميراث، وكنت أظن أن هذه من ضمن عادات سادت ثم بادت في فترة الجهل وعصور الظلام، لكن ما يتسرب من أخبار وقصص واقعية يكشف أن موضوع المواريث من الناحية الاجتماعية لا الشرعية ليس بالسهولة التي نتصورها، وأروقة المحاكم تكشف عن حالات كثيرة تحرم فيها المرأة من الميراث، وقبل أيام كشف عضو مجلس هيئة حقوق الإنسان المشرف العام على فرع الهيئة بمنطقة الجوف، الدكتور علي الرويشد، لـ»الشرق»، عن رصد حالات حرمان للمرأة من إرثها خلال زيارات ميدانية للهيئة في عدد من القرى، حيث تتنازل عن حقوقها في مناطق ولا تورث أصلاً ولا تملك حق التنازل في مناطق أخرى، والمشكلة أن هذا التمييز يعدّ ضد الحلقة الأضعف في هذه المجتمعات، حيث تجعل الضغوط الاجتماعية والسلطوية في المجتمع الأبوي المرأة كسيرة الجناح وضعيفة الصوت لا تملك أخذ حقها الشرعي حتى لو اعترضت على تلك التقاليد، ولذلك لا يكفي أن تتحرك الهيئة لتوعية ساكني القرى وعقد اتفاقات مع عدد من الجامعات، بل يجب أن تكون المسألة بتوعية وطنية شاملة وواضحة عبر وسائل الإعلام وبشكل مباشر، وتوضع أنظمة وقوانين إجرائية لتنفيذ التشريع القرآني الواضح، بحيث يساند وضع المرأة الضعيف لنيل حقوقها ويقف في وجه التقاليد الاجتماعية الجائرة التي تضع المرأة تحت ضغوطات اجتماعية قاسية تندرج من العيب واللوم إلى النبذ في كونها اعترضت على إخوانها وأعمامها وشكتهم إلى القضاء، ثم لا تستطيع الصمود إن هي فعلت ذلك أمام إجراءات التقاضي الطويلة.