السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
تعريـف الوثيقـة الإلكترونيــة
إن محاولة إيجاد تعريف للوثيقة الإلكترونية يبدو صعبا للوهلة الأولى على الأقل على المستوى التقني و المادي. إلاّ أن المتأمل في تعريفها يستنتج أن الوثيقة الإلكترونية باعتبارها وسيلة إثبات ما هي إلاّ شكل من أشكال الكتابة حيث ننتقل من الحديث عن الكتب الورقي إلى الحديث عن الكتب الإلكتروني (الفقرة الأولى) و بالتالي يصبح تعريف الوثيقة الإلكترونية ما هو إلاّ تعريف لمفهوم الكتابة كل ذلك دون أن يكون لتطور المفهوم الشكلي للكتب تأثير على مفهومه الوظيفي (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : الوثيقــة الإلكترونيــة شكل جديد للكتابة:
( من الكتب الورقي إلى الكتب الإلكتروني.)
إن مفهوم الكتابة يعتبر مفهوما واسعا و شاملا للعديد من المعاني فهو يعني بالدرجة الأولى السند الورقي المادي الذي يشتمل على أحرف يمكن قراءتها.
"L’écrit est le papier sur lequel une chose est consignée avec des lettres "
فالكتب بمفهومه الشكلي القديم لا يمكن تصوره في غياب السند الورقي و الإمضاء اليدوي وهو يعد من أهم وسائل الإثبات و يعتبره الفقهاء وسيلة كاملة في الإثبات و يعتبر من الوسائل المعدة مسبقا من قبل الأطراف وهو ما يفسر هيمنة الكتابة على امتداد السنوات.
وهذه الحجية ليست اعتباطية وإنما تفسر بمصداقيتها حيث أن الأطراف يتفقون على إنشائها وعلى محتواها و يضمنون بها إرادتهم التي أدت بهم إلى التعاقد.
وهو ما أدى إلى اعتبار الحجة الكتابية حجّة كاملة وهو ما أدى بالمشرّع إلى تفسير وتعريف المصطلحات التي بها ارتبط بالكتابة مثل: الكتب و الأصل و النسخ و الإمضاء...
وما يؤكد هيمنة الحجّة المكتوبة هو اعتبار المشرّع الأعمال و الوقائع المثبتة بغير الكتابة حصريّة واستثنائية فالأصل في النظرية العامة للإثبات هو أن تثبت الأعمال والاتفاقات و غيرها من الأسباب القانونية التي من شأنها إحداث التزام أو حق أو تحويل ذلك أو تغييره أو الإبراء منه إذا كان قدر المال أكثر من ألف دينار بالحجة الرسمية أو غير الرسميّة .
إلاّ أنه بتطور التكنولوجيا الرقمّية وباختراع الحاسوب واكتشاف تكنولوجيا الإتصال عبر الهاتف و نشأة الإنترنات تطور مفهوم الكتابة و قلص من استعمال السند الورقي كوسيلة مادية لتجسيد المعلومة و إرسالها و ذلك بتعويضها بسندات جديدة و ملائمة لهذا التطور تتميّز بصبغتها اللامادية و بحذف الطابع المادي للوثيقة و تمكين الأطراف المتخاطبة من تبادل المعلومات عن بعد دون تجسيمها في كتب خطي. و بذلك اجتاحت الإعلامية جميع الميادين سواء على مستوى تعامل المؤسسات فيما بينها أو بين المؤسسات و التجار أو حتى الخواص فيما بينهم و أصبحت بالتالي الوثيقة لا تقتصر على الكتابة الورقية بل أصبح المفهوم يشمل جميع الحوامل التي تحتوي على معلومات ومعطيات: Des nouveaux supports d'échange d'informations et de données و لم تعد الكتابة مقتصرة على تنصيصات موضوعة على سند ورقي و قد كرس المشرّع التونسي التوسيع في مفهوم الكتابة لتستوعب جميع وسائل الإثبات بما في ذلك الوثائق الورقية أو الوثائق الإلكترونية.
و تكريسا لهذا التوسع في مفهوم الكتابة لم يكن تنقيح مجلة الالتزامات و العقود في 13 جوان 2000 إلا تدعيما لنصوص أخرى كان سنها المشرّع التونسي تمهيدا للاعتراف بالوثيقة الإلكترونية واعتبارها وسيلة إثبات معتمدة قانونا و نقصد بذلك الفصل 410 ثالثا من المجلة التجارية الذي نقح بمقتضى القانون عدد 28 لسنة 1996 المؤرخ في 13 أفريل 1996 فأصبح ينص على أنه يمكن للبنك أن "يستدعي الساحب بواسطة برقية أو تلكس أو فاكس أو أية وسيلة أخرى شبيهة تترك أثرا كتابيا إلى توفير الرصيد بحسابه".
وهو ما يؤكد أن المشرع اعتبر التلكس والفاكس " و أية وسيلة أخرى تترك أثرا كتابيا" و سائل و حجج يمكن الاستناد إليها من وسائل الإثبات و هي تخرج عن الإطار العادي للوثيقة الورقية كما اعتبر المشرّع التلغراف من الوسائل التي تعتبر بينة بالكتابة و ذلك بالفصل 441 من مجلة الالتزامات و العقود و لا ننسى أن الفصل 6 من مجلة التحكيم الصادرة بموجب القانون عدد 42 لسنة 1993 المؤرخ في 26 أفريل 1993 نص على أن : "الإتفاقيات تعتبر ثابتة إذا وردت في وثيقة موقعة من الأطراف أو تبادل رسائل أو تلكسات أو برقيات أو غيرها من وسائل الإتصال التي تثبت وجود الإتفاقية..."
فالمشرّع التونسي اعتبر جميع هذه الطرق وسائل إثبات لا يمكن قطعا تصنيفها ضمن الوثائق الورقية العادية خاصة وأن "غيرها من وسائل الإتصال " يمكن أن تكون وثائق مستخرجة من الحاسوب أو وثائق مسجلة على حامل إلكتروني و محفوظة به " .