يعتبر الموثق من بين الأمناء على الأسرار، يقصده الأشخاص لإبرام عقودهم وإستشارته في الكثير من أمور حياتهم، وحتى تكون الإستشارة المقدمة من طرفه دقيقة لابد أن يكون الزبون صادقا فيما يبوح به للموثق، ولن يتأتى ذلك إلا إذا كان الزبون على يقين تام بأن أسراره ستبقى طي الكتمان، ولن تتجاوز عتبة مكتب الموثق[1]
وبالرجوع إلى التشريعات المقارنة، خاصة التشريع الفرنسي ،يلاحظ أن الأمر الصادر في 2 نونبر سنة 1945 الخاص بمهنة التوثيق لم يحل على الفصل 378 ق.ع.ف.ق إلا أنه مما لا شك فيه أن الموثق يعد من الأشخاص الملتزمين بالسر بمقتضى المهنة، لكن المشرع الفرنسي عند تعديله للفصل 378ق ع ف ق ، بالفصل 226.13 من القانون الجنائي الصادر في 22 يوليوز 1992 "إفشاء خبر له طابع السرية من طرف شخص مودع لديه إما بمقتضى صفته أو مهنته أو بسبب وظيفة أو مهمة مؤقتة يعاقب بسنة حبسا و15000 أورو غرامة" يكون قد أدخل ضمنيا الموثق ضمن طائفة الأشخاص الملزمون بكتمان السر المهني .
أما التشريع المغربي، فمن خلال مقتضيات الفصل السادس من ظهير 4 ماي 1925 المنظم لمهنة التوثيق العصري ، يلزم الموثق قبل البدأ في مزاولة مهنة التوثيق أن يؤدي اليمين أمام المحكمة الابتدائية الكائن بدائرتها محل إقامته، ويجب أن تتم هذه اليمين وفق الصيغ المنصوص عليها في الفصل 380 من ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بقانون المسطرة المدنية القديم[2] ويتضح من خلال هذا الفصل أنه يجب على الموثق مراعاة ما تفرضه مهنة التوثيق من واجبات، تشمل أيضا واجب المحافظة على أسرار المتعاقدين[3]، فالموثق يعد ملتزما بالسر المهني صراحة بمقتضى هذه اليمين .
لكن هناك إشكال يطرح حول حماية السر المهني أثناء تفتيش مكاتب الموثقين وبما أن هذا التفتيش سيتم داخل مكتب فيه ملفات الأشخاص وأسرارهم فينبغي أن يتم وفق إجراءات صارمة حفاظا على هذه الأسرار، فهل راعى المشرع هذه الإعتبارات في الإجراءات المنظمة لتفتيش هذه المكاتب؟
هنا نميز بين حالتي التفتيش في إطار البحث التمهيدي المجرى من طرف ضباط الشرطة القضائية ، و التفتيش المجرى في إطار التحقيق الإعدادي ، من طرف قضاة التحقيق.
فبالنسبة للتفتيش المجرى في إطار مسطرة البحث التمهيدي فإنه إنطلاقا من الفقرة الثالثة من المادة 59 ق.م.ج[4] إذا تعين إجراء تفتيش في مكاتب أحد الموثقين، فعلى ضابط الشرطة القضائية الذي يريد القيام بهذه المهمة إخبار النيابة العامة المختصة قبل التفتيش، وعليه اتخاذ كل التدابير الضرورية لضمان احترام الأسرار المهنية وعدم إفشائه لها.
ويلاحظ أن عملية تفتيش هذه المكاتب انيطت بالنيابة العامة وكان ينبغي أن يتم التفتيش في إطار المراقبة التي تتولاها النيابة العامة من طرف ممثل لنيابة العامة وممثل عن وزارة المالية(مديرية الضرائب) ، بحضور المشرف على المهنة أو من ينوب عنه [5] وذلك لما تحتويه هذه المكاتب من ملفات وقضايا تتضمن أسرار الأشخاص والعائلات[6].
أما بالنسبة للتفتيش المجرى في إطار التحقيق الإعدادي ، فإنه إنطلاقا من مقتضيات المادة 85 ق م ج نجد أن القاعدة هي أن قاضي التحقيق هو الذي يقوم بجميع إجراءات التحقيق التي يراها مفيدة للكشف عن الحقيقة ، وانطلاقا من المادة 104 ق م ج فإن قاضي التحقيق أو ضابط الشرطة القضائية المنتدب من طرفه إذا أراد القيام بإجراء تفتيش مكتب الموثق فعليه إخبار النيابة العامة المختصة وأن يتخذ جميع التدابير اللازمة للمحافظة على السر المهني.
فإذا قام قاضي التحقيق بهذا التفتيش ، يكون له وحده الحق في الإطلاع على الوثائق قبل حجزها ، وهنا حاول المشرع تقليص عدد المطلعين على الوثائق لأنه كلما تقلص عدد المطلعين على الوثائق ، إلا وشكل ذلك حماية للسر المهني [7] .
ويرى الأستاذ محمد ربيعي أن الضمانات التي ينبغي أن تحاط بعملية تفتيش مكاتب الموثقين أثناء التحقيق الإعدادي يجب أن تتم من طرف قاضي التحقيق ، وإذا تعذر عليه ذلك فينبغي أن ينتدب قاضيا آخر للقيام بهذه المهمة نظرا لأهمية هذه المرحلة التي يجري فيها التفتيش ، بالإضافة إلى ضرورة حضور المسؤول عن المهنة او من ينوب عنه .
في رأينا فإن السر المهني الذي يلتزم به الموثق ينبغي أن لا يقتصر على الأسرار التي يتلقاها من الزبون ، بل يجب أن يشمل كل ما توصل إليه الموثق من معلومات و أسرار أثناء مزاولته لمهنته ، وهذا الإلتزام بحفظ السر المهني يلتزم به أيضا المتمرنين في مكتبه و الأشخاص المساعدين له ،و نفس الأمر ينطبق على تفتيش مكاتب المحامين، و مكاتب المفوضين القضائيين.
و الموثق ملزم بالتبليغ عن جميع عمليات غسيل الأموال التي تتم عن طريق شراء عقارات بمبالغ تفوق بكثير القيمة الحقيقية لها ، رغم أن المعني بالأمر هو زبون لدى الموثق ، فإذا علم بذلك و لم يقم بالتبيغ اعتبر مشاركا في جريمة غسيل الأموال.
[1] محمد ربيعي، مرجع سابق، ص 95.
[2] الفصل 380 قانون المسطرة المدنية القديم "أحلف وأعاهد بأن أؤدي وظيفتي بإتقان وإخلاص، وأن أراعي في جميع الأحوال ما تفرضه علي من واجبات".
[3] محمد ربيعي، مرجع سابق ،ص 98.
[4] الفقرة الثالثة من المادة 59 ق.م.ج "إذا تعين إجراء تفتيش في أماكن معدة لاستعمال مهني يشغلها شخص يلزمه القانون بكتمان السر المهني فعلى ضابط الشرطة القضائية أن يشعر النيابة العامة المختصة وأن يتخذ مسبقا جميع التدابير لضمان احترام السر المهني"
[5] هناك فقط غرفة تدعى الغرفة الوطنية للتوثيق العصري أنشأها الموثقون في إطار مقتضيات ظهير نونبر 1958 المتعلق بتأسيس الجمعيات وفي إطار المشروع المتعلق بالتوثيق العصري 82.03 الذي تقدمت به وزارة العدل، يلاحظ في القسم الخاص منه الذي على إنشاء المجلس الوطني للموثقين والمجالس الجهوية، أنيطت بها صياغة مبادئ وتقاليد وأعراف مهنة التوثيق، والحرص على أخلاقيات المهنة والحرص على احترام الموثقين لواجباتهم والبت والنظر في الشكايات المقدمة ضد الموثقين وكتابة تقارير بشأنها ترفع إلى الوكيل العام للملك.
[6] محمد ربيعي، مرجع سابق ص 111-112.
[7] محمد ربيعي مرجع سابق ص 113