شروط القيام على أساس مضار الجوار:
يجب توفر شروط الفصل 19 م م م ت: الصفحة/المصلحة/الأهلية.وشرط الاهلية لا يثير إشكالا: مفروغ منه أما. المصلحة فتتمثل في دفع ضرر غير إعتيادي عن طريق المحاكم، وهي مصلحة قانونية لأن الجار المتضرر احتمى بالقضاء للدفاع عن حقه في الصحة والراحة المنصوص عليهما بالفصل 99 و 100 م ا ع.أما في ما يخص الصفة،فلا يجب ربطها بالمالك بإعتبار أن القانون يمنح صفة القيام لكل متضرر مهما كانت علاقته بالعقار سواء كان مالكا أم متسوغا.
والمشرع التونسي حرص على فصل نظرية الجوار عن الملكية ، و لو أراد حماية الملكية من خلال نظرية مضار الجوار لكان نص عليها بم ح ع خصوصا وأنه أفرد للنزاعات بين الأجوار الناتجة عن الملكية عدة فصول كبيان المسافة الواجب احترامها لغرس الأشجار بقرب ارض الجار واحداث فتحات عليه … كما أن المشرع أورد الفصلين 99 و 100 م ا ع في الباب III من المجلة المذكورة تحت عنوان" في الالتزامات الناشئة من الجنح وما ينزل منزلتها" وهي حجة شكلية لمعرفة قصد المشرع، خلافا لبعض التشاريع العربية: اوردت صراحة الفصول المتعلقة بمضار الجوار تحت عنوان "في قيود الواردة على حق الملكية من ذلك نصت المادة 252 من القانون المدني العراقي أنه" على المالك أن يراعي في استعمال ملكه ما تقتضي به القوانين والانظمة تحقيقا للوظيفة الاجتماعية" .فهي تشاريع تؤكد على صفة المالك. والمشرع اعطى للمجاورين عامة حق القيام دون ان يعرفهم أو يحدد من هم متبينا في ذلك أنه "إذا كانت عبارة القانون مطلقة جرت على اطلاقها"، لذلك لا وجود لمانع لقيام المتسوغ أو الحائز للعقار بدعوى لمنع الضرر الناجم عن مضار الجوار غير المألوفة دون اشتراط أن يكون المالك. بل بالعكس فإن شروط قيامهم متوفرة: مصلحة/صفة/أهلية القيام ، و الصفة في القيام مستمدة من كونه صاحب حق في الصحة والراحة من جراء أفعال ضارة يطمح لازالتها أو أخذ الوسائل اللازمة لاستردادها عن طريق القضاء الذي دعم هذا الموقف.
ومحكمة التعقيب في قرار اصدرته قررت أن:" حيث أن الدعوى تهدف إلى المطالبة بتعويض الاضرار اللاحقة بالاشجار المثمرة من جراء تسرب الغازات السامة في مداخن الشركات الصناعية، ولذلك فإن صفة القيام في جانب المعقب ضدهم متوفرة ماداموا قد قدموا بشهادة مسلمة من العمدة تفيد حوزهم وتصرفهم للعقارات."
كما قضت نفس المحكمة أن :"الصفة في القيام مستمدة من حق المتسوغ في الانتفاع بالغابة التي حدثت بها الاضرار." ورفضت بالتالي دفع الشركة المطلوبة التي ادعت أنه ليس للمدعي الصفة في القيام لأنه غير مالك لمحل التداعي . كما أن مكتري محل السكنى الذي تضرر في سكناه من أعمال جاره بتسرب فضلات هذا الأخير إليه فإن من حقه القيام عليه مباشرة في منع الضرر و جبر التعويض . ثم أن منح المالك و غيره صفة القيام له فائدة اذ يؤدي الى توسيع دائرة من لهم حق القيام ، و بالتالي منع أكثر ما يمكن من الأضرار و عدم إجبار المتسوغ أو الحائز على تحملها بسبب أنه غير مالك للعقار. كما أنه حل يؤدي إلى السرعة الاجرائية لأنه إذا مكنا المالك دون سواه من دفع الضرر الغير المألوف سنجبر المتسوغ على القيام ضد المالك، الذي سيقوم بطريقة الادخال مباشرة على المتسبب في الضرر. والضرر الناتج عن الجوار هو من قبيل الشغب المادي وليس بشغب قانوني إذ يعوق الانتفاع بالعقار، لهذا اعفى القانون المالك المسوغ صراحة من المسؤولية عن ذلك الشغب، ومنح الصفة ومصلحة القيام للمتسوغ طبق الفصلين 99 و 753 م ا ع.
ونستخلص أن حق القيام منحه القانون لأي شخص يشغل عقارا .والشرط الوحيد الذي يتوقف عليه دفع الاضرار هو اثبات ضرر شخصي محقق، فالقانون يحمي الجار لكونه متضررا لا بوصفه مالكا، فالضرر بالتالي يمنح الصفة في القيام لا رسم الملكية. ولأن الغاية الاولى مــن الفصليـــن 99 و 100 م ا ع هي حماية الاجوار من الاضرار الغير المالوفة المؤثرة على صحتهم لا حماية ملكهم ، يحق للجار المتضرر القيام مهما كانت صفته: مالك/متسوغ/حائز لعقار .هذا ما استقر عليه حاليا فقه القضاء الفرنسي. وهو حل فيه رفض للمحاولات القديمة لربط مضار الجوار بالملكية التي حاولت عبثا البحث عن أساس قانوني للمسؤولية الناجمة عن مضار الجوار،ونتج عن هذا الموقف منح حق القيام للمالك فقط .وقد انتقدت هذه النظرية من طرف فقه القضاء الفرنسي الذي منح في مرحلة لاحقة حق القيام للمتسوغ أو لصديقه أو حتى للمار.
ونستخلص أنه لا عبرة بالملكية لتحديد حق الجار المتضرر في القيام، فهل للملكية دور في تحديد الجار المسؤول (الذي ترفع ضده الدعوى) ؟ من هنا وجب تحديد الجار المسؤول.
- الجار المسؤول يجب أن يكون ذو أهلية، وظاهريا هو المالك وله وحده هذه الصفة. لكن هذا الاعتبار يعقد الاجراءات لأن المتضرر سيضطر للبحث عن مالك العقار للقيام عليه،فالفصل 99 م ا ع اشترط صفة المالك بالنسبة للجار المسؤول إذ نص انه:" للمجاورين حق القيام على أصحاب الاماكن المضرة". وصاحب المكان مالكه ومسؤوليته ناجمة عن ملكيته للشيء وللمكان مصدر الضرر، حتى ولو لم يكن شاغلا لعقاره، و قياسا على ذلك فإن المسوغ مسؤول عن أفعال متسوغه لأن المتسوغ ليس مالكا للمكرى، ورب العمل مسؤول عن أفعال المقاول لأن المقاول ليس صاحب العمل والفصل 99 م ا ع أعفاهما مبدئيا وصراحة من المسؤولية ووضعها على كاهل المالك. ويكفي المتسوغ او المقاول للتفصي من المسؤولية ان يثير عدم ملكيته للشيء. والجار المتضرر لا يمكنه القيام ضد الجار المتسوغ أو المقاول مباشرة لأنهما غير مالكين للعقار. فهو قبل رفع دعواه عليه البحث عن مالك العقار حتى لا ترفض تلك الدعوى شكلا لعدم صفة المدعى عليه. ثم ان المشرع حمّل المالك مسؤولية دفع المضرة التي تعوق انتفاع المكتري إذا كانت المضرة ناتجة عن أفعال متسوغ اخر لنفس المالك ، ولقد نص الفصل 748 م ا ع صراحة أنه:" على المالك المسوغ ضمان تصرف مكتريه الاخرين" وبالتالي فهو لا يعتبرهم غيرا بالنسبة للمالك.
إذا اعتبر المشرع أن الجار المسؤول هو المالك الذي ليس له أن يتفصى من المسؤولية بمقولة أنه سوغ عقاره وأن الافعال الضارة ناتجة عن المتسوغ. إن مثل هذا الإدعاء مردود عليه لأن المشرع اعتبر أن الادلاء برخصة ادارية لا تعفي من المسؤولية فهو من باب اولى واحرى يرفض أن يكون الادلاء بعقد التسويغ او الايجار على العمل دفعا قانونيا للتفصي من المسؤولية.
وخلاف لوضعية المالك فإن المتسوغ له ان يتفصى من المسؤولية عن مضار الجوار ويكفيه لاثبات ذلك الادلاء بعقد التسويغ. لكن هذا التحليل وان تطابق مع ارادة المشرع، إلا انه حل سلبي اذ يتسبب في تطويل الاجراءات وتكليف الجار المتضرر مشقة البحث عن مالك العقار، ويتعقد الامر لو سوغ المتسوغ العقار بدوره مما سيساعد المدين الحقيقي على المماطلة ان لم يقع التعرف عليه. كذلك هو حل ينم عن نظرة ضيقة لنظرية مضار الجوار ويخلق نوعية محددة آليا من المسؤولين، فيربط تلك النظرية بالملكية بعد ان كان رفضها بالنسبة للجار المتضرر. من ناحية أخرى، مضار الجوار تنتج عن نشاط شخص يمارس داخل حدود معينة تسمى الملكية التي هي وعاء لممارسة النشاطات الحياتية مما يجب معه اعتبار مقصد المشرع من عبارة " أصحاب الاماكن " أصحاب العقارات ونضيف أصحاب حق الانتفاع والاستغلال، وهذا الحل مطابق لمبدأ المسؤولية الشخصية لأن المشرع لم يقرر المسؤولية عن فعل الغير إلا في حالات استثنائية مضبوطة بالنص،ثم لا يمكن اعتبار المالك مسؤولا عن أضرار الجوار الناجمة عن الضجيج أو الدخان المنبعث من المحل المكرى، علما وأنه ليس للمسوغ أية سلطة في تحديد السلوك الشخصي للمتسوغ. بالتالي من الأعدل اعتبار أن صاحب المكان المضر للصحة أو المكدر للراحة يختلف حسب الحق الممارس، فإذا تأتت المضرة عن ممارسة حق الملكية فإن صاحب المكان هو المسؤول لانه عادة على علم بالتغييرات اللاحقة بعقاره.
أما إذا كانت المضرة متأتية عن ممارسة حق الانتفاع بالملك (كالضجيج) فإن صاحب المكان المضر هو صاحب حق الانتفاع، والمسؤول هو الشخص المنتفع.ثم ان حقوق الانتفاع او السكنى او الاستعمال حقوق عقارية كحق الملكية، فالمالك صاحب عيني على العقار وكذلك المنتفع فالمتسوغ للعقار منحه المالك بموجب عقد الكراء حقا عينيا على عقار(انتفاع واستغلال) وكذلك صفة الجار كحالة مادية تنشأ عن التلاصق او القرب، وهي صفة وحدها تكفي لتحمل الجار واجب تجنب الحاق اضرار غير مألوفة بالاجوار وبالتالي تحميله مسؤولية افعاله الشخصية.
لذلك نتجه الى اعتبارالجار المسؤول يحدد بالرجوع إلى صاحب حق الانتفاع او الاستغلال. ولذا وجب منح المتضرر حق القيام مباشرة على المسؤول عن الضرر. وهو نفس الحل الذي اتخذه فقه القضاء الفرنسي بعد ان اعتبر المالك مسؤولا أما في ما يخص مسؤولية المالك عن أفعال أحد متسوغيه للاخر فقد منح فقه القضاء الفرنسي بعد الرفض حق القيام للمتسوغ المتضرر مباشرة ضد المتسوغ المتسبب في الضرر .